المنشورات

الالم في الفرنسية/ rueluoD في الانكليزية/ niaP في اللاتينية/ roloD

الالم مصدر ألم يألم، كعلم يعلم، وهو مقابل للذّة. والألم واللذة هما من الأحوال النفسية الأولية، فلا يعرّفان، بل تذكر خواصهما وشروطهما دفعا للالتباس اللفظي.
قال (ابن سينا): «ان اللذة هي ادراك ونيل لوصول ما هو عند المدرك كمال وخير، من حيث هو كذلك، والألم ادراك ونيل لوصول ما هو عند المدرك آفة وشر» (الاشارات، ص 191). والمراد بالإدراك العلم، وبالنيل تحقق الكمال لمن يلتذ، فان التكليف بالشيء لا يوجب الألم واللذة من غير إدراك، فلا ألم ولا لذة للجماد بما يناله من الكمال والنقص. وإدراك الشيء من غير النيل لا يؤلم، ولا يوجب لذة، كتصور الحلاوة والمرارة.
فالألم واللذة لا يتحققان إذن دون الإدراك والنيل. وانما قال عند المدرك لأن الشيء قد يكون كمالا وخيرا بالقياس الى شخص، وهو لا يعتقد كماليته، فلا يلتذ به، بخلاف ما يعتقد كماليته وخيريته وإن لم يكن كذلك بالنسبة اليه، وإنما قال من حيث هو كذلك، لأن الشيء قد يكون كمالا وخيرا من وجه دون وجه «كالمسك من جهة الرائحة والطعم فإدراكه من حيث الرائحة لذة ومن حيث الطعم ألم» (الكشاف للتهانوي).
وقول (ابن سينا) هذا شبيه بقول (ديكارت): اللذة هي الشعور بالكمال، والألم هو الشعور بالنقص، وهو أقرب الى التحصيل من قولهم الألم إدراك المنافي من حيث هو مناف، واللذة إدراك الملائم من حيث هو ملائم، لأن الملائم بالجملة أعم من اللذيذ، والألم أخص من المنافي.
ولعل أحسن تعريف للألم هو التعريف المشتمل على ذكر خواص الألم وأسبابه، كتعريف (أرسطو) الذي صححه (هاميلتون) و (استوارت ميل). فقد جاء في هذا التعريف ان اللذة تنشأ عن الفعل الموافق لطبيعة الكائن الحي، وان الألم ينشأ عن الفعل المضاد لطبيعة الفاعل، فالألم هو إذن نتيجة فاعلية تزيد على قدرة الفاعل، أو تقل عنها.
والألم نوعان: جسماني ونفساني. فالألم الجسماني ينشأ عن احساسات جسمانية ذات مصدر محدود، كاحتراق اليد، وضرب الضرس، ووجع العين.
والألم النفساني ينشأ عن تأثير الميول، والأفكار، والاعتقادات، والآراء، كمن يسقط في الامتحان فيتألم لعدم بلوغه غايته، وكمثل من يسمع بموت صديق له فيغمه خبر موته.
ومن خواص الألم الجسماني انه قد ينتشر في البدن بحيث لا يعرف مصدره فيوصف إذ ذاك بالتعب، والوعك، والاضطراب. ومن خواص الألم النفساني أنه قد يشتد حتى يصبح قريبا من الانفعال أو الهيجان، يسمى في هذه الحالة حزنا، ووجوما، وشجوا، وهما، وكربا، وكآبة، وغما، وحرقة، ولوعة.
والفرق بين اللذة الجسمانية والألم الجسماني ان اللذة الجسمانية هي كيفية نفسانية مضافة الى الاحساس، فهي اذن احساس وكيفية في ذلك الإحساس ملائمة للنفس، في حين ان الألم الجسماني هو إحساس من نوع خاص متميز عن غيره، وله في البدن أعصاب خاصة تدركه، والدليل على ذلك ان الاحساس بالألم متأخر عن الاحساس باللمس، والحرارة، والبرودة، وان هناك مواد تخدر الأعصاب، فتزيل الإحساس بالألم، وتبقي احساس اللمس.
على ان بعض الفلاسفة لا يفرقون بين الجسماني والنفساني من الآلام إلا بحسب شروطهما الخاصة، لأن طبيعتهما الأساسية في نظرهم واحدة.
فلا تختلف شروط ألم الفراق عن شروط ألم الصداع، إلا من حيث الاشتباك والتركيب. ولربما كان الوهم في اختلاف طبيعتهما ناشئا عن الاختلاف في اشتباك شروطهما، فلا فرق إذن، في الماهية، بين ألم اليأس، والم البثور والدمامل.
ومهما يكن من أمر فان للألم في الاصطلاح الحديث معنى محدودا.
فهو لا يدل على الحزن والكآبة، ولا على الإحساس بالتعب، بل يدل على الإحساس الذي ينشأ عن خلل جسماني. وله أيضا معنى عام يشمل الاحساس بالخلل الجسماني، والإحساس بالمنافي والمنافر، كما يشمل الحزن والكآبة والغم.
وهذا كله يدل على أن مدلول الألم لا يزال مشتملا على شيء من الغموض لعدم اتفاق العلماء على اصطلاحات الحياة الوجدانية، فبعضهم يحدد معناه فيطلقه على الاحساس بالخلل الجسماني، وبعضهم يوسع معناه فيجعله مقابلا للذة بوجه عام.
ويمكننا أن نوضح هذا التقابل على الوجه الآتي:
التقابل بين الالم واللذة
بالمعنى العام
في العربية/ الألم اللذة
في الفرنسية/  rueluoD risialP
في الانكليزية/  niaP erusaelP
بالمعنى الخاص
في العربية/ احساس الألم احساس اللذة
في الفرنسية/  rueiuod al ed noitasneS risialp ud noitasneS
في الانكليزية/  niap fo noitasneS erusaelp fo noitasneS بمعنى الملائم والمنافي
في العربية/ التعب الارتياح
في الفرنسية/  enieP tnemergA
في الانكليزية/  ssentnasaelpnU ssentnasaelP  ر:
( rueluoD .tra
eihposolihp al ed euqitirc te euqinhcet erialubacoV ,ednalaL )
والألم في نظر المتشائمين ذو طبيعة ايجابية، وهو وحده حقيقي، لأن الحياة في نظرهم نضال مستمر، ورغبة غير مستقرة، وسخط على الحاضر، ونزوع بالآمال الى المستقبل، فلا يظفر الانسان بلذة، إلا عند نسيانه شقاء الحياة، وابتعاده بأحلامه عن الواقع. وهذا كله يدل عندهم على أن الألم حقيقة الحياة، وان اللذة لا تحصل للنفس إلا عند خروجها من الألم. قال فخر الدين الرازي:
«أما الألم فلا نزاع في كونه وجوديا»، ثم قال محمد بن زكريا:
«اللذة عبارة عن الخلاص من الألم»، (فخر الدين الرازي: محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين، ص 75 - 76)، وهو رأي باطل لأن الألم لا ينشأ إلا عن الرغبات التي لم تتحقق والشهوات التي لم تدرك، ولأن الفاعلية ليست بطبيعتها مؤلمة، بل الفاعلية المعتدلة ملائمة للنفس. إذا وقع بصر الإنسان على صورة جميلة، فانه يلتذ بابصارها، مع انه لم يكن له شعور بتلك الصورة قبل ذلك، حتى تجعل تلك اللذة خلاصا عن ألم الشوق اليها (فخر الدين الرازي:
المحصل ص 76)، فاللذة والألم هما إذن من الكيفيات النفسية الأولية، فليست اللذة خروجا من الألم، ولا الألم خروجا من اللذة، بل اللذة والألم كلاهما وجوديان، ولكل منهما شروط خاصة تدل على انهما ايجابيان. (ر: اللذة، والهيجان، والحزن).








مصادر و المراجع :

١- المعجم الفلسفي (بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية)

المؤلف: الدكتور جميل صليبا (المتوفى: 1976 م)

الناشر: الشركة العالمية للكتاب - بيروت

تاريخ الطبع: 1414 هـ - 1994 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید