المنشورات

الضرر

لغة: اسم من الضر، وهو نقص يدخل على الأعيان، فهو ضد النفع، وهو النقصان يقول الأزهرى: "كل ما كان سوء حال وفقر وشدة فى بدن فهو ضر بالضم، وما كان ضد النفع فهو بفتحها (1).
واصطلاحا: هو إلحاق مفسدة بالغير (2).
والضرر قد يكون بالقول: كرجوع الشاهدين عن شهادتهما بعد القضاء، وقبض المدعى للمال، فلا يفسخ الحكم، ويضمنان ما أتلفاه على المحكوم عليه، وقد يكون الضرر ناشئا عن الفعل كتمزيق الثياب، وقطع الأشجار (3).
وقد يكون بالقول والفعل كما سبق.
وقد يكون بالترك، ومثاله امرأة تصرع أحيانا، فتحتاج إلى حفظها، فإن لم يحفظها الزوج حتى ألقت بنفسها من شاهق، فعليه ضمانها (4).
والأصل أن سائر أنواع الضرر حرام إلا ما قام الدليل على إباحته، وتزداد حرمته كلما زادت شدته، وقد دلت على ذلك نصوص كثيرة، منها:
قوله تعالى {لا تضار والدة بولدها} البقرة:233، وقوله تعالى {ولا تمسهكوهن ضرارا لتعتدوا} البقرة:231.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا ضر ولا ضرار" (5). فهذا الحديث يشمل كل أنواع الضرر؛ لأن النكرة فى سياق النفى تعم، ومعناه أنه لا يجوز شرعا إلحاق ضرر أو ضرار بالنفس أو بالغير إلا بموجب خاص.
وتجدر الإشارة إلى أن الضرر يباح استثناء فى أحوال منها: إدخال الضرر على أحد يستحقه لكونه تعدى حدود الله، فيعاقب بقدر جريمته، ومنها ارتكاب الضرر فى حالة الضرورة، أو ارتكاب ضرر أخف تجنبا لضرر أشد إلى غيرذلك.
وهناك قواعد فقهية ضابطة لأحكام الضرر، تناولها الفقهاء وفصلوها وبينوا أحكامها، وسنذكرها إجمالا ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتب القواعد.
فمن هذه القواعد: "الضرر يزال " فيبنى على هذه القاعدة كثير من أبواب الفقه مثل الرد بالعيب، والخيار بأنواعه، والحجر والشفعة، وقسمة الجبر وغير ذلك (6) ويتفرع عن هذه القاعدة قاعدتان:
الأولى: الضروات تبيح المحظورات وبناء عليها يجوز أكل الميتة للمضطر.
الثانية: ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها، ويتفرع عليها أنه لا يجوز للمضطر أن يأكل من الميتة إلا مقدار ما يسد الرمق (7).
وهناك قواعد تقيد من تلك القاعدة العامة -الضرر يزال- من هذه القواعد:
"الضررلا يزال بمثله " ذلك أن الضرر مهما كان واجب الإزالة، فإزالته إما بلا ضرر أصلا أو بضرر أخف، أما إذا كان الضرر لا يزال إلا بضرر مثله أو أشد فلا يجوز. ومن أمثلتها: ما لوهدد المسلم بالقتل إذا لم يقتل جاره المسلم، فإنه لا يجوز له فعل ذلك، بخلاف ما لو أكرهه على أكل ماله.
ومن هذه القواعد آيضا: "يتحمل الضرر الخاص لدفع الضررالعام ". وهذه القاعدة مقيدة لقاعدة "الضرر لا يزال بمثله ". أى لا يزال الضرر بالضرر إلا إذا كان آحدهما عاما والآخر خاصا، فيتحمل حينئذ الضرر الخاص لدفع الضرر العام.
ومن هذه القواعد أيضا: "الضرر الأشد يزال بالأخف " أو بمعنى آخر " يختار أهون الشرين " ومن أمثلتها: جواز شق بطن الميتة لإخراج الولد إذا كانت ترجى حياته (8).
ويجوز شرعا ترك الواجب وذلك إذا تعين طريقا لدفع الضرر، وذلك كالفطر فى نهار رمضان، وترك ركعتين من الصلاة الرباعية لدفع ضرورة السفر.
كما قد يفعل المحرم دفعا للضرر، كأكل الميتة فإنه حرام، ولكنه يجوز فى حال الاضطرار دفعا لضرر التلف. أما إذا أمكن تحصيل الواجب، أو ترك المحرم مع دفع الضرر بطريق آخر من المندوبات أو المكروهات فلا يتعين ترك الواجب ولا فعل المحرم (9).
ويجب على كل مسلم محاولة دفع الضررعن غيره، فيجب قطع الصلاة لإغاثة ملهوف وغريق وحريق (10).
فينقذه من كل ما يعرضه للهلاك. فإن كان الشخص قادرا على ذلك دون غيره وجبت عليه، الإغاثة وجوبا عينيا، أما إذا كان هناك من يقدر على ذلك، كان الوجوب عليه كفائيا، وهذا لا خلاف فيه بين الفقهاء.
وإنما اختلفوا فى تضمين من امتنع عن دفع الضرر عن المضطر مع القدرة على ذلك.
فذهب أكثر الفقهاء إلى أنه لا يلزمه الضمان، وقد أساء؛ لأنه لم يهلكه ولم يكن سببا فى هلاكه، كما لولم يعلم بحاله.
بينما ذهب المالكية وأبو الخطاب من الحنابلة إلى أن الممتنع مع القدرة يلزمه الضمان، لأنه لم ينجه من الهلاك مع إمكانه، فيضمنه كما لو منعه الطعام والشراب (11).
أ. د/على مرعى











مصادر و المراجع :

١- موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة

المؤلف: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر

عدد الأجزاء: 1

أعده للشاملة/ عويسيان التميمي البصري

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید