المنشورات

قضية إسرائيل بير:

تعتبر قضية الدكتور إسرائيل بير من أكثر القضايا حساسية وخطورة بالنسبة لجهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)، حيث أصبح وضعه فعلا على محك المصداقية، وأدرك عقم "أسطوريته وطرزانيته"، فضلا
عما هلته هذه القضية من إنعكاسات على أوضاع وزارة الدفاع الإسرائيلية ذاتها، حيث كان إسرائيل بير أحد أبرز أركانها. حتى أن البعض كان يسميه "ليدل هارت الإسرائيلي" (4) كما جاء في كتاب بار زوهار.
لقد أدين إسرائيل بير بالتجسس لصالح الإتحاد السوفياتي. وقد جنده مندوب "وكالة تأس" (السوفياتية في دولة الإحتلال الصهيوني ويدعى "لوسيب"، واستخدمه العميل السوفياتي سوكولوف.
هذا، ومن خلال تسليط الضوء على شخصية إسرائيل بير ووظائفه وطبيعة عمله، ندرك أهمية الخلل الفاضح في جهاز الموساد "الأسطوري".
كان إسرائيل بير خلال حرب 1948، قد وصل إلى رتبة " مقدم "، وأصبح أحد المساعدين الرئيسيين لرئيس الشعبة التنفيذية إيغال يادين. وحال إنتهاء الحرب عين رئيسا لشعبة التخطيط في الجيش الإسرائيلي ... وعندما تم تعيين إيغال يادين رئيسا للأركان، توقع بير أن يعين نائبا له. وعندما عين العميد (مکليف) نائبا ليادين، إستقال بير من وظيفته ... لكنه عاد سنة 1955 إلى وزارة الدفاع، حيث ألقيت على عاتقه مهمة كتابة التاريخ الرسمي لحرب 1948 (والتي يطلق عليها إسم "حرب الإستقلال " في المنظار الصهيولي).
فضلا عن ذلك، كان إسرائيل بير أحد نشطاء القياديين في حزب "مبام"، وبالتحديد، كان أحد نشطاء الشعبة الأمنية في هذا الحزب، والتي كانت مسؤولة بشكل أساسي عن الإهتمام بمجندي الحزب في الجيش الإسرائيلي، وبتوجيه أعضاء الكنيست في الشؤون والقضايا الأمنية.
بالإضافة لكونه محل عسكرية لصحيفة "عل همشمار "، فقد تعززت مكانة إسرائيل بير في أعقاب حرب 1956 (العدوان الثلاثي عل مصر) وأصبح شخصية دائمة في مكتب شمعون بيريز، مدير عام وزارة الدفاع؛ كما أصبح بمثابة الشخصية العسكرية الوحيدة التي توضح سياسة الأمن الإسرائيلية، للشخصيات الأجنبية. وهكذا أصبح إسرائيل بير أحد الشخصيات المهمة، التي تلازم شمعون بيريز وتسير في ركابه وركاب حاشيته، وازدادت مكانته كمنظر عسكري كبير ...
وفي بداية عام 1956، أصبح بير المحلل العسكري لصحيفة هآرتس. وفي بداية عام 1959، رأس مدرسة المؤرخين العسكريين في دولة الإحتلال الصهيوني، التي إفتتحت في جامعة تل أبيب، حيث كان ضباط الجيش الإسرائيلي يتلقون علومهم التاريخية، وأصبح بير معروفة، بأنه أرفع مؤرخ إسرائيلي عسکري ... وبفضل موقعه كأمين سر مدير الدفاع، فلم يكن بمقدور أي ضابط أن يشك في هذا الرجل الذي كان يحصل على المعلومات كما يحصل "الوعاء على المياه المتدفقة من حنفية مفتوحة ". هذا بالإضافة إلى وظيفة أخرى كان يشغلها مع شمعون بيريز هي وظيفة "المساعد الأمني" له. فضلا عن تكليفه من قبل وزارة الدفاع الإسرائيلية بأن يكون عضوا في لجنتي التخطيط لساعات الطوارئ ولجنة التحقيق في أعمال بنحاس لافون، الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الدفاع. هذا، إضافة إلى عمله كمحاضر في كلية القيادة والأركان" التابعة للجيش الإسرائيلي، ورئيسا للكادر العسكري التاريخي في جامعة
تل أبيب.
فوق كل ذلك، فقد كان إسرائيل بير من أقرب المقربين إلى دافيد بن غوريون، ووصفته المصادر المختلفة بأنه المستشار الشخصي له، حيث لم يكن بن غوريون يستم دفتر مذكراته الشخصية التي تحمل طابع السرية فوق العادة، والتي كان يجهلها كثير من الوزراء الصهاينة إلا الإسرائيل بير فقط.
