المنشورات
طلحة بن عبيد الله
وهذا طلحةُ بن عبيد الله هو الصحابي الجليل أحدُ العشرة المبشَّرين بالجنة وأحدُ الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحدُ الخمسةِ الذين أسلموا على يد أبي بكر، وأحد السِّتةِ أصحاب الشورى، وأحدُ أغنياء الصحابة، وأحدُ أجواد قريش، بل كان نبيَّ الجود، إن كان للجود نَبيٌّ. . . وقد كان يقال له: طلحةُ الفيّاض، وطلحة الجود، وطلحة الخير، ويقال إنه فرق في يوم سبعمائة ألف، باع أرضاً له من عثمان بن عفان بسبعمائة فحملها إليه، فبات ورُسُلُه تختلف بها في سكك المدينة حتى أسْحرَ وما عنده منها دِرهم! ويُروى أنّه وصل أعرابيّاً من أقاربه بثمانمائة ألف درهم؛ وكان لا يدعُ أحداً من بني تَيْمٍ عائِلاً إلا كفاه مؤنته ومؤنة عياله وزوَّج أياماهُمْ وأخْدمَ عائِلَهم وقضى دينَ غارمهم! وكان يرسل إلى السيدة عائشة إذا جاءت غَلّته كلَّ سنةٍ بعشرة آلاف. . . إلى آخرِ أنباء جوده وكرمه؛ ولما انقضى يومُ الجَملِ خَرج عليُّ بن أبي طالب في ليلة ذلك اليوم ومعه قَنْبَر، وفي يده مَشعَلةٌ من نار يَتَصفَّح القتلى،
حتى وقف على طلحة فقال: أعْزِزْ عليَّ أبا محمد أن أراك مُعَفَّراً تحت نجوم السماء وفي بطون الأودية: شَفَيتُ نفسي وقَتلتُ معشري! إلى الله أشكو عُجَري وبُجَري ثم تمثّل
فتىً كانَ يُدنيه الغِنى من صَديقِه ... إذا ما هُوَ اسْتغنَى ويُبعِدُه الفَقْرُ
فتىً لا يَعدُّ المال رَبّاً ولا تُرى ... به جَفوةٌ إن نالَ مالاً ولا كِبْرُ
فتىً كان يُعطي السيفَ في الرّوعِ حقَّه ... إذا ثوَّبَ الدّاعي وتشقى بهِ الجُزْرُ
وهَوَّنَ وَجْدي أنَّني سَوفَ أغْتدِي ... على إثْرهِ يوماً وإن نَفَّس العُمْرُ
قوله فتى كان يدينه الغنى من صديقه. . . ألبيت: هو معنى جميل مطروق وفيه يقول إبراهيم بن العباس الصُّوليّ في محمد بن عبد الملك الزيّات:
أسدٌ ضارٍ إذا مانَعْتَهُ ... وأبٌ بَرٌّ إذا ما قَدَرا
يَعْرف الأبْعدَ إن أثْرى ولا ... يَعْرِف الأدْنى إذا ما افْتقَرا
ويقول الأديب أبو بكر الخوارزمي:
رأيْتُكَ إنْ أيْسَرْتَ خَيَّمْتَ عِندنا ... لِزاماً وإنْ أعْسَرْتَ زُرْتَ لِماماً
فَما أنْتَ إلا البدْرُ إن قَلَّ ضوؤُهُ ... أغبَّ وإنْ زاد الضِّياءُ أقاما
وقد تقدمت أبيات لعبد الله بن الزُّبير الأسدي في هذا المعنى؛ وما أبْرعَ أبياتاً لابن المعتزّ يقول فيها:
إذا ما أرادَ الحاسِدونَ انْهِدامَه ... بَناهُ إلهٌ غالِبُ العِزِّ قاهِرُهْ
وماذا يُريدُ الحاسِدونَ مِنِ امْرِئٍ ... تَزينُهُمُ أخْلاقُه ومآثِرُهْ
إذا ما هُوَ اسْتَغْنى اهْتدى لافْتِقارِهمْ ... ولا تَهْتدي يَوْماً إليهمْ مَفاقِرُهْ
وكانوا كَرامٍ كَوْكَباً بِبُصاقِه ... فَرُدَّ عليهمْ وبْلُه ومَواطِرُهْ
مصادر و المراجع :
١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع
المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر
عدد الأجزاء: 2
9 نوفمبر 2024
تعليقات (0)