المنشورات
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا
وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ) : فُتِحَتْ (أَنَّ) هَاهُنَا ; لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِأَنَّ لَهُمْ، وَمَوْضِعُ أَنَّ وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ نَصْبٌ بِبَشِّرْ ; لِأَنَّ حَرْفَ الْجَرِّ إِذَا حُذِفَ وَصَلَ الْفِعْلُ بِنَفْسِهِ. هَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ.
وَأَجَازَ الْخَلِيلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بِالْبَاءِ الْمَحْذُوفَةِ ; لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ تُزَادُ فِيهِ فَكَأَنَّهَا مَلْفُوظٌ بِهَا، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ مَعَ غَيْرِ أَنَّ، لَوْ قُلْتَ بَشِّرْهُ بِأَنَّهُ مُخَلَّدٌ فِي الْجَنَّةِ جَازَ حَذْفُ الْبَاءِ ; لِطُولِ الْكَلَامِ، وَلَوْ قُلْتَ بَشِّرْهُ الْخُلُودَ لَمْ يَجُزْ ; وَهَذَا أَصْلٌ يَتَكَرَّرُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرًا ; فَتَأَمَّلْهُ وَاطْلُبْهُ هَاهُنَا. (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) : الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ صِفَةٌ لِلْجَنَّاتِ، وَالْأَنْهَارُ مَرْفُوعَةٌ بِـ (تَجْرِي) لَا بِالِابْتِدَاءِ، وَمِنْ تَحْتِهَا الْخَبَرُ، وَلَا بِتَحْتِهَا ; لِأَنَّ تَجْرِي لَا ضَمِيرَ فِيهِ ; إِذْ كَانَتِ الْجَنَّاتُ لَا تَجْرِي، وَإِنَّمَا تَجْرِي أَنْهَارُهَا، وَالتَّقْدِيرُ مِنْ تَحْتِ شَجَرِهَا، لَا مِنْ تَحْتِ أَرْضِهَا، فَحُذِفَ الْمُضَافُ.
وَلَوْ قِيلَ: إِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الشَّجَرُ، فَلَا يَكُونُ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ لَكَانَ وَجْهًا.
(كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا. . .) : إِلَى قَوْلِهِ (مِنْ قَبْلُ) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا، تَقْدِيرُهُ: مَرْزُوقِينَ عَلَى الدَّوَامِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْجَنَّاتِ ; لِأَنَّهَا قَدْ وُصِفَتْ وَفِي الْجُمْلَةِ ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: مِنْهَا (رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ) : أَيْ رُزِقْنَا، فَحُذِفَ الْعَائِدُ. وَبُنِيَتْ قَبْلُ لِقَطْعِهَا عَنِ الْإِضَافَةِ ; لِأَنَّ التَّقْدِيرَ مِنْ قَبْلِ هَذَا.
(وَأُتُوا بِهِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا، وَقَدْ مَعَهُ مُرَادَةٌ تَقْدِيرُهُ قَالُوا ذَلِكَ وَقَدْ أَتَوْا بِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا. وَ (مُتَشَابِهًا) : حَالٌ مِنَ الْهَاءِ فِي بِهِ. (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ) : أَزْوَاجٌ مُبْتَدَأٌ، وَلَهُمُ الْخَبَرُ وَفِيهَا ظَرْفٌ لِلِاسْتِقْرَارِ، وَلَا يَكُونُ فِيهَا الْخَبَرُ ; لِأَنَّ الْفَائِدَةَ تَقِلُّ إِذِ الْفَائِدَةُ فِي جَعْلِ الْأَزْوَاجِ لَهُمْ، وَ (فِيهَا الثَّانِيَةُ تَتَعَلَّقُ بِـ «خَالِدُونَ» . وَهَاتَانِ الْجُمْلَتَانِ مُسْتَأْنَفَتَانِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ حَالًا مِنَ الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي لَهُمْ، وَالْعَامِلُ فِيهَا مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
10 ديسمبر 2023
تعليقات (0)