ألقي القبض على إسرائيل بير بتاريخ 30 آذار 1991، بعد لقاء جرى بينه وبين سوكولوف، سلمه فيه محفظة تحتوي أوراقا سرية ومفكرة بن غوريون الشخصية ... وعندما أبلغ إيسر هارئيل بن غوريون بأمر إعتقال إسرائيل بير، ذهل بن غوريون وقال:" كنت غارقة في محيط من الأكاذيب ".
هزت هذه الفضيحة أركان دولة الإحتلال الصهيوني من أساسها، سياسية وعسكرية وأمنيا. لكن الجهاز الذي كان أكثر تأثرة هذه الفضيحة ومخاطرها كان جهاز الاستخبارات الإسرائيلي نفسه ... "المنزه عن الخطأ وعن الفشل وعن الإختراق!!! "، والذي عجز عن كشف الإسم الحقيقي لإسرائيل بير، باعتباره لغزة من ألغاز جهاز الإستخبارات السوفياتية، وسرا من أسرارها القابعة في أحد ملفاتها التي تضم السيرة الحقيقية لهذا الرجل (ه). ولا ندري إن كان الموساد قد توصل بعد إفيار الإتحاد السوفياتي، وتعاونه الأمني مع الى "كي. جي. بي" إلى الإسم الحقيقي لإسرائيل بير أم لا؟.
ونتيجة المحاكمة التي استغرقت شهورة طويلة، حكم على إسرائيل بير بالسجن عشر سنوات بدءا من تاريخ إعتقاله في 31 آذار 1991.
لكن إستئناف الحكم من قبل بير والإدعاء العام، حدا بالمحكمة العليا التي كان يرأسها يومذاك إسحق ولشن، لاتخاذ قرار بزيادة عقوبة بير وجعلها خمس عشرة سنة، بالسجن الفعلي بدلا من عشر. لكنه لم يقضي مدة الحكم سجينا حيث توفي داخل سجنه بعد سنوات قليلة من توقيفه.
ومما يجدر ذكره في هذا المجال، وتبيانا للحقيقة التي تعتري جهاز الموساد من إدعاءاته " السوبر مانية والأسطورية "، هو ما ذكره ريتشارد ديکون، أحد كبار رجال الإستخبارات البريطانية عندما قال إستنادا إلى کو کريدج حول إسرائيل بير: " ما كان ليكشف بير أبدا لولا الهارب الشيوعي، الكولونيل مايكل غولينفيسكي، من المخابرات البولونية، الذي اتصل بوكالة المخابرات المركزية الأميركية في برلين الغربية. وقد هزت كشوفاته وإفشاءاته العديد من أجهزة المخابرات حتى أساساهارة) وتكفي هذه الإشارة للدلالة على عقم المزاعم الموسادية ومعجزاها ...
كما أن مؤلفي كتاب " حروب إسرائيل السرية ... "، إيان بلاك وبيني موريس، يشيران إلى هذه القضية أيضا بالقول أن إيسر هارئيل "نفي في وقت لاحق تخمينات أفادت بأن وكالات إستخبارات صديقة قد ساعدت الشين بيت في كشف بير. وحسب ما ورد في تلك التقارير، حذر جهاز الإستخبارات البريطانية الإسرائيليين سابقا من أن إسم بير قد وجد ضمن أوراق غوردون لونسدال، وهو نفسه الجاسوس السوفياتي كونون ملودي الذي أعتقل في كانون الأول 1991، ثم سجن لعلاقته بشبكة التجسس الشهيرة والمعروفة بإسم بورتسماوث. وزعمت مصادر أخرى بأن بير عمل مع هيغ هامبيلتون، رجل الإقتصاد الكندي الذي سجن في بريطانيا عام 1982 بجريمة التجسس على حلف شمال الأطلسي لصالح السوفيات للفترة الواقعة بين عامي 1956 و 1991 (7).
وفي مجمل الحالات إن كشف إسرائيل بير، عن طريق الموساد أو عن طريق أجهزة إستخبارية حليفة له، لا يدل إلا على شيء واحد هو إهتزاز الثقة بالموساد، وبالأجهزة الأمنية الإسرائيلية كلها، وبالتالي سقوط هيبتها ومعنوياها؛ كما يتوضح من خلال ذلك أن خرقها ليس مستحيلا، بل هو شأن طبيعي مهما أضفوا على هذا الجهاز طابع " العملقة" و" إستحالة الخردقة والإختراق ....













مصادر و المراجع :

١- موسوعة الامن والاستخبارات في العالم

المؤلف: د. صالح زهر الدين

الناشر: المركز الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت

الطبعة: الاولى

تاريخ النشر:2002 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید