المنشورات
الفضيحة الأمنية الموسادية في محاولة نسف البرلمان المكسيكي
لم يترك الموساد، ولا القيادات الإسرائيلية على اختلاف أجهزها، فرصة سانحة، إلا وأرادوا توظيفها بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001، لخدمة سياستهم واستراتيجتهم، التي تصب أيضا في مصب السياسة الأميركية وأهدافها، تحت شعار "مكافحة الإرهاب في العالم. وفي الوقت الذي لم تستطع فيه الولايات المتحدة الأميركية من إستقطاب المكسيك (وثروة النفطية الى جانبها في هذه الحملة، فقد أخذت دولة الإحتلال الصهيوني، وجهاز إستخباراقا، على عاتقها، مسؤولية إقحام المكسيك في هذا الجحيم الدموي الذي كان يدور في أحداثه
المرئية) على أرض أفغانستان للقضاء على " بؤر الإرهاب " المتمثلة بحركة "طالبان" بزعامة الملا عمر، وتنظيم "القاعدة" بزعامة أسامة بن لادن. لكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، فأخفقت العملية الموسادية التي استهدفت تفجير مبنى البرلمان في المكسيك واقام تنظيم "القاعدة" والمنظمات الإسلامية بذلك، ثم القي القبض على منفذي هذه المحاولة، فتبين أهما: کولونيل سابق في الجيش الإسرائيلي يعمل لحساب الموساد إسمه " سالفادور سميكيه "، وضابط آخر إسرائيلي دخل خلسة الى المكسيك إسمه " شاؤول بن تشفي ".
بينما ذكرت بعض المراجع أن الكولونيل إسمه " سلفادور غورسون شيك"، وزميله "سور بن تزفي"). |
ومهما يكن من أمر، فإن فشل العملية وإخفاقها شكل فضيحة كبرى الإسرائيل والموساد على السواء، خصوصا بعد أن خرجت معظم وسائل الإعلام - باستثناء الإعلام الأميركي - لتشير إلى إعتقال هذين الضابطين الإسرائيليين اللذين كانا يقومان بمحاولة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المكسيك، وانكشفت بالتالى الأهداف الكامنة وراء هذه المحاولة
الفاشلة.
فكيف تمت هذه القضية؟ كيف تطورت أحداثها؟ وماذا كانت نتائجها؟. لقد تناولت مجلة "الصياد" ومجلة "المحرر العربي " هذه القضية نقلا عن مجلة "لافوا در ازتلان" المكسيكية الواسعة الانتشار، بالإضافة إلى ما تناقلته "برافدا" الروسية، فجاءت على الشكل التالي: ماذا لو قبض على إثنين من العرب ومعهما قنابل يدوية ومتفجرات داخل مبنى مجلس نواب أجنبي وتبين فيما بعد أن أحدهما ضابط كبير؟ في أدين الإحتمالات لن تطلق الدولة التي يتبع لها مجلس النواب سراح هذين اللذين إن لم تتخذ إجراءات إعلان الحرب عليها أو قطع العلاقات معها، ناهيك عن أن إعلام الغرب كله لن يترك هذا الحدث السنة أو إثنتين. لكن هذا كله لم يحدث منه شيي حين أعتقل في 2001
/ 10/ 10، بعد أقل من شهر على تفجيرات أيلول / سبتمبر في نيويورك وواشنطن، إسرائيليان داخل مبنى مجلس الكونغرس المكسيكي رفي حوزقما تسع قنابل يدوية وأصابع من الديناميت شديد الإنفجار وصواعق ومسدسات من عيار 9 ملم. ففي ذلك الوقت كانت الحملة الأميركية العسكرية على أفغانستان باسم "الحرب ضد الإرهاب" وما رافقها من حملة محمومة على العرب والمسلمين في أوجها، ومع ذلك تمت "لفلفة" هذه المؤامرة الكبيرة وأغفلها الإعلام الأميركي والغربي لأن ذلك سيلحق الضرر بحملة إدارة بوش على الدول الإسلامية، والعربية، ويضع أمام أعين العالم كله أخطر المؤامرات الإسرائيلية التي تهدف إلى تصعيد الحملة المحمومة على العرب والمسلمين. ما الذي جرى في 15 تشرين أول / أكتوبر 2001 في مجلس نواب المكسيك وماذا فعلت إسرائيل؟ جاء في نبا نشرته صحيفة "لافوزدي اتسلان" المكسيكية في 10
/ 29/ 2001، أن رجلين إسرائيليين أحدهما برتبة عقيد والآخر ضابط في "الموساد" (جهاز التجسس والمهام الخاصة الإسرائيلي)، تم اعتقالهما داخل مبنى الكونغرس المكسيکي وفي حوزتهما مسدسان ومتفجرات وأطلق سراحهما بعد ضغوط كبيرة مارستها سفارة إسرائيل.
ويقول أرنستو سينفويغوس مراسل الصحيفة:" وفي تطور مذهل علمت الصحيفة أن الجنرال رفائيل دي لاكونشا وزير القضاء المكسيكي أمر بإطلاق سراح العقيد في الجيش الإسرائيلي (أحتياط) سالفادور سميكية، الذي يعتبر ضابط في الموساد، وزميله المهاجر شاؤول بن تشفي، رغم أن الإثنين تسللا إلى الكونغرس المكسيكي وبحوزتهما متفجرات وقنابل. واتصلت الصحيفة هاتفية بالناطقة الصحفية للكونغرس أدريانا لوبيز التي أكدت إعتقال الإسرائيليين بعد أن نجحا في التسلل إلى الكونغرس حين أندا بين عدد من ممثلي نقابة عمال صناعة السكر وتجاوزا بسهولة ضمن هذا الحشد ممرات الأجهزة التي تكشف عن وجود المتفجرات والمواد المعدنية. وحين تنبه ممثلو نقابة العمال المكسيكية إلى وجودهما، زعم الإثنان أنهما مصوران صحفيان، لكن الإرتباك الذي ظهر عليهما أثار شكوك الممثلين العماليين فأحاط بهما عشرة منهم وفتشوا حقائبهم فوجدوا المتفجرات والقنابل والصواعق. وواصل الممثلون العماليون احتجازهما حتى حضر قائد أمن الكونغرس واعتقلهما. وأكد سلفادور ألدرسون المسؤول عن أمن مبنى الكونغرس وجود كل هذه الأسلحة في حوزة الإسرائيليين.
ثم أكدت السيدة لوبيز الناطق الصحفي بإسم الكونغرس تسليمهما للقضاء المكسيكي، وقالت إن " الإرهابيين الإسرائيليين سميكية (34 عاما) وبن تشفي (27 عاما) أصبحا من إختصاص القضاء المكسيكي. وذكر هذا القضاء في أول تقرير أن الإثنين كانا يعملان الوكالة أمنية خاصة وفرت لهما ترخيصا لحمل المسدسين وبعد ذلك أطلق
سراح الإثنين بعد أن دفع بن تشفي الذي كان قد تقدم بطلب للهجرة إلى المكسيك غرامة بقيمة 4000 دولار أعطيت لدائرة الهجرة. إسرائيل قدد المكسيك الإطلاق عملائها
لكن رائحة وجود مؤامرة في إطلاق سراحهما ظهرت تماما حين فوجئت الناطقة الصحفية بإسم الكونغرس بإطلاق سراحهما عندما إتصلت بها صحيفة "لافوزدي اتسلان". وعلمت هذه الصحيفة أن السفارة الإسرائيلية إستخدمت لغة متشددة حين طلبت من القضاء المكسيكي إطلاق سراحهما، وهددت باتخاذ إجراءات غير عادية ضد المكسيك إذا لم يطلق سراحهما. وكان شارون قد أرسل مبعوثا خاصا إلى رئيس وزراء المكسيك وعقد إجتماع بين هذا المبعوث الخاص وبين خورغيه غوتمان وزير خارجية المكسيك بحضور وزير القضاء الجنرال ماسيدو دي لاغونشا، وناقش هؤلاء مسألة إطلاق سراح الإسرائيليين. وعلمت الصحيفة أيضا أن ايلياس لوف، أحد الموظفين في السفارة الإسرائيلية في مكسيكو سيتي كان ينشط في النهار والليل بين السلطات المكسيكية بمساعدة الناطق الرسمي في السفارة وهي إمرأة تدعى هيلا انغيلهارت لترتيب الإفراج عنهما بصمت ودون فضائح. ورغم أن أحدا لم يتمكن من معرفة ما جرى بالضبط بين السلطات المكسيكية وإسرائيل ومبعوث شارون الخاص وموظفي السفارة، إلا أن الكثير من المكسيكيين إستغربوا جدة الإفراج عنهما خصوصا وأن أجهزة الأمن هناك لا تتساهل مطلقا مع من يعثر معه على المتفجرات والصواعق الجاهزة للتفجير. فماذا حدث حتى تم إطلاق سراحهما بسرعة فائقة؟. وزير خارجية المكسيك ... يهودي؟.
يقول المطلعون على الساحة السياسية المكسيكية أن خورغيه وزير الخارجية المكسيكي معروف بعلاقته المتينة الوثيقة بالحركة الصهيونية لأنه يهودي. أما الجنرال ماسيدو دي لاغونشا فهو من أصحاب العلاقة الوثيقة بالمسؤولين عن المجمع الصناعي العسكري الأميركي الذين ربطوه بشكل وثيق أيضا مع وزارة الدفاع الإسرائيلية وقوات الجيش الإسرائيلي. ومما لا شك أن هذه الصلات لعبت دورا مهما وكبيرة في اتخاذ القرار بالإفراج عن الإسرائيليين. والجدير بالذكر أن اعتقال جواسيس وإرهابي الموساد داخل مبنى المجلس التشريعي المكسيكي إحتل أهم عناوين وسائل الإعلام المكسيكية في نفس يوم إعتقالهما في 10 تشرين أول / أكتوبر 2001 ورصفهما تلفزيون مدينة مكسيكو بالإرهابيين الإسرائيليين، وكذلك فعل راديو المكسيك والصحف المكسيكية في اليوم التالي عند صدورها. وغطت صحيفة "لا کرونيکا اليوم وصحيفة " إليونيفرسال" هذا الحدث اليومين متتاليين ثم توقفت جميع وسائل الإعلام فجأة وكذلك هاتان الصحيفتان عن التطرق إلى جاسوسي الموساد. كما لم ينشر موقع وزارة القضاء في الأنترنت في نشرته الصحفية أي أنباء عن الإسرائيليين. تعتيم على الحادث في الإعلام الأمير کي
ومن اللافت للانتباه أن الصحف الأميركية ووسائل الإعلام الأميركية الأخرى لم تنشر هي أيضا ومنذ البداية أي نبأ عن إعتقال الإسرائيليين والمتفجرات التي كانت معهما باستثناء صحيفة أميركية مغمورة ويهودية أيضا: يو أس أي جويش " ونقلت "البرافدا" الروسية نبا إعتقال الإسرائيليين ومؤامرهما عن صحيفة "لافوزدي أتسلان". وتواصل هذه الصحيفة تغطيتها لهذه الفضيحة المؤامرة فتقول:" لكن ما الذي كان ينوي هذان الإرهابيان القيام به؟ إننا نعرف تماما هدفهما .. فالمعروف أن حكومة فيسنتي فوكس المكسيكية كانت حذرة جدا ولا تريد للمكسيك أن تتورط بأي حملة معادية للمسلمين أو شن الحرب عليهم في أفغانستان. وحتى لو قامت الحكومة بأي تعاطف مع هذه الحملة فسوف يمنعها عن القيام بذلك الشعب المكسيكي نفسه وكذلك أكبر حزبين سياسيين في المعارضة المكسيكية وهما حزب أبي أر إي " و" بي آر دي ". ما هي مصلحة واشنطن في لفلفة الفضيحة؟
لكن الرئيس بوش وقادة الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة كانوا يلحون بشدة على إنضمام المكسيك إلى الحرب ضد الأفغان والمشاركة بالحملة الإعلامية ضد المسلمين لأن الإدارة الأميركية كانت ترى أنه إذا اتخذت الحرب مجرى آخر وظهر لها مضاعفات كبيرة في الشرق الأوسط، مثل حظر النفط العربي عن أميركا، فعند ذلك ستجد في المكسيك بدية خصوصا وأن أكبر شركة نفط مكسيكية (بيميکس) يقع نفطها قرب حدود الولايات المتحدة. ولذلك ساد الاعتقاد المنطقي عند جميع الأوساط المكسيكية السياسية أن الإرهابيين الإسرائيليين كانا يريدان تفجير مبنى المجلس التشريعي المكسيكي بلا أدن جدل أو شك كمرحلة أولى تتلوها فورا مرحلة ثانية هي حشد كل وسائل الإعلام المكسيكية والأميركية في توجيه التهمة للمنظمات الإسلامية وبن لادن. ثم تتهيأ على هذا النحو الأرضية المناسبة لحكومة المكسيك بالإعلان عن مشاركتها في الحرب ضد افغانستان وترسل قواها وتشكل احتياطي النفط للولايات المتحدة مهما كانت مضاعفات تلك الحرب ونتائجها على الدول العربية المصدرة للنفط".
ويعقب ماريو أندراديه، أحد المحامين المكسيكيين على ما نشرته صحيفة "لافوزدي أتسلان " قائلا:" إن هذا الاستنتاج مؤکد تماما بل إن ذلك يؤكد الشكوك التي تحدثت عنها هذه الصحيفة حول علاقة الموساد نفسه بعملية تفجيرات 11 أيلول في نيويورك وواشنطن. ألم تقل الصحيفة إن مجموعة من الإسرائيليين كانت تحمل معها أجهزة تصوير فيديو وكاميرات تصوير فوتوغرافي أثناء إختراق المبنيين في نيويورك فوق أحد أسطح المباني في نيويورك قرب موقع التفجير؟؟ وهل تحدث أحد عن هؤلاء الإسرائيليين؟.
أما حكومة المكسيك فقد ذكرت أن الإرهابيين الإثنين من الموساد ظهرت بحقهما لائحة إقام تتعلق بالبند رقم 123 ورقم 143 بموجب القوانين القضائية (1) و (8) و (9) و (13) وأطلق سراحهما. والسؤال هو: من من المكسيكيين يعرف تفاصيل هذه البنود؟ ولماذا تجاهلت السلطات المكسيكية ذكر المتفجرات والصواعق وكيف تم القبض على ضابط الموساد ومساعده؟ على ضوء ذلك، نستطيع القول، أن هذه المحاولة هي حلقة أساسية من حلقات السلسلة الموسادية التي تتشابه فيما بينها من حيث الفشل والإخفاق والفضائح وتمريغ السمعة والهيبة في الوحل.
المراجع
(2) راجع: مجلة "الصياد" اللبنانية العدد 2980 تاريخ 14 كانون الأول 2001 ص. 79. ومجلة "المحرر العربي " العدد 346 من 24_30 أيار 2002 ص 20.
داده شده در 10
م
ا
مصادر و المراجع :
١- موسوعة الامن والاستخبارات في العالم
المؤلف: د. صالح زهر الدين
الناشر: المركز الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت
الطبعة: الاولى
تاريخ النشر:2002 م
2 أبريل 2024
تعليقات (0)