المنشورات
همرشولد وتأميم قناة السويس
قليلون جدأ أولئك الرجال الذين اذا ماتوا، تحزن عليهم الملايين، وتبكي على فقدانهم جماهير واسعة. وقليلون جدا أيضا أولئك الذين اذا غابوا، تتمزق على غيابهم شرايين القلوب قبل أن تطفر الدموع في المقل التي يصعب عليها حبس غصاتهم ودفائنها. ولم يكن السياسي الكبير «داغ همرشولد DAG HAMARCHOLD إلا أحد هؤلاء العظماء الذين يعتز بهم تاريخ الشعوب والدول ويفتخر بتسجيل أسمائهم في سجله الذهبي.
فمن هو «همرشولد، هذا؟ وما هو سر عظمته؟.
لقد أصبح من الطبيعي، كلما ظهرت شخصية فذة على مسرح الحكم أو في عالم السياسة، ولعبت دورا كبيرا في مجال من المجالات المؤثرة في حياة الناس، تردد بين الناس هذا التساؤل: هل المنصب هو الذي يخلق الرجل، أم هل الرجل هو الذي يخلق المنصب؟.
من الناس من يقول أن المركز الكبير يخلق من أي شخص عادي رجلا مهمة بارزة. فأيا كان الرجل الذي ينتخب رئيسا لأمريكا مثلا، حتى لو كان محدود المقدرة، قليل الكفاءة، كما كان معظم الأمريكيين يقولون عن «هاري ترومان، وعن «جيمي کارتر، فإن منصبه الكبير يخلق منه شخصا كبيرا، يحسب به داخل بلاده وخارجها كل حساب. بينما غيره من رؤساء الدول قد يفوقونه كفاءة وقدرة، وذكاء وخبرة ولكنهم دونه جدوى بمدى بعيد لأنهم يرأسون بلادأ صغيرة.
ومن الناس من يقول أن الرجل الفذ في مواهبه وفي إعداده وفي شخصيته هو الذي يجعل المنصب الذي يتولاه منصبة رفيعة وخطيرة، له دوره المؤثر في شؤون الناس وفي توجيه مسيرتهم ... وقد ظهرت مثل هذه الشخصيات الفذة في بلاد وشعوب صغيرة، فغيرت حياتها تغييرا جذريا ... كانت شعوبة نائمة فاستيقظت، وكانت بلادا متخلفة فتقدمت، وكانت منكفأة على نفسها فصار لها التأثير الكبير فيما حولها من أمم ومن آفاق ...
وقد تردد هذا السؤال حول منصب الأمين العام للأمم المتحدة، وحول الشخصيات الخمسة التي تولته: تريجفي لي، همرشولد، يوثانت، فالدهايم، ثم دي كويلار .. الخ ...
وتردد السؤال حول «داغ همرشولد، بالذات ... لأنه تحول من رجل عادي في نظر من يعرفونه من أهل بلاده وهم قليلون، الى رجل عظيم يبهر العالم كله وينال التقدير والتأييد، ويصيبه أيضا السخط والمعارضة من كثير من الحكومات والشعوب ...
ولد «همرشولد» سنة 1905. ثم أصبح موظفة في الحكومة السويدية بوظيفة كبيرة، لكنها لم تصل إلى مرتبة وزير أو شبه وزير ... وكان أهم ما فيه أنه من أسرة أرستقراطية وعلى جانب كبير من الثراء. فقد كان أبوه رئيس وزراء السويد، وكان أجداده من المحاربين في جيوش السويد التي كانت تعيش في حروب مستمرة مع جيرانها قبل أن تتحول في تاريخها الحديث الى البلد المحايد الذي يعيش في سلام ويدعو الى السلام ...
ولم يكن أحد قد سمع باسمه خارج بلاده ... أو ربما سمع به بعض الناس مرة كل سنة، لأنه كان عضوا في اللجنة التي تبحث موضوع المرشحين لجائزة نوبل للسلام.
وعندما هبطت به الطائرة في مطار نيويورك عندما جاء ليتولى منصب الأمين العام للأمم المتحدة كان أول سؤال وجهه اليه الصحفيون: كيف تنطق اسمك؟ كيف تكتب اسمك؟ ... وأراد أن يبسط لهم اسمه المكون من اثني عشر حرفا فقال أنه مكون من كلمتين: همر (أي المطرقة) وشولد (أي الدرع) ... فهذا هو الاسم الذي أطلق منذ عدة قرون على جده المحارب: المطرقة والدرع ...
ثم لم تمض ثلاث أو أربع سنوات على هذا الرجل الذي كانوا لا يعرفون كيف ينطقون اسمه، فإذا به قوة هائلة على المسرح الدولي ... قوة لها دورها الفعال المؤثر، الموجه، في الأحداث الدولية الكبرى ... دور يضاهي دور الدول الكبرى، وإن كانا دورين مختلفين، وربما متناقضين متعارضين. لأن دور الدول الكبرى قائم على قوتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، أما دور الأمم المتحدة فقائم على إلتفاف الدول الصغرى حولها، وعلى مساندة الرأي العام العالمي لها ... لقد برز «همرشولده في الواقع كمفاوض من الطراز الأول، وقد أعطى الكثير من السلطة والهيبة لمركز الأمانة
العامة
وصار «همرشولد، أحد ثلاثة أو أربعة رجال في العالم هم أقوى زعمائه وقادته الموجهين .. وقبل زعماء الدول الكبرى، أو بعضهم، أن يشاركهم الأمين العام للأمم المتحدة، ما لهم من قوة ونفوذ في العالم ... وعندما تأزمت الأمور في احدى المراحل، اقترح اخروتشوف، زعيم الاتحاد السوفياتي عقد مؤتمر قمة على أعلى مستوى تصل اليه القمة، فاقتصر الاشتراك فيه على ستة رجال: رؤساء الدول الخمس الكبرى، وسادسهم
همرشولد، ... الذي استطاع أن يجعل من منصبه، ومن عمله، القوة السادسة في العالم.
كانت مواهب «همرشولد، مخبأة وراء وجه يبدو عليه الخجل والحياء، ووراء قوام نحيل يبدو أن صاحبه منصرف إلى الرياضة البدنية، وقد عرف أنه من هواة تسلق الجبال ... ولم يكن قد بلغ الخمسين في وقت كان فيه معظم السياسيين شيوخا وكهو.
وعندما يقع حدث کبير تظهر مواهب همرشولدر المختبئة، ويبرز ما فيه من ذكاء وبصيرة ومن شخصية قادرة على مواجهة المشاكل الكبرى ...
ووقع الحدث الكبير في منطقتنا العربية ... وأين تقع الأحداث الكبري في عصرنا هذا إلا في المنطقة العربية التي كانت بلادا هادئة، تسكنها شعوب راضية، إلى أن مسها مس من الشيطان فوفدت عليها جماعة من الدخلاء، كونوا لأنفسهم دولة، وكونوا للدولة جيشة، وراحت تعتدي على ما حولها وتلتهمه كلما آنست في نفسها المقدرة على العدوان، وكلما جاءها العون والدعم من الأقوياء الطامعين في ارض العرب ... وكان الطامعون الواضحون للعيان في ذلك الوقت هما بريطانيا وفرنسا، وكانتا تحاولان التشبث بما كان الهما من السيطرة على المنطقة العربية طوال قرن من الزمان ... ا ولكن رياح الحركات القومية كانت قد هبت في أرجاء العالم وأخذت تعصف بما تبقى من امبراطوريات أوروبية أنهكتها الحروب، وكانت مصر تقود الحركة القومية في المشرق العربي (حيث ماتزال بريطانيا رابضة بقواعدها ومحمياتها)، وتؤيد وتدعم الحركة القومية في المغرب العربي حيث قامت ثورة الجزائر على فرنسا تريد الاستقلال. . وقرر «همرشولد، أن يدعو مجلس الأمن إلى الإنعقاد، لا لتلقي فيه الخطب وتصدر قرارات الإدانة والاستنكار مثلما كان يفعل المجلس طوال السنين الأخيرة، ولكن ليتخذ موقفا فعالا في وقف العدوان، ثم رد القوات المعتدية إلى حيث جاءت، ثم وضع خطة لإعادة الهدوء الى المنطقة ثلاث خطوات الواحدة تلو الأخرى ...
وتهامست دوائر الأمم المتحدة بأن بريطانيا وفرنسا تنكران على الأمين العام أن يقوم بهذه المهام بصفته نائبا عن الأمم المتحدة ... فهو مجرد موظف دولي أو هو أكبر موظف في خدمة دول الأعضاء، ولا يجوز له أن يتخذ موقفا يعارض سياسات الدول وخاصة ما كان منها دولا كبيرة مثل بريطانيا وفرنسا
وراي همرشولد أن يواجه هذا الموقف مواجهة حاسمة. فألقى عند افتتاح المجلس كلمة وجيزة ولكنها دوت في الأمم المتحدة، ودوت في العالم کله ... فقد حدد مهمة الأمين العام كما يراها حين قال في كلمته هذه العبارات: دان مباديء ميثاق الأمم المتحدة أهم بكثير من الأهداف السياسية لأي دولة ... الأهداف هي مرجعه الأول والأخير فيما يحق له أن يفعله ... ومن أجل هذا يجب أن أتقدم للعمل في هذا الظرف العصيب ... وليس في إمكان الأمين العام أن يقوم بمهمته هذه إلا اذا حافظت كل دولة من الدول الأعضاء على شرف تعهدها باحترام ميثاق الأمم المتحدة. ان معني ما قلته الأن واضح جلي للجميع دون حاجة إلى أي إسهاب وتفصيل ... أما اذا كان للدول الأعضاء وجهة نظر أخرى في واجبات الأمين العام فمن حق هذه الدول، كما أن من حق الأمين العام أن يتصرفوا تصرفا آخره.
وكانت الجملة الأخيرة التي تحمل تصميمه القاطع على الاستقالة راذا كان للدول الأعضاء وجهة نظر أخرى، إشارة منه إلى الدول الأعضاء أن تعلن
الأن موقفها:
هل تريد الأمين العام أن يعمل على مواجهة الموقف الدولي الخطير مواجهة عملية، أم تريد أن يكون مجرد موظف كبير يسجل ويذيع قرارا يصدره المجلس بالإدانة، أو نداء يوجهه المجلس الى المتحاربين بناشدهم ضبط النفس مثلا ...
وسارع ممثل الاتحاد السوفياتي وممثل أمريكا، وممثلو دول أخرى بالإعلان في كلمات واضحة أن حكوماتهم تأتمن الأمين العام على مهمته الكبيرة، وتطلب اليه أن يتقدم للعمل ...
وعندئذ وضع همرشولد، أمام الدول جميعة خطة عملية تحمل بريطانيا وفرنسا على وقف عدوانهما الذي بدأ فعلا بضرب مدينة بور سعيد بحرة وجوة، وبالزحف الى مدينة الاسماعيلية، وباقي منطقة القناة ... ثم تحمل الدولتين على النزوح بجنودهما في أقصر وقت ممكن عائدين إلى بلادهم دون تحقيق أي مكسب من وراء عدوانهما ... وعندئذ تجد اسرائيل نفسها مرغمة على الانسحاب من الأرض التي احتلتها.
ولم تكن هذه الخطة العملية وليدة الساعة ... فقد كان يفكر منذ تولي منصبه في أن ما ينقص الأمم المتحدة لكي تكون أداة فعالة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين أن يكون لها جيش، أو شبه جيش، ليست مهمته خوض المعارك، وإنما مهمته فض المعارك اذا نشبت ... وذلك بان يقف حائلا بين المتحاربين، فيتيح لهم أن يتوقفوا عن القتال، وأن يتباعدوا ويرتدوا الى أماكنهم الأولى ... ثم يتيح لهم فسحة من الوقت تهدأ فيها نفوس المتخاصمين، لبحث أسباب الصراع والخلاف، بغية الوصول الى حلول وسط تقبلها أطراف النزاع.
وراي (همرشولد، أن هذا الموقف الخطير قد هيا المناخ الدولي لتكوين قوة عسكرية للامم المتحدة أسماها قوة الطواريء الدولية ... فقد كان الراي العام في كل أرجاء العالم، بما فيه فريق كبير من الرأي العام في بريطانيا نفسها، ثائرة غاضبة على هذا العدوان المثلث، وعلى الطريقة الفجة التي وقع بها، وباتت أكثر الحكومات والبرلمانات مستعدة للمشاركة في أي عمل يوقف هذا العدوان ويرده على أعقابه دون أن ينال القائمون به أي مكسب، وبدأت بعض الحكومات استعدادا لتخصيص جزء من قواتها المسلحة للمشاركة في تكوين قوة مسلحة دولية تقوم بتلك المهام التي حددها الأمين العام للأمم المتحدة، وتعمل تحت قيادته السياسية، وتحت قيادة من بعينه «جنرالأ على هذه القوة ...
ورتب همرشولد، عملية إصدار القرار اللازم من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتقدم وزير خارجية كندا الستر بيرسون، مقترحا انشاء «قوة الطواريء الدولية، فتقوم بالمهمة التي قالت بريطانيا وفرنسا أنهما جاءا من أجلها ... وهي الفصل بين اسرائيل ومصر ... ثم أعقبه على منبر الجمعية العامة رجون فوستر دالاس، وزير خارجية أمريكا، وهو ينالم جسديا، وعاطفيا ... كان يعاني التهاب في الأمعاء يقتضي إجراء عملية جراحية عاجلة، فخرج من الاجتماع بعد منتصف الليل الى المستشفى مباشرة ... أما معاناته العاطفية فقد عبر عنها بهذه الكلمات: ما من أحد تكلم من هذا المنبر وهو يعاني مثل ما أعانيه الليلة من الانقباض والحسرة ... لقد عجزت بلادي عن الاتفاق مع ثلاث دول تربطنا بها روابط الصداقة المتينة ومنها دولتان هما اقدم حلفائنا وأجدرهم بثقتنا.
ثم قدم مشروع قرار يقضي بمطالبة جميع الأطراف بوقف اطلاق النار ... وبسحب القوات الاسرائيلية الى ما وراء خطوط الهدنة التي حددت في سنة 1949 ... وتوقف القوات البريطانية والفرنسية عن عملياتها الحربية في مصر ... ثم تكليف الأمين العام بمتابعة تنفيذ هذه الخطوات ... وكذلك المضي في تكوين (قوة الطواريء الدولية، وإرسالها إلى منطقة القتال.
وانتهى الاجتماع بعد الساعة الرابعة صباحا وانصرف ممثلو الدول يلتمسون شيئا من الراحة والنوم بعد أن أنهكتهم الأيام والليالي السابقة ... أما همرشولد، ومساعدوه فقد واصلوا الليل بالنهار يتصلون بالدول التي يمكن أن تساهم في تكوين قوة الطوارئ الدولية، وراحوا يحددون الأماكن التي ستنزل فيها وحداتها، ويهيئون وسائل نقلها وتموينها وسبل الاتصال بها، دون أن تكون هناك سابقة يمكن الاهتداء بها، وتم انجاز هذه العملية المعقدة خلال ثلاثة أو أربعة أيام ...
في خلال هذه الأيام كانت ثورة الراي العام في العالم كله قد بلغت أقصاها ... وكانت الخطب في شتى البرلمانات، وعلى الأخص في مجلس العموم البريطاني، تدين هذا العدوان ... وكانت المظاهرات الشعبية لا في البلاد العربية وحدها، بل في البلاد الاسيوية والافريقية وحتى بلاد أمريكا اللاتينية تهتف بسقوط الاستعمار ... وأشاعت الصين أن عشرات الآلاف من مواطنيها يطلبون التطوع لمحاربة المعتدين الثلاثة ... عندئذ سارع الاتحاد السوفياتي فقدم اقتراحا الى مجلس الأمن بان يدعو الدول الى إرسال محاربين متطوعين.
وواصلت واشنطن ضغطها بكل الوسائل ... وانخفض الجنيه الاسترليني انخفاضا كبيرا بات يهدد بريطانيا بخطر اقتصادي داهم ... وهددت الهند بالانسحاب من الكومنولث البريطاني ...
وهدد ايزنهاور اسرائيل بما لا تستطيع احتماله ... وهو فرض ضرائب على التبرعات، التي تتدفق عليها من اليهود وغير اليهود في امريکا ... والتبرعات معا معفاة من الضرائب في أمريكا، وهي لهذا السبب ضخمة جدة، فكثيرون يفضلون التبرع بالمال بدلا من دفعه ضريبة للحكومة.
وعم السخط على هذا العدوان المدبر والسافر ارجاء العالم، وبلغ الاستنكار أقصى درجاته فيما يلقى من خطب في الأمم المتحدة، وما يصدر من قرارات تطالب بوقف القتال فورا ...
كل هذا لم يوقف العدوان، واستمرت القوات البريطانية والفرنسية في عملياتها العسكرية .. ثم حدث شيء خطير خلال يوم الثلاثاء في السادس من تشرين الثاني / نوفمبر عندما أصدر الاتحاد السوفياتي انذارة صيغ في عبارات حازمة مثيرة الى بريطانيا وفرنسا وماذا يكون الأمر لو ضربت لندن وباريس بالصواريخ السوفياتية؟.
بعد صدور هذا الإنذار السوفياتي بعدة ساعات صدر بيان بريطاني فرنسي يعلن أنه تقرر وقف القتال وإنهاء العمليات العسكرية في الساعة الثانية عشرة مساء بتوقيت غرينتش.
وتوقف العدوان ... وجاءت قوات الطوارئ الدولية التي كونها همرشولد، في خلال بضعة أيام من ضباط وجنود خليط من عدة دول، وعين الجنرال الكندي «بيرنزه قائدا لها، يتلقى الأوامر من الأمين العام وحده ... وكان هذا اعترافا بدور کندا في اقتراحها رسمية انشاء قوة طواريء للامم المتحدة
وانتشرت قوات الأمم المتحدة سريعة حول قناة السويس ... واضطرت بريطانيا وفرنسا الى سحب قواتهما بعد تلك المجازفة الخائبة ... وخرجتا منها بعد أن تبينتا وتبين العالم انهما لا تستطيعان القيام بعمل خطير كهذا اذا تصدت لهما الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي. فنزلتا عندها من مرتبة الدول العظمى، وصارتا دولتين كبيرتين فقط.
أما استرائيل فتلكات في الانسحاب عدة شهور، ثم اضطرت الى العودة وراء خطوط الهدنة التي كان دافيد بن غوريون قد أعلن انها ماتت وتم دفنها، ولكنها كانت عودة الى حين.
أما مصر فخرجت من المعركة منتصرة انتصارا سياسية كبيرة، وارتفعت قامتها في قيادة تيار القومية العربية، وزادت حركة التحرر العربي والافريقي قوة وعزيمة، وخرجت عشرات من الشعوب من قبضة الاستعمار الأوروبي وصارت دولا مستقلة.
وأسرع (همرشولد، الى عملية أخرى هي تطهير قناة السويس مما ألقي فيها من الغام، ومن سفينة أو سفينتين أغرقتهما مصر لتسد مدخل القناة ... وفتحت القناة وعادت شريانا للتجارة الدولية، ولكنها عادت قناة مصرية يديرها مصريون ويعود خيرها على أهل مصر، لا على حفنة من الأجانب. أما اسرائيل فحاولت أن يكون لها حق الملاحة في القناة، ووقفت مصر دون هذا في حزم، فحقها المطلق أن تحمي القناة من بلد بينه وبين مصر «حالة حرب،، أما خليج العقبة فكان مفتوحة لاسرائيل، وعسکرت قوة الأمم المتحدة على رأس الخليج في ايلات.
تلك كانت صفحة من أروع صفحات التاريخ الحديث والمعاصر، ثار فيها الرأي العام العالمي سخطا على الاستعمار القديم، وقاد «همرشولد الأمم المتحدة ... فلما انزاح من مكانه أطل الاستعمار الجديد في أماكن عديدة، منها لبنان، ومنها الكونغو ... وأراد همرشولد، أن يكون للامم المتحدة دور جديد، فمات مقتولا بحادث طائرة في الكونغو في سبتمبر 1991، بعد أن أشارت أصابع الاتهام الى الصهيونية العالمية في تدبير الحادث - الجريمة.
وهكذا هذا الدماغ الجبار، وسكن القلب الكبير الفياض بالمحبة الانسانية قبل أن يتمكن من تحقيق جميع أحلامه البعيدة لخير الناس وهنائهم، وتقريب الشعوب بعضها إلى بعض، من أجل توطيد أركان السلام في الأرض.
وعظيم کهمرشولد، يستحق الاحترام والتقدير في زمن عزت فيه هذه الصفات، وكأنها من محنطات القرون الوسطى ... وهو جدير بأن يحتل مكانه الحقيقي في سجل الخالدين من أبناء الإنسانية الذين وقفوا حياتهم كلها على راحتها وهنائها وسلامتها.
انها كلمة حق ... يجب أن تقال حتى ولو على حبال المشانق ...
المراجع
ا- الموسوعة السياسية، بإشراف عبد الوهاب كيالي وكامل الزهيري.
المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت 1979. ص 520. 2 - عبد الحميد الكاتب قضية وشخصية في الأمم المتحدة. مجلة
العربي» (الكويتية). العدد 301. ديسمبر 1983، ص 80 - 89.
مصادر و المراجع :
١- موسوعة الامن
والاستخبارات في العالم
المؤلف: د. صالح
زهر الدين
الناشر: المركز
الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت
الطبعة: الاولى
تاريخ النشر:2002
م
2 أبريل 2024
تعليقات (0)