المنشورات
الجواب ما ترى لا ما تسمع!
واصله إنَّ أبا يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن أحد الملوك الموحدين بمراكش كان بينه وبين الادفونش النصراني صاحب طليطلة لعنه الله مكاتبات. فكان منها رسالة كتب بها الادفونش إلى الأمير يعقوب يتوعده ويتهدده ويطلب منه بعض الحصون من إنشاء وزيره أبن النجار وهي:
" باسمك اللهم فاطر السماوات والأرض وصلى الله على السيد المسيح وروح الله وكلمته الفصيح. أما بعد فانه لا يخفى على ذي ذهن ثاقب وعقل لازب انك أمير الملة الحنيفة كما أنا أمير الملة النصرانية. وقد علمت ما عليه رؤساء الأندلس من التخاذل والتواكل والتكاسل وإهمالهم أمر الرعية وإخلادهم إلى الأمنية. وأنا أسموهم بحكم القهر إخلاء الديار وإسباء الذراري وأمثل بالرجال وأذيقهم عذاب الهون وشديد النكال. ولا عذر في لك في التخلف عن نصرتهم إذا أمكنتك يد القدرة وساعدك وعسا كرك وجنودك رأي وخبرة. وانتم تزعمون إنَّ الله تعالى قد رفض عليكم قتال عشرة منا بواحد منكم الآن خفف الله عنكم وعلم إنَّ فيكم ضعفا رحمة منه ومنا ونحن الآن نقاتل عشرة منكم بواحد منا إذ لا تستطيعون دفاعا ولا تملكون امتناعا. وقد حكي عنك انك أخذت في الاحتفال وأشرفت على ربوة القتال وتماطل نفسك سنة بعد أخرى وتقدم رجلا وتؤخر أخرى. فلا ادري أكان الجبن أبطأ بك أم التكذيب بما وعدك به ربك إلى آخر الرسالة وفيها طول فلما وصل الكتاب إلى أمير المسلمين مزقه وكتب على قطعة منه: ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم أذلة وهم صاغرون. الجواب ما ترى لا ما تسمع وتمثل ببيت أبي الطيب في مدح سيف الدولة:
ولا كتب إلاّ المشرفية عنده ... ولا رسل إلاّ الخميس العرمرم
ثم ضرب السرادقات من يومه بظاهر البلد وأمر باستنفار الجيوش من الأمصار وعبر من زقاق سبتة ودخل بلاد الإفرج فكسرهم كسرة شنيعة وعاد بغنائمهم رحمه الله تعالى ثم رأيت الحصري ذكر هذا الكلام عن المعتصم العباسي قال: كتب إليه ملك الروم كتابا يتهدده فيه فأمر بجوابه. فلما قرء عليه لم يرض بما فيه فقال لبعض الكتاب: اكتب: أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما تضمنه خطابك والجواب ما ترى لا ما تسمع. وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار. قال: وهذا نظير قول قطري بن الفجاءة إلى الحجاج وقد كتب إليه كتابا يتهدده فيه فأجاب: أما بعد، فالحمد لله الذي لو شاء لجمع بين شخصينا فعلمت مثاقفة الرجال، من تسطير المقال والسلام. انتهى.
ومن معنى هذا المثل قول عنترة:
ومكروب كشفت الكرب عنه ... بطعنة فيصل لمّا دعاني
دعاني دعوة والخيل تردي ... فما أدري أباسمي أم كناني؟
فلم أمسك بسمعي إذ دعاني ... ولكن قد أبان له لساني
فكان إجابتي إياه أني ... عطفت عليه خوار العنانِ
بأسمر من الخط لدن ... وأبيض صارم ذكر يمانِ
أي: كان جوابه له حين دعاني واستغاث بي أن عطفت عليه فرسا خوارا العنان أي سهل العنان يعني مرتاضا قد اعتاد الخول في الحرب والولوج في المضايق وذلك بأسمر ألخ. .، أي برمح وسيف صفتهما ما ذكر. ومنه قول الحماسي:
وتجهل أيدينا ويحلم رأينا ... ونشتم بالأفعال لا بالتكلم
وقول الآخر:
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع ... كان الصراخ له قرع الظنابيبِ
أي الاجتهاد في نصرته. وقرع الظنبوب كناية عن ذلك وقد تقدم. ومن أمثال العامة قولهم:
جزاؤه على حماره.
وقولهم: جاء يعينه في قبر أمه فهرب بالفارس.
ومعناه ظاهر.
ولنذكر في هذا الباب ما تيسر من الشعر. قال الحماسي محمد بن بشير:
كم من فتى قصرت في الرزق خطوته ... ألفيته بسهام الرزق قد فلجا!
إنَّ الأمر إذا انسدت مسالكها ... فالصبر يفتح منها كل ما ارتجا
لا تيأسن وإن طالت مطالبة ... إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا!
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأباب أن يلجا!
قدر لرجلك قبل الخطو موضعها: ... فمن علا زلقا عن غرة زلجا!
وقال عبد الله بن الزبير الأسدي:
لا أحسب الشر جاراً لا يفارقني ... ولا أحز على ما فاتني الودجا
ولا نزلت من المكروه منزلة ... إلاّ وثقت بأن ألقى لها فرجا
وحز الودج: قطعه. وضربه مثلا للغم على ما فات من عرض الدنيا.
وقال أبو تمام الطائي:
اصبري أيتها النفس: ... فإنَ الصبر أحجا
نهنهي الحزن فإنَ ... الحزن إن لم ينه لجا
والبسي اليأس من الناس ... فإنَ اليأس ملجا
ربما خاب رجاء ... وأتى ما ليس يرجى
وقال أيضاً يهجو يوسف السراج:
ووجه البحر يعرف من بعيد ... إذا يسجو، فكيف إذا يموجُ؟
وقال الأخر:
وإني لأغضي مقلتي على الأذى ... وألبس ثوب الصبر أبيض أبلجا
وإني لادعوا الله والأمر ضيق ... علي فما ينفك إنَّ يتفرجا
وكم من فتى ضاقت عليه وجوهه ... أصاب لها في دعوة الله مخرجا!
وقال الأخر:
إذا تضايق أمر فأنتظر فرجا: ... فأضيق الأمر أدناه إلى الفرج!
وقال الأخر:
رب أمر عز مطالبه ... قربته ساعة الفرج
وقال الأخر:
ديار عليها من بشاشة أهلها ... جمال تسر الناظرين وتبهج
وقال الأخر:
رأى البيت يدعى بالحرام فحجه ... ولو كان يدعى بالحلال لمّا حجا
وقال الأخر:
علي إني وإنَّ لاقيت شرا ... لخيرك بعد ذاك الشر راج
وقال الأخر:
كم عالم لم يلج بالعام باب غنى ... وجاهل قبل طرق الباب ولجا!
وقال الأخر:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
ومثله قول الآخر:
من راقب الناس مات عما ... وفاز باللذة الجسور
وقال الأخر:
يا نفس صبراً فعقبى الصبر صالحة ... لابد إنَّ يأتي الرحمان بالفرج!
وقال الأخر:
ولي فرس بالحلم للحلم ملجم ... ولي فرس بالجهل للجهل مسرج
فمن رام تقويمي فإني مقوم ... ومن رام تعويجي فإني معوج
وينسب هذا لصالح بن جناح. وقبله:
لئن كنت محتاجا إلى الحلم إنني ... إلى الجاهل في بعض الأحايين أحوج
وما كنت أرضى الجاهل خدنا وصاحبا ... ولكني أرضى به حين أحرج
ولي فرس بالخير للخير ملجم ... وإلي فرس بالشر للشر مسرج
وبعده:
فإن قال بعض الناس في سماجة ... فقد صدقوا، والذل بالحر أسمج
ونحوه قول النابغة الجعدي:
ولا خير في حلمٍ إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوة إنَّ يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... أريب إذا ما أورد الأمر أصدرا
وقول الآخر:
إذا أغضبت ذا كرم تخطى ... إليك ببعض أفعال اللئيم
وقول الآخر:
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
وقول الآخر:
ولا خير في حلم إذا ذل جانبه
وقول الآخر:
والعاقل النحرير محتاج إلى ... أن يستعين بجاهل معتوه
وقول الآخر:
ولربما أعتضد الحليم بجاهل: ... لا خير في يمنى بغير يسار!
وقال الإمام أبو الفضل يوسف بن النحوي، قدس الله سره!:
والرفق يدوم لصاحبه ... والخرق يصير إلى الهرج
وقال:
خيار الخلق هداتهم ... وسواهم من همج الهمج
ومن أظرف ما يحكى فيما يناسب هذا المعنى ما حدث به عن الزهري قال: دخلت على عبد الملك بن مروان، فقال: من أين أقبلت يا زهري؟ قال قلت: من مكة. قال: فمن خلفت بها يسود أهلها؟ قلت؟ عطاء بن أبي رباح. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت من الموالي قال: وبم سادهم؟ قلت بالديانة والرواية. فقال أن أهل الديانة والرواية ينبغي أن يسودوا الناس. قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قلت: طاوس بن كيسان قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي. قال: فبم سادهم؟ قلت: بما ساد به عطاء. قال: من كان كذلك ينبغي أنَّ يسود الناس. قال: فمن يسود أهل مصر؟ قلت: يزيد بن أبي حبيب. قال فمن العرب أم من الموالي؟ قلت من الموالي. فقال كما قال في الأولين. قال فمن يسود أهل الشام؟ قلت: مكحول الدمشقي. قال فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي، عبد نبوي أعتقته امرأة من هذيل. فقال كما قال: قمن يسود أهل لجزيرة؟ قلت ميمون بن مهران. قال: من العرب أم من الموالي؟ قلت من الموالي. فقال كما قال. ثم قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قلت: الحسن بن أبي الحسن البصري. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت من الموالي قال: ويلك! فمن يسود أهل الكوفة؟ قلت: إبراهيم النخعي. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من العرب. فقال: ويلك يا زهري! فرجت عني الله! : تسودون الموالي على العرب حتى يخطب بها على المنابر وإن العرب تحتها! قال قلت: يا أمير المؤمنين، أمر الله ودينه. فمن حفظه ساد، ومن ضيعه سقط! وقالت جارية من العرب ماتت أمها وأضرت بها زوجة أبيها:
ولو يأتي رسولي أم سعدٍ ... أتى أمي ومن يعينه حاج
ولكن قد أتى من بيني ودي ... وبين وداده غلق الرتاج
ومن لا يؤذه ألم برأسي ... وما الرئمان إلاّ بالنتاج
وقال أم الضحاك المحاربية:
حديث لو أنَّ اللحم يصلى بحره ... طريا، إذا أضحى به وهو منضج
وكانت تحت رجل من الضباب وهي تحبه حبا شديدا، ثم طلقها فقالت:
هل القلب إنَّ لاقى الضبابي خاليا ... لدى الركن أو عند الصفا متحرج؟
وأعجلنا قرب المزار وبيننا ... حديث كتشنيج المريض مزعج
وقال الأخر:
لقد علمت أم الصبيين إنني ... إلى الضيف قوام السنان خروج
إذا المرغث العوجاء بات يعزها ... على ضرعها ذو توءمين لوهج
وإني لأغلي اللحم نيا وإنني ... لممن يهين اللحم وهو نضيج
يريد: إني آخذها جيدة غالية الثمن، فأنحرها وأخلي بينها وبين الناس تهاونا بها، كما قال الآخر:
وإني لأغلي لحما وهي نية ... ويرخص عندي لحمها حين تذبح
وقال الحارث اليشكري:
قلت لعمرو حين أرسلته ... وقد حبا من دونها عالج:
لا تكسع الشول بأغبارها: ... إنك لا تدري من الناتج
وأصيب لأضيافك ألبانها ... فإن شر اللبن الوالج!
يقول: لا يبق اللبن في الضروع هذه النوق! والأغبار جمع غبر وهو بقية اللبن في الضرع، كانت العرب تفعل ذلك لسمن الأولاد التي في بطونها. وأصببه للناس، فإنك لا تدري من ينتجها، ولعلك تموت فيبقى ذلك للوارث! ومثله قول الآخر:
وإن درت نياقك فاحتلبها ... فما تدري الفصيل لمن يكون
وهذا كما في الحديث: يقول أبن آدم مالي مالي، ومالك من مالك إلاّ ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو أعطيت فأمضيت. ومنه قول النمر أبن تولب:
أعاذل إنَّ يصبح صداي بقفرة ... بعيد نآني صاحبي وقريبي
تري أن ما أبقيت لم أك ربه ... وإنَّ الذي أنفقت كان نصيبي
وذي إبل يسعى ويحسبها له ... أخي نصب في رعيها ودؤوب
غدت وغد رب سواه يقودها ... وبدل أحجارا وجال قليب
قوله: جال قليب، جال: الناحية، كما قال مهلهل:
كأن رماحه أشطان بئر ... بعيد بين جاليها جرور
ومنه قول الآخر أيضاً:
قأثنوا علينا لا أبا لأبيكم ... بأفعال إنَّ الثناء هو الخلد!
وقول حاتم:
أماوي إنَّ يصبح صداي بقفرةٍ ... من الأرض لا ماء لدي ولا خمر
ترى أن ما أبقيت لم أك ربه ... وأن يدي مما بخلت به صفر
وقال أبن فارس اللغوي:
وقالوا: كيف أنت؟ فقلت خير: ... تقضى حاجة وتفوت حاج
إذا ازدحمت هموم الصدر قلنا: ... عسى يوما يكون لها انفراج
نديمي هرتي وسروور قلبي ... دفاتري ومعشوقي السراج
وقال أبو محمّد الحريري:
تعارجت لا رغبة في العرج ... ولكن لأقرع باب الفرج
وألقي حبلي على غاربي ... وأسلكت مسلك من قد مرج
فإن لامني القوم قلت: أعذروا ... فليس على أعرج من حرج!
