المنشورات
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ) : الْأَصْلُ فِي كُلْ أُأْكُلْ ; فَالْهَمْزَةُ الْأُولَى هَمْزَةُ وَصْلٍ، وَالثَّانِيَةُ فَاءُ الْكَلِمَةِ، إِلَّا أَنَّهُمْ حَذَفُوا الْفَاءَ فَاسْتَغْنَوْا عَنْ هَمْزَةِ الْوَصْلِ لِتَحَرُّكِ مَا بَعْدَهَا، وَالْحَذْفُ هُنَا لَيْسَ بِقِيَاسٍ، وَلَمْ يَأْتِ إِلَّا فِي كُلْ وَخُذْ وَمُرْ.
(حَلَالًا) : مَفْعُولُ كُلُوا فَتَكُونُ مِنْ مُتَعَلِّقَةً بِـ (كُلُوا) ، وَهِيَ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ مُتَعَلِّقَةً بِمَحْذُوفٍ، وَيَكُونُ حَالًا مِنْ (حَلَالًا) ; وَالتَّقْدِيرُ: كُلُوا حَلَالًا مِمَّا فِي الْأَرْضِ فَلَمَّا قُدِّمَتِ الصِّفَةُ صَارَتْ حَالًا. فَأَمَّا (طَيِّبًا) فَهِيَ صِفَةٌ لِحَلَالٍ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَيَكُونُ صِفَةً لِحَلَالٍ. وَلَكِنَّ مَوْضِعَهَا بَعْدَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ لِئَلَّا يُفْصَلَ بِالصِّفَةِ بَيْنَ الْحَالِ وَذِي الْحَالِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «مِمَّا» حَالًا مَوْضِعُهَا بَعْدَ طَيِّبٍ ; لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ صِفَاتٌ، وَأَنَّهَا قُدِّمَتْ عَلَى النَّكِرَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ طَيِّبًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ كُلُوا الْحَلَالَ مِمَّا فِي الْأَرْضِ أَكْلًا طَيِّبًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِتَ حَلَالًا عَلَى الْحَالِ مِنْ مَا، وَهِيَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَطَيِّبًا صِفَةُ الْحَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ أَكْلًا حَلَالًا فَعَلَى هَذَا مَفْعُولُ كُلُوا مَحْذُوفٌ ; أَيْ كُلُوا شَيْئًا أَوْ رِزْقًا وَيَكُونُ «مِنْ» صِفَةً لِلْمَحْذُوفِ. وَيَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ أَنْ تَكُونَ مِنْ زَائِدَةً.
(خُطُوَاتِ) : يُقْرَأُ بِضَمِّ الطَّاءِ عَلَى إِتْبَاعِ الضَّمِّ الضَّمَّ، وَبِإِسْكَانِهَا لِلتَّخْفِيفِ. وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ فَتْحُهَا. وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ بِهَمْزِ الْوَاوِ لِمُجَاوَرَتِهَا الضَّمَّةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَيُقْرَأُ شَاذًّا بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالطَّاءِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ خَطْوَةً وَالْخَطَوَةُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ خَطَوَاتٍ، وَبِالضَّمِّ مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ، وَقِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
(إِنَّهُ لَكُمْ) : إِنَّمَا كَسَرَ الْهَمْزَةَ ; لِأَنَّهُ أَرَادَ الْإِعْلَامَ بِحَالِهِ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْفَتْحِ ; لِأَنَّهُ إِذَا فَتَحَ الْهَمْزَةَ صَارَ التَّقْدِيرُ: لَا تَتْبَعُوهُ لِأَنَّهُ لَكُمْ، وَاتِّبَاعُهُ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدُوًّا لَنَا.
وَمِثْلُهُ: لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ لَكَ ; كَسْرُ الْهَمْزَةِ أَجْوَدُ لِدَلَالَةِ الْكَسْرِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ الْحَمْدَ فِي كُلِّ حَالِ، وَكَذَلِكَ التَّنْبِيهُ.
وَالشَّيْطَانُ هُنَا جِنْسٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ وَاحِدًا.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
11 ديسمبر 2023
تعليقات (0)