المنشورات
أول عربى قتل خنقا
عدى بن زيد ويكنى أبا عمرو، وكان فى ترجمة كسرى، فأرسله الى قيصر فحمد أمره وعظم عنده، وكان يسكن الحيرة، فوردها وهو من أنبل أهلها ولو اراد أن يملكه كسرى لفعل، الا أنه كان مشغوفا بالصيد واللهو، وأراد كسرى أن يستعمل عليها، فاستشاره فأشار بالنعمان بن المنذر، ثم قدم به عليه، وقال له:
ان سألك كسرى فقال: أتكفينى العرب وأخوتك؟ وكانوا مع النعمان اثنا عشر رجلا، فقل: اذا أنا لم أكفكهم فأنا عن غيرهم أعجز، وقال لاخوته: قولوا:
نكفيك العرب إلا النعمان، فلما قالوها: انصرف عنهم كسرى، وأمر عديا ان يملك النعمان فملكه، فغضب عدى بن أوس من مرينا، وكان يريد الملك للأسود بن المنذر، فصنع عدى بن زيد طعاما لعدى بن أوس، ودعاه الى المحالفة الا يبغى واحد منهما لصاحبه غائله، وقام عدى بن زيد فحلف، فقال عدى بن أوس: وعلى مثل ما حلفت لا أزال أبغيك الغوائل حتى أموت، فما زال النعمان مكرما لعدى بن زيد حتى دعاه عدى يوما الى طعام صنعه، فركب اليه النعمان فاعترضه عدى بن أوس فاحتبسه فتغدى عنده، فاحتفظها عدى بن زيد عليه، فدعاه النعمان فأبى ان يأتيه، فأمر فسحب من منزله اليه فأثقله بالحديد وحبسه، وفى ذلك يقول عدى بن زيد: وقد ماتت عنده فى السجن امرأته أمية:
فاذهبى يا أمىّ «1» غير بعيد ... لا يؤاتى العناق من فى الوثاق
فاذهبى يا أمىّ إنّ يشأ الل ... هـ يفرّج من ضيق هذا الخناق
قد نبت فىّ الخطوب التّى قب ... لى فما بعدها إلى اليوم باق
لا تعدّى ريب المنون ذوى الخفض ولا من خيانة برماق «2» وقال أيضا:
الا من مبلغ النّعمان عنّى ... وقد تهدى النّصيحة من مغيب «3»
أحظّى كان سلسلة وغلّا ... وقيدا والبيان لدى اللّبيب «4»
وهم أضحوا لديك كما أرادوا ... وقد يرجى النّوال من المثيب
فما زال يسأله الاقالة ويستعظفه فى مثل قوله:
أبلغ النّعمان عنّى مألكا ... أنّه قد طال حبسى وانتظارى
لو بغير الماء حلقى شرق ... كنت كالغصّان بالماء اعتصارى
نحن كنّا قد علمتم قبلها ... عمد البيت وأوتاد الإصارى «1»
نحسن الهنء «2» اذا استهنائنا ... ودفاعا عنك بالأيدى الكبارى
ولج النعمان فى حبسه، فكلم عمرو أخو عدى كسرى فيه فأمر النعمان بتخليته، فخاف ان يكيده اذا خلاه، فأرسل اليه من خنقه، وأعطى الرسول أربعة آلاف مثقال على ان يخبر الرسول كسرى أنه وجده ميتا، فجزع كسرى لموته، فأراد النعمان أن يسكن منه، فكتب اليه: إنى وجدت لعدى ابنا هو له خلف، فكتب بان يبعثه اليه ففعل، واسمه زيد فلم يزل يبغى الغوائل للنعمان عند كسرى، فقال له يوما: رأيت رغبتك فى النساء، وعند آل المنذر منهن ما تشتهيه، الا أنهم يأنفون من مصاهرتك، فغضب وكتب الى النعمان مع زيد بن عدى وأسوار معه يريده على تزويجه بعض بناته أو أخواته، فقال النعمان أما وجد الملك فى مها السواد «3» وفارس ما يكتفى به؟ فقال زيد للاسوار: أتسمع ما يقول؟ ثم ورد على كسرى فذكر أنه قال: اما للملك فى بقر السواد كفاية؟ وإنما قال النعمان: المها وأراد الحسان حسب ما تقول العرب للمرأة الحسناء مهاة وظبيه، فغضب كسرى وكتب الى النعمان أقبل، وأحس بالشر، فأتى طيئا وغيرها من القبائل يعوذ بها فلم يقبلوه، وقالوا لو أطقنا أن نخلصك منه خلصنا أنفسنا منك، فوضع ماله عند هانىء بن مسعود، وخرج الى المدائن وقال:
أسير الى كسرى وأعلم أنّه ... سيقتلنى والموت لا شكّ نازل
وما جزعى من ان أموت وانّما ... حياتى فى الدّنيا ليال قلائل
وكان فرارى منه عارا وسبّة ... فسرت وقد جاشت علىّ المراجل «1»
عرضت على جلّ القبائل حربه ... فردّت علىّ الحرب تلك القبائل
فقيس سراب لامع وتميمها ... هباء مقيم والأعاصير وائل
فقلت لنفسى ليس للموت مدفع ... فموتى ولم تنسب اليك الرّذائل
فلما دخل المدائن لقى زيد بن عدى، فقال له: أنت فعلت هذا واللات لأسقينك بكأس أبيك! فقال: أنج نعيم، فو الله لقد أثبت لك أخيّة لا ينزعها المهر الأرن، أى النشيط، فأمر به كسرى فألقى تحت أرجل الفيلة فقتلته، «2» فقال سلامة بن جندل:
هو المولج النّعمان بيتا سماؤه ... نحور الفيول بعد بيت مسردق
وكان لآبرويز ألف فيل، واثنتا عشرة ألف امرأة وجارية، وخمسون ألف
فرس وبرذون «1» وبغل، ويذكر من الجواهر والمتاع والآنية ما لم يذكر لاحد من الملوك قبله ولا بعده، وبلغ جنده فى الشرق والغرب ما لم يبلغ جند ملك قط، وكان جبارا عاتبا، فقتله ابنه شيرويه،- واسمه قباذ- ووثب على اخوته فقطع أيديهم وأرجلهم، ووقع الطاعون فيهم حتى أفناهم.
مصادر و المراجع :
١- الأوائل
المؤلف: أبو هلال
الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)
الناشر: دار
البشير، طنطا
الطبعة: الأولى،
1408 هـ
11 يوليو 2024
تعليقات (0)