المنشورات
(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ ذَا الَّذِي) : مَنِ اسْتِفْهَامٌ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَذَا خَبَرُهُ، وَالَّذِي نَعْتٌ لِذَا، أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ.
وَ (يُقْرِضُ) : صِلَةُ الَّذِي، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ (مَنْ) وَ (ذَا) : بِمَنْزِلَةِ اسْمٍ وَاحِدٍ،
كَمَا كَانَتْ: "
مَاذَا " ; لِأَنَّ " مَا " أَشَدُّ إِبْهَامًا مِنْ " مَنْ " إِذَا كَانَتْ مَنْ لِمَنْ يَعْقِلُ، وَمِثْلُهُ: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ) [الْبَقَرَةِ: 255] وَالْقَرْضُ: اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ، وَالْمَصْدَرُ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْإِقْرَاضُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَرْضُ هُنَا بِمَعْنَى الْمُقْرِضِ، كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ، فَيَكُونُ مَفْعُولًا بِهِ. وَ (حَسَنًا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ مَالًا إِقْرَاضًا حَسَنًا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْمَالِ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى الطَّيِّبِ أَوِ الْكَثِيرِ.
(فَيُضَاعِفَهُ) : يُقْرَأُ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى يُقْرِضُ، أَوْ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ ; أَيْ فَاللَّهُ يُضَاعِفُهُ.
وَيُقْرَأُ بِالنَّصْبِ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَصْدَرِ يُقْرِضُ فِي الْمَعْنَى، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إِلَّا بِإِضْمَارِ أَنْ ; لِيَصِيرَ مَصْدَرًا مَعْطُوفًا عَلَى مَصْدَرٍ تَقْدِيرُهُ: مَنْ ذَا الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ قَرْضٌ فَمُضَاعَفَةٌ مِنَ اللَّهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ جَوَابُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْمُسْتَفْهَمَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمُقْرِضُ فِي اللَّفْظِ فَهُوَ عَنِ الْإِقْرَاضِ فِي الْمَعْنَى، فَكَأَنَّهُ قَالَ أَيُقْرِضُ اللَّهَ أَحَدٌ فَيُضَاعِفُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابَ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى اللَّفْظِ ; لِأَنَّ الْمُسْتَفْهَمَ عَنْهُ فِي اللَّفْظِ الْمُقْرِضِ لَا الْقَرْضِ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يُعْطَفُ عَلَى الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ قَرْضًا كَمَا يُعْطَفُ الْفِعْلُ عَلَى الْمَصْدَرِ بِإِضْمَارِ أَنْ مِثْلُ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرُّ عَيْنِي.
قِيلَ: لَا يَصِحُّ هَذَا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَرْضًا هُنَا مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ، وَالْمَصْدَرُ الْمُؤَكِّدُ لَا يُقَدَّرُ بِأَنْ وَالْفِعْلِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ عَطْفَهُ عَلَيْهِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِيُقْرِضُ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا فِي الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْمُضَاعَفَةَ لَيْسَتْ مَقْرَضَةً، وَإِنَّمَا هِيَ فِعْلٌ مِنَ اللَّهِ.
وَيُقْرَأُ يُضَعِّفُهُ بِالتَّشْدِيدِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ، وَبِالتَّخْفِيفِ مَعَ الْأَلِفِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّشْدِيدُ لِلتَّكْثِيرِ.
وَيُضَاعِفُ مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ الْوَاقِعَةِ مِنْ وَاحِدٍ كَمَا ذَكَرْنَا فِي حَافِظُوا.
وَ (أَضْعَافًا) : جَمْعُ ضِعْفٍ، وَالضِّعْفُ هُوَ الْعَيْنُ، وَلَيْسَ بِالْمَصْدَرِ، وَالْمَصْدَرُ الْأَضْعَافُ أَوِ الْمُضَاعَفَةُ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْهَاءِ فِي يُضَاعِفُهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا ثَانِيًا عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ مَعْنَى يُضَاعِفُهُ يُصَيِّرُهُ أَضْعَافًا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ ضِعْفٍ، وَالضِّعْفُ اسْمٌ وَقَعَ مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ كَالْعَطَاءِ ; فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلْمُعْطَى، وَقَدِ اسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى الْإِعْطَاءِ قَالَ الْقَطَامِيُّ:
أَكُفْرًا بَعْدَ رَدِّ الْمَوْتِ عَنِّي ... وَبَعْدَ عَطَائِكَ الْمِائَةَ الرِّتَاعَا.
فَيَكُونُ انْتِصَابُ أَضْعَافًا عَلَى الْمَصْدَرِ ; فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ جُمِعَ؟ قِيلَ: لِاخْتِلَافِ جِهَاتِ التَّضْعِيفِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْإِخْلَاصِ، وَمِقْدَارِ الْمُقْرَضِ، وَاخْتِلَافِ أَنْوَاعِ الْجَزَاءِ. (وَيَبْسُطُ) : يُقْرَأُ بِالسِّينِ، وَهُوَ الْأَصْلُ، وَبِالصَّادِّ عَلَى إِبْدَالِهَا مِنَ السِّينِ لِتُجَانِسَ الطَّاءَ فِي الِاسْتِعْلَاءِ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
11 ديسمبر 2023
تعليقات (0)