المنشورات
«أبو الفضل الرّازي» ت 454 هـ
هو: عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بن بندار أبو الفضل الرازي، الإمام المقرئ شيخ الإسلام، في عصره، مؤلف كتاب «جامع الوقوف» وغيره، الرحّالة، وكان يقول: أول سفري في الطلب كنت ابن ثلاث عشرة سنة، وكان طوافه في البلاد من أجل العلم إحدى وسبعين سنة.
ورد أن مولده «بمكة المكرمة» سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وما زال ينتقل في البلدان حتى توفاه الله تعالى.
ذكره «أبو سعيد السمعاني» فقال: كان مقرئا، فاضلا، كثير التصانيف حسن السيرة، زاهدا متعبدا، خشن العيش، قانعا باليسير، يقرئ أكثر أوقاته، ويروي الحديث وكان يسافر وحده ويدخل البراري. وقال «عبد الغافر الفارسي» في تاريخه: «كان «أبو الفضل الرّازي» ثقة جوّالا، إماما في القراءات، أوحد في طريقته، وكان الشيوخ يعظمونه، وكان لا ينزل الخوانق بل يأوي إلى مسجد خراب، فإذا عرف مكانه تركه، وإذا فتح عليه بشيء آثر به.
وقال «يحيى بن منده» في تاريخه: قرأ على «أبي الفضل الرازي» جماعة، وخرج من أصبهان إلى كرمان، وحدث بها، وبها مات، وهو ثقة، ورع متديّن، عارف بالقراءات والروايات، عالم بالأدب والنحو، أكبر من أن يدلّ عليه مثلي، وهو أشهر من الشمس، وأضوأ من القمر، ذو فنون في العلم مهيب، منظور، فصيح، حسن الطريقة، كبير الوزن (1).
وقال «الحافظ الذهبي»: قرأت على «إسحاق بن أبي بكر الأسدي»، أخبرنا، يوسف بن خليل، أخبرنا خليل بن أبي رجاء، أخبرنا محمد بن عبد الواحد الدقّاق، قال:
«ورد علينا الإمام أبو الفضل عبد الواحد بن أحمد الرازي، وكان من الأئمة الثقات، ذكره يملأ الفم، ويذرف العين، وكان رجلا مهيبا، مديد القامة، وليّا من أولياء الله تعالى، صاحب كرامات، طوّف الدنيا مستفيدا ومفيدا» (2).
أخذ «أبو الفضل الرّازي» القراءات عن عدد من خيرة العلماء، وفي مقدمتهم: «علي بن أحمد بن عمر بن حفص بن عبد الله أبو الحسن الحماميّ»، شيخ العراق، ومسند الآفاق،
ثقة بارع، قال عنه «الخطيب البغدادي»:
«كان صدوقا ديّنا، فاضلا، تفرّد بأسانيد القرآن وعلوّها» (3).
ولد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وأخذ القراءات عرضا عن خيرة العلماء، وفي مقدمتهم: «أبو بكر النقاش» وغيره، وتصدّر لتعليم القرآن ومن الذين قرءوا عليه: «أحمد بن الحسن اللحياني» وغيره.
توفي «أبو الحسن الحمامي» في شعبان سنة سبع عشرة وأربعمائة وهو في التسعين من عمره.
ومن شيوخ «أبي الفضل الرازي» في القراءة: «عبد الملك بن بكران بن عبد الله بن العلاء أبو الفرج النهرواني» وهو مقرئ استاذ حاذق ثقة، ألّف في القراءة كتبا، وعمّر دهرا، واشتهر ذكره.
أخذ القراءات عرضا عن عدد من العلماء، وفي مقدمتهم: «زيد بن علي ابن أبي بلال، وأبي بكر النقاش».
وبعد أن اكتملت مواهبه تصدر لتعليم القرآن، وذاع صيته بين الناس وأقبل عليه الطلاب، ومن الذين قرءوا عليه: «الحسن بن محمد البغدادي، ونصر بن عبد العزيز الفارسي».
توفي «أبو الفرج النهرواني» في رمضان سنة أربع وأربعمائة.
ومن شيوخ «أبي الفضل الرازي» في القراءة: «بكر بن شاذان بن عبد الله أبو القاسم البغدادي الحربي»، الواعظ، وهو شيخ ماهر ثقة، مشهور بالتقوى والصلاح.
أخذ «بكر بن شاذان» القراءة على خيرة العلماء وفي مقدمتهم: «زيد بن أبي بلال، وأبو بكر محمد بن عليّ بن الهيثم بن علوان» ثم جلس لتعليم القرآن، وأقبل عليه حفاظ القرآن، ومن الذين أخذوا عنه القراءة «أبو عليّ الحسن بن أبي الفضل الشرمقاني، وأبو الفضل بن عبد الرحمن الرازي». توفي «بكر بن شاذان» يوم السبت التاسع من شوال سنة خمس وأربعمائة.
ومن شيوخ «أبي الفضل الرازي»: «عبيد الله بن محمد بن أحمد بن مهران أبو أحمد الفرضي البغدادي»، وهو إمام كبير ثقة، ورع.
قال عنه «الخطيب البغدادي»: كان «أبو أحمد» ثقة، ورعا، دينا، حدثنا «منصور بن عمر» الفقيه، قال: لم أر في الشيوخ مثل «أبي أحمد» اجتمعت فيه أدوات الرئاسة من علم وقراءة، وإسناد، وحالة متسعة في الدنيا، وكان مع ذلك أورع الخلق، وكان يقرأ علينا الحديث بنفسه، لم أر مثله (1).
وقال عنه «عيسى بن أحمد الهمذاني»: كان أبو أحمد الفرضي إذا جاء إلى الشيخ «أبي حامد الأسفراييني» قام «أبو حامد» من مجلسه ومشى إلى باب مسجده حافيا متلقيا (2).
توفي «أبو أحمد الفرضي» في شوال سنة ست وأربعمائة وله اثنتان وثمانون سنة.
ومن شيوخ «أبي الفضل الرازي»: «علي بن داود بن عبد الله أبو الحسن الداراني» وهو إمام ضابط متقن محرّر مقرئ ثقة زاهد، انتهت إليه الرئاسة في قراءة الشاميين، أخذ القراءة عن عدد من العلماء الأجلاء، وفي مقدمتهم:
«أبو الحسن بن الأخرم» وهو آخر أصحابه.
ثم جلس لتعليم القرآن، واشتهر بالضبط، وجودة القراءة، وأقبل عليه حفاظ القرآن، ومن الذين اخذوا عنه القراءة: «عليّ بن الحسن الرّبعي، وأحمد ابن محمد القنطري».
ومن شيوخ «أبي الفضل الرازي»: «أحمد بن علي أبو نصر السمناني»، وهو مقرئ مشهور ثقة متصدر «بالريّ». روى القراءة عرضا عن «أحمد بن عباس ابن الإمام» وروى القراءة عنه عدد كبير وفي مقدمتهم: «أبو الفضل الرّازي».
وكما أخذ «أبو الفضل الرّازي» القراءة عن خيرة العلماء ومشاهيرهم، أخذ أيضا حديث الهادي البشير صلّى الله عليه وسلم عن عدد من العلماء الأجلاء، وفي مقدمتهم:
«أبو مسلم الكاتب، وعبد الوهاب الكلابي».
وبعد أن اكتملت شخصية «أبي الفضل الرازي» وبرزت مواهبه تصدر لتعليم القرآن، وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، وذاع صيته بين الناس، واشتهر بالثقة والضبط،
وأقبل عليه طلاب العلم من كل مكان يأخذون عنه، وكثر تلاميذه، ومن الذين أخذوا عنه القراءة: «يوسف بن عليّ بن جبارة أبو القاسم الهذلي اليشكري»، الأستاذ الكبير والعلم الشهير الرحّال الجوّال.
ولد في حدود التسعين وثلاثمائة، وطاف البلاد في طلب القراءات قال «الإمام ابن الجزري»: لا أعلم أحدا في هذه الأمة رحل في القراءات رحلته، ولقي من لقي من الشيوخ، قال في كتابه «الكامل»: فجملة من لقيت في هذا العلم ثلاثمائة وخمسة وستون شيخا، من آخر المغرب إلى باب فرغانة يمينا وشمالا، وجبلا، وبحرا، ولو علمت أحدا تقدم عليّ في هذه الطبقة في جميع بلاد الإسلام لقصدته، قال: وألفت هذا الكتاب- أي الكامل- فجعلته جامعا للطرق المتلوة، والقراءات المعروفة، ونسخت به مصنفاتي كالوجيز، والهادي (1).
قال «الأمير ابن ماكولا»: كان «أبو القاسم الهذلي» يدرّس علم النحو، ويفهم الكلام ... وكان قد قرره الوزير «نظام الدين» في مدرسته بنيسابور، فقعد سنين وأفاد، وكان مقدّما في النحو والصرف، وعلل القراءات، وكان يحضر مجلس «أبي القاسم القشيري» ويأخذ عنه الأصول، وكان «القشيري» يراجعه في مسائل النحو، والقراءات، ويستفيد منه، وكان حضوره سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وقد ذكر شيوخه الذين أخذ عنهم القراءات في كتابه «الكامل» وعدتهم مائة واثنان وعشرون شيخا، منهم: «إبراهيم بن أحمد، وإبراهيم بن الخطيب».
وبعد أن اكتملت مواهب «أبي القاسم الهذلي» تصدّر لتعليم القرآن وكما كثر عدد شيوخه كثر أيضا عدد طلابه، ومن الذين أخذوا عنه القراءة: «أبو العز القلانسي، وعليّ بن عساكر».
توفي «أبو القاسم الهذلي» سنة خمس وستين وأربعمائة.
ومن تلاميذ «أبي الفضل الرازي» في القراءة: «الحسن بن أحمد بن الحسن أبو علي الحدّاد»، شيخ أصبهان وكان عالي الإسناد، ولد سنة تسع عشرة وأربعمائة، وكان ثقة، صالحا، جليل القدرة، روى حروف القراءات عن «عبد الملك بن الخير العطّار» وسمع سبعة «ابن مجاهد» من «أحمد بن محمد ابن يوسف».
توفي «الحسن بن أحمد» في ذي الحجة سنة خمس عشرة وخمسمائة عن سبع وتسعين سنة.
ومن تلاميذ «أبي الفضل الرازي» في القراءة: «إسماعيل بن الفضل بن أحمد أبو الفضل، وأبو الفتح السرّاج المعروف بالإخشيد، الإمام الحافظ، الثقة، الضابط.
روى حروف القراءات عن «أبي الفضل عبد الرحمن الرازي، وعبد الله بن شبيب الأصبهاني». وروى عنه القراءة «الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني».
ومن تلاميذ «أبي الفضل الرازي» في القراءة: «محمد بن إبراهيم بن محمد ابن جعفر أبو عبد الله البيضاوي»، وهو مقرئ ثقة، ضابط متصدّر، أخذ القراءة عرضا عن الإمام «أبي الفضل عبد الرحمن الرازي»، وقرأ عليه «أبو سعيد الحسن بن محمد اليزدي» بالبيضاء من عمل شيراز.
ومن تلاميذ «أبي الفضل الرازي» في القراءة: «محمد بن إبراهيم بن محمد ابن سعدويه المزكي الأصبهاني»، شيخ القراءات وهو من الثقات المجوّدين والحفاظ المشهورين، روى القراءات عن «أبي الفضل عبد الرحمن الرازي».
وبعد أن اكتملت مواهبه تصدّر لتعليم القرآن، وأقبل عليه الطلاب يأخذون عنه، ويقرءون عليه، ومن الذين أخذوا عنه القراءات: «أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني».
ومن تلاميذ «أبي الفضل الرازي» في القراءة: «محمد بن سالبة بن عليّ بن حمويه أبو عبد الله الشيرازي»، وهو إمام مقرئ متصدّر ثقة، صالح، أخذ القراءة عن: «الإمام أبي الفضل الرازي» وقرأ عليه «الحسن بن محمد اليزدي».
وكما تصدّر «أبو الفضل الرّازي» لتعليم القرآن، تصدّر أيضا لتعليم سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ومن تلاميذه في الحديث: «الحسين بن عبد الملك الخلّال، وأبو سهل بن سعدويه».
وبعد حياة حافلة بتعليم القرآن، وسنة النبي عليه الصلاة والسلام توفي «أبو الفضل الرازي» في جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وأربعمائة رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه الله أفضل الجزاء.
مصادر و المراجع :
١- معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ
المؤلف: محمد محمد
محمد سالم محيسن (المتوفى: 1422هـ)
14 يناير 2024
تعليقات (0)