المنشورات
عملية أنصارية والفشل الموسادي الفظيع
كثيرا ما يؤدي الغرور لدى البعض وتصوراته الخاطئة إلى كوارث لم تكن في الحسبان عنده. وهذا ما ينطبق بشكل كبير على العقلية العسكرية الاسرائيلية والموسادية تجاه لبنان، وفق منظور سابق يتمثل باعتبار هذا اللبنان بمثابة "الحلقة الأضعف في السلسلة العربية، والتي يمكن من خلالها تحقيق ما لا يستطاع تحقيقه على جبهات عربية اخرى؛ وعلى اساس هذا الاعتبار، ساد اعتقاد اسرائيلي عام تمثل في مقولة أخذت طابع "المسلمات البديهيات مفادها أن الحرب في لبنان هي "نزهه" أو "رحلة ترفيهية" أو "عمل سياحي" من نوع خاص ... مع العلم أن الوصول بالأمور إلى هذا الحد من "إلغاء الآخر" إلغاء تاما، وكأنه جسد ميت، غير مدفون، في كل الأوقات والاماكن، يعتبر الغرور القاتل" في قاموس الحروب والعمل العسكري ... رقد دفعت القوات الإسرائيلية والموساد ثمنا باهظة الغرورها " هذا في لبنان، في أكثر من موقع، وفي أكثر من مرة ... ولعل عملية أنصارية في جنوب لبنان، في الخامس من شهر أيلول 1997، هي النموذج الحي على مهزلة "السوبر مانية" العسكرية الاسرائيلية والموسادية على حد سواء، وكأن العبر والدروس التي يجب استخلاصها من الاحداث والتجارب، لا وجود لها في قاموس جهاز الاستخبارات الاسرائيلية والعقلية العسكرية الاسرائيلية، وذلك تلافية لأي خلل" أو "زعزعة" في الايمان العميق بأسطورية" الاجهزة العسكرية الإسرائيلية وموسادها لدى فئات المجتمع الاسرائيلي من ناحية، ولدي اوساط يهود العالم من ناحية ثانية، مما يؤدي إلى حالة من "الشك اليهودي، تطال كل شيء، ولا ينحصر تأثيرها بشيء محدد ... فتكون الكارثة ... التي يجب أن لا تقع -
بنظرهم -.
والواقع أنه، في الخامس من شهر ايلول / سبتمبر 1997، وبالتحديد عند الساعة الواحدة إلا ربعة ليلا، دوي انفجار كبير في قرية "انصارية" في الجنوب اللبناني، تلاه سلسلة انفجارات اقل قوة من الانفجار الأول، وارتفعت ألسنة النار. وبعد دقائق قليلة إنطلقت الرشاشات والأسلحة الخفيفة في منطقة انصارية لتبدأ معركة عنيفة بين الطوافات الاسرائيلية والمقاومين في الجنوب من رجال المقاومة الوطنية والاسلامية والجيش اللبناني هناك، لم تعرف تفاصيلها إلا بعد مرور ساعات على وقوعها.
وذلك أن وحدة من رجال الكوماندوس الاسرائيلي، تابعة للبحرية، اقتربت من الشاطئ ثم استعمل عناصرها اجهزة غطس ليصلوا إلى الشاطئ، ثم سلكوا سيرا على الأقدام طريقة باتجاه بلدة انصارية، وهم يحملون عبوات للتفجير وأسلحة رشاشة، دون أن يعرف بالضبط ما هو الهدف المقصود من هذه العملية، حيث تضاربت الآراء حول إمكانية نسف مرکز للمقاومة الاسلامية، أو خطف مسؤول أمني أو عسكري، أو القضاء على مجموعة قادة دفعة واحدة، الخ ... وعلى ما يبدو، آن عبوة زرعها المقاومون انفجرت، وأدت الى تفجير العبوات التي كان يحملها الجنود الاسرائيليون، الذين كلفوا من جهاز الموساد الارهابي، وبتخطيط منه، بالتوجه إلى الاراضي اللبنانية، تحت جنح الظلام، والى قرية انصارية تحديدا، لكنهم فوجئوا بيقظة المقاومة الوطنية والاسلامية اللبنانية، وتصديها البطولي للمجموعة الاسرائيلية وإبادتها، كعنوان عريض لفشل ذريع لها وقاس في الوقت نفسه، فلما ان عرفت مثيله في عملية مشاهة من هذا النوع.
لقد خرجت القوة الاسرائيلية على متن سفينة صاروخية (ساطيل)، وكانت عبارة عن مجموعتين، الأولى للتنفيذ، وهي مؤلفة من ستة عشر شخصا، والأخرى هي مجموعة انقاذ وإخلاء، بقيادة ضابط برتبة عقيد. أما مجموعة التنفيذ فكانت بقيادة ضابط برتبة مقدم يدعى " يوسف کور کين "، يساعده الرائد "إسحاق بن طوف" والنقيب "رام لونيم" والنقيب "تسفي كروسمان" والنقيب "راز تيف"، ومجموعة من ضباط الصف. وكانت النتيجة مقتل احد عشر جندي وضابطة، وجرح أربع.
أما في مجموعة الانقاذ والاخلاء، فقد قتل طبيب برتبة رائد وجرح ممرض، وأصيب جسم الطائرة الحوامة بأضرار طفيفة، إعترفت السلطات الاسرائيلية باصابتها قائلة إنها تمكنت من الوصول إلى قاعدتا بسلام. وقد عرض التلفزيون الاسرائيلي صورة لهذه الطائرة الهليكوبتر من طراز "بيسعور" وقد اصيبت بشظايا قذيفة هاون اثناء عملية إخلاء الجرحي.
وفي اليوم التالي، كانت ردة الفعل الاسرائيلية عنيفة على هذه العملية التي تمثل "قمة الفشل والاخفاق" على الصعيد العسكري والأمني والاستخباري الاسرائيلي. وقد سارعت الصحافة الاسرائيلية، على غير عادقا، بنشر المعلومات الكاملة عن العملية، وشنت هجوما صارخا على حكومة بنيامين نتنياهو، وعلى الأجهزة الاستخبارية الفاشلة، واعتبر بعضها أن لبنان بات "لعنة على رؤوس الصهاينة" (1).
أما من جهته، فقد أعلن بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الاسرائيلية، بعد اجتماع للمجلس الأمني في مكتبه أن الوحدة المختارة في سلاح البحرية، دخلت لبنان لتنفيذ عملية معينة، ولكن حدثت مأساة. إلها واحدة من اسوا المأسي التي واجهتنا".
وأضاف:"ليست هذه العملية الأولى من نوعها، فنحن نقوم بعمليات كهذه منذ عشرات السنين، وشاركت أنا في بعضها في حينه" (مشيرة إلى انتمائه هو ايضا الى وحدة كوماندوس عندما خدم في الجيش). وزاد قائلا:" وقعت مآس في الآونة الأخيرة وسنفحص تفاصيل ما حدث جيدا ونستخلص دروسا، ولكن ما دامت هناك عمليات عدائية ضدنا من جنوب لبنان، فإن النتيجة واحدة لا تتغير" (2). |
وفي مكان آخر، يقول نتنياهو بأن هذه العملية واحدة من اسوأ الماسي التي واجهناها. ولست أبالغ اذا قلت باننا فقدنا بعض افضل جنودنا. أضاف: "لقد ذهبت وحدة الى هناك، وفي مثل هذه الحالات هناك دائما خطر حصول شيء رهيب. لقد سبق وحصل العديد من الأسي لكنني لم أر مأساة من هذا النوع " (3). لذلك فقد اعتبر نتنياهو في بيان له بتاريخ 1997
/ 9/ 5، أن هذا اليوم هو يوم حزن مزدوج للاسرائيليين ...
هذا، وكان العنصر الاسرائيلي الوحيد الذي نجا من الموت في هذه العملية قد قال: " لقد كان المكان خالية مئة بالمئة، وبشكل مفاجيء، حدث ما حدث، وشعرنا أننا في كومة من النار، وهذا العنصر هو الذي اتصل مع مجموعة الانقاذ فورا ". وعندما سئل كيف حدث ذلك أجاب: " أنا كنت في المقدمة أستطلع المكان بعيدا عن المجموعة، ولقد سبقتهم وجلست لأستريح تحت شجرة أنتظر وصول القائد " (4).
أمام هذا الواقع المرير، عقد وزير الدفاع الاسرائيلي اجتماعا طارئة مع رئيس الأركان، بحضور عدد من ضباط الاستخبارات والموساد والشرطة، وتم تشكيل طاقم عمليات ومراقبة، ثم توجه الجميع إلى قاعدة جوية قريبة لمتابعة العملية ..
وبالرغم من كل الاجراءات التي اتخذها السلطات الإسرائيلية، وعلى مختلف الصعد، فقد منيت بهزيمة أخرى أيضا عندما قتل
طبيب قوة الانقاذ ومساعده. هذا في الوقت الذي كانت فيه أوامر وزير الدفاع اسحق مردخاي لقوات الانقاذ تقول: " لا عودة لكم إلا مع الجثة المفقودة " ... ولكن دون جدوى، حيث كان النهار قد بدأ يشق طريقه وسط الظلام، فكان القرار عندئذ بمغادرة المنطقة، حيث تم سحب المجموعة على متن حوامة (بلاك هوك)، وكانت الساعة قد قاربت الرابعة والنصف صباحأ.
بعد ذلك، وصل جنود الجيش اللبناني، وعناصر المقاومة الوطنية والاسلامية إلى مكان العملية، وأجروا عملية تمشيط خلف قوات الاحتلال خوفا من وجود ألغام وعبوات ناسفة موقوتة، وقاموا أيضا بجمع العتاد والاجهزة، وتم العثور على الجثة الوحيدة للمدعو اينمار الياهو ". وعلى الشاطيء وجدت بعض الاعتدة والاجهزة التي استخدمها جنود العدو في أثناء العملية، وتم عرض بعض هذه الموجودات على الصحافة العالمية وعبر الاجهزة المرئية، في حين احتفظ • حزب الله " بمستندات ووثائق خطيرة لاسباب وظروف أمنية، أعلن أنه سينشرها في الوقت المناسب ...
في الوقت نفسه كان وفد من رئاسة الأركان الصهيونية يقوم بتوزيع الجثث على عائلاقم عبر اصوات الشتائم واللعنات والمطالبة بالخروج من لبنان فورا. حتى أن العضو الليكودي في الكنيست، روبي ريبلن، صرح قائلا أن: " مسألة وجودنا في لبنان بات أكبر من أن نتحملها ". ومهما يكن من أمر، فإن عملية أنصارية تمثل هزيمة إسرائيلية وخسارة كبيرة للمؤسسة العسكرية الأجهزة الأمن الاسرائيلي كما صرح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في مؤتمره الصحافي الذي عقده في السادس من أيلول / سبتمبر 1997 على أثر هذه العملية. وقد توضح أنه عندما يواجه الاسرائيلي أزمات في الداخل يفتش عن إعادة الاعتبار لبعض هيبته ومعنوياته في الخارج ... ولم يكن لبنان سوى هذا " الخارج " الأكثر ملاءمة لرفع معنوياته وهيبته - بنظره. لكن حساب الحقل لا يطابق حساب البيدر دائما ...
وبالفعل نجح "حزب الله" في قطف ثمار فشل العملية الاسرائيلية في قرية أنصارية، بغض النظر عن تعدد الروايات حولها. إذ فيما كانت دولة الاحتلال الصهيوني تحاول التفاوض على استعادة الطيار الاسرائيلي " رون آراد " وجدت نفسها تستعد لدفع ثمن كبير مقابل استعادة اشلاء بعض جنودها الذين قتلوا في العملية الفاشلة. ولم يعد مهما كيف بدأت العملية، بل الأهم كيف انتهت. خصوصا بعد أن تمرغت الهيبة الاسرائيلية _ العسكرية والأمنية - في الوحل الجنوبي، وتعمقت حدة الخلافات بين المسؤولين الإسرائيليين - المدنيين والعسكريين - على مختلف المستويات، وزادت في تعميق الأزمة بدل التخفيف من حدقا، وعلت الصيحات الداعية إلى الانسحاب الفوري من لبنان دون قيد أو شرط، في الوقت الذي شكل فيه التلاحم بين الجيش اللبناني والمقاومة الوطنية والاسلامية في الجنوب قوة خارقة بدأ الاسرائيليون يأخذوها في الاعتبار ويحسبون حسابها،
نقله نوعية ساهمت في قلب الكثير من الموازين، وافرزت نتائج هامة على هذا الصعيد، خصوصا بعد أن نجحت المفاوضات المتعلقة بعملية التبادل بين الأسرى والمعتقلين اللبنانيين في السجون الاسرائيلية واشلاء الجنود الاسرائيليين هؤلاء الذين قضوا في عملية أنصارية ...
وهكذا تبقى عملية أنصارية لؤلؤة النجاحات اللبنانية المقاومة، كما تعتبر في الوقت نفسه لؤلؤة الفشل والاخفاق الاسرائيلي على هذا الصعيد ... وقد تلقن الاسرائيليون في هذه القرية الجنوبية اللبنانية الصامدة درسا قاسيا، ليس من السهولة على الاطلاق أن ينساه الاسرائيليون _ عسكريون وأمنيون ومدنيون - كما لا ينساه اللبنانيون أيضا ...
هذا، وبتاريخ يوم الجمعة 19 شباط 1999، نشرت جريدة "السفير" في بيروت خبرة ذكرت فيه أن صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أكدت أن لجنة التحقيق الثالثة التي شكلت بعد فشل عملية الكوماندوس البحرية في قرية أنصارية قررت أن الكمين الذي نصب لجنود الكوماندوس الاسرائيلي كان مخططا وليس عرضية. وقالت أن هذه الاستنتاجات تخالف رأي لجنة التحقيق الأولى، وكانت لجنة التحقيق الأولى بقيادة الجنرال غابي أوفير قد قررت أنه " باحتمال كبير، وإن يكن بشكل غير مؤكد، لم تكن لدى " حزب الله " معلومات استخبارية مسبقة حول العملية الاسرائيلية" غير أن لجنة التحقيق الثانية برئاسة المدعي العام العسكري العميد أوري شوهم قررت أن "هناك احتمالا ما بأن الكمين كان مخطط ". وقبل شهرين قرر رئيس الأركان تعيين لجنة ثالثة برئاسة العميد زوريغ. وأبدى أعضاء هذه اللجنة المشكلة من ثلاثة ضباط تقديرهم بأن "حزب الله " انتظر العملية، ولذلك نصب كمائن في ذلك القطاع. واشار اثنان من اعضاء اللجنة إلى أنه لم تكن لدى " حزب الله " معلومات دقيقة عن مسار تحرك الجنود الاسرائيليين ولا عن توقيت العملية، غير أن واحدا من اعضاء اللجنة اوضح أن "حزب الله " كان يعرف مسار الجنود ... وقد سلمت اللجنة تقريرها إلى رئيس الأركان وعائلات الجنود القتلى (ه).
هذا، وعندما لم يعد من مجال للتغطية على الحقيقة أو إخفاء بعض مظاهرها، يلعب " التوقيت " دوره المركزي في اخراجها إلى النور وفق طبيعة المرحلة ومتطلباتها. واصحاب البيت " هم أدرى بما فيه ومن فيه " - كما يقولون - رهم في الوقت نفسه يعلمون أكثر من غيرهم ما يجب أن يقال ويعلن، وما يجب أن يبقى سرة من الأسرار التي تنتظر اللحظة الحاسمة لكي تفقد ستريتها. لذلك كانت "عملية أنصارية" تحمل اسما سرية هو " فخ العباس "فما هي حقيقة هذا الفخ؟
عملية "فخ العباس" هي بالفعل من أروع ملاحم التصدي " للاسطورة " الاسرائيلية، وهي بحد ذاتها قصة إبادة درة التاج الاسرائيلي، نخبة النخبة في جيش العدو، وقد تمت تفاصيلها على الشكل التالي:
يخطئ من يعيد تاريخ ملحمة أنصارية إلى الخامس من شهر ايلول 1997، لان الاحداث لا سيما الجسام منها لا تؤرخ أو تقاس زمنية بلحظة تنفيذها، بل هي تتوغل إلى الوراء، وتضرب عميقا في الجذور، وكما أن الأمور تخضع لصيروات وسنن محددة ترتقي فيها ومن خلالها، فإن جهاد المقاومة الاسلامية لا يشكل استثناء في هذا المجال، بل لعل المقاومة من أكثر الجهات تعلم من تجاربها ومراكمة الخبرائها وبلورة لرؤياها وصياغة لآليات عملها وتطويرة لأساليب نضالها لسببين بسيطين وواضحين: أولا: لانا انخرطت بجدية أكيدة في حرب لا هوادة فيها وطالما اعترف العدو بأنها مؤلمة. ثانيا: لان الثمن الذي تدفعه المقاومة في عملها الجهادي غال جدا هو دماء وارواح وزهرات اعمار شبابها.
ولكن حتى لا نوغل في زمن بعيد إلى وقت استشهاد أمين عام حزب الله السابق السيد عباس الموسوي في 16 شباط 1992 وما اعقب ذلك من اجراءات وأساليب جديدة اتبعتها المقاومة، فإننا نتوقف عند سلسلة من التغيرات اللافتة في أساليب جيش الاحتلال العدوانية بعد هزائمه المتكررة وعدم قدرته على المواجهة الميدانية وتمثلت في اعتماد اسلوب محاولات اختراق المناطق المحررة من خلال التسلل وزرع العبوات الناسفة، على أن ابرز هذه التطورات والتي جاءت فاشلة وكارثية أيضا على العدو كان حادث اصطدام طوافتين عسکريتين كانتا تقلان قرابة ال 73 جندية مما أدى إلى سقوطهما ومقتل جميع من كان على متنيهما وذلك في 1997
/ 2/ 4، وما اعترف به العدو علنا أن الطوافتين اطفأتا أنوارهما أثناء عبورهما الحدود خوفا من صواريخ المقاومة الاسلامية المضادة للطائرات فكان أن وقع حادث الاصطدام بينهما، على أن المسألة لم تنته بسقوط الطوافتين بل أن فصول الرواية الحقيقية لأنصارية بدأت منذ ذلك الوقت حين بدأت أجهزة الاستخبارات الأمنية والعسكرية للمقاومة بتقصي المعلومات حول المهمة الحقيقية التي كانت الطوافتان
بصددها.
وهنا أصبح من الضروري الكلام على حادثة الكفور التي حصلت قبل شهر ويوم من تاريخ ملحمة انصارية أي بتاريخ 1997
/ 8/ 4، وملخصها أن قوة من العدو الصهيوني قامت بإنزال في خراج بلدة الكفور وانقسمت الى مجموعتين، قامت كل واحدة منهما بتنفيذ مهمة مختلفة، فالأولى كانت تتولى الحماية، هي التي اكتشفها مجاهدو المقاومة واشتبكوا معها اما الأخرى فقامت بمحاولة زرع بعض العبوات الناسفة كي تستعملها لاحقا ضد المدنيين اللبنانيين على غرار ما درجت عليه العادة لدى الصهاينة، وبعد إنسحاب القوة الصهيونية تحت وطأة المواجهة العنيفة التي لاقتها من رجال المقاومة، قامت مجموعة من المجاهدين بأعمال التمشيط الروتيني بحثا عن عبوات مزروعة، فكان أن انفجرت عبوة ناسفة يجري التحكم فيها عن بعد بالمجموعة مما أدى إلى إستشهاد خمسة من مجاهدي المقاومة على الفور.
لقد شكلت حادثة الكفور مفصلا هاما في الصراع ما بين المقاومة الاسلامية وجيش العدو الذي على رغم تبجحه بالنصر فإنه أغفل نقطة هامة جدا أشار اليها قائد المقاومة الاسلامية أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله حين لفت إلى تبدل الموازين والمفاهيم لدى قادة العدو حيث قال ان العدو كان يتفاخر بأنه قادر على الوصول إلى أي مكان من عينتيي في أوغندا إلى تونس لينفذ اعتداءاته وهجماته الأمنية، أما الآن فهو يفتخر إذا استطاع أن يتوغل بضعة
كيلو مترات خارج المنطقة المحتلة من لبنان لزرع عبوة تستهدف مدنية أو مقاوما يجند لها أطقم سلاحه واستخباراته العسكرية برة وبحرا وجوا.
وفي الدلالات العملية والعبر المستفادة من حادثة الكفور العالى:
أولا: أن المقاومة الاسلامية استطاعت تفكيك شبكات العدو التخريبية من عملاء ومخبرين مما أضحى يضطره إلى مباشرة الاعمال العسكرية بواسطة جنوده وليس عبر عملاء، مما يضع جنوده في مواجهة مباشرة مع مجاهدي المقاومة ويعرضهم بالتالي لخطر الموت او الاصابة. ثانيا: عجز العدو عن تحقيق أية اهداف في المواجهات ومحاولته بالتالي التعويض من خلال زرع عبوات داخل المناطق المدنية في محاولة للضغط على المقاومة. ثالثا: ان كل القرى والبلدات الجنوبية أصبحت عرضة لاهداف العدوان الصهيوني، وبالتالي فإن محاولات الانزال والتسلل والاختراق واردة في أية قرية جنوبية.
وإذ وصلت المقاومة لهذا الاستنتاج بدأ فصل هام من فصول القصة. - كنا قد أسلفنا، بأن حادثة الطوافتين كان امر بالغ الدلالة لدى المقاومة التي استنفرت أجهزتها لمعرفة المهمة الحقيقية التي كان العدو يسعى وراءها، صحيح جدا أن العدو كان بدأ يلجا إلى استعمال الطوافات لنقل قواته من والى لبنان بعد أن استطاعت المقاومة رصد مواكبه العسكرية ومعرفة اوقات تنقلها بفضل اجهزة التنصت، واعتراض سلاح هندسة الاتصالات التقنية لدى المقاومة المكالمات قادة العدو وأجهزته عبر الخليوي، مما أتاح للمقاومة اصابة قائد وحدة الارتباط في جيش العدو ايلي اميتاي مرتين خلال 4 ايام تحديدا في 10/
91/ 12، و 91
/ 12/ 19، وقد اعقب ذلك تجريد حملة قاسية في جيش العدو وسن قوانين لمنع استخدام الهاتف الخليوي اثناء الخدمة او التكلم بمهمات عسكرية، غير أن هذا الاحتمال، اي احتمال أن تكون الطوافتان بصدد نقل و تبديل قوات بشكل روتيني يبدو ضعيفة بالنظر إلى تركيبة القوة ونوعية الاسلحة والذخائر والمعدات الحربية التي كانت موجودة على متن الطوافتين، على أن الأهم مما تقدم وجود اثنين من مقتفي الأثر (الأدلاء) في عداد القتلى، وهو ما يمكن أن يلقي الضوء على احتمال أن هناك عملية عدوانية خارج المنطقة المحتلة، فما هو الهدف المقصود.
كما اشرنا فان احتلال العدو للبنان بدأ يتحول إلى كابوس حقيقي ومأزق لا فكاك منه للإسرائيليين، وبدأت روح الامزام والخوف تطاردهم، فكثرت الرشي المدفوعة للتخلص من الخدمة في لبنان كما ازدادت حالات الفرار او حجج المرضى وغيرها، أما الذين يترددون على العيادات النفسية من جنود العدو الذين يخدمون في جنوب لبنان فاعدادهم كبيرة هي ايضا والى ازدياد. في هذا الوقت كانت المقاومة الاسلامية تسجل الانتصار تلو الانتصار على العدر.
وإذا بلغت الأمور هذا الحد بات الاسرائيليون بحاجة ماسة الى ضربة أمنية عسكرية ترفع الروح المعنوية للإسرائيليين وتعيد اليهم الوهج المفقود والهيبة المهدورة، خاصة وان وحدة القوة لم تقدم شيئا على رغم الهالة الاعلامية التي سبقتها، وكان الهدف يرتكز على احدى خيارين: اولا: استهداف رمز من رموز المقاومة او قائدا من قادها الميدانيين ومحاولة اختطافه او اغتياله وذلك للتدليل على قدرة الاسرائيليين ويدهم الطولى ما يوفر دفعة معنوية لجنود العدو الذين يخدمون في جنوب لبنان، ويظهر سيطرتهم على الموقف كما يؤثر سلبا على الطرف المقابل. ثانيا: قتل عدد كبير من مجاهدي المقاومة عبر زرع عبوات تستهدفهم بشكل جماعي وقد تكشفت محاولات العدو لاجل تحقيق هذه الغاية.
ونتيجة للدينامية الاستخباراتية والأمنية للمقاومة الإسلامية وقدراقا وكفاءها العملانية، استطاعت قراءة التوجه الاسرائيلي الجديد واستهدفاته المحددة مكان التحضير بخطة بالغة الخطورة والاتقان هي عبارة عن وضع الطعم في سنارة أعدت خصيصة لاصطياد السمكة الاسرائيلية. ولم يكن ذلك الطعم الا ما اشتهر لاحقا على انه فخ العباس.
أسرار وحقائق
تكشف قصة فخ العباس عن واحدة من أهم المعارك الأمنية بين العدو الإسرائيلي والمقاومة الإسلامية تظهر بشكل واضح لا لبس فيه المستوى المتقدم لاستخبارات المقاومة والتنسيق العالي بين مختلف وحداتها بما لا يوجد له مثيل حتى عند أرقى الجيوش المنظمة، وهذا ما اعترفت به قيادات العدو، ففي صراع الأدمغة ايضا كان النصر حليف المقاومة الإسلامية.
وبالعودة إلى مسألة الطعم الذي وضعته المقاومة الاسلامية للعدو الاستدارجه الى المكان والزمان المناسبين فإن ما سنورده بعد قليل لا يمكن تأكيده بأي وجه ذلك أن أصحاب القصة الحقيقية وهم قادة المقاومة يرفضون الإدلاء بأي معلومة رسمية حول الموضوع ويتمسكون بالرواية التي قدمها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بعد يوم على ملحمة أنصارية من خلال المؤتمر الصحافي الذي عقدة في حارة حريك وهذا أمر طبيعي ذلك أن المقاومة تريد الحفاظ على السرية الكاملة للقصة حتى لا تتسرب أي معلومة تفيد العدو في هذا المجال، وهي ترفض بشدة كما أعلن قادها مرارا عن تعرض أسرارها العسكرية للإنفضاح لتحقيق دعاية أو كسب إعلامي مهما بلغ حجمه أو قيمته.
غير أن كل هذا لا يقلل من قيمة الرواية ومصداقيتها، لأنها تظل الأكثر قربا من الحقيقة، ولكن وقبل الدخول في الرواية نتوقف عند رواية حزب الله لأها ذات دلالات وتلقي ضوء ينير الدرب أمام القارى. يقول حزب الله على لسان أمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله، أن المقاومة الاسلامية وبعد حادثة الكفور وتكاثر محاولات التسلل والاختراق الاسرائيلية للمناطق المحررة، بدأ بتنظيم حملة حراسات ليلية تمتد حتى الصباح وذلك بعد أن قسم الجنوب الى مربعات ومناطق حيث تقوم مجموعات مؤلفة من شبان القرى والبلدات بتولي الحراسة لصد أي عدوان إسرائيلي محتمل، ويضيف السيد حسن نصر الله أن هذه المجموعات تزود بألغام وعبوات ناسفة، تقوم بزرعها ليلا في بعض الاماكن والممرات التي يحتمل دخول العدو منها ثم تنزعها صباحا كي لا تتفجر بالمدنيين، وإذ تصل رواية الأمين العام الى هذا الحد فإنها اكثر من كافية لتصور ما حدث في أنصارية، تدخل قوة إسرائيلية إلى منطقة كمين مفخخة بألغام زرعتها المقاومة الاسلامية وعندما تصبح القوة في نقطة المقتل يتم تفجير العبوات والألغام ويفتح مقاتلون من المقاومة الاسلامية النيران في الوقت نفسه على من تبقى من القوة فتكون النتيجة ما سمعته الناس وكتبته الصحف وتحدثت عنه الإذاعات وشبكات التلفزة المحلية والعالمية، إبادة ثلثي القوة المهاجمة، وجرح ما تبقى منها. الرواية صادقة ومتماسكة لكنها تخفي أكثر مما تظهر، ولعل السؤال الأساسي والمفارقة الكبرى هنا، هو كيف أن جنود العدو تقدموا ووقفوا أو جلسوا فوق الألغام التي زرعها رجال المقاومة الإسلامية تماما ..
بطبيعة الحال، فإن الأمر لا يتعلق بتعويذة سحرية بقدر ما سيتبين أنه تخطيط ومتابعة منظمين ومتقنين وإرادة حديدية، ولو قدر لخطة المقاومة الإسلامية أن تتحقق مائة في المائة كما أرادها هي لكانت ملحمة انصارية أكبر مما حدث بكثير من حيث المفاعيل والمترتبات.
تخطيط:
كانت خطة المقاومة الاسلامية تقضي باستدراج قوة صهيونية كبيرة والايقاع بها في مكمن لا فكاك منه تتمكن من خلاله من إبادة العديد من أفرادها وأسر البعض الآخر وهو ما يؤهلها لاحقا لمبادلتها بنات المعتقلين في السجون الإسرائيلية من مجاهدين لبنانيين وفلسطينيين. للقيام بهذا العمل كان على المقاومة أن تجد عملا موثوقة لدى الاسرائيليين تستطيع من خلاله تنفيذ خطتها.
بعد فترة من التحريات والإستقصاء إستطاعت المقاومة أن تجد العميل الهدف فكانت الخطة جاهزة لتجنيده في المهمة المطلوبة. وبعد إجتماعات سرية عدة فهم العميل الذي أصبح الآن عميلا مزدوجا تفاصيل مهمته. وكان عليه إقناع الاسرائيليين باكتشافه لصيد ثمين. ولم يكن هذا الصيد سوى أحد قادة المقاومة الاساسيين. وقد نقل العميل المزدوج لرابطة الاسرائيلي معلوماته عن الصيد الثمين وأماكن تردده ومبيته، وكان عليه الانتظار حوالي الشهر قبل أن يأتي الرد الإسرائيلي المقتضب: تابع مراقبته عن كثب وعليك تزريدنا يوميا بتحركاته لمدة اسبوعين. في هذا الوقت كانت إستخبارات المقاومة تتابع مراقبة العميل المزدوج على مدى 24 ساعة، كذلك كان محيطه وعلاقاته موضع مراقبة، وسرعان ما اكتشفت أجهزة المقاومة أن العميل المذكور هو موضع مراقبة مكثفة ورصد دائم من الاسرائيليين عبر احد العملاء الآخرين. وهو ما كانت المقاومة قد افترضت حدوثه منذ البداية، اذ ليس من المنطقي أن يركن جهاز الاسخبارات المعلومات قدمها عميل دون التحري الكافي عنها للتأكد من صحتها، ذلك أن تواتر المعلومة الواحدة من مصادر متنوعة يلعب د في قبولها أو رفضها. كما أن المعلومة الخاطئة غالبا ما تكون مهلكة وقاتلة. ولكن الذي حصل في انصارية أن المقاومة كانت تعطي معلومات صحيحة لكنها قاتلة لسبب بسيط اها معلومات مفخخة.
والآن جاء دور المقاومة في تجنيد العميل الثاني، وهو امر لم تلاق فيه صعوبة نسبيا، ويعود السبب في ذلك إلى الهيار معنويات العملاء والى دعوات الفرار التي وجهتها المقاومة لهم لتسليم انفسهم والتخلي عن العمالة والعودة الى أحضان الوطن، وكانت بدأت تروج في الأوساط المختلفة لا سيما في الجنوب أخبار المعاملة الطيبة التي يلقاها الفارون إلى المقاومة. لم يكن مطلوبة من العميل الثاني بحسب ما ارادته المقاومة سوى تأكيد إخلاص العميل الأول للإسرائيليين وصحة ما يزودهم به من معلومات وهو ما قام به على أتم وجه بعد تهديد وترغيب من المقاومة له عبر طرف ثالث ليصبح الطريق معبدة أمام ابتلاع السمكة الاسرائيلية الطعم المقاومة والسقوط في الفخ، ولكن أي فخ، فخ العباس!.
بأي حال، لم يكن إستدراج المقاومة الإسرائيليين مسألة بسيطة نظرة للإحتياطات الهائلة التي يتخذوها ولكن ما جمعوه من معلومات ووثائق واستندوا اليه من أدلة كان أكثر من كاف بنظرهم لضمان نجاح عملية سيكون لها وقع مد ويعيد البريق الى سنين عجاف باهتة لجيش العدو راستخباراته. وكان على العميل الأول أن يلتقط صورا عديدة لرجل المقاومة وفي أماكن عدة كي يطمئن الاسرائيليون الذين لم يكتفوا بذلك بل أنهم قاموا من خلال أجهزهم المختلفة بمسح المكان كاملا ورسم خريطة تفصيلية تظهر بوضوح على البيت السري الذي يأوي إليه أحد قيادي المقاومة. وقد حفظها أفراد قوة البحرية عن ظهر قلب.
ساعة الصفر:
قبل اسبوع من ملحمة أنصارية كثف الطيران المروحي الصهيوني وطائرات الاستطلاع طلعاقا فوق منطقة الزهراني وصولا إلى أنصارية، خيزران عدلون، وكانت طلعات الطيران ذات دلالة ما لدى الناس العاديين الذين بدأوا يتهامسون حولها، لكن الدلالة الاكبر كانت لدي قوة الوحدات الخاصة في المقاومة التي كانت تتابع الخطة لحظة بلحظة، وأكدت أن الأمور تجري حسب ما هو مرسوم، وكانت التحضيرات قد اكتملت لليوم الموعود. مجموعة من القوات البحرية في المقاومة تكمن بين البساتين على الشاطي، مقابل انصارية بشكل بالغ التمويه ولا تؤي أية إشارة تدل على وجود حركة هناك. فيما كانت مجموعات عدة من رجال المقاومة قد أقامت مكامن عدة في محيط المنطقة وكانت مزودة بأسلحة مختلفة وكان ثمة شاحنتين صغيرتين مموهتين بشكل بالغ لاستيعاب
جثث الصهاينة، وفي محيط البيت السري كان الهدوء يلف المكان. ولم يكن هناك سوى أربعة من رجال المقاومة يكمنون خلف تلة مموهة بعد أن قاموا بزرع الطرقات المؤدية إلى البيت بعدد كبير من العبوات الناسفة التي يجري التحكم فيها عن بعد. في الساعة الثانية عشر والربع من بعد منتصف ليل الخميس في 9
/ 0/ 1997 اقترب زورقان إسرائيليان مطاطيان إلى الشاطى مقابل أنصارية وأنزلا مجموعتين من قوات نخبة النخبة الاسرائيلية. وفي اللحظة التي لامست أقدام المجموعتين الشاطي، كانت الإشارة الأولى قد انطلقت من أول كمين بحري للمقاومة في أقل من ثوان إلى قائد الكمين، بأن - البضاعة وصلت وهي في طريقها اليكم " وكان الرد حازمة ومذكرة بأوامر سابقة تقضي بالامتناع عن التعرض للقوة الإسرائيلية مهما كانت الأسباب وتر کها تمر بسلام. وفي لحظات كانت المجموعتان الإسرائيليتان تمران على بعد أمتار من عيون تغلي كالجمر منتظرة أول إشارة للفتك، ولكن حسابات المقاومة لا تجري ابدا على هذا النحو، لقد فضلت المقاومة مواجهة الإسرائيليين بعيدا عن الشاطئ مما يضيق هامش المناورة والحركه لديهم ويوسع خياراتها في ملاحقتهم ويبعدها عن الإنكشاف أمام النيران الإسرائيلية من البحر والجو. - كانت معلومات الإسرائيليين تفيد بأن الرجل المستهدف موجود في البيت السري وكانت الخطة تقضي باختطافه أو في أسوأ الأحوال نسف البيت فوق رأسه، وزرع عبوات ناسفة متفرقة يمكن إستخدامها لاحقا ثم المغادرة، ولكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر. لقد مشت القوة الإسرائيلية في خط مستقيم وعبرت الشارع العام باتجاه البساتين وبدأت بالإقتراب من البيت السري، وعند نقطة محددة في طرف البستان توقفت القوة عند بوابة حديدية صغيرة وتقدم قائدها وفتحها فأكملت سيرها، ثم اجتمعت في خط أفقي منتظرة لحظة الإنقضاض على الهدف.
يقع البيت السري المستهدف عند الطرف الشمالي الغربي لأنصارية ويبعد عنه بيت صغير لناطور بستان قد غلب عليه الكبر. كان الهدوء مخيمة على المكان، وبدت أنصارية تلك الليلة ساكنة الربوع، وادعه ككل البلدات والقرى الجنوبية، ولم يكن أحد يتصور أن تلك الليله الوادعة الأنفاس كانت حبلى بمخاض سيولد إحدى أهم الملاحم المسطرة في تاريخ أمتنا ضد الصهاينة، ما إن تجاوزت الساعة الثانية عشرة والنصف حتى كان قائد القوة الإسرائيلية يستعد للمرحلة الأخيرة من خطته. وهي التوجه مباشرة إلى البيت المستهدف. في هذه الأثناء كان أربعة من مجاهدي المقاومة على سلاحهم ومضاغط عبواقم. وما هي إلا ثوان على إنطلاق القوة الإسرائيلية نحو الخطوة الأخيرة في رحلتهم حتى أصبحت خطوهم هذه هي رحلتهم الأخيرة، لقد فجر المجاهدون عبوتين كبيرتين بالقوة الإسرائيلية فتطايرت أشلاء وتناثرت دماء وعلا الصراخ والعويل وأتبع المجاهدون عبواقم بنيران غزيرة على القوة الإسرائيلية، وفي هذه الأثناء كان معظم أفراد القوة قد أبيد وسقط بين قتيل وجريح. ولم ينج إلا جندي الإتصال الذي أبلغ قيادة العملية بمجريات الموضوع، في هذا الوقت كانت مجموعات أخرى من المقاومة من الكمائن المنتشره تتقدم للإطباق على ما تبقى من فلول القوة الإسرائيلية المدحورة. غير آن طوقة من النيران الكثيفة كان قد ژنر المنطقة بأكملها من طائرات العدو ومروحياته وبارجاته الحربية تسهيلا لإجلاء قتلى العدو وجرحاه وأشلاء جنوده المتطايرة في بساتين أنصارية، وإذ حاولت طوافة أن تحط في مكان قريب من أرض العملية تولت قوة الإسناد الناري في المقاومة إستهدافها بالقصف المدفعي فأصيبت المروحية في انحاء عدة من هيكلها لكنها استطاعت الإقلاع والعودة الى البوارج الإسرائيلية في عرض البحر، وقد حاول العدوى البحث عن بعض جثث جنوده دون فائدة فاتخذ قرارا عاجلا بالإنسحاب تحت الغطاء الناري الكثيف، وانجلي فجر أنصارية يوم الجمعة في 1997
/ 9/ 0 عن هزيمة قاسية لنخبة نخبة العدو وتدافع الناس إلى مكان العملية لمشاهدة أرض المعركة وللبحث عن أشلاء المفقودين، فيما إختفى رجال المقاومة عن الصورة، فكان أن ادعت جهات شرف مواجهة العدو وهزيمته وحيكت روايات حول إكتشاف قوة العدو وإفشال إنزالها، ولم يأت الخبر اليقين للناس إلا عندما تبين أن معظم أجزاء أجساد وأشلاء جنود القوة الصهيونية وأسلحتهم ومعداتهم هي بحوزة حزب الله الذي عرضها جميعا في حارة حريك.
ويبقى أنه وعلى رغم هذه المقاربة لما يمكن أن يكون قد حدث في أنصارية، فإن ثمة تفاصيل كثيرة تحيط بالمسألة وسياتي اليوم الذي تكشف فيه للجميع، وطبعا فإن من سيكشف ذلك هو المقاومة الاسلامية فعسى يكون هذا اليوم قريبا.
على أن فصول الرواية لم تنته هنا، إذ ما إن انقضت أيام على المواجهة، حتى بدأ الحديث على مبادلة أشلاء جنود قوة العدو بجثث شهداء المقاومة ومعتقلين أحياء في سجون العدو، ودخلت وساطات المانية وروسية وللصليب الأحمر، وتضاربت المعلومات حول مطالب المقاومة وعروض العدو في هذا المجال، حيث انه رفض بداية أن تتم المبادلة بين أشلاء وأحياء ثم عاد ليوافق بعد إصرار حزب الله وقديده بوقف العملية برمتها وانتقل البحث الى العدد المطلوب.
ومهما يكن من أمر، فإن النتيجة الأساسية لهذه العملية كانت إبادة مجموعة الكوماندوس الاسرائيلي، على الشكل الذي تمت فيه، على يد رجال آمنوا بالله والوطن والارض والكرامة، فحققوا الانتصار .. | لأن من يؤمن هذا الإيمان يختلف عن اولئك الذين يدعون بأنهم " شعب الله المختار "، بينما لا يقومون بأي عمل يؤكد صدق هذا الادعاء ... وكل افعالهم منافية للأخلاق والمبادئ وتعاليم الأديان السماوية ...
الهوامش
(1) للتفصيل، يستحسن العودة الى كتاب: مروان توفيق النمر وربيع سلمان رشيد "الموساد والإخفاقات الأخيرة". دار الفارابي. بيروت. الطبعة الأولى 1998. ص. 108 - 109 - وكذلك: جريدة " الديار " البيروتية. العدد 3233. في 9
/ 6/
1997
- وجريدة " الكفاح العربي " البيروتية. العدد 1770 في
9/ 5/
1997
- ومجلة "المسيرة" البيروتية تاريخ 1997
/ 9/ 10، ص. 45_46. (2) رفيق خليل المعلوف ورندة تقي الدين في مقالهما المشترك الذي نشر في جريدة " الحياة ". العدد 12908. في 1997
/ 9/ 6. (3) جريدة "الديار" العدد 3233. تاريخ 6 ايلول/ سبتمبر 1997. (4) مروان توفيق النمر وربيع سلمان رشيد. مرجع سبق ذكره. ص.
11_110
(5) جريدة "السفير". العدد 8228. الجمعة في
1999/ 2 / 19. ص.
(1) أنظر کتاب " فخ العباس/ أسرار وحقائق عملية أنصارية " (وهو من أهم وأدق المراجع حول هذا الموضوع). منشورات دار الندى بيروت. الطبعة الأولى 1998. ص. 87_108.
مصادر و المراجع :
١- موسوعة الامن
والاستخبارات في العالم
المؤلف: د. صالح
زهر الدين
الناشر: المركز
الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت
الطبعة: الاولى
تاريخ النشر:2002
م
2 أبريل 2024
تعليقات (0)