المنشورات

قلة اليقين في الناس

قال الشَّعبي: لم يَقْسِم اللهُ بين الناس أقلَّ من اليقين. . . وقال ابن الرومي من همزيّته
البارعة التي يعاتب فيها أبا القاسم الشَّطرنجي - ونذكر من أبياتها المختارة ما يصحُّ أن يُذكر هنا، كما يصح أن يذكر في باب القناعة قال:
مَرْحباً بالكَفافِ يأتي هَنيئاً ... وعلى المُتْعِباتِ ذَيلُ العَفاءِ
ضَلّةً لامْرِئٍ يُشَمِّرُ في الجَمْ ... عِ لِعيشٍ مُشمِّرٍ للفَناءِ 

دائِباً يَكْنُزُ القَناطيرَ لِلوا ... رِثِ والعُمْرُ دائبٌ في انقِضاءِ
حَبّذا كَثْرَةُ القناطيرِ لو كا ... نَتْ لِرَبِّ الكُنوزِ كَنْزَ بَقاءِ
إلى أن قال:
حَسْبُ ذِي إرْبةٍ ورأيٍ جَليٍّ ... نَظرَتْ عيْنُهُ بلا غُلَواءِ
صِحَّةُ الدّينِ والجَوارِحِ والعِرْ ... ضِ وإحْرازُ مُسْكةِ الحَوباءِ
تِلْكَ خيرٌ لعارفِ الخيرِ مِمَّا ... يجْمَعُ الناسُ مِنْ فُضولِ الثَّراءِ
ولَها من ذَوي الأصالةِ عُشّا ... قٌ وليْسُوا بِتابِعي الأهْواءِ
ليسَ للمُكْثِرِ المُنَغَّصِ عَيْشٌ ... إنّما عَيْشُ عائِشٍ بالهَناءِ
إلى أن قال:
ظُلِمَتْ حاجَتي فلاذَتْ بِحَقْوَيْ ... كَ فأسْلَمْتَها لكَفِّ القَضاءِ
وقضاءُ الإلهِ أحْوَطُ للنّا ... سِ من الأمَّهاتِ والآباءِ
غيرَ أنَّ اليقينَ أضْحَى مَريضاً ... مَرَضاً باطِناً شديدَ الخَفاءِ
ما وَجَدْتُ امْرَءاً يُرَى أنَّه يُو ... قِنُ إلا وفيهِ شَوْبُ امْتراءِ
لو يَصحُّ اليقينُ ما رَغِبَ الرَّا ... غِبُ إلا إلى مَليكِ السَّماءِ
وعسيرٌ بُلوغُ هاتِيكَ جدّاً ... تلكَ عُلْيا مراتِبِ الأنبِياءِ 

وقال حكيم: من الدّلالة على قلة اليقين، أنك تخيَّر يوماً عن خير الدنيا بالنَّسيئة: طمعاً في الربح، طفيفَ رِبْحٍ مع ما فيه من الخطر، وتأبى أن تقرضَ اللهَ درهماً بثمانمائة، مع زَعْمك وقولك إنَّ مستقرضَه مليءٌ وفي هكذا وردت هذه الكلمةُ في محاضراتِ الأدباء، ويظهر أنّها إمّا محرّفة وإما أنّها مُعاظلة وهي على الرغم من ذلك تكاد تكون مفهومةً، فالظّاهر أنّ قائلَها يريد أن يقول: إنَّ ممَّا يدلُّ على قلّة اليقين أنّك لو خُيّرت بين ربحٍ كثيرٍ آجلٍ نسيئةً عند الله، بأنْ تقرضَه مثلاً درهماً بثمانمائة، وبينَ ربحٍ طفيفٍ عاجلٍ في الدُّنيا وقد حُفّ بالخطر،
لاخترت الثاني على الأول، مع زعمك بأن من تقرضُه - وهو اللهُ عزّ وجلّ - مضطلع بمُضاعفةِ القرضِ وتوفيتِك حقَّك وإعطائك إيّاه وافياً. . .
 









مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید