المنشورات
(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ تَبْتَغُوا) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى تَقْدِيرِ فِي أَنْ تَبْتَغُوا وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِ سِيبَوَيْهِ هُوَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَلَى مَا بَيَّنَاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَلَوْ ظَهَرَتْ فِي اللَّفْظِ لَجَازَ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِنَفْسِ الْجُنَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْجُنُوحِ وَالْمَيْلِ أَوْ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْإِثْمِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ صِفَةً لِجُنَاحٍ، وَأَجَازَ قَوْمٌ أَنْ يَتَعَلَّقَ حَرْفُ الْجَرِّ بِلَيْسَ، وَفِيهِ ضَعْفٌ.
(مِنْ رَبِّكُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِـ (تَبْتَغُوا) ، فَيَكُونُ مَفْعُولًا بِهِ أَيْضًا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِفَضْلٍ فَيَتَعَلَّقُ مَنْ بِمَحْذُوفٍ.
(فَإِذَا أَفَضْتُمْ) : ظَرْفٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ فَاذْكُرُوا، وَلَا تَمْنَعُ الْفَاءُ هُنَا مِنْ عَمَلِ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ. وَ (عَرَفَاتٍ) : جَمْعٌ سُمِّيَ بِهِ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ نَكِرَةً وَهُوَ مَعْرِفَةٌ، وَقَدْ نَصَبُوا عَنْهُ عَلَى الْحَالِ فَقَالُوا: هَذِهِ عَرَفَاتٌ مُبَارَكًا فِيهَا ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا بُقْعَةٌ بِعَيْنِهَا، وَمَثَلُهُ: أَبَانَانِ اسْمُ جَبَلٍ أَوْ بُقْعَةٍ.
وَالتَّنْوِينُ فِي عَرَفَاتٍ، وَجَمِيعِ جَمْعِ التَّأْنِيثِ نَظِيرُ النُّونِ فِي مُسْلِمُونَ، وَلَيْسَتْ دَلِيلَ الصَّرْفِ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَحْذِفُ التَّنْوِينَ وَيَكْسِرُ التَّاءَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْتَحُهَا، وَيَجْعَلُ التَّاءَ فِي الْجَمْعِ كَالتَّاءِ فِي الْوَاحِدِ، وَلَا يُصْرَفُ لِلتَّعْرِيفِ وَالتَّأْنِيثِ وَأَصْلُ أَفَضْتُمْ أَفْضَيْتُمْ لِأَنَّهُ فَاضَ يَفِيضُ إِذَا سَالَ، وَإِذَا كَثُرَ النَّاسُ فِي الطَّرِيقِ كَانَ مَشْيُهُمْ كَجَرَيَانِ السَّيْلِ.
(عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ: كَمَا هَدَاكُمُ الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ تَقْدِيرُهُ: فَاذْكُرُوهُ مُشْبِهِينَ لَكُمْ حِينَ هَدَاكُمْ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ حَذْفِ مُضَافٍ ; لِأَنَّ الْجُثَّةَ لَا تُشْبِهُ الْحَدَثَ ; وَمِثْلُهُ: (كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ) : الْكَافُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَوْ حَالٌ تَقْدِيرُهُ: فَاذْكُرُوا اللَّهَ مُبَالِغِينَ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْكَافُ فِي الْأُولَى بِمَعْنَى «عَلَى» تَقْدِيرُهُ: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) [الْبَقَرَةِ: 200] .
(وَإِنْ كُنْتُمْ) : إِنْ هَاهُنَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَالتَّقْدِيرُ: إِنَّهُ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ ضَالِّينَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: (وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً) [الْبَقَرَةِ: 143] .
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
11 ديسمبر 2023
تعليقات (0)