وقال أيضاً:
ما الحج سيرك تأويبا وإدلاجا ... ولا اعتيامك اجمالا واحداجا
الحج إنَّ تقصد البيت الحرام على ... تجريد الحج لا تقضي به حاجا
وتمتطي كاهل الإنصاف متخذاً ... ردع الهوى هاديا والحق منهاجا
وإنَّ تواسي ما أوتيت مقدرة ... من مد كفا إلى جدواك محتاجا
فهذه إنَّ حوتها حجه كملت ... وإنَّ خلا الحج منها كان إخداجا
حسب المرائين غبنا غرسوا ... وما جنوا ولقوا كدا وإزعاجا
وإنهم حرموا أجرا ومحمدة ... وألحموا عرضهم من عاب أو هاجى
أخي فأبغ بما تبديه من قربٍ ... وجه المهيمن ولاجا وخراجا
فليس تخفى على الرحمان خافية ... إنَّ اخلص العبد في الطاعات أو داجى
وبادر الموت بالحسنى تقدمها: ... فما ينهه داعي الموت إن فاجا
واقن التواضع خلقا لا تزايله ... عنك الليالي ولو ألبسنك التاجا
ولا تشم كل خال لاح بارقه ... ولو تراءى هتون السكب ثجاجا
ما كل داع بأهل أن يصاخ له ... كم قد أصم بنعي بعض من ناجى
وما اللبيب سوى من بات مقتنعا ... ببلغة تدرج الأيام إدراجا
فكل كثرة إلى قل مغبته ... وكل ناز إلى لين وإن هاجا
وقال أيضاً في وصف سروج:
بلدة يوجد فيها ... كل شيء ويروج
ووردها من سلسبيل ... وصحاريها مروج
وبنوها ومغانيهم ... نجوم وبروج
حبذا نفحة ريا ... ها ومرآها البهيج
وأزاهير رباها ... حين تنجاب الثلوج
وقال الآخر:
لو ركبت البحور صارت فجاجا ... لا ترى في متونها أمواجا
ولو إني وضعت ياقوتة حمراء ... في راحتي صارت زجاجا
ولو إني ردت عذبا فراتا ... عاد لا شك فيه ملحا أجاجا
ومثله قول الآخر:
لو وردت البحار أطلب ماء ... جف قبل الورود ماء البحار
أو لمست العود النضير بكفي ... لذوى بعد نضرة واخضرار
أو رمى باسمي النجوم الدراري ... لا نزوى ضوؤها عن الأبصار
ولو إني بعت القناديل يوما ... لبدا الليل في ضياء النهار
وقال الآخر:
ولمل التمست الرزق فانجذ حبله ... ولم يصف لي من بحره العذب مشرب
خطبت إلى الإعدام إحدى بناته ... فزوجنيها الفقر إذ جئت أخطب
فلو تهت في البيداء والليل مسبل ... علي جنا حيه لمّا لاح كوكب
ولو جفت شرا فاستترت بظلمة ... لأقبل ضوء الشمس من حيث يغرب
ولو جاد إنسان علي بدرهم ... لعدت إلى رحلي وفي الكف عقرب
ولو يمطر الناس الدنانير لم يكن ... بشيء سوى الحصباء رأسي يحصب
وأن يقترف ذنبا ببرقة مذهب ... فإنَ برأسي ذلك الذنب يعصب
وإن أر خيرا في المنام فنازح ... وإن أر شرا فهو مني مقرب
أمامي من الحرمان جيش عرمرم ... ومنه ورائي جحفل حين أركب
وقول الآخر:
أحمد الله لو أقل قط يابدر ... ويا موسى ويا كافور
لا ولا قيل قد أتاك من ... الضيعة بر موفر وشعير
أنا خلو من الممالك والأملاك ... جلد على البلايا صبور
ليس إلاّ كسيرة وقديح ... وقميص أتت عليه الدهور
وقول الآخر:
سل عن الرزق يا أبا العباس ... وجماح الزمن بالأكياس
لو من الناس ساعدتي الدهر ... ولكنني من النسناس
لو هوت صخرة من الجو جاءت ... تتخطى الأنام تطلب رأسي
لا وحق الإله ما ابصر الشمس ... بعيني من شدة الإفلاس
وقول الآخر:
برزت من المنازل والقباب ... فلم يعسر على أحد طلابي
فمنزلي الفضاء وسقف بيتي ... سماء الله أو قطع سحاب
فأنت إذا أردت دخلت بيتي ... علي مسلما من غير باب
لأني لم أجد مصراع باب ... يكون من السماء إلى التراب
ولا انشق الثرى عن عود تخت ... أؤمل أن اشد به ثيابي
ولا خفت الأباق على عبدي ... ولا خفت الهلاك على دوابي
وفي ذا راحة وفراغ بال ... فدأب الدهر ذا أبداً ودابي
وقول الآخر:
قد أراح الله من هم ... طويل وعذاب
فاسترحنا من عيال ... وعبيد ودواب
وغدو ورواح ... وهجاء وعتاب
وقول الآخر:
كسدت شواشينا وقل معاشنا ... فسعودنا مقرونة بنحوس
فكأنما قطعت رؤوس الناس أو ... خلقوا لشقوتنا بغير رؤوس
وقول الآخر:
أنا في حال تعالى الله ... ربي أي حال:
ليس لي شيء إذا قيل ... لمن ذا قلت: ذالي
فأرضي الله فرشي ... والسماوات ظلالي
ولقد اهزلت حتى ... محت الشمس خيالي
ولقد أفلست حتى ... حل أكلي بعيالي
من رأى شيئاً محالا ... فأنا نفس المحال
لو بقي في الناس حر ... لم اكن في مثل حالي
وقول الآخر:
ليس إغلاقي لبابي إنَّ لي ... فيه ما أخشى عليه السرقا
إنّما أغلقه كي لا يرى ... سوء حالي من يمر الطرقا
منزل أوطنه الفقر فلو ... يدخل السارق فيه سرقا
وقيل لبعض أجلاف المشايم: كيف المعاش؟ فقال: يوما يرزق ويوما لا يرزق. وليته هو مضروب ألف سوط وإنَّ الله لم يخلقه وقيل له: فلعل الله قد ذخر لك بهذا أجرا في الآخرة. فقال: أيهما اكرم على الله الدنيا أم الآخرة؟ فقيل له: الآخرة. فقال: هو لم يعطني الهينة عليه فيعطيني تلك الكريمة عليه!
وقيل لآخر: أتعرف ربك؟ فقال: وكيف لا اعرف من أجاعني واعراني؟ وقيل لآخر وقد رئي مغتنما: ما غمك؟ فقال: سوء الحال وكثرة العيال. فقال له: لا تغتنم فإنهم عيال الله. فقال: صدقتم ولكن كنت أحب أن يكون الوكيل عليهم غيري! وقال بعضهم: كان لآدم عليه السلام غلام يخدمه فنحن معاشر المحارفين من نسل ذلك الغلام ولا نسب بيننا وبين آدم فإنَ الله يقول: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات. وليس فينا ولا عندنا شيء من هذه الخصال فلو كنا بني آدم لكان لنا حظ من هذه الأشياء! واستقى قوم يوم الخميس فمطروا. فنظر إليهم بعض المشائيم وهم منصرفون فرحين بالسقايا فقال: والله ما بي إلاّ انهم يظنون إنَّ الله استجاب لهم. والله ما مطروا إلاّ أني غسلت ثيابي اليوم والله ما غسلتها قط إلاّ تغيمت السماء ومطرة ولا بأس فليرجعوا إلى خميس آخر: فإنَ مطروا فليحلقوا لحيتي! وقال أبو العباس أحمد المقري الفاسي يخاطب التاج التونسي:
والله ما انصفتنا يا تاج: ... فسقامنا لدوائكم مجتاج
فقضية قد ركبت بشروطها ... أفممكن أن يخلف الإنتاج
وقال الآخر:
ولم أر شيئاً بعد ليلى ألذه ... ولا منهلا أروى به فأعيج
يقال: ما عجت بالدواء أي لم انتفع به. ويزعم كثير من اللغويين والنحويين إنّه لا يستعمل إلاّ في النفي كما مثلنا وكما في قول كثير:
قلما نفعت نفسي بما أمروا به ... ولا عجبت من أقاويلهم بفتيل
والبيت المذكور يرده إلاّ إنَّ يتأول إنّه لمّا كان الموصوف منفيا كانت الصفة وما عطف عليها أيضاً في معنى النفي والله اعلم.
وقال الآخر في الأوصاف:
في ليلة أكل المحاق هلالها ... حتى تبدى مثل وقوف العاج
والصبح يتلو المشتري فكأنه ... عريان يمشي في الدجا بسراج
ومثله قول الآخر:
يا رب ليل رقبناه وقد طلعت ... بقية البدر في أولى بشائره
كأنما ادهم الإظلام حين نجا ... من أشهب الصبح خلى نعل حافره
وقول الآخر:
فكأن الليل حين لوى ... هاربا والصبح قد لاحا
كلة سوداء احرقها ... عامد أوقد مصباحا
وقول الآخر:
سرى والصبح تحت الليل باد ... كطرف أبلق تحت الجلال
بكأس من زجاج فيه أسد ... فرائسهن الباب الرجال
وقول الآخر:
وفتيان سروا والليل داج ... وضوء الصبح مهتم الطلوع
كأن بزاتهم أمراء جيش ... على أكتافهم صدأ الدروع
وقال الآخر:
لفتاة تسرنا في المثاني ... وعجوز تسرنا في المزاج
أخذت من رؤوس قوم كرام ... ثأرها بين أرجل الأعلاج
ومثله قول أبي بكر بن زهير:
وموسدين على الأكتاف خدودهم ... قد غالهم ضوء الصباح وغالني
ما زلت اسقيهم وأشرب فضلهم ... حتى سكرت ونالهم ما نالي
وخمر تحسن كيف تأخذ ثأرها: ... إني أملت إناءها فأمالني
وقال الآخر:
ولرب حان قد أدرت بديره ... خمر الصبا مزجت بصفو خموره
في فتية جعلوا الزقاق وكاءهم ... متضارعين تخشعا لكثيره
يهدي إلينا الراح كل مصفق ... كالخشف خفرة التماح خفيره
وإلى علي بطرفه وبكفه ... فأمال من رأسي لعب كبيره
وتزنم الناقوس عند صلاتهم ... ففتحت من عيني لرجع هديره
والشعر في أوصاف الخمر كثيرة وأكثره يتنزه عن ذكره وسيأتي كثير منه.
وقال أبو الفرج جعفر اليماني:
عارض أقبل في ليل الدجى ... يتهادى كتهادي ذي الوجا
بددت ريح الصبا لؤلؤه ... فانبرى بوقد عنه سرجا
ومثله قول أبن الخطيب:
أخفى مسالكها الظلام فأوقدت ... من برقها كي تهتدي مصباحا
وكأنَّ صوت الرعد خلف سحابها ... حادٍ إذا ونت الركائب صاحا
وتقدم استيفاء هذا المعنى في الباب الأول. وقال الأخر:
قالوا: تبدى شعره فأجبتهم: ... لابد من علم على الديباج!
والبدر أبهر ما يكون ضياؤه ... إن كان ملتحفا بليلٍ داجِ
ومن هذا المعنى قول الآخر:
ومهفهفٍ علق السقام بطرفه ... وسرى فعرس في معاقد خصره
مزقت أستار الظلام بثغره ... ثم أنثنيت أحوكها من شعره
وقال أبن صارة:
ومهفهفٍ أبصرت في أطرافه ... قمرا بآفاق الملاحة يشرقُ
يقضي على المهجات منه صعدة ... متألق فيها سنان أزرقُ
وقول الآخر:
ومعذرٍ عبث العذار بخده ... ظلماً فشان ضياءه بظلامه
كسفت محاسنه لأربع عشرة ... وكذا كسوف البدر عند تمامه
وقال أبن رشيق:
همت عذاراه بتقبيله ... فاستل من عينيه سيفينِ
وقامت الحرب على ساقها ... بين أميرين قتولين:
فذلك المحمر من خده ... دماءُ ما بين الفريقينِ
وقال الأخر:
وأغيد من أبناء لمطة شادنٍ ... ينوء كما يعطو بخطوته البانُ
ذؤابته مهراقةٌ خلف ظهره ... كما التف بالغصن المنعم ثعبانُ
وقول الآخر:
ومهفهفٍ كالغصن إلاّ أنه ... سلب التثني النوم عن أثنائه
أضحى ينام وقد تورد خده ... عرقا فقلت: الورد رش بمائه!
وقول الآخر:
غزال إنسٍ كم استدنيته فنأى ... عني وأعرض مزوراً بجانبه!
طالت علي ليلٍ من هواه كما ... طالت عليه ليالٍ من ذوائبه
وقال الصنوبري:
ما أخطأت نوناته من صدغه ... شيئاً ولا ألفاته من قده
فكأنما أنقاسه من شعره ... وكأنما قرطاسه من خده
وهذا المعنى كثير. وقال الأخر:
كأنَّ الثريا راحةٌ تشبر الدجى ... لتخبر طال الليل أم قد تعرضا
عجبت لليلٍ بين شرقٍ ومغربٍ ... يقاس بشبر كيف يرجى له انقضا
وقول الآخر:
كأنَّ بهرام وقد عارضت ... منه الثريا نظر المشتري
ياقوتةٌ يعرضها بائعٌ ... في كفه والمشتري مشتري
وقول الآخر:
وقد لاح من الصبح الثريا كما ترى ... كعنقود ملاحية حين نورا
وقال الأخر:
وغريبتة الإنشاء صرنا فوقها ... والبحر يسكن تارة ويموجُ
عجبا تؤم بها معاهدنا التي ... كرمت فعاج الأنس حيث نعوجُ!
وقد استطال النور فوق الماء من ... شمس الأصيل فلاح وهو بهيجُ
فكأنَّ متن البحر ذائب فضةٍ ... قد سال فيه من النضار خليجُ
ومثله قول الآخر:
لو أبصرت عيناك زورق فتيةٍ ... يبدي لهم لمح السرور مراحه
وقد استداروا تحت ظل شعاعه ... كلٌ يمد بكأس راحٍ راحهُ
لحسبته خوف العواصف طائراً ... مد الحنان على بنيه جناحهُ
وقال أبن الخطيب:
إنَّ الهوى لشكايةٌ معروفة ... صبر التصبر من أجل علاجها
والنفس إن ألفت مرارة طعمه ... يوما ضمنت لها صلاح خراجها
وقال السبتي:
يا ساءلاً عن مذهبي عامداً ... ليقتدي فيه بمنهاجي
منهاجي العدل وقمع الهوى: ... فهل لمنهاجي من هاجِ؟
وقال أبو الحسن بن رشيق:
ولقد ذكرتك في السفينة والردى ... متوقع بتلاطم الأمواجِ
والجو يهطل والرياح عواصفٌ ... والليل مسود الذوائب داجِ
وعلى السواحل للأعادي غارةٌ ... يتوقفون لغارة وهياجِ
وعلت لأصحاب السفينة ضجةٌ ... وأنا وذكرك في أل تناجِ
ومثله وهو أصله قول عنترة:
ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ ... مني وبيض الهند تقطر بالدمِ
وقول الأرجاني:
وإني لأرعاكم على القرب والنوى ... وأذكركم بين القنا والقنابلِ
وقول الآخر:
إلاّ من مبلغ المحبوب أني ... وقفت وللظبا حولي صليلُ
وأني جلت في جيش الأعادي ... برمح وهو في ذكري يجولُ؟
وقول الآخر:
أرسلتها والعوالي في الطلا ترد ... في موقفٍ فيه ينسى الوالد الولدُ
وما نسيتك والأرواح سائلةٌ ... على السيف ونار الحرب تتقدُ
وقوله:
ولقد ذكرتك والصوارم لمع ... من حولنا والسمهرية شرع
وعلى مكفاحة والعدو ففي الحشا ... شوق إليك تضيق عنه الأضلع
ومن الصبا وهلم جرا شيمتي ... حفظ الوداد فيف عنه أرجع؟
وقول الصفي الحلي:
ولقد ذكرتك والعجاج كأنه ... منا وبين معفر في معفر
والشمس بين مجدل في جندلٍ ... منا وبين وجهك أو مساء مقمر
وتعطرت أرض الكفاح كأنما ... فتقت لنا ريح الجلاد بعنبر
وقوله أيضاً:
ولقد ذكرتك والسيوف مواطر ... كالسحب من وبل النجيع وطله
فوجدت أنسا عند ذكرك كاملا ... في موقف يخشى الفتى من ظله
وقلوه أيضاً:
ولقد ذكرتك والجماجم وقع ... تحت السنابك والأكف تطير
والهام في أفق العجاجة حوم ... فكأنها فوق النسور نسور
فأعتادتني من طيب ذكرك نشوة ... وبدت علي بشاشة وسرور
فظننت أني في مجالس لذتي ... والراح تجلى والكؤوس تدور
وقول أثير الدين بن حيان:
لقد ذكرتك والبحر الخضم طغت ... أمواجه والورى منه على سفر
في ليلة أسدلت جلباب ظلمتها ... وغار كوكبها عن أعين البشر
والماء تحت وفوق المزن وأكفه ... والبرق يستل أسيافا من الشرر
والروح من حزن راحت وقد وردت ... صدري فيالك من ورد بلا صدر!
هذا وشخصك لا ينفك في خلدي ... ولا في فؤادي وفي سمعي وفي بصري
ويقرب من هذا قولي:
إلاّ ليت شعري هل أرى من ثنية ... عضها كموصوف الكتائب تشرف؟
وهل أردن من سلسبيل مواردٍ ... هناك كالمعسول المباسم تشرف؟
وهل أرين مغنى الدلاء عيشة ... كأن بنياه بجاد مفوف؟
ذكرتكم وهنا وإني لمدلج ... بأجواز أقطار الصحاري أطوف
فقلت وقلبي ضمن شجو ولوعة ... وجفني بمنثور الجمان يكفكف:
أدار سقيك الوبل غير مبرحٍ ... ولا برحت عنك الحوادث تصرف
لقد هجت للقلب العميد صبابة ... تكاد لها صم الجبال تقصف!
وقول الصفدي:
ولقد ذكرتكم بحرب ينثني ... عن بأسها الليث الهزبر الأغلب
والصافنات بركضها قد أنشأت ... ليلا وكل سنا سنان كوكب
والبيض تنثر كل ما نظم القنا ... والنبل يترب والعجاج يترب
وحشاشة الأبطال قد تلفت ظما ... ودم الفوارس مستهل صيب
والنفس قد سالت على حد الظبا ... وأنا بذكركم أميل وأطرب
وقول الآخر يصف الشمس في الغيم:
وتنقبت بخفيف غيم أبيضٍ ... هي فيه بين تخفر وتغنج
كتنفس الحسناء في المرأة إذ ... كلمت ولم تتزوج
ومن هذا المعنى قول أبن طباطبا العلوي:
متى أبصرت شمسا تحت غيمٍ ... ترى المرآة في كف الحسود
تقابلها فتلبسها غشاء ... بأنفاس تزايد في الصعود
وقال الوزير المهلبي:
أما ترى الشمس وهي طالعة ... تمنع منا إدامة النظر؟
حمراء صفراء في تلونها ... كأنها تشتكي من السهر
مثل عروس غداة ليلتها ... تمسك مرآتها من القمر
وقوله:
والشمس خيراً خلف غيم عارض ... فكأنها في ضوء ليل مقمر
وقوله:
الشمس من مشرقها قد بدت ... نيرة ليس لها حاجب
كأنها فوهية أحميت ... يجول فيها ذهب ذائب
وقول أبن المعتز:
والشمس كالمرآة في كف الأشل
وقول أبي حفص بن برد، ومنه أخذ:
كأن شعاع الشمس في كل غدوةٍ ... على ورق الأشجار أوّل طالع
دنانير في كف الأشل يضمها ... لقبض فتهوي من فروج الأصابع
ونحو هذا قول الآخر في الخمر:
كانت سراج أناس يهتدون بها ... في سالف الدهر قبل النار والنور
تهتز في الكأس من ضعف ومن هرمٍ ... كأنها قبس في كف مقرور
وقول أبن الرومي في الشمس:
كأن جنوح الشمس عند غروبها ... وقد جنحت في مجنح الليل تمرض
محاجر عين مس أجفانا الكرى ... ترنق فيها النوم وهي تغمض
وقال أبن خفاجة:
والنقع يكسر من سنى شمس الضح: ... فكأنه صدا على دينار
وقال إبراهيم بن العباس الصولي:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ... ذرعا وعند الله منها المخرج
كملت فلما استكملت حلقاتها ... فخرجت وكان يضنها لا تفرج
وكان يقال: ما رددهما من نزلت به نازلة به إلاّ فرج الله عنه.
وقال الأخر:
رويدك! فالهموم لها رتاج ... وعن كثب يكون لها انفراج
ألم تر أنَّ طول الليل لمّا ... تناهى حان للصبح انبلاج؟
وقال أبو فراس:
ألا، ربما ضاق بأهله ... وأمكن من بيت الأسنة مخرج
ومثله قوله أيضاً:
خفض عليك ولا تكن قلق الحشا ... مما يكون وعله وعساه!
فالدهر أقصر مدة مما ترى ... وعساك أنَّ تكفى الذي تخشاه
وقول الآخر:
تربص بيومك ما في غدٍ ... فإن العواقيب قد تعقب
لعل غدا من أخيه حمى ... يلم لك الصداع أو يرأب
وقال الحجاج:
دعها سماوية تجري على قدرٍ ... لا تفسد برأي منك أرضي
وقول أبن حميدس:
ما أغفل الفيلسوف عن طرقٍ ... ليس لأهل العقول منسلكه!
من سلم الأمر للإله نجا ... ومن عدا القصد واقع الهلكه
وقول الآخر:
لا تضف في الأمور ذرعا فقد ... يكشف عنها بغير احتيال
ربما تجزع النفوس من الأمر ... له فرجة كحل العقال
وقصة أبي عمرو بن لعلاء في هذا الشعر، حيث ألزمه الحجاج أنَّ يأتي بشاهد على قراءته غرفة فسمع هذا الشعر مقرونا بنعي الحجاج، معروفة.
وقال الأخر:
إذا دجا خطب وأيقنت من ... صعب بأن الأمر يأتي عسير
ينعكس الأمر ويأتي كما ... شئت: فسبحان اللطيف الخبير!
وقول الآخر:
لا تشك! فالأيام حبلى ربما ... جاءتك من أعجوبة بجنين
فكذا تصاريف الزمان: مشقة ... في راحةٍ وخشونة في اللين!
ما ضاع يونس بالعراء مجرداً ... في ظل نابتة من اليقطين
وقول الآخر:
والليالي كما علمت حبالى ... مقربات يلدن كل عجيب
وقول الآخر:
الدهر لا ينفك عن حدثانه ... والمرء منقاد لحكم زمانه
فدع الزمان فانه لم يعتمد ... لجلالة أحد ولا لهوانه!
كالمزن لم يخصص بنافع صوبه ... أفقا ولم يخش أذى طوفانه
لكن لباريه بواطن حكمةٍ ... في ظاهر الأضداد من أكوانه
وقول الآخر:
دع المنى! ربما نيلت بلا طلبٍ ... وربما وقع الحرمان من المهن!
وقول الآخر:
الدهر كالطيف بؤساه وأنعمه ... من غير قصد: فلا تمدح ولا تذم
لا تسأل الدهر في غماء يكشفها: ... فلو سألت دوام البؤس لم يدم!
وقوله: ولا تذم، إنَّ كان بكسر الذال من قولك ذامه يذمه ذيما وذاما أي عابه فهو صحيح؛ وإنَّ كان بضمها من قولك ذمه يذمه فهو مذموم فلحن أو ضرورة بشيعة.
وقول أبي بكر الخوارزمي:
ما أثقل الدهر على من ركبه ... حدثني عنه لسان التجربه!
لا تحمدن الدهر لشيء سببه ... فانه لم يعتمد بالهبه
وإنّما أخطأ فيك مذهبه ... كالسيل إذ يسقي مكاناً أخربه!
والسم يستشفي به من شربه
قلت: وشعر هذين الشاعرين ينحو منحى زهير إذ يقول:
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ... تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
لا سيما الشاعر الأول. ولا شك إنَّ ما ذكره زهير خطأ وجهل بالتدبير الرباني، والتصريف الاختياري، وأنَّ كل ذلك واقع عن علم وسبق مشيئة. وإنَّ كان يمكن أنَّ يتأول الكلام لو صدر من موحد بأن ذلك بحسب الصورة الظاهرة. ومثل المنايا صروف الدهر وحوادثه سواء.
ويشبه قول الخوارزمي:
لا تمدحن أبن عباد وإن هطلت ... كفاه بالجود حتى أخجل الديما!
فإنها خطراتٌ من وساوسه ... يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما
وكتب البيتين فوضعهما حيث يجلس الصاحب ثم ارتحل من وقته. فلما وقف الصاحب عليهما فال:
أقول لركبٍ من خراسان أقبلوا ... أمات خوارزميكم؟ قيل لي نعم!
فقلت: اكتبوا بالجص من فوق قبره: ... إلاّ لعن الرحمن من يكفر النعم!
ومثل ما تقدم قول الآخر:
من يصحب الدهر لا يعدم تقلبه ... والشوك ينبت فيه الورد والآسُ
تمر حينا وتحلو لي حوادثه ... فقلما جرحت إلاّ انثنت تأسو
وقول الآخر:
لا تجزعن لعسرةٍ من بعدها ... يسران وعد ليس فيه خلافُ!
كم عسرة ضاق الفتى لنزولها ... لله في أعطافها ألطف!
وقول الآخر:
تصبر للعواقب واحتسبها ... فأنت من العواقب قافي اثنتينِ
تريحك بالمنى أو بالمنايا ... فإنَ الموت إحدى الراحتين!
وقول الأبيوردي:
تنكر لي دهري ولم يدر إنني ... أعز وأنَّ الحادثات تهونُ
فبات يريني الخطب كيف اعتداؤه ... وبت أريه الصبر كيف يكونُ
وقولنا من قصيدة:
فإذا عرتك الحادثات فثق ... بمليكها ذي الخلق والأمرِ
واصبر لروح الله مرتجيا ... فلتحمدن عواقب الصبرِ
إنَّ اصطبار المرء مفتتحٌ ... متغلق البأساء والعسرُ
ومنفس عنه الكروب إذا ... ضاقت بهن جوانح الصدرِ
كم من حزين بات مكتئباً ... متعسر الأحشاء ذا زفرِ
ما يرتجى جلباب ليلته ... أن ينزوي طرفاه بالسفرِ
فاتته ألطافٌ منفسةٌ ... لفؤاده من حيث لا يدري
ولكم بعيد الضيق من سعةٍ ... ولكم بعيد العسر من يسرِ!
هل بعد معتكر الظلام سوى ... بلج الصباح وطلعة الفجرِ
أو بعد ظمأة هجمةٍ وردت ... إلاّ ارتواء جانب الغدرِ
أو بعد خانقة التلاع سوى ... فيح الفجاج وفسحة البهرِ؟
وقول الآخر:
أمقتولة الأجفان مالك والهاً ... ألم ترك الأيام نجما هوى قبلي؟
أقلي بكاءً: لستِ أول حرةٍ ... طوت بالأسى كشحا على مضض الثكلِ
وفي أم موسى عبرةٌ إذ رمت به ... إلى اليم في التابوت فاعتبري واسلي
ولله فينا علم غيبٍ وحسبنا ... به عند جور الدهر من حكم عدلِ
والشعر في هذا المعنى اكثر من أن يحصى.
وقال الغري:
قالوا: بعدت ولم تقرب فقلت لهم: ... بعدي عن الناس في هذا الزمان حجا
لولا التباعد بين الحاجبين به ... بان افتراقهما لم نعرف البلجا
ومثله قول الارجاني:
أسفت على عمرٍ تصرم ضائعاً ... وجدت بدمعٍ يستهل هتونِ
وآنسني بعدي من الناس جانباً ... وإن هم على أحداقهو حملوني
ولمّا غدا عنا على جفن ناظري ... لقاء الورى من صاحبٍ وخدينِ
ألفت الفضا مستوطناً ظهر ناقةٍ ... تلف سهولاً دائماً بحزونِ
وما سرت إلاّ في الهواجر وحدها ... كراهة ظل أن يكون قريني
وقول أبي العلاء المعري:
فظم بسائر الإخوان شراً ... ولا تأمن على سرٍ فؤادا:
فلو خبرتهم الجوزاء خبري ... لمّا طلعت مخافة أن تكادا!
وقوله أيضاً:
جربت دهري وأهليه فما تركت ... لي التجارب في ودِّ امرئ غرضا
وقول أبن القلاقس:
اعلق بأطراف الوداد فانه ... من دافع الأمواج مات غريقا
وإذا انتهى الإخلاص أوجب 1ده: إنَّ التجمع ينتج التفريقا!
وقول أبن الرومي، وهو المثل المشهور في هذا:
عدوك من صديقك مستفادٌ: ... فلا تستكثرن من الصحابِ
فإنَ الداء أكثر ما تراه ... يكون من الطعام أو الشرابِ!
وقول الآخر:
جزى الله خيراً كل من ليس بيننا ... ولا بينه ودٌ ولا متعارفُ
فما نالني ضيمٌ ولا مسني أذى ... من الناس إلاّ من فتى كنت آلفُ!
وقول الآخر:
أحذر عدوك مرةً ... وأحذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الزمان ... فكان أعرف بالمضرة!
وقول أبن سناء الملك:
أبى الهر إلاّ ضد ما أنا طالبٌ: ... فيا ليت مني مكن الله ضده!
يعد الفتى إخوانه لزمانه ... وأعدى له من خوفه من أعده
وقولي من قصيدة:
وبنو دهرك العضال من الداء ... العديم الأساة ذو الأزمانِ
وأضر الأدواء من تتولاه ... وتحجوه أقرب الإخوانِ
إنما الأقرباء في الناس جساسٌ ... عليك في السر والإعلانِ
يخبرون العورات حفظاً وإعداداً ... ليوم البأساء والشنآنِ
وقول الأنصاري الأول:
ألا رب من تحجو صديقاً ولو ترى ... مقاتله بالغيب ساءك ما يفري:
لسانٌ له كالشهد ما دمت حاضراً ... وبالغيب مطرورٌ على ثعرة النحرِ
وقولي من قصيدة:
فتوخ في الناس الوفي إذا ... عاشرتهم وحذار الله تعالى الغدرِ!
واسبرهم قبل الإخاء ولا ... تغتر في الإخوان بالسبرِ!
كم من أخٍ مذق الوداد على ... ما فيه من إجنٍ ومن سبرِ
إن تلقه فالشهد مقولته ... وإذا تعيب يكون كالصبرِ
يسمى بوجهك تستميل وإن ... أدبرت عنه فكية الظهرِ
وإذا الزمان دعاك نائبه ... العازي إليه ترجى البرِ
فسيحتبيك بوعد غانيةٍ ... أو وعد عرقوبٍ جنى التمرِ
وإذا تعود يظل مكتلحاً ... متغيظاً ينزو ويستشري
وإذا تصادف ذا الصفا فكن ... منه ولو صافحك ذا حذرِ
وأسم سوائم سمعه طرقاً ... مطروقةً من مسرح السرِ
وصن السرارة واللباب ولا ... تبذل له منه سوى القشرِ
فلربما يلوي الزمان به ... فيكون أبص فيك بالضرِ
وقول الآخر:
فاقت بيوسفها الدنيا وفاح لها ... طيب طوى المسك في نشر لها أرجِ
فإنَ يشاركه في اسم الملك طائفةٌ ... فإنَ شمس الضحى من جملة السرجِ
ويتمثل بالبيت الثاني. ومثله في المعنى قول الآخر:
وفي البساتين أفنانٌ منوعةٌ ... وليس يقطف إلاّ الورد والزهرُ
وفي السماء نجومٌ ما لها عددٌ ... وليس يخسف إلاّ الشمس والقمرُ
وقول أبي الطيب:
فإنَ تفق الأنام وأنت منهم ... فأن المسك بعض دم الغزال
وقول الآخر:
وقد يسمى سماء كل مرتفعٍ ... وإنّما الفضل حيث الشمس والقمرُ
وقول الآخر:
الناس كالناس إلاّ تجربهم ... وللبصيرة حكم ليس للبصرِ
والأيك مشتبهاتٌ في منابتها ... وإنّما يقع التفضل في الثمرِ
وقول الآخر:
وقد يتقارب الوصفان جداً ... وموصوفاهما متباعدانِ
وقول الآخر:
قد يبعد الشيء من شيء يناسبه ... إنَّ السماء نظير الماء في الزرقِ
وقول الآخر:
دع ما تناسب في الأبصار ظاهره ... ولا تقل بقياس غير مطردِ
فصدمه المتنافي لا اعتداد بها ... شتان ما بين مهتزٍّ ومرتعدِ
وقول الآخر:
قد تشبه الحالة الأخرى وبينهما ... إذا تأملت فرقٌ عن سواك خفي
فربما صفق المسرور من طربٍ ... وربما صفق المحزون من أسفِ
وقول الآخر:
لقد عرض الحمام لنا بسجعٍ ... إذا أصغى له ركبٌ تلاحى
شجا قلب الخلي فقال غني ... وبرَّحَ بالشجي فقال ناحا
وقال الشيخ عمر بن الفارض:
لا كان وجدٌ به الأماق جامدةٌ ... ولا غرامٌ به الأشواق لم تهجِ
وقال الراعي:
ومرسلٍ ورسولٍ غير متهمٍ ... وحاجةٍ غير مزجاةٍ من الحاجِ
طاوعته بعدما طال النجي بنا ... وظن أني عليه غير منعاجِ
ما زال يفتح أبواباً ويغلقها ... دوني وأفتح باباً بعد إرتاجِ
حتى أضاء سراجٌ دونه بقرٌ ... حمر الأنامل عين طرفها ساجِ
يا نعمها ليلةٌ حتى تخونها ... داعٍ دعا في فروع الصبح سحاجِ
لمّا دعا الدعوة الأولى فأسمعني ... أخذت بردي وأستمررت أدراجي
وقال الأخر:
ما زلت ابغي الحي أتبع ظلهم ... حتى دفعت إلى ربيبة هودجِ
قالت: وعيش أبي وحرمة أخوتي ... لأنبهن الحي إن أم تخرجِ
فخرجت خيفة قولها فتبسمت ... فعلمت أنَّ يمينها لم تحرجِ
فلثمت فاها آخذاً بقرونها ... شرب النزيف ببرد ماء الحشرجِ
قوله ماء الحشرج أي الماء الجاري على الحجارة.
وقال عمر بن أبي ربيعة:
قد كنت حملتني عيظا أعالجه ... فإنَ تقدني فقد عنيتني حججا
حتى لو اسطيع مما قد فعلت بنا ... أكلت لحمك من غيظٍ وما نضجا
وقبل هذين البيتين:
يا ربة البغلة الشهباء هل لكم ... أن ترحمي عمراً لا ترهقي حرجا؟
قلت: بدائك مت أو عش تعالجه ... فما نرى لك فيما عندنا فرجل!
وبعدهما:
فقلت: لا والذي حج الحجيج له ... ما مج قلبك من قلبي وما مهجا
ولا رأى القلب من شيء يسر به ... مذبان منزلكم منا وما ثلجا
كالشمس صورتها غراء واضحةٌ ... تعشي إذا برزت من حسنها السرجا
ضنت بنائلها عنه فقد تركت ... من غير جرم أبا الخطاب مختلجا
وقال بعض المجان:
إذا مررت بوادٍ لا أنس به ... فاضرب عميرة لا عارٌ ولا حرجُ
ضرب العميرة هي الخضخضة وهي الاستمناء باليد وشبهه. وكذب هذا القائل: فإنَ في الخضخضة لحرجا وعاراً وإنما محرمة عند جماهير الناس وفيها قول بعض الأعراب:
إن تبخلي بالركب المحلوق ... فإنَ عندي راحتي وريقي
والركب بفتحتين وتقدم تفسيره.
وقول الآخر:
كفي ورجلي لا عدمت كليهما ... أصبحت أغنى من يروح ويغتدي
أمشي على هذه وأنكح هذه ... فمطيتي رجلي وجاريتي يدي!
وقول الآخر:
خطبت إلى ساعدي راحتي ... وما كنت من شر خاطفيها
وما إن تكلفت من مهرها ... سوى ريقةٍ أجتزي بها
فإن شئت أوتى بها ثيباً ... وبكراً إذا شئت أوتى بها
وقال بعضهم: مررت على برذعة الموسوس، وقد أدخل رأسه في جيبه يتخضض. فضربته برجلي، فانكشف فإذا هم منعض، فقلت: ما هذا؟ فقال: أما ترى في ذلك الروشن؟ وأشار إلى باب في علية فإذا جارية جميلة تتطلع. فقال: إني دعوتها فلما لم تجبني أجبتها. فقلت: قبحك الله! ووليت عنه. فلم ألبث أن لحق فقال: قضيت الحاجة على رغم أنفك وأنشد:
أأنكرت ما عاينت من كف دالك ... وهل ينكر التداليك في قول مالك؟
لقد أمن الدلاك من أن تنالهم ... حدود الزنى في واضحات المسالك
وأني قد سكنت غربة غلمتي ... بحسن العيون والثدي الفوالك
وكذب هذا الأحمق على مالك رضي الله عنه: فإنَ حرمة الاستمناء هي مذهبه وكذا مذهب الشافعي وغيره. وإنّما رويت رخصة عن عمر بن دينار إن صحت الحكاية عنه. وروى عن أبن عباس إنّه فال في الخضخضة: هي خير من الزنا.
قلت: وليس في هذا الكلام ما يقضي حليتها، إذ ليست المحرمات كلها في درجة واحدة بل مقطوع بتفاوت ما بينها: فإنَ الزنى نفسه وهو محرم إجماعا على درجات بعضها أشد من بعض. ألا ترى إنَّ الزنا بحرة مطاوعة لا زوج لها ولا أهل يسبون بفعلها ة لا ترجو ولدا أخف من الزنى بغيرها وإن كان الكل حراما لأن الحق إذا انفرد وتمحض لله تعالى أخف مما إذا انضم إليه حق المزني بها المكره أو حق الزوج أو حق الأهل أو حق السيد في الأضرار بهم، ونحو ذلك من الحقوق. وهو أيضاً في الآيسة أخف منه في الولود، لمّا في الثانية من مزيد المفسدة باختلاط الأنساب وهو الحكمة الأصلية في التحريم. والمعلوم أنَّ الخضخضة ليست بمحل لهذه المفسدة لا تحقيقا ولا مظنة؛ ولكن فيها تضييع البذر وهو ماء النسل في وجهه فلتكن هي أخف. ولهذا المبحث محل يليق به وليس من غرضنا الآن التعرض له.
وقلت أنا:
إذا لحظتك عين المرء يوماً ... بدا منه صفاءٌ أو ضجاجُ
وأنبت فيه عن حبٍّ ورغضٍ ... كما ينبي عن الماء الزجاجُ
الصفاء بالكسر: المصفاة؛ والضجاج بالكسر: المضاجة، وهي المشاوره.
وقلت أيضاً:
لكل أخي داء دواءٌ يعده ... وأعيت دواء الضغن كل معالجِ
إذا آنس النعمى تضاعفت داؤه ... وآض بغيظ للجوانح زامجِ
وإن آنس البأساء اصبح شامتاً ... بقلبٍ من الشحناء والهزء رامجِ
تقول: زمجت القربة إذا ملأتها وزمج الغيظ للجوانح مجاز. والمراج: الممتلئ الريان وهو هنا مجاز أيضاً.
وقلت أيضاً:
أرى الورى وصروف الدهر تخضمها ... مثل السفين تداعت فوقها اللججُ
وهم رمايا مناياها فلا وزرٌ ... عنها ولا ملجأٌ منها ولا وحجُ
كأنما هي حوض والورى وردٌ ... عطشى أناخوا عليه دائما وحجوا
أو مثل هيمٍ لخمسٍ تغتشيه فلم ... يعن الياد لها عنه ولا العنجُ
الخضم: الأكل ويستعمل في ملء الفم بالمأكول وهو مجاز هنا عن الاستئصال والوحج: الملجأ وهو عطف تفسير. والورد بضمتين جمع ورود؛ وحجوا: أقاموا. يقال: حجي به أي أولع به ولزمه. وبينه وبين الوحج الأول جناس تام بين الاسم والفعل. والهيم: الإبل يصيبها الهيام. والخمس بالكسر: زمان ورودها. والذياد: الطرد؛ والهنج بالتحريك: اسم من العنج بالسكون وهو أن يشد الراكب خطام البعير فيرده على رجليه.
مصادر و المراجع :
١- زهر الأكم في الأمثال
والحكم
المؤلف: الحسن بن
مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)
المحقق: د محمد
حجي، د محمد الأخضر
الناشر: الشركة
الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب
الطبعة: الأولى،
1401 هـ - 1981 م
1 مايو 2024
تعليقات (0)