المنشورات

الطِّب

اصطلاحًا: هو وسيلة شفاء المرض، بمعرفة أسراره ومداواته.

وقد كان إنسان ما قبل التاريخ يؤمن بأن الأمراض تحدث نتيجة غضب الآلهة، أو بسبب ما أسماه بالأرواح الشريرة، ومن ثمَّ أصبح شفاء المرض من وظائف الكُهَّان ورجال الدين .. وفى مصر القديمة كان الأطباء المصريون القدماء هم رجال الدين الذين توحى إليهم الآلهة بأسرار الشفاء، وكان هؤلاء يتخصصون فى الأمراض المختلفة، وقد طَبقت شهرتهم الآفاق، حتى سجل التاريخ أن الملوك سعوا إليهم من أنحاء الدنيا القديمة لاستشارتهم.

ويذهب المؤرخون إلى أن أول طبيب فى العالم أطلق عليه اسم "طبيب " كان هو المصرى "إيمحتب"، وهو الذى تتخذ. جامعة القاهرة من تمثاله شعاراً لها، وقد أظهرت البرديات الطبية أن الأطباء المصريين القدامى أحرزوا تقدما هائلا فى العلوم الطبية، وبخاصة فى الجراحات، ويعتقد أن أولى الجراحات فى العالم كانت نشر الجمجمة، وهى العملية التى كانت تجرى لتخفيف الضغط على المخ، وقد وجدت بقايا جماجم يرجع عمرها إلى عشرة آلاف سنة. وقد تفوَّق المصريون القدماء فى علاج كسور العظام، على سبيل المثال، كما قام الصينيون القدماء بتطوير الطب وفق معتقداتهم القائلة بأن قوتين من قوى الحياة تجريان فى الجسم وتتحكمان فيه، ولا يظهر المرض إلا إذا اختل التوازن بين هاتين القوَّتين، ومازالت هذه الفكرة القائمة فى العلاج بالإبر الصينية، التى يعتقد أن الوخز بها فى أماكن معينة- تسيطر على هاتين القوتين- يعيد الاتزان المفقود إلى الجسم، ولا يزال الأطباء الصينيون- وغيرهم- يمارسون الوخز بالإبر حتى الآن.

وفى القرن الخامس قبل الميلاد وضع "أبقراط " ما يعتبر بمثابة الأساس العلمى للطب بدراسة المريض والمرض، وقد أثبت أبقراط أن الأمراض ترجع إلى أسباب طبيعية مادية لا إلى أسباب دينية، وقد أنشأ مدرسته الطبية الشهيرة بجزيرة قو الإغريقية، وإلى أبقراط يرجع الفضل فى وضع أخلاقيات الطب الحديث التى يبلورها قسم أبقراط الذى ما يزال يحتفظ بمكانته إلى اليوم.

وفى روما مارس الطبيب الإغريقى "جالينوس " الطب أثناء القرن الثانى بعد الميلاد، وهو أول من وضع النظريات الطبية التى تعتمد على التجارب العلمية، وقد ظلت هذه النظريات- رغم خطأ معظمها- بمثابة الدليل الذى يسترشد به الأطباء قرونا طويلة، وقد تأثر الأطباء العرب المسلمون بجالنيوس وشرحوا أفكاره وعدلوا بعضها واكتشفوا أوجه الخطأ فيها، وتطور الطب على أيديهم تطورا عظيما، على حين ظل الطب فى العصور الوسطى الأوروبية بمعزل تام عن الممارسة المباشرة للطب، وكان أطباء العصور الوسطى يمارسون الطب كالفلسفة بمعزل تام عن الممارسة الإكلينيكية التى نعرفها اليوم، وكانوا يعتمدون على الكتب القديمة وفحص البول لتشخيص الأمراض على حين تركوا الجراحة للحلاقين، والولادة للقابلات، وتركيب الأدوية للصيادلة.

أما فى العالم الإسلامى فقد لمعت نجوم عدد من الأطباء الكبار الذين أسهموا فى تقدم العلوم الطبية تقدما ملحوظا، وقد وصف أبو بكر الرازى الحصبة والجديرى وصفا دقيقا، كما وضع ابن سينا موسوعة طبية كبيرة ظلت المرجع الأساسى فى الطب لقرون متصلة، وطور الزهراوى أدوات جراحية كثيرة، واستمر الأطباء المسلمون فى الإيمان بأهمية التجربة وفى ممارستها، كما طور الأطباء المسلمون استخدام عقاقير طبية كثيرة من مصادر نباتية.

وفى القرن السادس عشر قام الطبيب الإيطالى فيزاليوس بتشريح عدد كبير من الجثث، ووضع أول كتاب تعليمى عن تشريح جسم الإنسان، وفى القرن السابع عشر نبغ الطبيب الإنجليزى توماس سيدنهام، وقد اتجه إلى الدراسة الإكلينيكية للأمراض والمرضى، وعنى عناية خاصة بالحميات دون اعتماد على الكتب المتوافرة، وكان يلقب بأبقراط الإنجليزى.

وتوحدت الجراحة والطب فى القرن الثامن عشر، وكان جون هنتر مؤسس الأسلوب العلمى فى الجراحة، مجرّبا لا يهدأ فى العمليات الجراحية، وكوّن مجموعة من الأطباء سميت "الجراحين المفكرين " وقضى هؤلاء أوقاتا طويلة فى حجرات التشريح لتعلم تركيب جسم الإنسان وأساليب الجراحة.

كذلك كان الجراح العسكرى الفرنسى "امبرواز باريه " أول من طور أساليب الجراحة الحديثة، ولهذا يسمى أبو الجراحة الحديثة.

وفى نهاية القرن الثامن عشر (1796 م) اكتشف الطبيب الإنجليزى "إدوار جينر" أن بإمكانه توفير المناعة ضد مرض الجديرى- وهو مرض معد جدا- وذلك عن طريق التطعيم بمصل مستخرج من جراثيم مرض الجدرى (وهو مرض قريب الصلة بالجديرى وإن كان محدود الضرر إذا ماقورن به).

وكان تقدم المجهر (الميكروسكوب) وكشف علاقة البكتريا بالأمراض سبباً فى تحويل طب القرن التاسع عشر إلى علم معملى، وأصبحت للدراسات المعملية أدوار كبيرة فى تشخيص الأمراض وفى بحوث علاجها.

وقد تمكن الكيميائى الفرنسى "لويس باستير" من إثبات وجود ميكروبات دقيقة جدا ولا ترى بالعين المجردة تتسبب فى الإصابة بالأمراض وتسمى الجراثيم، كما توصل الطبيب الألمانى "روبرت كوخ " إلى أسلوب تحديد نوع الجراثيم التى تتسبب فى كل مرض من الأمراض. وقد ساعدت هذه الاكتشافات الجراحين فى تعقيم الجروح بالمطهرات، ومكافحة الإصابة بالعدوى عن طريق الغسل بالماء والمطهرات فيما قبل كل عملية.

كما حفل القرن التاسع عشر بعدة اكتشافات مهمة كان لها أثرها فى تقدم الطب. وقد اكتشفت مادتا الإثير والكلورفورم وهما مادتان تقتلان الإحساس بالألم أثناء العمليات الجراحية، ومن هنا تطور التخدير تطورا كبيرا، ومن ثمَّ أمكن ممارسة عمليات جراحية فى أجزاء متعددة من الجسم. وحفل القرن العشرون بمظاهر عديدة لثورة طبية أفادت من ثمار التقدم العلمى الكبير الذى تفجر طوال هذا القرن، فقد تم اكتشاف الأشعة السينية (أشعة ×) واستخدمها الأطباء فى تصوير الأجزاء غير الظاهرة (المرئية) من الجسم، والإفادة من هذه الصور فى تشخيص العلل المختلفة.

كما أثبت عدد من علماء الطب أهمية الفيتامينات، ومن ثم أمكن التغلب على بعض أمراض سوء التغذية منذ العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين

وكان اكتشاف المضادات الحيوية بمثابة ثورة كبرى مكنت من مكافحة كثيرمن صور العدوى، والقضاء على كثير من الأمراض.

وتوالت الاكتشافات التى ساعدت على تجويد الأداء الطبى والارتفاع بكفاءته، فعلى سبيل المثال أدى اكتشاف مجموعات الدم إلى جعل عمليات نقل الدم أكثر أماناً، كما تطورت وسائل الجراحة والتخدير، وتطورت العقارات الطبية نفسها بصورة غير مسبوقة.

وبدأ الطب فى زراعة الأعضاء كالقلب والكبد والكلى، وَوُجهت هذه العمليات بالفشل عندما رفض الجهاز المناعى لبعض المرضى تقبل الأعضاء المزروعة، حتى تم اكتشاف عقار لمقاومة رفض الجسم للعضو المزروع (1978م)

ويتجه الطب إلى تطوير وسائل جراحية للتغلب على أمراض كانت تعد باطنية، وأصبح من الممكن التغلب جراحيا على آثار الأزمات القلبية والاحتساء القلبى الحاد، والانضمامات الرئوية، وسكتات الدماغ.

ويولى الطب الآن عناية شديدة بالتوترات العصبية والنظم الغذائية التى تتسبب فى مضاعفة الإصابة بأمراض القلب والسكتات المخية الوعائية.

وقد تم توظيف كثيرمن التطبيقات التكنولوجية لأفكار هندسية وعلمية لخدمة أغراض التشخيص، وبرز هذا فى التصوير بالموجات فوق الصوتية، وبالرنين المغناطيسى، والفحوص المقطعية المبرمجة بأجهزة الكمبيوتر.

ولابد من الاعتراف بأن ميكنة الطب كانت بمثابة خطوة تقدمية كبيرة إذ هيأت للطب المعاصر عدد كبير من الآلات والماكينات التى تساعد على ممارسة الطب على وجه أفضل، ولكنها لا تغنيه عن الصفات والمهارات الإنسانية التى لابد من توافرها بدرجات عالية فى الأطباء.
أ. د/ محمد الجوادى










مصادر و المراجع :

١- موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة

المؤلف: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر

عدد الأجزاء: 1

أعده للشاملة/ عويسيان التميمي البصري

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید