المنشورات
أسرار الهجوم الإسرائيلي على السفينة الأميركية اليبرتي
منذ خمسة عشر عاما حدثت اكبر كارثة بحرية للاسطول الأميركي في زمن السلم، وذلك منذ غرق المدمرة دماين، عام 1898. وبينما لا يزال يذكر كل من له ذاكرة جيدة بعض التفاصيل عن الانفجار الذي أدى إلى الحرب الأميركية - الإسبانية والتي كان سيها المباشر إغراق تلك المدمرة، لا يتذكر أحد بالمقابل ذلك الهجوم الذي تعرضت له السفينة «ليبرتي، عام 1997 والذي أدى إلى مقتل 34 أميركية بإصابة 171 آخرين ووضع النهاية لمشروع لم يكتمل استثماره بتخصيص مجموعة من السفن للتجسس الإلكتروني في أوقات السلم.
في عام 1997 کلفت وزارة الدفاع الأميركية أسطولا من سفن التجسس الإلكتروني الأميركية بمهمة جمع المعلومات عن كافة أنحاء العالم. وكان هذا الأسطول بشمل السفن التالية: اوكسفورد - جورج تاون - جيمس تاون. وهي سفن مصممة لهذا الغرض، وكذلك الأمر بالنسبة لبلمونت وليبرتي. أما السفن بايز بويبلو - بالم بيتش، فهي سفن ذات هيکل قياس 180 قدما حولت لتصبح سفن تجسس. وهناك السفن (بريفيت جوزفالديز) و (سرجنت جوزيف مولار). وهي ذات طاقم مدني امير کي، قياس هيکلها 338 قدما عدلت لتصبح سفن تجسس.
في حزيران 1997، ازداد التوتر بسرعة في منطقة الشرق الأوسط أمام حرب متوقعة عرفت بحرب الأيام الستة فيما بعد. نحولت السفينة اليبرتي، مسارها من الساحل الغربي للقارة الإفريقية، حيث كانت تقوم بدورياتها المعتادة، وتوجهت إلى منطقة غزة على الساحل الشرقي للمتوسط، للقيام بأعمال الدورية وقد استغرقت الرحلة المذكورة 16 يوما من الإبحار السريع. وعندما وصلت السفينة (ليبرتي) إلى مكانها المحدد، كان قد مضى على الحرب أربعة أيام.
يقول أحد الضباط: كنت أنا ضابط التجهيزات الإلكترونية على السفينة ليبرتي،. وكان عمري حينئذ 34 عاما، خدمت خلالها في البحرية برتبة ملازم باختصاص الشيفرة. وقد عينت بسرعة في منصب ضابط سطح السفينة في حالات الإبحار الخاصة والمناوبات.
وعند اقتراب السفينة لمسافة 13 ميلا من الشواطئ المصرية - الإسرائيلية، کنت مناوبة مسؤولا عن سطح السفينة لفترة ما بعد الظهيرة.
ما حدث خلال الليل نامت طائرات عسكرية إسرائيلية باستطلاع السفينة طوال الليل، وقبل حلول منتصفه، لاحظ مراقب الشيفرة الذي يعمل على السفينة (ليبرتي) انطلاق إشارة رادارية خاصة بالتحكم لإطلاق النار موجهة نحو السفينة من إحدى الطائرات التي كانت تحوم حولها. ورفض المراقب المناوب أن يصدق بأن القوات الإسرائيلية يمكنها أن توجه مثل هذه الإشارة الرادارية نحو سفينة أميركية، وأصر على أن مراقب الشيفرة قد أخطا في تفسير الإشارة وهكذا لم يدون شيئا عنها في سجل السفينة.
ونحو الساعة السابعة صباحا استلمت المناوبة على السطح وقد قبل لي بان هناك طائرة شحن، عرفنا بعد ذلك أنها طائرة استطلاع إسرائيلية طراز (نور اطلس 2001) نامت عند شروق الشمس بالدوران حول السفينة، على ارتفاع بسيط. فقمت عندئذ بالكشف على الأعلام المميزة للسفينة فوجدتها متسخة وغير واضحة بسبب الإبحار المستمر عدة أيام، وأمرت باستبدالها. كما أضفت علمين على البرج وأمرت البحارة بمراقبتها والتأكد من إبقائها منبسطة دائمة لمعرفة هوية السفينة من قبل طائرات الاستطلاع وسفن الاستطلاع.
وفي الساعة التاسعة صباحا وصلت السفينة إلى النقطة (ألفا). وهي أقصى مكان في المسار المحدد للدورية نحو الشمال. أمرت بالاستدارة نحو الجنوب، وخفضت السرعة إلى خمس عقد. وفي تلك اللحظة قامت إحدى الطائرات النفاثة الإسرائيلية بالدوران الاستكشافي حول السفينة وعلى الفور قمت بنفسي بالتأكد من وجود العلم المرفوع عليها، فوجدته واضحة تماما يرفرف مع نسمة الهواء التي كنا نواجهها بسرعة} عقد، مما يعطي العلم ريحا سرعتها و عقد وهي تفوق السرعة اللازمة لجعل الراية خفاقة. وخلال الساعات التي تلت كانت سرعة الريح تزداد باستمرار، حتى بلغت 12 عقدة عند السارية، وكان ذلك قبل الهجوم على السفينة مباشرة
ونحو الساعة العاشرة صباحأ حلقت طائرتان إسرائيلينان تفائتان من طراز ميراج فوق السفينة على ارتفاع منخفض، تحمل كل منهما 18 صاروخا تحت كل جناح من جناحيها وسمعنا أحد الطيارين يبلغ القيادة الإسرائيلية العامة باللاسلكي بان سفينتنا تحمل العلم الأميركي. ولم يكن ذلك بالشيء الجديد بالنسبة لتلك القيادة. فالضابط المسؤول في غرفة عمليات القيادة الإسرائيلية، عرف. كما نعتقد - هوية سفينتنا مسبقا ورسم مسارها على خريطة حائطية كبيرة، ودون اسمها وسرعتها عليها، إضافة إلى موجز عن مهمتها التجسسية. وحسبما عرفناه فيما بعد من التقارير العديدة - بأن رد الفعل الإسرائيلي المباشر لوجود سفينتا كان التذمر المرير والاحتجاج على حكومة الولايات المتحدة الأميركية عن طريق وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (C
I . A)، والطلب بتحريك السفينة على الفور وإخراجها من المنطقة. وفي الواقع، قامت حكومة الولايات المتحدة بمحاولات عديدة وملحة لتحريك السفينة من المنطقة، واخفقت التعليمات كلها في الوصول إلى السفينة.
وعندما وصلت السفينة مقابل ساحل غزة وجه رئيس هيئة الاتصالات الأميركية رسالة ذات أفضلية تأمر السفينة (ليبرتي) بالتحرك مسافة 20 ميلا عن الساحل، لكن هذه الرسالة (كما عرفنا فيما بعد)، قد تأخر إرسالها بسبب بعض الرسائل الأخرى التي اعتبرت أن لها الأفضلية عليها، فلم تصل السفينة، إلا بعد انتهاء القصف بوقت طويل.
وبعد عدة ساعات (كما علمنا بعد ذلك)، أوعز الضابط المناوب في قيادة القرى البحرية الأميركية في لندن إلى القيادة العامة بإرسال أمر مستعجل إلى السفينة ليبرتي للابتعاد مسافة 100 ميل عن الشاطئ، لكن طلبه الهاتفي أهمل كما أن نسخة الأمر التي وجهها إلى السفينة ليبرتي) على سبيل الاطلاع قد ارسلت إلى جهة أخرى في الفيليبين، قبل إعادتها ثانية إلى البنتاغون الذي أعاد إرسالها مرة ثالثة، وخطا، إلى قلعة (ميد) في ولاية ميريدند) حيث ضاعت. - حاملة الطائرات امير کا، رفضت الاستجابة لنداء الاستغاثة الذي وجهه إليها بحارة السفينة اليبرتي، بحجة أنها تلقت أوامر عليا بالتريث في التنفيذ!: ست رسائل مستعجلة وحرجة على الأقل، ضاعت أو تأخر إرسالها أو وجهت إلى جهة أخرى، وكان من الممكن أن تكون أي رسالة منها سببا في إنقاذ السفينة (ليبرتي) إلا أنه لم يصل إليها أي شيء من هذا القبيل.
وفي خلال الساعات الأربع التالية قامت طائرات إسرائيلية، لخمس مرات، بالتحليق الاستطلاعي حول السفينة، وكانت تقترب منها كثيرة حتى أننا كنا نرى الطيار احيانا. وفي إحدى المرات كان قائد السفينة على البرج عندما اقتربت طائرة إسرائيلية من طراز نور أطلس، وحلقت على مستوى سارية السفينة وهذا ما دعاه إلى تحذيري من قصف متوقع، ونظرا لشدة انخفاض مستوى تحليقها فقد اهتزت الواح السفينة لكن ما كان بعيد إلى نفوسنا الاطمئنان، كل مرة، هو قناعتنا بان إسرائيل هي حليفتنا. ومع أن العديد من الدول العربية كانت على علاقة حسنة مع الولايات المتحدة، إلا أننا كنا واثقين من أن إسرائيل كانت مسيطرة سيطرة تامة على الجو في المنطقة وكنا في بعض الحالات مطمئنين لقيام الطائرات الإسرائيلية بمراقبتنا عن قرب، إذ كنا نعتقد بأنها سندافع عنا. عند الضرورة، وعند تعرضنا لأي هجوم، كما کنا واثقين من عدم حدوث خطا نكون نحن ضحينه. الساعة 14
00: و بعد أن تركت المراقبة في الظهيرة وأثناء وجودي في غرفة المراقبة للسفينة، أمضيت ساعة الظهر في إعداد برنامج التدريب، بدءا من الساعة 13?00 وحتى الساعة 14 , 00، أكملت خلالها كتابة حلفات التدريب والأعمال اليومية العادية. وبينما كنت أستعد للنزول إلى أسفل السفينة، بعد فترة سبع ساعات من العمل في غرفة المراقبة، التقطت أجهزة الرادار المتواجدة في السفينة ظهور ثلاث طائرات وثلاث أخرى تطير على ارتفاع منخفض منتجهة نحو السفينة من جانبها الأيمن. وبعد لحظات تعرضت السفينة الهجوم عنيف ومستمر من طائرات نفاثة إسرائيلية من طراز ميراج امطرتنا برشقات من اربعة مدافع رشاشة عيار 50 أدت إلى تلف الهوائيات اللاسلكية، ثم تبعتها طائرات إسرائيلية أبطا من طراز ميستر وألفت علينا قذائف أدت إلى إلحاق أضرار في مدخنة السفينة وإحداث فتحة في غرفة القيادة، ثم اتبعتها بحجم من قذائف النابالم. وعندما قام الفنيون بإجراء إصلاح سريع للهوائي، كي نتمكن من طلب النجدة، وجدوا أن الترددات في الجو مليئة بإشارات التشويش الصادرة عن الطائرات النفاثة الإسرائيلية المهاجمة. وقد عمد الفنيون إلى إبقاء الميكروفون قريبا من سطح السفينة وكانوا ينحنون على أيديهم وأرجلهم هربا من النار والدخان، وفي أقل من تسع دقائق، تمكنوا من إيجاد طريقة لاختراق التشويش اللاسلكي المضروب حول السفينة واتصلوا بحاملة الطائرات (ساراتوغا) التي كانت على بعد 500 ميل ضمن الأسطول السادس، قرب جزيرة كريت، وكانت هذه أول سفينة ترد على نداء الاستغاثة
وفي غرفة القيادة على الحاملة (ساراتوغا)، قام الكابتن (جوزيف توللي) بسرعة بإبلاغ رسالة السفينة اليبرتي، إلى نائب قائد الأسطول السادس الأميركي الأميرال (وليام مارتن)، الذي كان في غرفة القيادة على سفينة يراقب تمارين بحارته، ونظرة الأهمية الرسالة وخطورتها فقد ارسل الكابتن توللي رسالته مباشرة إلى الأميرال (مارتن) عن طريق الاتصال المباشر بين القادة ثم أكدها برسالة خطية لاسلكية، وأخرى بواسطة الإشارات الضوئية كما أرسل نسخة منها إلى قيادة القوى البحرية في واشطن ولندن.
أصدر الأميرال مارتن، اوامره على الفور، إلى حاملتي الطائرات «ساراتوغا و «أميركا، لتحليق طائرات للدفاع عن السفينة اليبرتيا، ولكن بعد إصدار الأمر قامت الحاملة «ساراتوغا فقط بالتنفيذ بينما لم تطلب حاملة الطائرات أميركا، من طائراتها التحليق، ما عدا بعض طائرات الفانتوم (F 4) التي كانت تحلق سابقا كدورية لحماية الأسطول. وكما علمنا فيما بعد، كانت حاملة الطائرات اميرکا، قد تلقت تفريرة بالتريث في التنفيذ والتأكد من عدم الوقوع في البلبلة التي تملكت الأسطول في تلك اللحظة. وقد اعتقد بعضهم بأن التمنع عن إرسال الطائرات من سطح الحاملة «أميركا يعود سببه إلى كونها تحمل قذائف تروية مما يؤخر ندخلها حتى مرحلة لاحقة لكننا علمنا بأن ذلك غير صحيح، وأن حاملة الطائرات المذكورة لم تستجب لطلب النجدة. وارسل الكابتن توللي، رسالة ضوئية إلى قائد حاملة الطائرات أميركا، الكابتن
دونالدانجن، ولكنه لم يتلق ردا عليها. وبعد لحظات طلب الأميرال الورانس جيزه عودة الطائرات التي انطلقت من حاملة الطائرات اسار اتوغا، بوصفه قائدة لقوى حاملات الطائرات الأميركية، ولما كانت حاملة الطائرات راميركان غير متناهبة للتدخل وأسلحتها غير جاهزة، فقد بدأت بنقل الأسلحة والعتاد من أسفل السفينة إلى السطح، بينما طلب من الحاملة «ساراتوغاء التي كانت جاهزة للتدخل لحماية السفينة «ليبرتيا أن تتريث (بانتظار وصول موافقة البيت الأبيض كما هو واضح). في تلك الأثناء وخلال غياب نوة الدفاع الجوي للأسطول السادس الأميركي، وصلت ثلاثة زوارق طوربيد إسرائيلية إلى موقع السفينة لإنهاء المهمة كما خطط لها. وكانت السفينة - الهدف) تلتهب وتشتعل بها النيران بعد 20 - 30 دقيقة من بدء الهجوم عليها. نقد تحطمت الهوائيات فيها من جراء قصفها بالقذائف وقنابل النابالم من قبل 12 طائرة إسرائيلية تقريبا
اقتربت الزوارق من الهدف وكانت تسير بسرعة عالية وأطلقت طوربيدات من مسافة 2000 باردة إلا أنه بسبب تواجد زورقين على مسافة قريبة جدأ أحدهما من الأخر، وخوفا من حدوث صدام بينهما لحظة إطلاق القذائف، اخطات قذيفة الزورق الأول هدفها ومر الطوربيد بسلام على بعد 20 قدما من السفينة. أما قذيفة الزورق الثاني فقد مرت بالقرب من مقدمة السفينة واختفت محدثة هديرة يشبه صوت الزورق الطائر، سمعه بوضوح الضابط بريك ايميني، الذي كان يقف مندهشا في المقدمة. أما قذيفة الزورق الثالث، فقد أصابت السفينة إصابة مباشرة وتسببت في مقتل 20 رجل على الفور وحصار (50) رجل على الأقل في كبائنهم التي ارتفع فيها الماء الساعة 10, 10:
بعد حدوث المعجزة بمحافظة السفينة (ليبرتي) على نفسها عائمة، برغم وجود فتحة بقياس 40 قدم على جانبيها قام الرجال الموجودون على ظهور قوارب الطوربيد الإسرائيلية بإطلاق النار لمدة 40 دقيقة من الرشاشات الآلية، على الرجال الذين كانوا يقومون بمكافحة النيران على ظهر السفينة، وعلى الرجال الذين كانوا يقدمون الإسعافات للمصابين، بينما كانوا هم يراقبون السفينة وهي تغرق رويدا رويدا.
وأخيرة وفي الساعة 10, 10 صدر أمر من غرفة قيادة السفينة بالاستعداد لإخلائها تقذف البحارة ثلاثة قوارب مطاطية، بعد أن ربطوها بجسم السفينة وقد قام رجال زوارق الطوربيد الإسرائيلية بإطلاق النار على القوارب واعطبوا أحدها، قبل أن ينسحبوا إلى قاعدتهم في أشدود،،اصبحت السفينة (ليبرتي) وحيدة وهي تشتعل، مينة عاجزة عن الحركة في الماء تغرق رويدا رويدا وكان الاتصال فيها معدومة وعلى متنها 34 رجلا ميتة أو محتضراء من بحارتها، بينما جرح 171 رجلا ولم يكن هناك أي إشارة من الأسطول السادس الأميركي الذي كان منذ ثلاثة أيام فقط، قد رفض طلبا من السفينة (ليبرتي) لإرسال مدمرة لحمايتها في مهمتها ووعد أنذاك بإرسال قرى الدعم الجوي، خلال عشر دقائق فقط، من طلب الاستغاثة عند تعرضها للخطر. الساعة 10?45: في الساعة 10 , 45 وبعد أن مضت 11 دقيقة على تسلم الأسطول السادس النداء الاستغاثة من السفينة «ليبرتي)، ارسل البيت الأبيض تفويضا لحمايتها، وفوض الطيارون باستخدام القوة عند الضرورة، وشرحت لهم المهمة بكل وضوح، وفي تلك الأثناء تقريبا قامت الحكومة الإسرائيلية بإبلاغ الملحق البحري الأميركي بأن القوات الإسرائيلية تهاجمت خطا سفينة أميركية وبأنها تأسف لذلك وتعتذر. الساعة 19
, 32:
وفي الساعة 19?32 عادت الزوارق الطوربيد الإسرائيلية إلى السفينة اليبرتي،، وسأل رجالها بحارة السفينة عما إذا كانوا بحاجة للمساعدة لكن الرد جاءهم بالنفي، وبذلك انتهى الهجوم الذي استمر ساعتين ونصف. بداية تغطية الموقف:
بعد بضع ساعات بدأت معالجة الموقف، فأعلن وزير الدفاع أن مكتبه فقط هو المفوض بإعطاء معلومات عن الهجوم وقد كرر هذا الأمر وأعيد من خلال سلسلة من الأوامر الإخرى. وكان بحارة السفينة اليبرتي، ينبهون يوميا إلى عدم ذكر أي شيء عن الهجوم، لأي شخص كان حتى لأفراد أسرهم وبأن محكمة ستقوم بالتحقيق في الموضوع وإن عليهم أن لا يبوحوا بكلمة حتى انتهاء هذا التحقيق. وقد عقدت المحكمة جلساتها خارج السفينة التي كان يجري إصلاحها في مالطة، واستمعت إلى بعض الشهود الذين أدلوا بشهادتهم ذات القيمة الكبيرة. ولم يستدع للشهادة، بشكل خاص، الأشخاص الذين كان من الممكن أن يدلوا بمعلوماتهم عن تعرض السفينة للاستطلاع عدة مرات قبل الهجوم عليها. كما أن شهادتي التي ثبتها، بعد أداء القسم، قرئت في المحكمة، لكنها لم تدون في وقائع الجلسات وأعيد ندوين السجلات اليومية التي دونتها على السفينة أثناء غيابي، وبدون علمي، وحذف منها كل شيء يتعلق باستطلاع الطائرات الإسرائيلية للسفينة قبل الهجوم وخلال مناوبتي. كما لم يسجل في وقائع الجلسات كل ما ذكر في سجلات السفينة من حيث قيام الطائرات الإسرائيلية بالاستطلاع ولم يؤخذ بذلك كوثائق للقضية.
وعلى الرغم من وجود دلائل كثيرة وغزيرة مذكورة في السجلات فإن ذلك يستوجب إجراء دراسة عميقة ومعرفة كبيرة لما ذكر من معلومات متنوعة ومختلطة حتى يمكن فهم ما حدث فعلا، ويعكس السجل التقارير الخاصة لعديد من الضباط ورؤساء الوحدات في السفينة الذين شهدوا أمام المحكمة على قيام الطائرات الإسرائيلية بعمليات الاستطلاع المتعددة على ارتفاعات منخفضة كما وصف هؤلاء حالة راية السفينة التي كانت ترفرف بحرية في ظروف رباح جيدة ورؤية واضحة، كما أن السجل يحتوي على وصف تفصيلي لعملية الهجوم المنظم الذي يتم بالتعاون التام بين القوات المهاجمة والذي خطط له مسبقا وهو يتضمن تقارير من رجال اللاسلكي، في التشويش القوي المتعمد لمنع السفينة من طلب النجدة، إضافة إلى تضمينه تقريرا في الاعتذار الإسرائيلي عن الهجوم الذي قامت به والذي لا يمكن الاقتناع بأنه كان نتيجة خطا. لكن لسوء الحظ لم تجد أي من هذه الحقائق طريقها إلى المواطن الأميركي والرأي العام الأميركي لأنها أحيطت بالكتمان الشديد وأقفل عليها بعيدا عن أعين الصحفيين خوفا من الوصول إليها ووضعت بدلا منها معلومات تدعم الادعاء الرسمي الذي يؤكد من أن الهجوم كان خطا وغير متعمد، أما المعلومات الأخرى فقد أقفل عليها وحفظت في السرداب الخاص بالسري للغاية العائد لقاضي البحرية العام. إدارة الرئيس جونسون دعمت المقولة الإسرائيلية بأن الهجوم كان قصير الأمد ومحدودة ... وتم بشكل خاطئ
وفي تلك الأثناء قامت حكومتنا بالاحتجاج المرير الشديد، لدى الحكومة الإسرائيلية، وتم ذلك بسرية تامة، فقد أشارت إلى أن السفينة اليبرتي، قد تم استطلاعها من قبل الطائرات الإسرائيلية قبل وقوع الهجوم، ووصفت العملية رسمية بأنها هجوم غير منسم بالمسؤولية، ويجب أن تدان باعتبارها عملا عسكريا، يعكس الاستهانة بالحياة البشرية بشكل وحشي وغير مسؤول. وقد تم الاحتجاج فقط من خلال الاتصالات الدبلوماسية أما على صعيد الأعلام، فإن إدارة الرئيس جونسون قد دعمت المقولة بأن الهجوم كان قصير الأمد ومحدودة ونم بشكل خاطئ.
وبدلا من القول بوضوح أن طائرات إسرائيلية محلقة على ارتفاع 200 قدم قامت باستطلاع السفينة مباشرة ولعدة مرات فأبلغت حكومة الولايات المتحدة الصحافة بأن الهجوم سيبه خطا في تحديد هوية السفينة وقعت فيه طائرات استطلاع إسرائيلية كانت تحلق بعيدا عن السفينة.
وأهملت إدارة الرئيس جونسون كل الشهادات والتقارير التي قدمها ضباط السفينة وأبلغت الصحافة أن سبب الخطا في تحديد هوية السفينة مرده إلى عدم وضوح العلم الموجود فوقها في يوم ساكن الريح على الرغم من أن الرياح كانت سرعتها 12 عقدة في ذلك اليوم
وبدلا من وصف الهجوم الطويل الأمد الذي تم خلاله تعاون القوات المهاجمة تعاونة دقيقة جعل السفينة عرضة للقصف الشديد لمدة 70 دقيقة، ورغم النداءات والاستغاثات اليائسة لطلب النجدة لمدة 70 دقيقة أخرى، فإن الحكومة الأميركية وصفته بقولها إنه هجوم جوي استمر لمدة 5 دقائق، وإنه انتهى عندما اقتربت زوارق الطوربيد الإسرائيلية من السفينة وتمكنت من مشاهدة العلم الأميركي عليها وتحققت من هويتها. كما كررت الحكومة الأميركية المزاعم الإسرائيلية بأن السفينة اليبرتي، قد هوجمت بعد أن اعتقدت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية أنها السفينة المصرية الشاحنة
القصير، ولكنها نسيت أن نوضح أنها قديمة لنقل المواشي وعمرها 40 عاما وأنها راسية معطلة في الإسكندرية ومنفردة وانه سرعان ما تم بيعها كخردة وأنها في ذلك الوقت لا تكاد تستطيع مبارحة مكانها ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تشبه السفينة اليرنيا منع بحارة السفينة من الكلام
كان بحارة السفينة ليبرتي، قد أبلغوا عندما بدات عمليات تغطية الموقف، إنه سيكون بإمكانهم التكلم للصحافة بحرية عن الحادث، وذلك فور انتهاء أعمال التحقيق في الموصوع، إلا أن ذلك لم يحدث قط. وقد انتظر بحارة السفينة طوبة، ليسمح لهم بحرية التكلم إلا أن صدور العديد من الأوامر والتعليمات الناهية أثبت أنه لن تكون هناك حرية للتكلم في هذا الموضوع على الإطلاق. وأبلغ الرجال بأنه يمكنهم التحدث بكل ما يمكن أن يدعم أقوال المحكمة مع التشدد في استعمال كلماتها ذاتها.
لذلك أبلغ البحارة، من خلال الأوامر اليومية التي تقرأ عليهم، بأن يقولوا عندما
سيفصح عنها من خلال مقابلات صحفية لاحقة.
أما عن الحقائق حول التشويش اللاسلكي واستخدام قنابل النابالم وتدمير قوارب النجاة الأميركية، وعدم وصول القوات الأميركية إلا بعد ساعتين ونصف من إطلاق نداء الاستغاثة وأن الهجوم قد اعتبره البحارة كافة مدبرة ومبينة ومدروسة، فقد حذفت كلها، مع تفاصيلها من البيان الحكومي ومن تقرير المحكمة التي حققت في الموضوع. لذلك كان على البحارة عدم الخوض باي من هذه الحقائق. أما أنا فأعتقد بأن هذه الأوامر تبتعد كثيرا عن كونها أوامر لضمان الأمن القومي كما أنها يمكن أن تعتبر أوامر غير قانونية إلا أنهم تمكنوا من إخافة البحارة وكتموا القصة الحقيقية السنوات عديدة.
والسؤال الآن ماذا كان ثمن الهجوم على ليبرتي؟
أولا: تزعزعت ثقة البحارة الذين يعلمون الحقيقة سواء من كان منهم على السفينة «ليبرتي، أو خارجها. وقد أبلغني بعض البحارة الناجين، انهم قرروا الاستقالة من البحرية، بسبب الهجوم المرعب الذي تعرضوا له وعدم تدخل أحد لإنقاذهم، كما أبلغني أحد ضباط السفينة أنه لم يسمح لابنه بالخدمة في الجيش، لأنه لم يعد بشعر بالثقة بأن بلاده سوف تدعمه عند تعرضه لهجوم. ولكن الدرس الأهم الذي لم تتعظ به القيادة الأميركية هو ما حدث بعد انقضاء مدة سبعة أشهر على الهجوم على ليبرتي، عندما تعرضت للهجوم سفينة التجسس الأميركية «بويبلو، التي يقودها القائد اليويد بوخر، والتي كانت تبحر من اليابان إلى كوريا الشمالية في مهمة تجسسية، وكان الهجوم مشابها لما تعرضت له السفينة «ليبرتي، وكان بحارة تلك السفينة يجهلون استخدام المدافع الرشاشة ولم يتدربوا عليها، وأكتفي بتزويدهم با 100 وحدة نارية من الذخيرة وطلب منه رؤساؤه أن يغطي المدافع الرشاشة حتى لا تظهر السفينة بمظهر السفينة الحربية وقد قيل له بأن الطائرات الأميركية ستنطلق للدفاع عنه خلال دقائق من طلب النجدة في حال تعرض السفينة للهجوم ولكن عندما وقع ذلك أخفقت الطائرات المدافعة في الوصول إليه مثلما حدث مع السفينة «ليبرتي،، ويعتقد الآن القائد «بوخره بأن ما حدث مع «ليبرتي، أصبح، معروفة على حقيقته لدى البحارة الذين كانوا على السفينة بويبلوه، وما دامت مأساة تلك السفينة قد انتهت بشكل يختلف عما وقع لا ليبرتي، واختلفت في ظروف مشابهة للهجوم عليها، فقد كان رد الفعل الأميركي وأحدة، أي غير حاسم. الجهود التي عملت من خلف الكواليس:
حتي قبل احتجاز السفينة بويبلوه، كانت الحكومة الأميركية قد اتخذت خطوات من خلف الكواليس لحماية سفن التجسس ولا سيما تلك التي تعمل في مناطق خطرة فمثلا سفينة التجسس، سرجانت «مولر» العاملة قرب کوبا نمت حمايتها بالمدمرة
اسکورته. وتم التعميم على السفن بطلاء العلم الأميركي على جسم السفينة و برجها بوضوح لضمان التعرف على هوية السفينة. لكن عندما تبين بعد ذلك أن تأمين الحماية لسفن التجسس سوف يكلف مبالغ باهظة، اتخذ قرار بإلغاء برنامج البحث العلمي (سفن التجسس)، لكن الخسارة القومية كانت عظيمة من حيث توقف سيل المعلومات التجسسية، صحيح أن هناك حلوة أخرى، إنما من الواضح أنه ليس هناك ما يعوض فقدان وجود 300 رجل أو أكثر على سفينة تبتعد أميالا قليلة عن مصدر التجسس وتستمر لأيام أو لأسابيع في المراقبة، مع إمكان نقل المعلومات على الفور إلى الوطن، وبذلك يتوقف برنامج سفن التجسس وينتهي عصر فريد لجمع المعلومات التجسسية، وعلاوة على خسارة المعلومات التي يمكن جمعها، تستطيع سفن التجسس كذلك تحديد مكان قوة الأمواج الهرومغناطيسية وتقديرها وجمعها بحيث يمكن معرفة خصائم الاتصالات اللاسلكية في ذلك البلد ومعرفة التقدم الذي أحرزته شبكة الاتصالات اللاسلكية فيه، ولا يمكن تحديد مدى الخسارة الفعلية إلا عندما نواجه في المستقبل تهديدا من خلال نظام اتصالات الكتروني حديث، ليس لدينا طريقة معروفة للتشويش عليه والدفاع ضده.
وينهي الضابط الأميركي حديثه قائلا: ايمكن أن نستخلص من الدروس المستقاة من الهجوم على السفينة اليبرتي، أن أي دولة مهما كانت تبدي من صداقة ورود للولايات المتحدة الأميركية هي بالحقيقة دولة غريبة ذات استقلال تهمها مصلحة مواطنيها ومصلحتها قبل أي شيء آخر، عندما تتعرض للاختبار، ولا يمكن الاعتماد على ولاء هذه الدولة ولا سيما عندما تعتقد بأننا نقوم نجاهها بأعمال غير ودية، كمراقبة استعداداتها الحربية السرية من موقع محايد، لأنه في تلك الحالة يجب أن نكون مستعدين لحماية من كلفناهم بالمراقبة من أي هجوم قد يتعرضون إليه، ولكن نظرة لان البلد هي دولة إسرائيل في هذه الحالة، ولأن هذه الدولة ندعمها الولايات المتحدة دعما قوية ومستمرة، ولان مراقبتنا لها يمكن أن تؤدي إلى تداعي سرية أنظمة اتصالاتها وقياداتها المتواضعين لذلك، فإن الهجوم على السفينة «ليبرتي، كان فقط من الناحية السياسية مقبولا
ولهذا، فإن الدروس والعبر المأخوذة من الحروب والدبلوماسية والسياسة والتاريخ تظل غامضة.
(استراتيجيا، العد 12 شماط، 1983) سفينة ليبرنيا:
برقية اسرية، إلى وزارة الخارجية رقم 20317، من السفارة الأميركية في باريس إلى وزير الخارجية، بتاريخ 17 حزيران/يونيو 1997، ملف الأمن القومي، أزمة الشرق الأوسط، ملف سفينة ليبرتي،، مكتبة ليندون باينس جونسون. تم نزع صفة السرية عنها في 14 شباط / فبراير 1983، بطلب من كاتب هذه السطور.
إلى نائب وزير الخارجية روستو من كليفلاند. الموضوع: الهجوم الإسرائيلي على اليبرتي،. المرجع: وزارة الخارجية 211972، وخصوصا الفقرة ه من وزارة الخارجية
212139
1 - بصرف النظر عن الخبر الصادر في باب بيريسكوب، في مجلة Newsweek
فالملاحظات التي أدلى بها الوزير إلى بروزير وعدد من وزراء الخارجية في لوكسمبورغ عن معرفة إسرائيل المسبقة بأن ليبرتي، سفينة أميركية، قد أثارت فضولا كبيرا في أوساط الوفود إلى الحلف. أكون شاكرة لو أشرتم على بالحد الذي يمكنني الوصول إليه في إشباع هذا الفضول والزمن الملائم لذلك 2 - وعلى وجه الخصوص، لربما يجب أن أبلغ مجلس علف ناتو بالنتائج التي
توصلت إليها محكمة التحقيق الأميركية، إذا سمح الوقت بذلك قبل نشره في الصحف.
مصادر و المراجع :
١- موسوعة الامن
والاستخبارات في العالم
المؤلف: د. صالح
زهر الدين
الناشر: المركز
الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت
الطبعة: الاولى
تاريخ النشر:2002
م
2 أبريل 2024
تعليقات (0)