المنشورات

أبيات حكيمة

وإليك أبياتاً حكيمةً لشاعرٍ جاهِليٍّ قديمٍ يُسمَّى: الأضبط بن قُريع بن عوف بن كعب بن سعد، رهط الزِّبْرِقانِ بن بدر، وهو الذي أساء قومُه مُجاورَته، فانتقل عنهم إلى آخرين
ففعلوا مثل ذلك، فقال: أينما أُوَجّه ألْقَ سعدا وقال: بكلِّ وادٍ بنو سعد وإليك هذه الأبياتَ:
لكلِّ ضيقٍ مِنَ الهُمومِ سَعَهْ ... والمُسْيُ والصُّبْحُ لا فلاحَ مَعَهْ
ما بالُ مَنْ غَيُّهُ مُصيبُكَ لوْ ... يَملِكُ شيئاً من أمْرِه وَزَعَهْ
أذودُ عنْ حَوْضِه ويَدْفَعُني ... يا قومُ مَنْ عاذِرِي مِنَ الخُدَعَهْ
حَتَّى إذا ما انْجَلَتْ عَمايَتُهُ ... أقْبَلَ يَلْحى وغَيُّهُ فَجَعَهْ
قدْ يَرْقَعُ الثَّوبَ غَيرُ لابِسهِ ... ويَلْبَسُ الثَّوبَ غَيرُ مَنْ رَقَعَهْ
فاقْبَلْ مِنَ الدَّهْرِ ما أتاكَ بهِ ... مَنَّ قرَّ عَيْناً بِعَيْشِه نَفَعَهْ
وصِلْ حِبالَ البَعيدِ إنْ وَصَلَ الْ ... حَبْلَ وأقْصِ القَريبَ إنْ قَطَعَهْ
ولا تُهينَ الفَقيرَ عَلَّكَ أنْ ... تَرْكَعَ يَوْماً والدَّهْرُ قدْ رَفَعَهْ
المُسْيُ: اسْمٌ من الإمساء، والصبح: اسمٌ من الإصباح، والفلاح هنا: البقاء والعيش
قال عبيد بن الأبرص:
أفْلِحْ بِما شِئْتَ فَقَدْ يُدْ ... رَكُ بِالضَّعْفِ وقدْ يُخْدَعُ الأريبُ
يقول لا بقاء مع كرّ الليل والنهار. والفلاح أيضاً: الفوز ومنه قوله في الأذان: حيَّ على الفلاح، والغَيُّ: الخيبة والحرمان قال المرقّش الأكبر:
فَمَنْ يَلْقَ خَيراً يَحْمَدِ الناسُ أمرَه ... ومَنْ يَغْوَ لا يَعْدَمْ عَلى الغَيِّ لائِماً
وجملة: لو يملك؛ حاليَّة، ووَزَعَه: منعه وكفّه، يقول: ما بال من تتألم لخيبته وسوء حاله فإذا وجد شيئاً من الخير كفه عنك، ويُروى هذا البيت على وجه آخر، وقوله أذود عن حوضه: هو مثل للحماية ودفع المكروه عنه، والخُدَعة: قوم من بني سعد بن زيد مناة بن تميم. . . . . . 

والعَماية: الشدة التي تلتبس منها الأمور، يقال: عَمِيَ عليه الأمر: إذا التبس، وأقبل: شرع، ويلحى: يلوم، وغَيّه: ضلاله، وفجعه: أصابه بمكروه
وصل حبال البعيد. . . البيت يعني: تقرب إلى البعيد النسب إذا طلب قربك واهجر القريب النسب إذا هجرك، أخذه الأعشى فقال:
ولا تُدْنِ وصْلاً مِنْ أخٍ مُتباعِدٍ ... ولا تَنأَ عن ذي بِغضةٍ إن تَقرّبا
فإنَّ القريبَ مَنْ يُقرِّبُ نفْسَه ... لَعَمْرُ أبيكَ الخيرِ لا مَنْ تَنَسَّبا
وقوله ولا تهينَ الفقير الخ فالإهانة: الإيقاع في الهون (بضم الهاء) والهوان وهما بمعنى
الذل والحقارة، وعَلّ: لغة في لعل وهي هنا بمعنى عسى، والركوع أراد به الانحطاط في المرتبة والسقوط في المنزلة، ومثل هذا البيت في المعنى قول القائل:
عَسى سائِلٌ ذو حاجةٍ إنْ مَنَعْتَه ... في اليومِ سُؤْلاً أنْ يكونَ لهُ غَدُ
وهذا البيت يستشهد به النحاة على أن نون التوكيد الخفيفة تحذف لالتقاء الساكنين والأصل تُهيننْ بالنون الخفيفة، ويروى: ولا تعاد ويروى لا تحقرن الفقير فلا شاهد فيه؛ وفي معنى هذا البيت أيضا يقول عبّاد بن عباد بن حبيب بن المهلّب:
إذا خَلَّةٌ نابَتْ صَديقَك فاغْتَنِمْ ... مَرَمَّتَها فالدَّهْرُ بالناسِ قُلَّبُ
وبادِرْ بِمَعروفٍ إذا كنتَ قادِراً ... زَوالَ اقْتدارٍ أو غِنىً عنكَ يُعْقِبُ
الخلة: الحاجة والفقر وفي المثل الخَلَّة تدعو إلى السَّلَّةِ السَّلَّة: السرقة ومرمَّتها: إصلاحُ ما فسدَ منها، وقلّب: كثير التقلب من حال إلى حال، وزوال: مفعول لبادر، وعنك: متعلق بزوال، ويعقب: صفة له، يقول: يأتي الزوال عقب الاقتدار والغنى ويقول تميم بن مقبل: 

فأخْلِفْ وأتْلِفْ إنَّما المالُ عارةٌ ... فَكُلْه مَعَ الدَّهرِ الذي هو آكِلُهْ
فأهْونُ مَفْقودٍ وأيْسرُ هالِكٍ ... عَلى الحَيِّ مَنْ لمْ يَبْلغِ الحَيَّ نائِلُهْ
فأخلف: يريد استفد خلف ما أتلفت، وقد أخلف فلان لنفسه: إذا ذهب له شيء فجعل مكانه آخر، وعارة: معار، والعارة والعارية: ما يُتداول بين الناس ويقول جرير:
وإنّي لأسْتَحْيي أخي أن أرَى له ... عليَّ مِنَ الحَقِّ الذي لا يَرى لِيا
يقول جرير: إني لأستحيي أخي أن يكون له عليَّ فضلٌ ولا يكونَ لي عليه فضل ومني إليه مكافأة، فأستحيي أن أرى له عليَّ حقاً لما فعل إليّ ولا أفعل إليه ما يكون لي به عليه حقٌّ، قال المبرد: وهذا من مذاهب الكرام ومما تأخذ به أنْفُسَها
 











مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید