المنشورات
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا
يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا يَسْتَحْيِي) : وَزْنُهُ يَسْتَفْعِلُ، وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ مِنْهُ فِعْلٌ بِغَيْرِ السِّينِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الِاسْتِدْعَاءُ، وَعَيْنُهُ وَلَامُهُ يَاءَانِ، وَأَصْلُهُ الْحَيَاءُ، وَهَمْزَةُ الْحَيَاءِ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ.
وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ يَسْتَحِي، بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ، وَالْمَحْذُوفَةُ هِيَ اللَّامُ كَمَا تُحْذَفُ فِي الْجَزْمِ، وَوَزْنُهُ عَلَى هَذَا يَسْتَفِعْ، إِلَّا أَنَّ الْيَاءَ نُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إِلَى الْعَيْنِ، وَسَكَنَتْ، وَقِيلَ الْمَحْذُوفُ هِيَ الْعَيْنُ، وَهُوَ بَعِيدٌ. (أَنْ يَضْرِبَ) : أَيْ مِنْ أَنْ يَضْرِبَ ; فَمَوْضِعُهُ نَصْبٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وَجَرٌّ عِنْدَ الْخَلِيلِ.
(مَا) : حَرْفٌ زَائِدٌ لِلتَّوْكِيدِ. وَ «بَعُوضَةٌ» بَدَلٌ مِنْ مَثَلًا.
وَقِيلَ: (مَا) : نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، وَبَعُوضَةٌ بَدَلٌ مِنْ مَا.
وَيُقْرَأُ شَاذًّا بَعُوضَةٌ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنْ تُجْعَلَ مَا بِمَعْنَى الَّذِي وَيُحْذَفَ الْمُبْتَدَأُ ; أَيِ الَّذِي هُوَ بَعُوضَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا حَرْفًا وَيُضْمَرُ الْمُبْتَدَأُ تَقْدِيرُهُ مَثَلًا هُوَ بَعُوضَةٌ. (فَمَا فَوْقَهَا) : الْفَاءُ لِلْعَطْفِ، وَمَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ أَوْ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي، وَالْعَامِلُ فِي فَوْقَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الِاسْتِقْرَارُ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ بَعُوضَةٌ.
(أَمَّا) : حَرْفٌ نَابَ عَنْ حَرْفِ الشَّرْطِ وَفِعْلِ الشَّرْطِ، وَيُذْكَرُ لِتَفْصِيلِ مَا أُجْمِلَ وَيَقَعُ الِاسْمُ بَعْدَهُ مُبْتَدَأً، وَتَلْزَمُ الْفَاءُ خَبَرَهُ، وَالْأَصْلُ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَالَّذِينَ آمَنُوا يَعْلَمُونَ، لَكِنْ لَمَّا نَابَتْ أَمَّا عَنْ حَرْفِ الشَّرْطِ كَرِهُوا أَنْ يُولُوهَا الْفَاءَ، فَأَخَّرُوهَا إِلَى الْخَبَرِ، وَصَارَ ذِكْرُ الْمُبْتَدَأِ بَعْدَهَا عِوَضًا مِنَ اللَّفْظِ بِفِعْلِ الشَّرْطِ. (مِنْ رَبِّهِمْ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ. وَالتَّقْدِيرُ: أَنَّهُ ثَابِتٌ أَوْ مُسْتَقِرٌّ مِنْ رَبِّهِمْ، وَالْعَامِلُ مَعْنَى الْحَقِّ ; وَصَاحِبُ الْحَالِ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ
فِيهِ. (مَاذَا) : فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ «مَا» اسْمٌ لِلِاسْتِفْهَامِ، مَوْضِعُهَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَذَا بِمَعْنَى الَّذِي وَ: أَرَادَ صِلَةٌ لَهُ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، وَالَّذِي وَصِلَتُهُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَا، وَذَا اسْمٌ وَاحِدٌ لِلِاسْتِفْهَامِ، وَمَوْضِعُهُ نَصْبٌ بِـ (أَرَادَ) ، وَلَا ضَمِيرَ فِي الْفِعْلِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَيُّ شَيْءٍ أَرَادَ اللَّهُ. (مَثَلًا) : تَمْيِيزٌ ; أَيْ مِنْ مَثَلٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ هَذَا ; أَيْ مُتَمَثِّلًا، أَوْ مُتَمَثَّلًا بِهِ ; فَيَكُونُ حَالًا مِنَ اسْمِ اللَّهِ. (يُضِلُّ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ صِفَةٌ لِلْمَثَلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ اسْمِ اللَّهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا. (إِلَّا الْفَاسِقِينَ) : مَفْعُولُ يُضِلُّ، وَلَيْسَ بِمَنْصُوبٍ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ ; لِأَنَّ يُضِلُّ لَمْ يَسْتَوْفِ مَفْعُولَهُ قَبْلَ إِلَّا.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
10 ديسمبر 2023
تعليقات (0)