المنشورات
نواف غزالة وأسرار عملية اغتيال أديب الشيشكلي في البرازيل ...
تعرف معادن الرجال من خلال معايشتهم المبكرة لهموم أوطانهم، واستعذابهم طعم النضال، وصولا إلى الهدف الكبير. واذا كانت الحياة الانسانية عطاء موصولا، وتضحية تلو تضحية، فإن أغلى التضحيات تلك التي تبرز في الشدائد. والشدائد. كما قيل - محك الرجال، تكشف عن صلابتهم الوطنية وتمتحن إرادتهم وقدرتهم على احتمال هموم النضال حتى نهاية الشوط.
وعندما قيل بأن العباقرة كالنيازك، قدرهم أن يحترقوا ليضيئوا عمرهم، إلا أن المناضل العبقري نواف غزالة، أضاء عصره ولم يحترق ...
إنه ثورة في رجل، وأمة في شخص، وملاك في إنسان. رجل فولاذي وضع دمه على كفه ومشي نحو الموت، ولكن الموت هرب منه ولم يستطع الصمود في وجه إرادته وعزيمته. عندها كرس عقيدته وإيمانه بأن الأعمار في بد الله وليست في يد المستعمرين وشذاذ الآفاق. ولن يؤخر الله نفسا اذا جاء
أجلها.
رجل، رضع الكرامة قبل أن يولد، وقد تغلغلت في عروقه وشرانه، ونخرت العظم والدماغ، ولازمت الدم. و رفض أن يكتب التاريخ إلا بالدم، ولهذا فهو جدير بأن يتبوأ المكانة التي تليق به في صفحات التاريخ المشرقة. وأمثاله قلائل في هذا العصر. وعندما أصدرت محكمة الشعب قرارها بإعدام المجرم السفاح «أديب الشيشكلي،، كان له شرف تنفيذ القرار، ونجح بدقة. إنه ابن جبل العرب. إنه ابن سلطان. إنه البطل نواف غزالة. وحتى لا نخون التاريخ ولا نظلم أجيالنا القادمة التي هي أمانة في أعناقنا، وحتى لا نظلم هذا الرجل العظيم الذي يمثل شعبأ وأمة ووطنا بكامله، آثرنا أن نسجل للتاريخ، وبكل صدق وموضوعية وإخلاص، عظمة هذا الانسان، وعظمة هذا الحدث الذي مثل ثورة عربية في قلب أمريكا اللاتينية، ضد الاستعمار وعملائه الصغار. وليس هناك أصدق وأوثق من الرجل نفسه يروي التفاصيل كما عاشها بالضبط، اذ أن للكلمة في هذا العصر فعالية لا تقل أهمية عن الرصاص والمدافع، وخصوصا أنها كلمة شجاعة، لأنها صادقة ولا تعرف الجبن والتخاذل
ومن تكلم مع السفاحين بالرصاص، يجب أن يتكلم عنهم القلم المحشو بالدم وليس بالحبر، بشجاعة وصدق دون خوف ولا جبن.
وهل هناك أجدر في الاستحقاق من البطل نواف غزالة؟.
سنرضع أطفالنا مع الحليب اسم نواف، علهم يسيرون على خطاه في الدفاع عن الحق مهما كانت التضحيات، وحتى لا يخفضوا رؤوسهم ابدأ إلا أمام الحق والحقيقة.
من هو نواف غزالة؟ وما هي أسرار عملية قتل الشيشكلي في البرازيل؟.
ولد نواف غزالة في بلدة ملخ، من محافظة السويداء في جبل العرب. وتلقى دروسه الابتدائية فيها. إلا أن الظروف القاسية التي كان يعيشها الجبل من ناحية، وصعوبة الحياة المعيشية من ناحية ثانية، يضاف اليها طموحه الكبير للسفر والمغامرة، كل ذلك، دفع بنواف غزالة إلى ترك الجبل والهجرة الى الخارج، وكانت البرازيل من دول أميركا اللاتينية، الهدف الذي يبغي الوصول اليه.
انطلاقا من ذلك، استقل نواف الباخرة، التي كانت من أكثر وسائل النقل رواجا في تلك الفترة، في شهر سبتمبر من سنة 1953. ولم يكن ارتياد البحر سهلا في أي يوم من الأيام وكأنه مع العذاب والمعاناة على موعد. هرب من عذاب الظروف القاسية في الجبل، فتلقفه عذاب البحر خلال ثمانية وعشرين يوما قبل أن يبدأ رحلة العذاب في بلاد المهجر، وخاصة في البرازيل التي تصعب لغتها أولا على شاب جبلي، عربي، ولو كان طموحا مغامرة، كنواف. إلا أن وجود بعض الأقارب هناك خفف عليه الكثير من المتاعب وقساوة العيش.
تجول بين البيوت لأشهر ثلاث، وطرق الأبواب عارضة بضاعته التي يحملها في المحفظة، لكنه لم يستطع تحمل هذه المهنة، فطلب من أقاربه افتتاح دكان صغير ليمارس فيه عملية البيع المستقر، باعتبار أن الإنسان في ذلك الوقت كان باستطاعته أن يأخذ البضاعة من التجار، ويؤمنوا له بصورة غير محدودة. وقد كانت هذه العملية أهون بكثير من التجول في الشوارع والبيوت. وهكذا كان.
تطورت عملية البيع بعد فترة قصيرة، وأصبح الاسم معروفة جدا، وازدادت ثقة التجار به نتيجة الصدق في العمل والمعاملة الحسنة. وعندما استحدثت البلاد بعد مرحلة عاصمة جديدة في منطقة أخرى، انتقل اليها نواف غزالة، وحقق فيها نجاحة واسعة باعتباره أول انسان عربي دخل هذه العاصمة برازيليا.
توسعت التجارة وتحسنت الأمور فيما بعد عبر محلات أربعة في الشارع العمومي، بالإضافة الى مطعم واسع، كبير الحجم، و موتوره لتوليد الطاقة نظرا لعدم وجود الكهرباء. وكانت الأمور والأحوال تسير من حسن الى أحسن، وأصبح عنده ستون عاملا يمثلون القوة المنتجة في المعمل الذي يملكه.
لقد احتل الوطن في نفس نواف غزالة - ككل مهاجر - مكانة خاصة،وكان الحنين اليه هو الهاجس الدائم الذي لا يفارقه، وليس هناك من قدرة على النسيان، وذلك بعد أن تركه في مرحلة صعبة خلال حكم الشيشكلي اللقطر العربي السوري وللجبل خاصة، على أثر انقلاب عسكري هو الثالث من نوعه في سوريا في شهر كانون الأول/ ديسمبر 1949، واستمر حتى الخامس عشر من شباط / فبراير 1954.
فمن هو أديب الشيشكلي؟ ولماذا اغتاله نواف غزالة ..
ولد أديب الشيشكلي في مدينة حماه عام 1909. كان عقيدة في الجيش العربي السوري عندما قام بحركته الانقلابية عام 1949. وله سبعة أبناء هم: إحسان، وموفق، وسمير وسهير، وسميرة ونوال ومنور. وصهره زوج كريمته عقيد سابق في الجيش السوري أيضا بدعي فيصل الشيشكلي، وهو أول من تلقى نبأ اغتيال عمه في البرازيل، عبر اتصال تلفوني خاص. حكم أديب الشيشكلي دمشق أربع سنوات كانت حافلة بالأحداث. كما كان منزله في آخر منعطف شارع «أبو رمانة في دمشق.
وفي كتابه «عشرة من الناس، كتب عنه الصحافي زهير مارديني قائلا: لم يسمح الشيشكلي لأحد في عهده أن يكون من لاعبي الأدوار الأولى، ولا من الرجال البارزين، فكان يحب التافهين والمشبوهين ويتعاون معهم، ويوسعهم شتمة وتحقيرة وإهانة على مرأى من الناس ... لقد كان يشرب ويشتم ويهزا ....
وعن الشعب العربي السوري كان الشيشكلي يقول: «إن هذا الشعب لا يستحق الاهتمام، فهو يحب الكلام، أما الأفعال فلا يفكر بها». ولذلك تخلى عنه الناس والجيش والأصدقاء في السنة الأخيرة من حكمه، ولم يبق معه أحد. ومن هذا المنطلق أراد إذلال الشعب في جبل العرب وإبادته، ولا فرق عنده بين طفل وامرأة وشيخ. وعندما رفض راب الثوار» في جبل العرب سلطان، أن بذل الطاغية كالشيشكلي، التجا الى منطقة الأزرق والجزيرة العربية ليعاني الجوع وشظف العيش مفضلا الموت على الذل والإذلال. وفي عهد الشيشكلي أيضا، أغلقت الحدود مع لبنان والأردن والعراق أكثر من مرة، ولو كانت السورية حدود مع مصر لظلت مغلقة طيلة حكمه .. وفوق ذلك كله، أعطى أوامره بسفك دم الأطفال وهتك الأعراض، وتدمير جبل العرب وعاصمته السويداء، وإزالتها من الوجود، لكي يعمر مكانها. كما قال - جامعأ يمارس فيه الصلاة، وكان كل جوامع دمشق وحماه وحمص وحلب لم تكفه لممارسة صلواته، واضعا نفسه في مكانة النبي محمد * وخلفائه الراشدين. وعندما يدرك الجميع بأن أديب الشيشكلي خطف خطيبة ابنه من فرنسا وتزوجها في البرازيل، يؤكدون أنه لن يتورع عن القيام بكل الرذائل والمساوئ بحق الآخرين، وخصوصا نساء جبل العرب.
وفي الوقت الذي صمم فيه على تنفيذ قراره القاضي بتدمير الجبل وإزالة السويداء، أرسل دباباته لتحقيق ذلك. وما إن وصلت الى مدينة شهبا حتى سقط الثلج الذي وصل ارتفاعه للمرة الأولى في تاريخها حتى المتر ونصف المتر، وأقفلت الطرق.
ويعتبر سكان الجبل أن سقوط الثلج وقطع الطريق على الدبابات والحملة الشيشكلية، هو عمل رباني، لأن الله حق، ولن يتخلى عن المظلومين مطلقا، ولا يريد الذل والإذلال لأبناء الجبل العربي على يد سفاح ومجرم وفاسد كالشيشكلي.
أما لماذا اغتال نواف غزالة أديب الشيشكلي، فإنه يقول: «إنني ابن الشعب، وقد أصدر هذا الشعب قراره بإعدام السفاح الشيشكلي، وكان لي شرف تنفيذ هذا الحكم، لإنقاذ البشرية من شره وفساده، لأنه معاد للإنسان أينما كان. ورغم أن الكثيرين من جبل العرب حاولوا اغتياله ولحقوا به الى دول عديدة. وكان من بين هؤلاء زيد الأطرش المشهور برمي المسدس، ولقد التقى به مرات عدة، إلا أن المجال لم يسمح له بتحقيق هدفه، فقد كان حظي أوفر من حظ هؤلاء جميعا، وكان الله الى جانبي، فنجحت.
ولكن لابد من الإشارة الى نقطة جوهرية، وهي أني لم أثار لكرامة شخصية، ولا لكرامة طائفية فقط، بل كان عملي يتمحور حول الكرامة العربية والانسانية بأجمعها، باعتبار أن الشيشكلي أساء إلى الانسان العربي في جبل العرب، والى كل انسان أينما كان، بعد أن مثل أداة في بد الاستعمار والرجعية، معادية لكل ما هو تقدمي ووطني وعروبي وإنساني.
وبالطبع - يضيف نواف غزالة. عندما كنت في البرازيل، كنت أتابع الأحداث المتعلقة برجالات سوريا المكرمين، وبالشعب السوري المحترم. كنت أستقي هذه الأخبار بدقة. وكنت من الجماعات التي تطلع على كل ما يجري وتراقبه عن كثب، باعتبار أن دمنا العربي لم يتغير ولن يتغير بين ليلة وضحاها، ولو كانت المسافة بعيدة جدا بين الوطن العربي والبرازيل.
ولما هرب الشيشكلي من سوريا، التجا الى المملكة العربية السعودية، التي لم تقبل به ولم تستقبله على أراضيها، فذهب الى فرنسا حيث كانت خطيبة ولده «موفق» تتلقى علومها هناك. أخبرها بأن خطيبها في البرازيل ويريد اصطحابها اليه. إلا أن خطيبها لم يكن هناك وإنما كان في سوريا.
صدقت خطيبة ابنه قوله وذهبت معه، فتزوجها بعد وصوله. وهذا دليل ساطع على استمراريته في الرذائل والمساوئ، البعيدة كل البعد عن العادات والتقاليد العربية النبيلة والشريفة. وعندما علم ولده موفق بالأمر، ترك سوريا الى البرازيل. وقد حصل خلاف كبير بين الاثنين بسبب هذه الأنثي، بعد أن رأي موفق خطيبته قد أنجبت من والده ولدا. وقد تمكن الوالد من طرد ولده
إلى خارج الولاية.
كان الشيشكلي عند وصوله الى البرازيل، قد سكن في منطقة تدعى اسپرس»، وبقي ما لا يقل عن سبع سنوات يتردد الى برازيليا التي تبعد حوالي ألف کلم، أي ما يعادل عشر ساعات في الباص. كان يتردد الى منزل الأحد إخواننا المسيحيين الذي يتمتع باحترام وتقدير الجميع نظرا لمكانته وسلوكه ومعاملته اللائقة. وكان صاحب هذا المنزل قد دخل الى برازيليا بعد وصولي اليها بفترة قصيرة، ومن بعدنا بدأ رجال العرب بالدخول اليها.
وفي هذا البيت كان الشيشكلي بلتقي بكثير من أبناء الجالية السورية واللبنانية، حتى أنه يلعب الورق معهم. وكثيرا ما كنت التقى به هناك، إلا أنني لم أكلمه مرة ولم أرض مجالسته مطلقا، مما دفعه أن يسأل صاحب البيت بهذا الصدد قائلا: غريب أمر هذا الرجل، فإنه لم يكلمني مرة ولم يرض بالجلوس معنا، مع أننا من بلد عربي واحد، والكثير من جماعته الذين نلتقي بهم يختلفون عنه كثيرا، فهم يتحدثون ويلعبون ويسهرون معي بكل سرور. فأجابه صاحب البيت: أن نواف هو رجل أعمال، ولا يفكر إلا بعمله.
ويضيف نواف قائلا: لقد مضى ست أو سبع سنوات ولم يكترث أحد الأمر الشيشكلي، ولم يتعرض خلالها لأي سوء. بعد ذلك، صدر عفو من قبل السلطات السورية عن كل السياسيين السوريين المنفيين في الخارج، وكان من بينهم بالطبع اديب الشيشكلي، ونقلت صحافة العالم بأجمعها هذا النبا. وقد قرأته شخصيا في بعض الصحف.
کنت منزعجة إزاء ذلك، ولم ترتسم في مخيلتي ساعنذاك إلا الاضطهادات والتنكيل الذي تعرض له الشعب السوري عامة وأبناء جبل العرب خاصة على يد هذا المجرم السفاح الذي خرب بيوت الناس وقتل الأبرياء وأذل الشعب السوري، ولطخ يديه بدم الشرفاء، وأساء مع عملائه الى نساء جبل العرب وأطفاله. لقد تأثرت جدة لذلك، إلا أن شغلي وعملي كان يأخذ مني كل الوقت والجهد.
وعندما مررت بعد مدة إلى منزل صاحبنا في برازيليا، فاجأني أثناء الحديث بقوله: «هل علمت أن أديب الشيشكلي جهز أمتعته وعزم على ترك البرازيل والسفر الى سوريا بين يوم وآخر؟، عندها شعرت بأن دوارة أصابني، ولم تعد الأرض تسعني، إلا أنني تمالكت نفسي دون أن أشعره بقلقي واضطرابي وأجبته بقولي: اذا عاد الى سوريا، فإنه يعود الى بلده
وأول ما خطر في بالي تلك اللحظة هو أن سوريا وجبل العرب قادمة على أخطر مرحلة في تاريخها، لم تشهدها حتى في ظل الأتراك والفرنسيين، وليست أقل سوءأ من تلك التي عرفتها أثناء حكم الشيشكلي، اذ أن الحكومة السورية لم تصدر قرار العفو هذا لو لم تكن راضية عنه وبالتالي عن ممارساته السابقة. وماذا سيكون مصير الأطفال والنساء اذا وصل الشيشكلي الى سوريا؟ وهل سيبقى أطفال ونساء في جبل العرب بعدئذ؟ إزاء ذلك، صممت على قتله مهما كان الثمن، ولم أتأسف على شيء. وعزمت على أن أقصده مهما بلغت المسافة، والاقتصاص منه، دون أن أعلم أحدا بالموضوع حتى أقرب المقربين. ولو كان أخي (الذي هو من أمي وأبي) هناك، فقررت أن لا أخبره حتى لا يخفف من عزيمتي ويثنيني عما أنا عازم على القيام به. ولكي يكون لي بالتالي شرف اغتياله. ماذا فعلت؟ وكيف نجحت في تنفيذ الإعدام بالسفاح؟ وماذا كانت النتيجة؟ وما هي أسرار هذه العملية؟.
وهي أسرار لم يعرفها أحد على وجه الأرض حتى هذه اللحظة. | وهكذا يجب أن تقال كلمة الحق ولو على حبل المشنقة ...
يقال بأن الثورة يخطط لها العقلاء، وينفذها الأبطال، ويستغلها الجبناء، فكيف اذا كان المخططون والمنفذون شخص واحد اسمه: نواف غزالة؟ لقد كان عمله البطولي في اغتياله للمجرم الدولي اديب الشيشكلي، ثورة عربية وإنسانية في قلب أميركا اللاتينية
كيف كان ذلك؟ وما هي أسرار هذه العملية - الحدث؟.
من هذا المنطلق، ليس هنا أصدق من الانسان المنفذ نفسه، يتكلم عن أدق التفاصل وأهم الأسرار: إنه نواف غزالة الذي يقول: في صباح يوم السبت الموافق في السادس والعشرين من سبتمبر 1993، تركت العاصمة برازيليا الى «سيرس، لتنفيذ الحكم القاضي بإعدام السفاح الشيشكلي، إلا أن الحظ لم يحالفني في ذلك اليوم ولم ألتق به، حتى كان مساء اليوم التالي، الأحد في 27 سبتمبر، في الساعة الخامسة والنصف من بعد الظهر، و تظل في ماليد
على سوريا وأنا طيب، فهذي الساعة
"
وعندما التقيته، ناديته عن بعد عشرين متر تقريبا وقلت له: «يا أديب ... مجهز شنتاتك وبدك ترحل على سوريا. أنا من رايي انو تظل في هالبلاد. أما اذا ما ردت أن تسمع هذا الحديث، فهذي الساعة يا إلنا يا إلك، وانقدر الله ما بترجع على سوريا وأنا طيب».
كان أديب الشيشكلي بحمل على وسطيه مسدسين. فشهر مسدس الجانب الأيمن، وهم بإطلاق النار علي. إلا أنني كنت أسرع منه، ورميته طلقة أولى من مسدسي في كتفه، فوقع مسدسه من يده، ثم رميته بطلقتين أخريين في صدره، فسقط أرضا. عندها تقدمت نحوه وقلت له: خذ هذه بعد، هدية من ابو طلال سلطان باشا الأطرش، وأفرغت في صدره الطلقتين الباقيتين، مع أن المسدس يتسع لأكثر من طلقات خمس، إلا أن حشوه بخمس رصاصات كان سرا هاما يرتكز على إيمان عميق وعقيدة راسخة. كما كنت مصممة إن كان لا يحمل سلاحا، سأرمي مسدسي وأقتله عراكة.
وهنا لابد من الإشارة الى أن نواف غزالة حائز على الحزام الأسود في المصارعة الحرة من أكبر ناد رياضي في العاصمة البرازيلية
ويتابع نواف غزالة كلامه قائلا: «يا سيدي، إن الذي يخاف، لا يخرج من بيته، لقد شعرت في تلك اللحظة بأنني اسعد انسان في الدنيا، والأرض بمساحتها الواسعة ليست أكبر مني. ويكفي أنني شعرت براحة ضمير لم اشعر فيها مرة في حياتي).
لقد تجمع حولي ما لا يقل عن ألف شخص يريدون تطويقي ريثما يصل البوليس، ورغم أنه لم يعد هناك أية طلقة في المسدس، فإني شهرته عليهم صارخا ومهددة حيث تمكنت بعدها من الفرار الى أحد الأحراج القريبة حتى هبط الليل وخف التجول. وقبل وصولي الى الفندق، مررت إلى دكان صغير وحيد في البلد وسلمت المسدس الى صاحبه الذي هو صديقي، لبناني من بلدة عين عطا) بعد أن أخبرته بالحادث، وضرورة إبلاغ البوليس عن اسمي وبأنني أنا القاتل اذا حاول ضربك أو إهانتك.
وعندما استقليت الباص في اليوم الثاني الى برازيليا بعد أن أمضيت تلك الليلة في أحد الفنادق، حضر البوليس والمباحث البرازيلية الى صديقي اللبناني صاحب الدكان الذي أودعت عنده مسدسي، باعتبار أن السلطات البرازيلية كانت تظن بأن الدروز هم وحدهم وراء عملية اغتيال الشيشكلي. وعندما لم يعترف في البدء بأنه هو القاتل، عمدوا إلى ضربه واهانته حيث لم يبق أمامه إلا تنفيذ ما اتفقنا عليه، وبالتالي إبلاغ البوليس بأن القاتل هو نواف غزالة وليس أي شخص آخر. وكان مصرع الشيشكلي في الشارع العمومي في مدينة سيرس بالقرب من نهر رداس الماس، الذي يربط مدينة سيرس ببلدة «ريالماء. وقد نقلت جثته فيما بعد إلى دمشق.
ويضيف نواف غزالة قائلا: «وقبل أن أصل إلى برازيليا كانت الأخبار قد انتشرت في طول البلاد وعرضها، وكذلك في جميع أنحاء العالم. بالإضافة إلى أن الإذاعة البرازيلية كانت قد ذكرت في نشراتها الإخبارية اسم القاتل بالذات، كما أنها حددت مسكنه في العاصمة برازيليا.
وفي الوقت الذي وصلت فيه الى منزل أحد أقاربي في برازيليا وهو معروف غزالة، وجدت عنده عددا من الشباب المجتمعين، وقد أنكرت في البداية حقيقة الأمر ثم اعترفت لهم بعدئذ أثناء انتقالنا في السيارة الى ولاية أخرى بقصد تهريبي، بعد أن شهروا علي السلاح. إلا أنني ادعيت في المحكمة بأنني أنا الذي شهرت عليهم مسدسي حتى لا يصيبهم أي مكروه من قبل السلطات أو تحميلهم أية مسؤولية. والتجات في الولاية الأخرى الى مزرعة تخص أحد أقاربي ريثما أقضي فيها عدة أيام بعيدا عن تحريات البوليس ومضايقاته. و في هذه الأثناء كان البوليس البرازيلي قد حضر الى منزل (معروف غزالة، حيث وجد أولاده الصغار، يلعبون، فسألهم عن والدهم، أجاب کبيرهم بأن أبي أخذ عمي نواف الى بيلوروزنتي، (في ولاية ميناس) وذهب معه عمي نواف الشريطي ومرهج هلال.
وفور عودة الشباب في اليوم التالي، كانت المباحث البرازيلية بانتظارهم فاعتقلتهم على الفور ونقلتهم إلى ولاية أخرى تدعى (غوايانا، حيث سجنوا هناك. وبعد خمسة أيام، عندما فتحت جهاز الراديو، ذكرت نشرة الأخبار بأن قاتل الشيشكلي ما زال فارة، إلا أن الذين قاموا بعملية تهريبه قد القي القبض عليهم ويقبعون الآن في أحد سجون ولاية غوايانا،، ريثما يلقي القبض على القاتل، وبعدما سمعت بهذا الأمر، كان من الطبيعي أن أسلم نفسي للعدالة، رغم معارضة بعض الشباب والأقارب، ولكن بشرط توكيل محام قدير للدفاع عن قضيتي، حتى لا يبقى الأخرون في السجن ولا علاقة لهم مطلقا بالحادث.
وعندما سلمت نفسي للعدالة، جئت الى بيلوروزنتي، في ولاية ميناس، حيث كان الشباب تلقين جدا، والأخبار تلاحق بعضها البعض، أثناء ذلك كان الصحفيون يتواجدون - كالهواء - في كل مكان، حتى أن القاضي سألني أثناء المحاكمة: هل أنت نادم على ما فعلت؟ فكان جوابي له بالطبع، الا يا سيدي، فإن مثل هذا المجرم لا يستحق الحياة، ووجوده عبء ثقيل على كامل البشرية والانسانية بأجمعها، ولا يجب اعتباره إنسانا مطلقا لأنه لا ينتمي الى طبيعة البشر، وهو خارج عن كل ما يمت إلى الانسان والانسانية بصلة. وتأكد يا حضرة القاضي أنه لو قام عشرين مرة من الموت سأقتله، ولن أكتفي بذلك، بل سأشرب دماءه أيضا حتى ولو كانت دماؤه فاسدة، لأنه يستمد وجوده وحياته من فسادها. فهر مجرم وسفاح وعميل، اغتصب النساء وسفك دم الأطفال وحلل إبادتهم كما ذلل الشعب السوري وشوه صورة العرب أمام العالم وفي قلب الوطن العربي. لقد طعن العروبة في قلبها وهو يدعي حمايتها والتكلم باسمها.
بعد ذلك، نقلني البوليس الى السجن في ولاية غوايانا، حيث يتواجد فيه المعتقلون من أقاربي الذين تولوا تهريبي من برازيليا. وكم كانت دهشتي كبيرة عندما وجدت الفرق واسعة وكبيرة جدا بين غرفتي النظيفة المرتبة في ذلك السجن، وبين غرف رفاتي الأخرين الذين وضع البوليس كل واحد منهم في غرفة منفردة لكي ينعدم أي اتصال بينهم. وهذا ما دفعني الى السؤال قائلا: لماذا تضعوني في هذه الغرفة النظيفة بينما تضعون أقاربي الآخرين في غرفة مختلفة وتفتقر كثيرا الى ما هو متوفر في غرفتي؟ أجابني مسؤول البوليس قائلا: «لأنك سياسي عالميا، أجبنه بقولي: رانا سياسي عالمي؟ والله كتر خيركم يا عمي وضعتمونا في هذه الغرفة على ما يبدو لأن ثيابنا نظيفة».|
في نفس اليوم، أطلق سراح أقاربي الذين برئت ساحتهم، وأخلي سبيلهم بعد أن رأي البوليس صدق الإفادة التي جاءت مطابقة مع إفادتي بناء على اتفاق مسبق بيننا.
بقيت في السجن مدة أربع سنوات أفرج عني بعدها عن طريق أحد المحامين البرازيليين الكبار الذي أوكلته للدفاع عن قضيتي واسمه «باولو باشيکوا
خلال هذه الفترة كان الأقارب والاصدقاء يقومون بزيارتي بشكل دائم ومستمر في السجن .. وكانوا يكتبون الى الأخوة الآخرين في فنزويلا وفي جميع الدول الأخرى من أميركا اللاتينية، يعلمونهم بوجودي في السجن ويجب أن يكونوا على إطلاع کامل على كل الأمور والأخبار، والعمل بكل الوسائل لمساعدتي وإطلاق سراحي. وقد تجاوب الجميع، إلا أن شباب فنزويلا كان لهم اليد الطولى في هذا المجال. بينما استغل البعض الآخر قضيتي، وفقدت كل شيء كنت أملك هناك، حيث أن المحلات كانت من خشب، وهي بحاجة إلى أن يبقى صاحبها دوما فيها للإعتناء بها والمحافظة عليها. يضاف إلى ذلك، أن العمال أصبحوا يتصرفون دون حسيب أو رقيب بعد أن علموا بوجودي في السجن، ومن الصعب أن أخرج منه في وقت قريب.
إلا أن معاملتي في السجن كانت ممتازة جدا، حيث سلمتني إدارة السجن الصيدلية الخاصة به، بمعنى أنني كنت ممرضة ومشرفة من الناحية الصحية على المساجين وحراس السجن. وقد لعب الصحفيون دورا هاما فيما بعد عبر الكتابة المتواصلة عن قضيتي وبشكل إيجابي، حتى أن حاكم الولاية زارني مرات عدة في السجن وكذلك بعض كبار الشخصيات.
إلا أن نقطة جوهرية، شغلت تفكيري فترة من الزمن، تلك التي كانت تتمثل بالمحامي المدافع عن قضيتي. فقبل المحاكمة بوقت قصير، كنت أفكر بما سيقوله المحامي في مرافعته خاصة عن الشيشكلي، وهل سيرکز على خطفه لخطيبة ابنه موفق ثم زواج ابنه منها، مع أن الاثنين لهما منها أطفال، أم لا؟ لم يكن أمامي إلا أن استدعيت المحامي الى السجن وسألته عن النقاط التي سيدرجها في المرافعة، فأجابني بأنه حصل على الاضبارة
السجل الشخصي الخاصة بالشيشكلي من سوريا، وكذلك من منطقة سكنه في اسبرس» وسيركز على قضية خطف خطيبة ابنه بشكل أساسي باعتباره رئيس سوريا الأسبق.
عندها جاوبته بغضب وانفعال، اذا أردت التركيز على هذه النقطة، فلن اعتبرك من الآن وصاعدا محامي الدفاع عني. فأول ما سيتبادر إلى أذهان الراي العام العالمي بهذا الصدد، التفكير بأنه اذا كان رئيس سوريا يتصرف بهذا الشكل ويقوم بهكذا أعمال، فلن يلام الشعب اذا قام بأعمال مشينة ومنافية للآداب والسلوك العامة. فلذلك يجب أن تسلخه عن أصله العربي لأن ما قام به مناف تماما للعادات والتقاليد العربية الأصيلة، ولم يخدم القضية العربية بأي عمل قام به، بل كانت أعماله كلها معادية للعرب والعروبة وتخدم بشكل رئيسي مصلحة الإمبريالية والاستعمار. عندما فهم المحامي هذه الحقيقة اعترف بنوع من التقدير والاحترام قائلا: «في الواقع با نواف، بعد تعب عشرين سنة في ممارسة المحاماة تفوقت على بعد عامين من وجودك في السجن. إنك أقدر مني فعلا في هذه المهنة، ولقد غلبتني في تقديرك هذا
وأثناء المحاكمة، وكان ابن الشيشكلي موجودة في قاعة المحكمة، برهن المحامي «باولو باشيکر، للشعب بأن والد هذا الانسان قام بأعمال لا تمت الى الانسانية بصلة، ثم أشار الى اموفق، ابن أديب الشيشكلي قائلا: بأن هذا الملعون، أيضا تزوج امرأة أبيه. والتي كانت خطيبته في السابق - وأصبح لهما منها أطفال، ويجب أن يطرد من قاعة المحكمة، لأن العرب اشراف، وصفاتهم نبيلة وعاداتهم شريفة، بينما هؤلاء يمتون الى الأتراك والبرابرة ومعادون لكل ما هو عربي، ولن أرضي ببقائه في قاعة المحكمة بين البشر لانه غير بشري، وشهر عليه مسدسه. فما كان من العسكر إلا أن اقتاده الى خارج القاعة بعد عملية التصويت التي انتهت بست أصوات لصالحنا من قبل المحلفين مقابل صوت واحد ضدنا، باعتبار أن لجنة الحكم كانت تضم قضاة سبعة. كان ذلك في الجلسة الأولى. أما في الجلسة الثانية، فقد استأنف محامي الشيشكلي، سابا، الحكم ... حيث حكم علي ست سنوات وكان قد مضى على وجودي في السجن أربع سنوات، أخلي سبيلي على
البيضاء التي ساهمت في تخفيف مدة الحكم.
يضاف إلى ذلك، أن الجنرال ديغول، رئيس فرنسا، كان قد أعطى شهادته بالعشيرة المعروفية أثناء زيارته للبرازيل خلال فترة المحاكمة ردا على سؤال طرح عليه. وكانت في الواقع شهادة حق لها تأثيرها وفعاليتها، حيث قال بالحرف الواحد: إن هذه العشيرة من أشرف العرب وأكرمهم. بيوتها ومضافاتها فنادق مجانية ومقاهي مجانية. إنها تحب الحق وتموت في سبيله. لا تعتدي على أحد، ولا تنام على ضيم. تحمي الضيف والدخيل بالدم وتبذل الغالي والرخيص فداء کرامته، وحمايته واجب مقدس عندها. عاداتها وتقاليدها من اشرف العادات ... حاربناها ولكنها هزمتنا. ولم يذل الجيش الفرنسي إلا أمام العشيرة المعروفية فقط، رغم كل الانتصارات التي حققها في أكبر المعارك المصيرية. هذه هي شهادة الرئيس ديغول. رحمه الله، فقد كان رجلا صادقا في شهادته أمام نفسه وأمام العالم. وتحشرجت الغصة في حنجرة نواف غزالة قبل أن يتابع كلامه قائلا: إلا أن الدور الكبير والمهم هو ذلك الذي لعبه الرجل العظيم جمال عبدالناصر. هذا الرجل العظيم هو الوحيد في العالم، في العالم كله، هو الذي أعطى صورة واضحة وتفصيلية عن أعمال السفاح أديب الشيشكلي. وكيف أذل شعبه وارتكب المظالم وانتهك الحرمات ... لقد حطمه في جميع اللغات. هذه هي الفائدة الكبرى والهامة التي عرفت العالم عن تاريخ هذا السفاح، كما أعطى صورة واضحة بالمقابل عن جبل العرب وأبنائه. لقد كان واضحا في شهادته وضوح الشمس.
لقد تأثرت كثيرة بالرئيس عبدالناصر، حتى منذ صغري، منذ الطفولة. وصممت أنه اذا جاءني ولد ذكر سأسميه اخالد، نسبة إلى ابن عبدالناصر. فهو أول رجل نزيه منذ أن خرج الى العالم وقاد ثورته الكبرى في مصر ضد الظلم والطغيان والملكية، واستمر بنزاهته حتى ما بعد وفاته. وكنت انوي زيارته في مصر، واشكره، إلا أن الظروف. وخاصة الظروف المادية - حالت دون تحقيق أمنيتي.
وهنا لابد من الإشارة إلى حدث هام له دلالته الكبيرة، ويستحق التسجيل. فعندما كانت كل سفارات العالم تتواجد في برازيليا، ومن ضمنها بالطبع، السفارات العربية، ولاننا مواطنون من الجالية السورية التي هي مع الجالية اللبنانية من أكبر الجاليات العربية ... فقد كنا من المدعوين دوما الى كل الاحتفالات والمناسبات التي تحييها هذه السفارات.
وعلى هذا الأساس وجهت لنا السفارة العراقية في البرازيل دعوة الحضور احتفال لها في أوتيل الكارلتون، بمناسبة تبرع العراق بمبلغ 190 ألف دولار لمكتب الفارابيا، (وهو مكتب التعليم اللغة العربية في البرازيل في الوقت الذي تقدم فيه سوريا الأساتذة). لبينا الدعوة، وكان يجلس الى جانبي السيد فريد صوان، مسؤول منظمة التحرير الفلسطينية مع عدد آخر من الشباب المحترمين الذين نقدرهم ونكن لهم احتراما كبيرا. أثناء هذا الاحتفال، وقف احد المدعوين وهو من إخواننا اللبنانيين من الطائفة المسيحية. ولكنه ذو اتجاه كتائبي واسرائيلي كما بدا من كلامه. وهو من سكان ساوباولو، وألقي خطابا ارتجالية. وفي هذا الخطاب شتم الرئيس حافظ الأسد والشعب العربي السوري وذكر كلاما لا يقال، كما شتم الوطنيين في لبنان. إزاء ذلك، تصديت له وشتمنه بكلام ناس لأننا لم نتعود أن نسمع شتيمتنا في اذننا ونسكت، وتقدمت باتجاهه. إلا أن الأخ فريد صوانه أمسك بي، مع عدد آخر من الحاضرين، ومنعوني من الوصول اليه، حيث كان يبعد عني ما لا يقل عن خمس أمتار، لكن كلامي كان مهينة.
ثم جاء السفير العراقي ليخفف من غضبي وانفعالي، فقلت له، بعد أن أوقف هذا الملعون، حديثه: «يا حضرة السفير، أنا أعرف كل العرف، لو أنه يتكلم خطية، لما سمحت له أن يشتم أكبر زعيم عربي وجد على وجه الأرض، لأنك شخص عاقل ومحترم، ولن نلومك أنت، طالما أنه تکلم ارتجالية. وانتهى الاحتفال بعد ذلك.
وبما أن السفير السوري لم يكن حاضرة في تلك الليلة، إلا أنه عرف فورة بالأمر. وكان جوابه الى السيد فريد صوان، أن أثني علي وشكرني على هذا الموقف النابع من الايمان بالعروبة الأصيلة والدفاع عنها في أي زمان ومكان مهما كانت النتائج. فالدم لا يمكن أن يتحول الى ماء بين ليلة وضحاها. وما زالت دماؤنا دماء عربية وتجري في شرايين عربية، هي ذاتها دماء الشعب السوري ودماء سوريا، قلب العروبة النابض
والواقع أن رسالة بهذا الخصوص وصلت الى سوريا والي الرئيس حافظ الأسد وكبار المسؤولين السوريين، وقدروا موقفي کثيرا، كما وصلتني رسالة شكر أيضا. إلا أنني مقتنع تمام الاقتناع بأنني قمت بواجبي الوطني ليس إلا، إن وصلتني رسالة أم لم تصل. وكلمة الحق يجب أن تقال حتى ولو على حبال المشنقة.
والحقيقة، عندما وصلت الى مطار دمشق بعد غياب اثنين وثلاثين عاما في البرازيل، كانت الأمور مسهلة جدا، وكان استقبالي بترحيب كبير وتقدير أكبر، بالإضافة الى أن ثلاثة فصائل عسكرية من الجيش العربي السوري
فورا بالأمر:
نابع من الايمان بالعرولا يمكن أن يتحول الى
مي ذاتها كانت تنتظرني في المطار للحماية والمواكبة، وقد قامت بمهمتها على أكمل وجه .. وكان لكل ذلك أثره الكبير في نفسي وأنا أشكرهم جدا على هذا الموقف، ولابد من الإشارة هنا إلى أنه أثناء وصولي الى امستردام في طريقي من البرازيل الى سوريا، المت بي نوبة قلبية وأنا أهبط سلم الطائرة. فنقلت فورا الى المستشفى حيث بقيت أياما ثلاثة غائبة عن الوعي - ربما بسبب فرحي بقرب الوصول إلى مسقط الرأس لأن الوطن هو أغلى ما يمكن - وهذا ما سبب قلقة كبيرة للاهل والأقارب .... وبعد أن علموا حقيقة الأمر، هانت المشكلة. وقد بقيت حوالي عشرين يوما في امستردام، حيث نصحني الأطباء أن لا أكمل طريقي الى سوريا لأن الفرح بلقاء الأهل والأصدقاء والوطن سيؤثر كثيرا على القلب. فسألتهم بدوري وهل يؤثر الحزن والزعل على القلب أيضا، فأجابوني: بكل تأكيد. قلت لهم عندئذ: لقد استغرقت رحلتنا من البرازيل الى امستردام أربعة عشر ساعة في الطائرة، ولم يبق سوى أربع ساعات للوصول الى سوريا. فلن أعود الى البرازيل طالما أن الفرح هو اخي الزعل»، وصممت على العودة الى الوطن، وسأموت بين أهلي وعلى أرض وطني بدلا من الموت في الخارج، خاصة وأننا نؤمن بأن الانسان لن يموت إلا عندما تحين الساعة، ولن يؤخر الله نفسا أذا جاء أجلها، والأعمار في يد الله وحده.
وأخيرا رجعت إلى أرض الوطن بعد أن مزق الحنين اليه، شراييني. وزحف الجبل كله لتهنئتي بسلامة العودة. وما أعظم الانسان عندما يشعر أنه جزء من شعب وأرض ووطن، وما أحقره بدون ذلك. إلا أن الغصة التي تشارك فرح نواف غزالة، هي عدم لقائه بالباشا، سلطان، الذي سئل مرة عن رأيه بنواف غزالة فقال: «ولدنا نواف وفقه الله. صحيح إننا نحن قمنا بثورة كبيرة وحاربنا وقاتلنا وتشردنا وجعنا وكسبناشرفأ كبيرا. إلا أن نواف، حصل على كل هذا في لحظة واحدة، هي لحظة قتل الشيشكلي،.
وانتهى اللقاء بعد أن ودعني نواف غزالة وهو يرفع إشارة النصر، وقد حملني أمانة غالية الى الرئيس وليد جنبلاط، وهو يقول: اسلام حار من ابن سلطان الى ابن كمال ... من ابن جبل العرب، الى ابن جبل لبنان ... من ابن سوريا العربية، الى ابن لبنان العربي ... سلام من نواف غزالة الى وليد جنبلاط وأبناء الجبل،.
وتعهدت له بإيصال الأمانة. وها أنذا: أشهد ... إنني بلغت.
المراجع
1. مقابلتان شخصيتان اجريتا مع نواف غزالة: الأولى في بلدته ملخ، من
محافظة السويداء في سوريا بتاريخ يوم السبت الواقع في 15 أيلول 1984، والثانية نهار الاثنين الواقع في 17 أيلول/سبتمبر 1984 في مدينة
السويداء، في منزل ابن عمه أبو بسام علي نايف غزالة 2 - زهير مارديني «عشرة من الناس، الجزء الأول. منشورات دار العرفان.
مطبعة دار الأبجدية. بيروت 1970. ص 55 - 74. 3 - نديم ابو اسماعيل من أسرار أديب الشيشكلي، دون تاريخ، ودون تحديد
دار النشر ومكان النشر.
مصادر و المراجع :
١- موسوعة الامن
والاستخبارات في العالم
المؤلف: د. صالح
زهر الدين
الناشر: المركز
الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت
الطبعة: الاولى
تاريخ النشر:2002
م
2 أبريل 2024
تعليقات (0)