المنشورات
(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا
لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)) .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَالْوَالِدَاتُ) : الْوَالِدَاتُ وَالْوَالِدَةُ: صِفَتَانِ غَالِبَتَانِ ; فَلِذَلِكَ لَا يُذْكَرُ الْمَوْصُوفُ مَعَهُمَا لِجَرْيِهِمَا مَجْرَى الْأَسْمَاءِ. وَ (يُرْضِعْنَ) : مِثْلُ يَتَرَبَّصْنَ، وَقَدْ ذُكِرَ (حَوْلَيْنِ) : ظَرْفٌ، وَ (كَامِلَيْنِ) صِفَةٌ لَهُ ; وَفَائِدَةُ هَذِهِ الصِّفَةِ اعْتِبَارُ الْحَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ، وَلَوْلَا ذِكْرُ الصِّفَةِ لَجَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا دُونَ الْحَوْلَيْنِ بِالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ.
(لِمَنْ أَرَادَ) : تَقْدِيرُهُ: ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَ. (أَنْ يُتِمَّ) : الْجُمْهُورُ عَلَى ضَمِّ الْيَاءِ، وَتَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ، وَنَصْبِ «الرَّضَاعَةَ» .
وَتُقْرَأُ بِالتَّاءِ مَفْتُوحَةً وَرَفْعِ الرَّضَاعَةِ. وَالْجَيِّدُ فَتْحُ الرَّاءِ فِي الرَّضَاعَةِ، وَكَسْرُهَا جَائِزٌ. وَقَدْ قُرِئَ بِهِ.
(وَعَلَى الْمَوْلُودِ) : الْأَلِفُ وَاللَّامُ بِمَعْنَى الَّذِي، وَالْعَائِدُ عَلَيْهَا الْهَاءُ فِي «لَهُ» وَلَهُ الْقَائِمُ مَقَامَ الْفَاعِلِ. (بِالْمَعْرُوفِ) : حَالٌ مِنَ الرِّزْقِ وَالْكِسْوَةِ، وَالْعَامِلُ فِيهَا مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ فِي عَلَى.
(إِلَّا وُسْعَهَا) : مَفْعُولٌ ثَانٍ، وَلَيْسَ بِمَنْصُوبٍ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ ; لِأَنَّ «كَلَّفَ» تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَلَوْ رَفَعَ الْوُسْعَ هُنَا لَمْ يَجُزْ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلٍ.
(لَا تُضَارَّ) : يُقْرَأُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا. وَفِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ، وَتَقْدِيرُهُ: لَا تُضَارِرْ - بِكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى، وَالْمَفْعُولُ عَلَى هَذَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ وَالِدًا بِسَبَبِ وَلَدِهَا.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الرَّاءُ الْأُولَى مَفْتُوحَةً عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَأَدْغَمَ لِأَنَّ الْحَرْفَيْنِ مِثْلَانِ، وَرَفَعَ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَفْظُ الْخَبَرِ، وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا عَلَى أَنَّهُ نَهْيٌ، وَحُرِّكَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَكَانَ الْفَتْحُ أَوْلَى لِتَجَانُسِ الْأَلِفِ وَالْفَتْحَةِ قَبْلَهَا، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ تُضَارِرْ وَتُضَارَرْ عَلَى تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ وَتَرْكِ تَسْمِيَتِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيِ قِرَاءَةِ الرَّفْعِ.
وَقُرِئَ شَاذًّا بِسُكُونِ الرَّاءِ وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ حَذَفَ الرَّاءَ الثَّانِيَةَ فِرَارًا مِنَ التَّشْدِيدِ فِي الْحَرْفِ الْمُكَرَّرِ، وَهُوَ الرَّاءُ، وَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ ; إِمَّا لِأَنَّهُ أَجْرَى الْوَصْلَ مَجْرَى الْوَقْفِ، أَوْ لِأَنَّ مَدَّةَ الْأَلِفِ تَجْرِي مَجْرَى الْحَرَكَةِ.
(عَنْ تَرَاضٍ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ صِفَةً لِفِصَالٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِأَرَادَا.
(وَتَشَاوُرٍ) : أَيْ مِنْهُمَا. (تَسْتَرْضِعُوا) : مَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ ; تَقْدِيرُهُ: أَجْنَبِيَّةً ; أَوْ غَيْرَ الْأُمِّ.
(أَوْلَادَكُمْ) : مَفْعُولٌ حُذِفَ مِنْهُ حَرْفُ الْجَرِّ تَقْدِيرُهُ: لِأَوْلَادِكُمْ ; فَتَعَدَّى الْفِعْلُ إِلَيْهِ ; كَقَوْلِهِ: أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ. (فَلَا جُنَاحَ) : الْفَاءُ جَوَابُ الشَّرْطِ. وَ (إِذَا سَلَّمْتُمْ) : شَرْطٌ أَيْضًا، وَجَوَابُهُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَجَوَابُهُ ; وَذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الْعَامِلُ فِي إِذَا.
(مَا آتَيْتُمْ) : يُقْرَأُ بِالْمَدِّ، وَالْمَفْعُولَانِ مَحْذُوفَانِ ; تَقْدِيرُهُ: مَا أَعْطَيْتُمُوهُنَّ إِيَّاهُ. وَيُقْرَأُ بِالْقَصْرِ ; تَقْدِيرُهُ: مَا جِئْتُمْ بِهِ، فَحُذِفَ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: تَقْدِيرُهُ: مَا جِئْتُمْ نَقْدَهُ أَوْ تَعْجِيلَهُ ; كَمَا تَقُولُ: أَتَيْتُ الْأَمْرَ ; أَيْ فَعَلْتُهُ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
11 ديسمبر 2023
تعليقات (0)