المنشورات
(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ
وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَيْسَ الْبِرَّ) : يُقْرَأُ بِرَفْعِ الرَّاءِ فَيَكُونُ: أَنْ تُوَلُّوا خَبَرَ لَيْسَ، وَقَوِيَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ تَقْدِيمُ الْفَاعِلِ عَلَى الْمَفْعُولِ.
وَيُقْرَأُ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ لَيْسَ، وَأَنْ تُوَلُّوا اسْمَهَا، وَقَوِيَ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ قَرَأَ بِهِ ; لِأَنَّ (أَنْ تُوَلُّوا) أَعْرَفُ مِنَ الْبِرِّ، إِذْ كَانَ كَالْمُضْمَرِ فِي أَنَّهُ لَا يُوصَفُ، وَالْبِرُّ يُوصَفُ، وَمِنْ هُنَا قَوِيَتِ الْقِرَاءَةُ بِالنَّصْبِ فِي قَوْلِهِ: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ) .
(قِبَلَ الْمَشْرِقِ) : ظَرْفٌ. وَلَكِنَّ الْبِرَّ يُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَنَصْبِ الْبِرِّ، وَبِتَخْفِيفِ النُّونِ وَرَفْعِ الْبِرِّ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَفِي التَّقْدِيرِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبِرَّ هُنَا اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ بَرَّ يَبِرُّ، وَأَصْلُهُ بَرِرَ مِثْلُ فَطِنَ، فَنُقِلَتْ كَسْرَةُ الرَّاءِ إِلَى الْبَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا وُصِفَ بِهِ، مِثْلُ عَدْلٍ، فَصَارَ كَالْجُثَّةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَلَكِنَّ ذَا الْبِرِّ مَنْ آمَنَ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ بِرُّ مَنْ آمَنَ لِحَذْفِ الْمُضَافِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْبِرَّ مَصْدَرٌ وَمَنْ آمَنَ جُثَّةٌ فَالْخَبَرُ غَيْرُ الْمُبْتَدَأِ فِي الْمَعْنَى فَيُقَدَّرُ مَا يَصِيرُ بِهِ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ.
(وَالْكِتَابِ) : هُنَا مُفْرَدُ اللَّفْظِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا ; وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اكْتَفَى بِالْوَاحِدِ عَنِ الْجَمْعِ وَهُوَ يُرِيدُهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقُرْآنُ ; لِأَنَّ مَنْ آمَنَ بِهِ فَقَدْ آمَنَ بِكُلِّ الْكُتُبِ ; لِأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهَا بِالصِّدْقِ. (عَلَى حُبِّهِ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ ; أَيْ آتَى الْمَالَ مُحِبًّا، وَالْحُبُّ مَصْدَرُ حَبَبْتُ، وَهِيَ لُغَةٌ فِي أَحْبَبْتُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرُ أَحْبَبْتُ عَلَى حَذْفِ الزِّيَادَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِلْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الْإِحْبَابُ. وَالْهَاءُ ضَمِيرُ الْمَالِ. أَوْ ضَمِيرُ اسْمِ اللَّهِ،
أَوْ ضَمِيرُ الْإِيتَاءِ ; فَعَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ يَكُونُ الْمَصْدَرُ مُضَافًا إِلَى الْمَفْعُولِ. وَ (ذَوِي الْقُرْبَى) : مَنْصُوبٌ بِآتَى، لَا بِالْمَصْدَرِ ; لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَقَدِ اسْتَوْفَاهُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ ضَمِيرَ مَنْ فَيَكُونُ الْمَصْدَرُ مُضَافًا إِلَى الْفَاعِلِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَوِي الْقُرْبَى مَفْعُولَ الْمَصْدَرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولَ آتَى، وَيَكُونُ مَفْعُولُ الْمَصْدَرِ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ إِيَّاهُ ذَوِي الْقُرْبَى.
(وَابْنَ السَّبِيلِ) : مُفْرَدٌ فِي اللَّفْظِ، وَهُوَ جِنْسٌ أَوْ وَاحِدٌ فِي اللَّفْظِ مَوْضِعَ الْجَمْعِ.
(وَفِي الرِّقَابِ) : أَيْ فِي تَخْلِيصِ الرِّقَابِ، أَوْ عِتْقِ الرِّقَابِ، وَ «فِي» مُتَعَلِّقَةٌ بِآتَى. (وَالْمُوفُونَ) : فِي رَفْعِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَنْ آمَنَ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُوفُونَ.
وَالثَّانِي: هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَهُمُ الْمُوفُونَ، وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَنْتَصِبُ «الصَّابِرِينَ» عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى مَعْطُوفٌ عَلَى مَنْ، وَلَكِنْ جَازَ النَّصْبُ لَمَّا تَكَرَّرَتِ الصِّفَاتُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى ذَوِي الْقُرْبَى لِئَلَّا يَفْصِلَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ فِي حُكْمِ الصِّلَةِ بِالْأَجْنَبِيِّ وَهُمُ الْمُوفُونَ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُعْطَفَ الْمُوفُونَ عَلَى الضَّمِيرِ فِي آمَنَ وَجَرَى طُولُ الْكَلَامِ مَجْرَى تَوْكِيدِ الضَّمِيرِ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ «الصَّابِرِينَ» عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي، وَبِالْعَطْفِ عَلَى ذَوِي الْقُرْبَى ; لِأَنَّ الْمُوفُونَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ دَاخِلٌ فِي الصِّلَةِ.
(وَحِينَ الْبَأْسِ) : ظَرْفٌ لِلصَّابِرِينَ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
11 ديسمبر 2023
تعليقات (0)