المنشورات
«قالون» ت 220 هـ
الإمام، الحجة، صاحب الكرامة الكبرى، معلم القرآن ومجوّده، الثبت الثقة.
هو عيسى بن مينا بن وردان، مولى بني زهرة الملقب بقالون، وقالون بلغة الرومية جيّد، وكان «قالون» ربيب الإمام نافع قارئ المدينة والإمام الأول بالنسبة للقراء، وقد اهتم «نافع» بقالون اهتماما عظيما، وهو سماه «قالون» لجودة قراءته.
وقد تلقى «قالون» القراءة على شيخه «نافع».
يقول «ابن الجزري»: قرأت على أحمد بن محمد الشيرازي عن علي بن أحمد، أن «قالون» قال: كان نافع إذا قرأت عليه يعقد لي ثلاثين- أي يجعلني أقرأ في اليوم ثلاثين آية، ثم يقول لي قالون يعني جيّدا جيّدا بالروميّة (2).
قال «عبد الله بن عليّ»: إنما كان يكلمه بذلك لأن «قالون» أصله من «الروم» كان جد جدّه «عبد الله» من سبي الروم من أيام «عمر بن الخطاب» رضي الله عنه. فقدم به من أسره وباعه فاشتراه بعض الأنصار، فهو مولى «محمد بن محمد بن فيروز» (3).
ذكره «الذهبي» ت 748 هـ ضمن علماء الطبقة الخامسة من حفاظ القرآن.
كما ذكره «ابن الجزري» ت 833 هـ ضمن علماء القراءات.
وقد ولد «قالون» سنة عشرين ومائة من الهجرة.
وقرأ على «نافع» سنة خمسين.
يقول «قالون»: قرأت على «نافع» قراءته غير مرّة، وكتبتها في كتابي (1).
وقال «النقاش»: قيل لقالون: كم قرأت على «نافع» قال ما لا أحصيه كثرة إلا أني جالسته بعد الفراغ عشرين سنة (2).
يقول «ابن الجزري»: أخذ «قالون» القراءة عرضا عن «نافع» وعرض أيضا على «عيسى بن وردان».
ومما تجدر الإشارة إليه أن قراءة قالون اشتهرت في الأمصار، ولا زال المسلمون يتلقونها بالرضا والقبول حتى الآن، وقد تلقيتها وقرأت بها والحمد لله رب العالمين.
ونظرا لشهرة قراءة «قالون» بين المسلمين فقد طبعت المصاحف بروايته تيسيرا على القراء.
ولا زال المصحف المطبوع برواية «قالون» يوزع على أبناء المسلمين وبخاصة في «ليبيا» حتى الآن.
ومن أصول قراءة «قالون» أنه يقرأ بصلة ميم الجمع إذا وقعت قبل متحرك، كما يقرأ الهمزتين من كلمة نحو قوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ (3) بتسهيل الهمزة الثانية بينها وبين حركتها مع إدخال ألف بين الهمزتين، وأصول قراءة «قالون» مدونة في المصنفات المعنية بذلك، بل هناك مصنفات خاصة برواية «قالون».
ولقد كان «قالون» مدرسة وحده في تعليم القرآن الكريم فقد تتلمذ عليه الكثيرون منهم: ولداه: إبراهيم وأحمد، وإبراهيم بن الحسين الكسائي، وإبراهيم ابن محمد المدني، وأحمد بن صالح المصري، وأحمد بن يزيد الحلواني، وإسماعيل ابن إسحاق القاضي، والحسن بن علي الشحّام، والحسين بن عبد الله المعلم، وآخرون.
ومن عجيب ما يحكى أن «قالون» كان أصمّ بحيث لا يسمع شيئا قط من الحديث العام، ولكنه مع ذلك كان إذا استمع لقارئ القرآن فإنه بفضل من الله تعالى يدرك الخطأ الذي يقع فيه القارئ فيسارع إلى تصحيح الخطإ له، والدليل على ذلك الخبر التالي: يقول «ابن الجزري»: قرأت على «أحمد بن محمد بن الحسين» عن «علي بن أحمد بن عبد الواحد» عن «أبي اليمن» قال: حدثني أبو محمد البغدادي قال: كان «قالون» أصمّ لا يسمع البوق، وكان إذا قرأ عليه قارئ فإنه يسمعه اهـ (1).
وقال «ابن أبي حاتم»: كان «قالون» أصمّ يقرئ القرآن ويفهم خطأهم ولحنهم بالشفة» اهـ (2).
ويقول «علي بن الحسن»: كان «قالون» شديد الصمم، فلو رفعت صوتك لا إلى غاية لا يسمع، فكان ينظر إلى شفتي القارئ فيردّ عليه اللحن والخطأ (3).
ومما لا شك فيه أن نعم الله على عباده المؤمنين، وبخاصة المشتغلين بتعليم القرآن لا يحصيها عدّ.
ومما جاء فضل أهل القرآن الحديثان التاليان: فعن «أبي ذرّ» رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أوصني، قال: عليك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله، قلت: يا رسول الله زدني، قال: عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الارض، وذخر لك في السماء اهـ (1).
وعن «جابر» رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «القرآن شافع مشفع، وما حل (2) مصدّق، من جعله إمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار» (3).
ومع أن «قالون» من المشتغلين بالقرآن الكريم، إلا أنه مع ذلك كان له اهتمام أيضا بالحديث النبوي الشريف، فقد أخذ الحديث عن «إسماعيل القاضي، وموسى بن إسحاق
الأنصاري، وأبي زرعة الرازي»، وغير هؤلاء كثير.
توفي «قالون» سنة عشرين ومائتين وله نيّف وثمانون سنة. رحمه الله «قالون» رحمة واسعة وجزاه الله أفضل الجزاء.
مصادر و المراجع :
١- معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ
المؤلف: محمد محمد
محمد سالم محيسن (المتوفى: 1422هـ)
13 يناير 2024
تعليقات (0)