المنشورات
الارادة في الفرنسية/ etnoloV في الانكليزية/ lliW في اللاتينية/ satnuloV
الإرادة موضوعة في اللغة لتعيين ما فيه غرض، وهي في الأصل طلب الشيء، أو شوق الفاعل الى الفعل، اذا فعله كف الشوق، وحصل المراد (ابن رشد، تهافت التهافت ص 4) ويشترط في هذا الشوق الى الفعل أن يشعر الفاعل بالغرض الذي.
يريد بلوغه، وأن يتوقف عن النزوع اليه توقفا موقتا، وأن يتصور الأسباب الداعية اليه، والأسباب الصادة عنه، وأن يدرك قيمة هذه الأسباب، ويعتمد عليها في عزمه، وأن ينفذ الفعل في النهاية أو يكف عنه. ( erialubacoV, edna aL etnoloV. tra. eihposolihP aled).
فالارادة بهذا المعنى العام هي صورة الفاعلية الشخصية. ولها عند الفلاسفة عدة معان:
1 - الارادة هي نزوع النفس وميلها الى الفعل، بحيث يحملها عليه.
وهي قوة مركبة من شهوة وحاجة وأمل، ثم جعلت اسما لنزوع النفس الى شيء مع الحكم فيه انه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل. والنزوع الاشتياق، والميل المحبة والقصد (كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي، مادة الارادة). فاذا قلنا: هذا الرجل قوي الارادة، دلت الارادة على اتصاف صاحبها بنزوع واع متمكن من نفسه، وهو نزوع يدفعه الى الفعل بالرغم من مقاومة النزعات الأخرى. فالإرادة بهذا المعنى صفة من صفات السجيّة. وهي تدل بالجملة على نزعة نهائية مستقرة، أو ميل قوي يحمل صاحبه على الفعل، ولا يشترط في هذا الميل أن يكون عقيب اعتقاد النفع، كما ذهب اليه المعتزلة، بل مجرد ان يكون حاملا على الفعل بحيث يستلزمه ويجامعه، وان تقدّم عليه بالذات.
2 - الارادة هي القوة التي هي مبدأ النزوع، وتكون قبل الفعل.
3 - الارادة هي اعتقاد النفع أو ظنه، وقيل ميل يتبع ذلك، فاذا اعتقدنا ان الفعل الفلاني فيه جلب نفع، أو دفع ضرر، وجدنا من أنفسنا ميلا اليه (المواقف للايجي وشرحها للجرجاني، جزء 2، ص 215). والقائل بذلك كثير من المعتزلة، قالوا: ان نسبة القدرة الى طرفي الفعل على السوية، فاذا حصل اعتقاد النفع، أو ظنه، في أحد طرفيه، ترجح على الآخر عند القادر، وأثرت فيه قدرته.
4 - والارادة صفة توجب للحي حالا يقع منه الفعل على وجه دون وجه (تعريفات الجرجاني)، حتى لقد قال الأشاعرة: انها صفة مخصصة لأحد طرفي المقدور بالوقوع في وقت معين، وليست مشروطة باعتقاد النفع أو بميل يتبعه، فان الهارب من السبع، اذا ظهر له طريقان متساويان في الافضاء الى النجاة، فانه يختار أحدهما بارادته، ولا يتوقف في ذلك الاختيار على ترجيح أحدهما لنفع يعتقده فيه، ولا على ميل يتبعه (كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي، مادة الارادة).
5 - والارادة في علم الأخلاق هي الاستعداد الخلقي، وهو إما أن يكون عاما، وإما أن يكون خاصا
فالارادة الصالحة ( etnolov ennoB) هي العزم الصادق على فعل الخير، أو هي استعداد الشخص للقيام بالفعل، على قدر طاقته. والارادة السيّئة ( etnolov esiavuaM) هي الارادة المتوجهة الى الشر، أو هي على الأخص صفة رجل يحاول التملص من واجباته، فلا يقوم بها إلا إذا كان مجبرا عليها.
6 - ومن الاصطلاحات المألوفة عند فلاسفة القرن الثامن عشر الارادة العامة ( elareneg etnolov) وهي صفة رجل يدرك، عند تجرده من الأهواء، ما يستطيع أن يطلبه من أبناء جنسه، وما يحق لأبناء جنسه أن يطلبوه منه. قال ديدرو:
«الإرادة الجزئية ظنون، والارادة العامة صالحة. ولكن قد تقول لي:
أين مقر هذه الارادة العامة، أين يمكنني أن أستشيرها؟ (الجواب عن ذلك) ان هذه الارادة العامة موجودة في مبادئ الحق المدوّنة عند جميع الأمم المتمدنة، وفي الأعمال الاجتماعية للبربر والمتوحشين، وفي اتفاق أعداء الجنس البشري على بعض الأمور اتفاقا ضمنيا، وفي السخط والألم اللذين وهبتهما الطبيعة للحيوان، ليقوما عنده مقام القوانين الاجتماعية والانتقام العام».،
(116. P ,v 1 .T eidepolcycnEP
elcitrA ,torediD ed elaroM )lerutaN tiorD
وقال روسو: «هنالك في الأغلب فرق بين الإرادة العامة وإرادة الجميع، فالأولى لا تهتم إلا بالمصلحة المشتركة، أما الثانية فتهتم بالمصلحة الخاصة، لأنها ليست سوى مجموع من الإرادات الجزئية» (، uaessuoR. J. J (. lll. hc. ll. vil. laicos tartnoC
إن هذه الإرادة العامة هي الأساس الشرعي لكل سيادة. ويشترط في شرعيتها: 1 - أن تختص بالمصلحة العامة. 2 - وأن تؤيدها أكثرية المواطنين بعد استشارتهم جميعا. 3 - وأن لا تتخذ قراراتها لمصلحة شخص دون آخر. ان كل فعل من أفعال السيادة، أعني كل فعل شرعي من أفعال الارادة العامة، يجبر جميع المواطنين، أو يرعى حقوقهم على قدم المساواة، فلا يراعي الحاكم إلا الصالح العام، ولا يرجح مصلحة فردية على أخرى. ان الارادة الجزئية تميل بطبيعتها الى الترجيح، أما الإرادة العامة فلا تميل إلا الى المساواة.
7 - ومن اصطلاحات علماء الاجتماع الارادة المشتركة، أو الارادة الجمعية ( evitcelloC etnoloV) وهي إرادة المجتمع من حيث هو كل واحد.
8 - ومن اصطلاحات (ويليم جيمس) إرادة الاعتقاد ( ot lliW eveileb) وهي التسليم باعتقادات لا يستطيع العقل أن يبرهن على صدقها، ولكنه يقبلها مع ذلك لعدم تناقضها، ولكنه يقبلها مع ذلك لعدم تناقضها، وللمنافع العملية التي تنشأ عنها. من هذه الاعتقادات الثقة بالنفس، فهي نافعة في الحياة، لأنها تزيد قوة الانسان، وتعينه على النجاح في أعماله.
9 - والارادة عند بعضهم هي الفاعلية الدائمة المتجهة الى جهة معينة، وان كانت لا شعورية، أو هي النزعة الأساسية لكائن واحد أو لجميع الكائنات، كإرادة الحياة، أو إرادة القوة، أو إرادة الشعور.
أما إرادة الحياة ( ed etnoloV erviv) فهي عند (شوبنهاور) المبدأ الكلي للجهد الغريزي الذي يحقق به كل كائن مثال نوعه، ويناضل ضد الكائنات الأخرى لاستنقاء صورة الحياة الخاصة به.
وأما ارادة القوة ( ed etnoloV ecnassiup) فهي في نظر (نيتشه) مضادة لمعنى الحياة عند (سبنسر)، ولنزوع الموجود الى الثبات في الوجود عند (اسبينوزا)، ولارادة الحياة عند (شوبنهاور). وهي مبدأ للوح قيم جديدة، إلّا أن الضعفاء يعوقونها عن بلوغ غايتها بتألبهم عليها، وبتمسكهم بالقيم الخلقية المألوفة.
وأما إرادة الشعور ( etnoloV ecneicsnoC ed) فهي عند (فويّه) نزعة أساسية تؤثر في حياة الانسان العقلية والشعورية، كما تؤثر في تطور الكائنات الحية. إن أول مظهر لهذه النزعة الأساسية ميل الكائن الحي إلى إرجاع كل شيء إلى ذاته، وشعوره بأنه مركز الجاذبية، وان جميع الموجودات الأخرى وسائط يعتمد عليها في فعله وزيادة قوته ووعيه.
ولكن هذا النزوع الأناني لا يخلو من الغيرية لأنه يستلزم التفكير في الآخرين، كما يقتضي الشعور بذوات أخرى يثبت الانسان نفسه أمامها.
ففي كل نزوع أناني إذن نزعة غيرية.
10 - وفرّقوا بين الاختيار والارادة فقالوا الإرادة نزوع النفس وميلها الى الفعل، أما الاختيار فهو ميل مع تفضيل، كأن المختار ينظر الى طرفي المقدور، والمريد لا ينظر إلا إلى الطرف الذي يريده. قال الفارابي: «إن الانسان قد يتقدم فيختار الأشياء الممكنة، وتقع إرادته على أشياء غير ممكنة، مثل ان الانسان يهوى ان لا يموت. والارادة أعم من الاختيار، فان كلّ اختيار إرادة، وليس كل إرادة اختيارا». (الفارابي، رسالة المعلم الثاني في جواب مسائل سئل عنها، ص 98). وأصل الاختيار افتعال من الخير. ولذا قيل الاختيار ترجيح الشيء وتخصيصه وتقديمه على غيره، وهو أخص من الارادة والمشيئة. (ر: لفظ الاختيار).
نعم قد يستعمل المتكلمون الاختيار بمعنى الارادة أيضا حيث يقولون:
فاعل بالاختيار وفاعل مختار، ولكن الاختيار لم يرد بمعنى الارادة في اللغة.
وفرقوا أيضا بين الارادة والشهوة، فقالوا إن الانسان قد يريد شرب دواء كريه، فيشربه، ولا يشتهيه، بل ينفر عنه، وقد يشتهي ما لا يريده، بل يكرهه، ولهذا قالوا إرادة المعاصي مما يؤاخذ عليها، دون شهوتها.
وفرقوا أخيرا بين الإرادة والمشيئة فقالوا: الارادة طلب الشيء، والمشيئة الايجاد، ولكن المشيئة في الأصل مأخوذة من الشيء وهو اسم للموجود، وكذلك الارادة فهي تقتضي الوجود لا محالة. فلا فرق إذن بين الإرادة والمشيئة إلا بالنسبة الى الإنسان، لأن إرادة الانسان قد تحصل من غير أن تتقدمها إرادة اللّه، ومشيئته لا تكون إلا بعد مشيئته. أما بالنسبة الى اللّه فان الإرادة والمشيئة بمعنى واحد.
(ر: مقالنا في الارادة، دائرة المعارف، المجلد 8: بيروت 1969) 11 - والارادة إذا استعملت في اللّه دلت على معنى سلبي، وهو أنه تعالى غير مغلوب ولا مستكره، أو على معنى ثبوتي، وهو العلم، أو صفة زائدة على العلم. والفلاسفة، الذين يقولون ان إرادة اللّه ليست صفة زائدة على ذاته، يقررون ان ارادته عين حكمته، وحكمته عين علمه.
والارادة حقيقة واحدة قديمة قائمة بذاته تعالى، إذ لو تعددت إرادة الفاعل المختار لم يكن واحدا من جميع الجهات. وقد قال الحكماء:
إن إرادته تعالى هي علمه بجميع الموجودات من الأزل الى الأبد، وبأنه كيف ينبغي أن يكون نظام الوجود حتى يكون على الوجه الاكمل، وبكيفية صدوره عنه حتى يكون الموجود على وفق المعلوم في أحسن نظام من غير قصد ولا شوق، ويسمون هذا العلم عناية. وهذا كله يدل على أن الارادة بمعنى الميل أو النزوع أو السّوق لا تستعمل في اللّه، لأنه تعالى غني عن كل نزوع وميل، فمتى قيل أراد فمعناه حكم انه كذا وليس بكذا.
12 - والارادة عند المتصوفين هي ابتداء الكد وترك الراحة، حتى لقد قال (الجنيد): الارادة ان يعتقد الانسان الشيء ثم يعزم عليه، ثم يريده ولا تكون الّا بعد صدق النية. وقيل: هي الاقبال بالكلية على الحق والاعراض عن الخلق وابتداء الحكمة. قال ابن سينا: «اول درجات حركات العارفين ما يسمونه هم الارادة، وهو ما يعتري المستبصر باليقين البرهاني، او الساكن النفس الى العقد الايماني، من الرغبة في اعتلاق العروة الوثقى، فيتحرك سره الى القدس لينال من روح الاتصال. فما دامت درجته هذه فهو مريد» (ابن سينا، الاشارات ص 202).
مصادر و المراجع :
١- المعجم الفلسفي
(بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية)
المؤلف: الدكتور
جميل صليبا (المتوفى: 1976 م)
الناشر: الشركة
العالمية للكتاب - بيروت
تاريخ الطبع:
1414 هـ - 1994 م
25 مارس 2024
تعليقات (0)