المنشورات
الانيّة في الفرنسية/ etiecceaH, etieccE في الانكليزية/ ssen- sihT في اللاتينية/ satiecceaH, satieccE
الإنيّة اصطلاح فلسفي قديم، معناه تحقّق الوجود العيني، زعم (ابو البقاء) انه مشتقّ من (إنّ) التي تفيد في اللغة العربية التأكيد، والقوة في الوجود. قال: «و لهذا اطلقت الفلاسفة لفظ الإنيّة على واجب الوجود لذاته، لكونه اكمل الموجودات في تأكيد الوجود، وفي قوة الوجود، وهذا لفظ محدث ليس من كلام العرب» (كليات ابي البقاء). وزعم بعض المحدثين ان الإنيّة لفظ معرّب عن كلمة (اين) اليونانية التي معناها كان، او وجد، واختلفوا في ضبط هذه الكلمة، فقرأها بعضهم آنية كما في تعريفات الجرجاني وهو خطأ لأن الآنية نسبة الى الآن. وقرأها بعضهم أنيّة نسبة الى ان المخففة، وضبطها آخرون بالأييّة والأينيّة. وهذا كله خطأ لأن الاينية نسبة الى الأين والأيية نسبة الى أي، ونعتقد ان اشتقاق هذا اللفظ من (إنّ) لا يمنع ان يكون بينه وبين (اين) اليونانية تشابه.
فالانية اذن تحقق الوجود العيني.
والدليل على ذلك قول الجرجاني في تعريفاته: «الإنيّة هي تحقق الوجود العيني من حيث مرتبته الذاتية» وقول صاحب دستور العلماء: «الإنيّة التحقق، وتحقق الوجود العيني من حيث مرتبته الذاتية» وقول (الكندي): «و لسنا نجد مطلوباتنا من الحق من غير علة، وعلة وجود كل شيء وثباته الحق، لأن كل ماله إنيّة له حقيقة، فالحق اضطرارا موجود إذن لانيّات موجودة» (رسائل الكندي الفلسفية، نشرها عبد الهادي ابو ريده، ص 97) وقول (ابن سينا): «من رام وصف شيء من الأشياء قبل ان يتقدم فيثبت أولا إنيّته فهو معدود عند الحكماء ممن زاغ عن محجة الايضاح» (رسالة القوى النفسانية، ص 150 من طبعة الأهواني)، وقوله في الاشارات:
«و لو توهمت ان ذاتك قد خلقت أول خلقها صحيحة العقل والهيئة، وفرض انها على جملة من الوضع والهيئة، بحيث لا تبصر اجزاؤها ولا تتلامس اعضاؤها، بل هي منفرجة ومعلقة لحظة ما في هواء طلق، وجدتها قد غفلت عن كل شيء الّا عن ثبوت إنّيتها» (الاشارات ص 119) وقول الغزالي: «الإنيّة، التي هي عبارة عن الوجود، غير الماهية، ولذلك يجوز ان يقال ما الذي جعل الحرارة موجودة، وما الذي جعل السواد في الحيز موجودا، ولا يجوز ان يقال ما الذي جعل السواد لونا وما الذي جعله سوادا، ويعرف تغاير الإنيّة والماهية باشارة العقل لا باشارة الحس، كما يعرف تغاير الصورة والهيولى» (مقاصد الفلاسفة، طبعة مصر، ص 105 - 106)، ومعنى هذه النصوص كلها ان الانية تحقق الوجود، لا الماهية، وان التغاير بينها وبين الماهية، انما يدرك باشارة العقل، لا باشارة الحس.
ومما يزيد هذا المعنى وضوحا ان (الكندي) قرن معنى الإنيّة بمعنى الفصل والخاصة، فقال: «و الفصل هو المقول على كثيرين مختلفين بالنوع منبئ عن انيّة الشيء فهو مقول على كل واحد من اشخاص الانواع .. منبئ عن انّيتها» وقال: «و الخاصة هي المقولة على نوع واحد وعلى كل واحد من أشخاصه منبئة عن انّية الشيء» (رسائل الكندي الفلسفية ص 129 - 130)، وشبيه بذلك قول (الفارابي): «الفصل لا مدخل له في ماهية الجنس، فإن دخل ففي انّيته» (فصوص الحكم، ص 68) وقول (ابن سينا): «فيكون كل لفظ ذاتي اما دالا على ماهية اعم، وسمّي جنسا، واما دالا على ماهية اخص وسمّي نوعا، واما دالا على إنية وسمي فصلا» (الشفاء، المنطق المدخل، ص 46)، ومعنى ذلك كله ان الفصل كالناطق للانسان هو الذي يدل على إنّيته، ومرتبته الذاتية بالنسبة الى غيره من انواع الحيوان، وهو الذي يدل على تحقق وجوده العيني.
ونعتقد ان قلب الانية الى اييّة في بعض النصوص يرجع الى كون الفصل مقولا في جواب أي شيء هو.
والمترجم الذي نقل كلام ابن سينا الى اللغة اللاتينية ترجم لفظ الانية بلفظ ( sse lauQ )
تارة، وبلفظ ( elauQ diuq) اخرى، مع ان اللفظين مختلفان، وفي بعض النصوص الصوفيّة ما يوهم بأن المقصود بالإنّية هو الانا ( eJ)، لذلك قرأها بعض المستشرقين إنيّة بدلا من إنّية.
وسواء أ قلت الانية نسبة الى الأنا او الأينية نسبة الى الوجود في المكان، او الأييّة نسبة الى المقول في جواب اي شىء هو او الإنية نسبة الى (إنّ) فان جميع هذه الالفاظ تدل على تحقق الوجود.
وجملة القول ان الإنّية ( etieccE) هي تحقق الوجود العيني ومعناها قريب من معنى الهوية، لأن الهوية هي التشخص، أو الوجود الخارجي، أو الماهية مع التشخص.
وهي الحقيقة الجزائية. والفرق بين الانية والماهية ان الانية تتضمن معنى الوجود، والماهية لا تتضمنه، والفرق بين الإنّية والهذية، ( etieccaH) ان الهذية تدل على ما به يكون الشيء هذا الشيء لا غيره، وكثيرا ما يجيء لفظ الانية والهذية بمعنى واحد، حتى ان دون سكوت ( ttocS snuD) جعل الهذية مبدأ التفرد الذاتي.
مصادر و المراجع :
١- المعجم الفلسفي
(بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية)
المؤلف: الدكتور
جميل صليبا (المتوفى: 1976 م)
الناشر: الشركة
العالمية للكتاب - بيروت
تاريخ الطبع:
1414 هـ - 1994 م
25 مارس 2024
تعليقات (0)