المنشورات

النسر وتغلغل المخابرات السوفياتية في نخاع السويد

ليست معرفة الحروب والمعارك وأبطالها من اختصاص العسكريين وحدهم، وإنما هي معرفة أو هواية لأكثر الناس في كل زمان ومكان. اذ لم بخل عصر من العصور التاريخية دون أن تكون الحروب والمعارك من المحطات البارزة في سجل أحداثه الطويل. كما أن البطل لا يعتبر ابن وطنه، ولا فتى عصره فحسب، وإنما هو ابن الجماهير في العالم كله رفتي جميع العصور، والذين تألقت أسماؤهم ودرت شهرتهم قبل عشرات ومئات السنين استمر تألقهم وشهرتهم عبر الزمان والمكان دليل صدق على تقدير النبوغ وشاهد اثبات على احترام البطولة. .
وعندما أثبتت تجارب التاريخ بأن البطولة لا تظهر فقط في الحروب والمعارك، وكثيرا ما تتجلى في أعمال الجاسوسية والمخابرات، فإننا نستطيع تصنيف بعض الأشخاص الذين نجحوا في ممارسة هذه المهنة وخاصة في إطار خدمة الشعوب الضعيفة ومصلحتها، نستطيع تصنيفهم في عداد الأبطال. وكان من بين هؤلاء بالطبع الكولونيل ستيغ فنرستروم. جاسوس الاتحاد السوفياتي في السويد.
لقد أحسنت الاستخبارات السوفياتية في التقائها اللمفتاح، الذي دخلت بواسطته الى إحراز النجاح الكبير في تجنيد فنرستروم لصالح موسكو، بعد أن اكتشفت الثغرة التي تحكم من خلالها قبضتها على جميع ما تحوزه من
اسرار.
ولقد برهن الروس فعلا في معاملتهم لهذا الرجل عن مهارة نفسية فائقة عبر استغلالهم الخيبة التي يبديها على الصعيد المسلكي واستناروا غروره ودعموا في كل مناسبة الفكرة العالمية التي يحملها عن نفسه.
ولم يطل الأمر حتى جعلوا منه عميلا من الدرجة الأولى، وفتحوا له رصيدة غير محدود ومنحوه لقب «النسر، الاصطلاحي ورتبة لواء، التي لم يكن له أي حظ في الحصول عليها في خدمة السويد.
وعندما تسلم فنرستروم عمله كملحق جوي سويدي في موسكو بتاريخ 27 يناير 1949 كانت المخابرات السوفياتية قد تغلغلت في جميع شرايينه وحتى في نخاع الشوكي.
ففي موسكو عهد إلى فنرستروم أن يتصل بضابط من مرتبة الأمراء عرفه باسم «بيوتر بافلوفتش ليمينوف، وتأثر فنرستروم تأثيرا عظيما بليمينوف الذي وصفه السويدي بأنه رجل ذو مقدرة تكاد تكون مغناطيسية على استمالة مساعديه اليه.
وعني ليمينوف بفنرستروم عناية خاصة وظل نقطة الاتصال الوحيدة بينه وبين مصالح المخابرات السوفياتية حتى النهاية.
وعندما غادر فنرستروم الاتحاد السوفياتي في عام 1902 بقي الرجلان على اتصال عن طريق المراسلة، حيث كانت مراسلاتهما فريدة من نوعها في تاريخ الجاسوسية، لان السويدي يؤكد أنه كان يكتب الى اليمينوف عن أخبار عائلته ويحدثه عن جولاته في المجتمع وعن كل همومه وشجونه. كان اليمينوف الرجل الوحيد الذي يستطيع أن يثق به إلى درجة جعلت العقيد نفسه يعترف بأنه عرف فيه أفضل صديق.
وقد التقط فنرستروم خلال اقامته في موسكو كافة الايضاحات الممكنة عن الدفاع الجوي البريطاني الذي كان يعتبره الروس أفضل دفاع في العالم. وبفضل اتصالاته بسفارة الولايات المتحدة كما يقول، استطاع أن يقدم للروم بعض المعلومات التي كان الأميركيون يجمعونها عن الأهداف في الأراضي السوفياتية.
وخلال الشهور التي سبقت سفره من موسكو عرف فنرستروم أن منصبه التالي سيكون في واشنطن، حيث لن يعمل كملحق جوي فقط بل سيشترك ايضا في شراء تجهيزات أميركية للطيران السويدي. وفد سر اللواء اليمينوف سرورة عظيمة بذلك حيث كان لديه عدد كبير من مهام معينة ليعهد بها الى فنرستروم في الولايات المتحدة أهمها الحصول على معلومات تكتيكية عن أخر التطورات الأميركية فيما يتعلق بالطائرات والصواريخ ومصوبات القصف والراديو والرادار والاجهزة الالكترونية الصغيرة.
وعلى الرغم من أن فنرستروم وصل الى واشنطن في 8 ابريل 1902 فإنه لم يستقبل زميله السوفياتي اللواء فيكتور كوفينوف إلا في اغسطس، حيث زاره في السفارة السويدية وأعطاه كلمة السر وهي (نيكولا فاسيليفيتش يرجوك أن تتذکره، ثم أعطاه ورقة ذكر فيها مكان لقائهما القادم. كان اللواء ككل من جاء بعده من ضباط الارتباط السوفيات الأخرين ينظم اتصاله - الذي يبدو مصادفة - مع فنرستروم في حديقة عامة أو في شارع وسط المدينة.: وفي كل مرة كان الرجلان يتظاهران بالدهشة لهذه المصادفة وبتصافحان
ثم يسيران معا بضعة خطوات. وكان فنرستروم الذي صور كافة الوثائق التي يريد تسليمها على فيلم مصغر - ميکروفيلم - يسلم لفيفة الفيلم الى كوفينوف أثناء المصافحة بينهما باليد. وكان يتخذ من سفارة السوفيات أيضا ميدانا العمليات التسليم وذلك خلال الاستقبالات الدبلوماسية الكبيرة، فكان فنرستروم يترك الأفلام في جيب معطفه الخارجي بغرفة المعاطف حيث يأتي کوفينوف التفريغ هذا الجيب على مهل.
وقد تسلم فنرستروم مبلغ خمسة آلاف دولار - كدفعة أولى - ويبلغ متوسط ما دفعه له مستخدموه السوفيات كما يقول خلال السنوات الخمس التي قضاها في واشنطن 700 دولار شهريا. وكان يحرص على عدم تبذير المال هنا وهناك. وكانت تودع في حساب مفتوح باسمه في موسكو مبالغ إضافية يمني نفسه بالانتفاع منها حين إحالته على المعاش. ولم يحدد أبدا الرقم الذي بلغته هذه المدخرات.
وبعد القبض على فنرستروم حاولت المخابرات الأميركية أن تعيد بناء مجده الغابر. وتزعم وزارة الخارجية أنها لا تعرف ما هي المعلومات التي نقلها فنرستروم الى الروس. وصرح روبرت مكنمارا وزير الدفاع أن نشاط الجاسوس السويدي لم يكن ذا شأن فيما يتعلق بالأسلحة الجارية الاستعمال،. ولكنه من الممكن أن يكون تلقى بعض المعلومات التي تتعلق بتصميم المعدات العسكرية الأميركية، وهذا أمر كثير الاحتمال لأن السويد كانت تشتري تجهيزات من الولايات المتحدة بمقتضى برنامج المعونة العسكرية وقد اعتادت وزارة الدفاع الأميركية أن تثق بالملحقين العسكريين السويديين.
ان سنوات 1957 - 1993 تمثل ذروة النشاط التجسسي الذي قام به فنرستروم. فبعد عودته الى ستوكهولم عين رئيسا لقسم القوات الجوية في قيادة الدفاع، وكانت تحال اليه بصورة روتينية في كل يوم كافة أنواع الوثائق السرية: خطط العمليات ومعلومات عن المنشات والأسلحة الحديثة واجهزة الدفاع الجوي. وكان مكلفا عدا ذلك بأن يبلغ وزير الدفاع عن الصواريخ الموجهة. وقد أتاح له هذا الأمر أن يتوصل الى الوثائق السرية الواردة من الولايات المتحدة - وربما بسهولة أكثر منها في واشنطن ورغما عن الرقابة فقد أمكن لفترستروم بالاستناد الى محضر وتصريحات الأوساط السويدية الكثيرة الاطلاع أن يحصل على فكرة عن مدى الأسرار العسكرية المسلمة الى الروس خلال هذه الفترة، فقد أنشي فنرستروم كل أسرار الدفاع الجوي السويدي، وهو نظام نصف تلقائي يضم الرادار والحاسبات الالكترونية التي تسجل طريق وسرعة أي طائرة مهاجمة. كما باع معلومات تتعلق بالمطاردات المضادة من نوع دريکن ج. 30 التي صنعت في السويد، كما زودهم أيضا تفصيلات فنية عن - فيجن - الحديثة، هذه الطائرة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت ويمكن أن تلعب دور مقاتلة أو قاذفة قنابل أو طائرة استطلاعية والتي كان يجب اعتبارها في النهاية دعامة طيران القتال السويدي.
واعتبارا من سنة 1959 بدات السويد في الحصول على الصواريخ الأميركية من نوع «سايدوندره وهي قذيفة صاروخية تطلق من الجو الى الجو وتسبق سرعة الصوت وتسلح بها طائرات - دريکن - وصواريخ الكون - وهي قذيفة صاروخية أكبر حجما تطلق من الجو الى الجو وصواريخ - هوك - وهي تطلق من الأرض إلى الجو في لحظة الدفاع ضد الطائرات المهاجمة التي تطير على ارتفاع منخفض.
واشترى السويديون أيضا صواريخ بريطانية من نوع - بلود هاوند - وهي قذيفة صاروخية تطلق من الأرض إلى الجو على ارتفاع شاهق.
وقد أرسل فنرستروم إلى موسكو معلومات سرية عن كل من هذه الأسلحة، كما زود الروس زيادة على ذلك في كل مرة يستطيعها بمعلومات عن النشاطات التي يقوم بها حلف الأطلسي مثل تعزيز القوات الأميركية في البحر الأبيض المتوسط ابان أزمة السويس ووضع الخطة الفورية لمواجهة التهديد السوفياتي لبرلين الغربية. وفي نهاية 1909 علمت مصلحة الأمن السويدي بان فترستروم أثار الشكوك بين بعض زملائه بفضوله الجشع حيال وثائق سرية تبدو انها تتعلق قط بعمله. وحصل «اوتو دانيلسون، مدير الأمن العام على اذن بمراقبة محادثات الكولونيل فنرستروم الهاتفية، كما وضعه هو نفسه أيضا تحت المراقبة بصورة متقطعة.
ولكن فنرستروم كان شديد الحذر جدا من أن يخاطر بنفسه في محادثة هاتفية ويبدو أنه كان يتمتع بحاسة سادسة أشعرته بوجود الشرطة. فقد مر دانيلسون ذات يوم وهو يركب سيارة جديدة من طراز مرسيدس بشارع صغير هاديء في الضاحية التي يقيم فيها الجاسوس، وكان هذا الأخير جالسا في سيارته الخاصة فاستدار بسيارته على الطريق وتبع سيارة الشرطة اذ بدا من الواضح أنه لاحظ انها سيارة غريبة في هذه الأنحاء.
وكانت الأدلة عن حالة فنرستروم المالية غير قاطعة أيضا. فقد أنفق زيادة على دخله حوالي 17500 کورون في عام 1960 وسنة آلاف کورون في عام 1961، ولكنه يحتمل أن والدي زوجته الغنيين كانا يساعدانه ماليا. وعلى الرغم من أنه لا يمكن توجيه أية نهمة اليه فإن الشرطة قد اهتمت اهتماما كافية لتحول دون تعيينه في منصب بمكنه من التجسس، وكان من المقرر أن يحال على التقاعد في يونيو 1991 ولكن كثيرا ما يتولى الضابط الذي يحال على التقاعد في السويد عملا مكتبية في مؤسسة عسكرية لزيادة معاشه، وقد تقدم فنرستروم في شهر مارس بطلب لتعيينه في عمل تفاعلي في هيئة أركان حرب القوات الجوية، وهو العمل الذي سيشغله بعد بوئيو 1991 والذي سيساعده للوصول إلى كل الوثائق السرية المتعلقة بالسلاح الجوي. ولكن وزارة الدفاع رفضت تعيينه في هذا المنصب بناء على عدم موافقة الأمن العام.
وقد وجد في النهاية عملا في وزارة الخارجية وعين فيها كمستشار الشؤون نزع السلاح للإشتراك في الأعمال التحضيرية لمؤتمر نزع السلاح في
جنيف، لأن المحاذير أقل لهذا المنصب بالنسبة لرجل تحوم حوله بعض الشكوك.
كان هذا القرار هو الأول في سلسلة من الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها الإدارة. وقد أبلغ وزير الخارجية السويدية راوستن اوندن، بالشكوك التي تحيط بفنرستروم. ولكن الشرطة خوفا من تسرب شيء من هذا الموضوع رفضت أن يذكر ذلك لأي شخص آخر في وزارة الخارجية فلم يعد اذن من الممكن مراقبة فنرستروم في عمله الجديد.
وما كاد يستقر فنرستروم في هذا العمل حتى بدا يقوم بزيارة زملائه القدامى في السلاح الجوي ويسألهم عن معلومات سرية. وكان يشرح لهم أنه يحتاج اليها للاستعانة بها في عمله كخبير في شؤون نزع السلاح. وكان يحصل غالبأ على المعلومات التي يريدها. وفي يوليو 1992 بذلت أخيرة محاولة لتحديد اطلاع فنرستروم على الوثائق السرية بحيث ينبغي أن يمر في المستقبل کل طلب من هذا النوع عن طريق رئيس مصلحة المخابرات العقيد - بوفستين - ولكن هنا حدثت فوضى جديدة اذ أن أحدا لم يبلغ هذا الأمر الى مصلحة النشر والمطبوعات في الدفاع الوطني حيث داب فنرستروم على جمع المعلومات السرية بحرية تامة.
ومع ذلك لم يكن لدى الشرطة أي دليل قوي ضده. كان لديه جهاز لاسلكي ذو موجات قصيرة. غير أن ابنة فنرستروم الصغرى أبلغت ذلك للشرطة بصورة عفوية عندما ذكرت في محادثة هاتفية أن والدها يملك أغرب جهاز راديو في العالم، لا يستقبل إلا الاتحاد السوفياتي فقط.
وكان يمكن للشرطة أن نحصل على مذكرة بتفتيش منزله، ولكنها كانت تخشى ألا تكتشف شيئا فتضيع القضية كلها. ولذا عمل دانيلسون وزملاؤه في مايو 1993 على الاتصال مع السيدة كارين روزين وهي خادمة تعتني بتدبير منزل أسرة فنرستروم لتشغيلها كمخبرة سرية. فقبلت أن تتعاون معهم بكل طيبة خاطر. ولو سبق للشرطة أن استعانت بها لأمكنها الظفر قبل ذلك بعام.
لقد ساورت الشكوك منذ وقت طويل، هذه السيدة الهادئة وهي امرأة في الخمسين من عمرها بسبب التجهيزات الغريبة التي يمتلكها وهي حامل کبير تتدلى فوقه صمامات كهربائية وجهاز تصوير، افترضت بحق أنه يستخدم في تصوير وثائق، وصندوق حديدي مخبأ خلف ستارة في حجرة المخزن، وجهاز راديو لم تر مثله في حياتها ثبت داخل مكتبه. وأوضحت السيدة أن الكولونيل فنرستروم كان يحتبس نفسه بعد أن يقفل عليه بالمفتاح ساعات طويلة للتصوير في الحجرة.
وبعد ذلك بشهر تقريبا اتصلت السيدة روزين في صباح أحد الأيام بالشرطة هاتفية تبلغها أنها عثرت على رزمين غريبتين تحت نشارة من الخشب في غرفة المؤونة العلوية حيث اكتشفت فيهما لفائف من الأفلام. وأخيرا حصلت الشرطة على الدلائل التي تساعدها على التدخل. وفي اليوم التالي كان فنرستروم قد اوقف
حدث الأمر في حينه اذ أن الكولونيل الجاسوس كان بتهيأ للهرب من البلاد وقد أنذره حادث طفيف وقع أثناء حفلة استقبال في السفارة البريطانية. فقد اقترب فنرستروم ببشاشة من اللواء (نورستن راب، القائد العام للقوات السويدية المسلحة الذي يعرفه منذ وقت طويل، ولكن دراب، عبس في وجهه وخاف فنرستروم فجأة من أن يكون اللواء قد شك بأمره. ولم يخطئ ظنه
بذلك.
وبعد القبض عليه زعم الكولونيل فنرستروم في البداية أنه عضو في جمعية سرية تعارض النظام الحاضر في الاتحاد السوفياتي. ثم أكد أنه كان بتجسس ضد الولايات المتحدة وليس ضد السويد. ولما لم تنجح هذه المزاعم انتقل الى الاعترافات. وخلال الأشهر الأربعة الأولى من التحقيق معه ظل يتظاهر بموقف مليء بالوقار
ولكن هذا الموقف ما لبث أن انهار في شهر اكتوبر عندما حاول أن ينتحر بابتلاع جرعة مميتة من الحبوب المنومة. ولو أنه نجح في ذلك الحصلت زوجته على معاش لانه لم يكن قد أدين بعد، وقد أثبت الفحص النفسي أنه سليم العقل تماما رغم انهياره العصبي. وبعد عدة أسابيع من العلاج النفسي السريع استعاد توازنه واستأنفت الشرطة التحقيق معه وقام معظم التحقيق بصورة عامة على عرض الوثائق السرية على المتهم وسؤاله عما اذا كان قد نقلها الى الاتحاد السوفياتي. وفنرستروم. لم يطلب الرحمة من المحكمة. وقال في لهجة لا تخلو من بعض الزهو والصلف: ران نشاطي کان جزءا من الجاسوسية العالمية التي تقوم بين الدول الكبرى والذي هو نفسه عامل من عوامل الحرب الباردة ثم أعلن قائلا: انني على استعداد لتحمل النتائج القضائية لأعمالي،،
وكان من الممكن أن تكون هذه النتائج أشد سوءا في بعض البلاد الأخرى. ولكن في السويد البلد الانساني فإن الحكم بالسجن المؤبد الذي صدر بحقه يعني الإفراج عنه بعد عشر سنوات او اثنتي عشرة سنة من سجنه اذا سلك سلوكا حسنة. ومع ذلك فقد أعلن اللواء راب بانه ينبغي حرف 290 مليون کورون لإصلاح الضرر الذي ألحقه بنظام البلاد الدفاعي
ويقول ايروين روس بهذا الصدد: كنت في ستوكهولم في يوليو 1994 بعد شهر من صدور الحكم عليه. وكانت الأوساط الحكومية لا تزال بعد تحت وطأة هذه القضية. وكان أقوى عتاب يمكن توجيهه الى المسؤولين أنها عينت فنرستروم في وزارة الخارجية على الرغم من الشكوك التي كانت لا تزال تثار حوله عندما كان في وزارة الدفاع. وهناك أمر لا يمكن تفسيره مطلقا وهو أن نعتقد بأننا مجبرون على الاحتفاظ به بعد. إحالته على المعاش في وظائف رسمية جسيمة المسؤوليات كهذه. والأمر الوحيد الذي يمكن تفسيره أن قليلا جدا من الموظفين كانوا يؤيدون الشكوك التي ثارت حوله.
وفي رايهم أن العقيد كان زميلا جديرة بالاحترام فكيف يمكن لهم أن يصدقوا أن جنديا قضى حياة حفلت كلها بخدمات رفيعة يمكن أن يخون بلاده؟ ومن الواضح أن الحكومة السويدية قد عالجت هذه القضية على أعلى صعيدها الرسمي بعدم اكتراث يصعب فهمه. ففي مطلع ابريل 1992 بعد أربعة عشر شهرا تقريبا من القبض على فترستروم جرى الاتفاق مع وزير العدل بان يطلع المدعي العام فيرنر راينجر رئيس الوزراء السويدي رتاج ايرلاندره على القضية، ولكن راينجر أصيب بمرض وتأجلت المقابلة الى 13 ابريل، وفي هذا اليوم انشغل رئيس الوزراء الى حد حال دون استقبال المدعي العام ولم يحاول أحد أن يعيد التجربة فيثير قضية فنرستروم مرة
أخرى.
وبعد قليل من توقيف الكولونيل اضطر رئيس الوزراء الى أن يصرح: يا للاسف انني لم أتلق أبدا ما يوحي بأن الأمر يتعلق بقضية هامة جدا.
وفي موضوع الجاسوسية يبدو أن كافة البلاد تحتاج الى هزة كبيرة لتفقد سذاجتها. فلم يعتقل في السويد خلال فترة ما بعد الحرب إلا جواسيس من مستوى صغير لم يكن لديهم غير مصادر محدودة للمعلومات. وقد كانت قضية فترستروم درسا خطيرة للسويد كما كانت قضية رهيس، للولايات المتحدة قبلها.
وأثبت الاتحاد السوفياتي عبر تجربته التجسسية بأنه قادر في كل لحظة على أن يشعر الولايات المتحدة الأميركية ودول حلف شمالي الأطلسي بأجمعها على أنها لا تستطيع التنفس إلا الهواء الذي يسمح لها به الاتحاد السوفياتي لرئتيها. وعدا ذلك فإنها مهددة بخطر الاختناق اذا مارس عليها الروس عملية حظر الهواء.
ويبدو أن ذلك أصبح الهاجس الكبير لدول المعسكر الامبريالي كله.
المراجع
1. ج. برنارد هاتون. مدرسة الجواسيس، ترجمة غسان درويش. المؤسسة
الوطنية للطباعة والنشر. بيروت 1913، ص 7 و 207 و 220. 2 - مجلة والشرطة السورية تصدر عن دائرة الشرطة في القطر العربي
السوري).









مصادر و المراجع :

١- موسوعة الامن والاستخبارات في العالم

المؤلف: د. صالح زهر الدين

الناشر: المركز الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت

الطبعة: الاولى

تاريخ النشر:2002 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید