في مثل: "جاءت السيارة صباحًا، ووقفت يمين الطريق؛ ليركب الراغبون" تدل كلمة: "صباحًا" على زمن معروف؛ هو أول النهار وتتضمن في ثناياها معنى الحرف: "في" الدال على الظرفية2، بحيث نستطيع أن نضع قبلها هذا الحرف، ونقول: "جاءت السيارة في صباح، ووقفت يمين الطريق"؛ فلا يتغير المعنى مع وجود "في"، ولا يفسد صوغ التركيب، فهو حرف عند حذفه هنا ملاحظ كالموجود، يراعى عند تأدية المعنى؛ ولأن كلمة: "صباحًا" ترشد إليه، وتوجه الذهن لمكانه؛ وهذا هو المقصود من أن كلمة "صباحًا" تتضمنه 3.
ولو غيرنا الفعل: "جاء"، ووضعنا مكانه فعلًا آخر؛ مثل: وقف – ذهب – تحرك … – لبقيت كلمة: "صباحًا" على حالها من الدلالة على الزمن المعروف، ومن تضمنها معنى: "في"، وهذا يدل على أن تضمنها معنى: "في" مطرد4 مع أفعال كثيرة متغيرة المعنى بخلاف ما لو قلنا: الصباح مشرق – صباح الخميس معتدل، … فإن كلمة: "الصباح" في المثالين، وأشباهما تدل على الزمن المعروف، ولكنها لا تتضمن معنى "في"، فلو وضعنا هذا الحرف قبلها لفسد الأسلوب والمعنى المراد منه؛ إذ لا يصح أن يقال: في الصباح مشرق – ولا في صباح الخميس معتدل؛ ومن أجل هذا لا يصح اصطلاحًا تسمية كلمة: "الصباح" في هذين المثالين ظرف زمان؛ لعدم وجود شيء مظرف فيها، بالرغم من أنها تدل على الزمان فيهما.
وتدل كلمة: "يمين" في المثال الأول على المكان؛ لأن معناها وقفت السيارة في مكان؛ هو: "جهة اليمين"، وهي متضمنة معنى: "في"، إذ نستطيع أن نقول: وقفت في اليمين، أو: في جهة اليمين؛ فلا يتغير المعنى.
ولو غيرنا الفعل، وجئنا بآخر، فآخر … لظلت كلمة: "يمين" على حالها من الدلالة على المكان، ومن تضمنها معنى "في" باطراد.
بخلاف قولنا: اليمين مأمونة – إن اليمين مأمونة – خلت اليمين … فإنها في هذه الأمثلة وأشباهها – لا تتضمن معنى الحرف: "في"، ويفسد الأسلوب والمعنى بمجيئه؛ إذ لا يقال: في اليمين مأمونة، وكذا الحال في باقي الأمثلة وأشباهها؛ لهذا لا يصح تسميتها في هذه الأمثلة ظرف مكان، لعدم وجود شيء مظرف فيها …
فكلمة: "صباحًا" في المثال الأول ونظائرها تسمى: ظرف "زمان". وكلمة "يمين" ونظائرها، تسمى: "ظرف مكان".
فالظرف1 هو: "اسم منصوب يدل على زمان أو مكان، ويتضمن معنى "في" باطراد1 … "، وينقسم إلى ظرف زمان، وظرف مكان2.
أحكام الظرف بنوعيه:
أشهرها سبعة:
1– أنه منصوب3 على الظرفية4، فلو كان مرفوعًا، أو كان منصوبًا لداع آخر غير الظرفية، أو مجرورًا 4ولو كان الجار هو: "في" الدالة على الظرفية فإنه لا يسمى ظرفًا، ولا يعرب ظرفًا، ولو دل على زمان أو مكان5.
وناصبه ويسمى: عامله إما مصدر؛ نحو: المشي يمين الطريق أسلم. والجري وراء السيارات يعرض للأخطار.
وإما فعل6 لازم أو متعد، نحو: أنجزت عملي مساءً، ثم قعدت أمام المذياع، أتمتع به وإما وصف1 حقيقي عامل، "اسم فاعل، اسم مفعول … " نحو الطيارة مرتفعة فوق السحاب، والسحاب مركوم تحتها لا يعوقها.
إما وصف تأويلًا؛ ويزاد به الاسم الجامد المقصود منه الوصف بإحدى الصفات المعنوية، مثل: أنا عمر عند الفصل في قضايا الناس، وأنت معاوية ساعة الغضب، فالظرف: "عند" منصوب بكلمة: "عمر"، والمراد منها: "العادل". وكلمة: "ساعة" منصوبة بكلمة: "معاوية" والمراد منها: الحليم2 …
2- ولا بد أن يتعلق3 الظرف بناصبه "أي: بعامله"، وليس من اللازم أن يكون عامله متقدمًا عليه؛ كالأمثلة السالفة، فقد يكون متأخرًا عنه؛ كقولهم: "الجر عند الحمية لا يصطاد، ولكنه عند الكرم ينقاد، وعند الشدائد تذهب الأحقاد"، والمشهور أنه لا يتعلق بعامله المباشر إن كان هذا العامل حرفًا من "حروف المعاني"4
3- أن عامله قد يحذف جوازًا، أو وجوبا، فيحذف جوازا حين يدل عليه دليل؛ كأن يقال: متى حضرت؟ فيجاب: يوم الجمعة؛ أي: حضرت يوم الجمعة، ومتى وصلت يوم الجمعة؟ فيجاب: مساءً، أي: وصلت مساءً، ومثل: كم ميلًا مشيت؟ فيجاب: ميلين؛ أي: مشيت ميلين، ويسمى الظرف الذي ذكر عامله أو حذف جوازًا لوجود قرينة تدل عليه: "الظرف اللغو"1، أما الذي حذف عامله وجوبًا فيسمى: "الظرف المستقر"1ويجب حذف هذا العامل في ستة مواضع:
أن يقع خبرًا، أو حالًا، أو صفة، أو صلة، أو مشتغلًا1 عنه، أو لفظًا مسموعًا عن العرب محذوفًا في أكثر استعمالهم، فمثال الخبر: الأزهار أمامنا، والزروع حولنا، ومثال الحال: هذا الأسد أمام مروضه كالفأر، ومثال الصفة: إن شهادة زور أمام القضاء قد تحفر هوة سحيقة تحت أقدام شاهدها، ومثال الصلة: احتفيت بالصديق الذي معك، ومثال الاشتغال: يوم الأحد سافرت فيه2. ومثال المسموع: حينئذ الآن والعامل المحذوف في الثلاثة الأولى يصح أن يكون وصفًا أو فعلًا؛ فالتقدير على اعتباره وصفًا هو: "مستقر، أو موجود، أو كائن، أو حاصل … ، وأشباه هذا مما يناسب"، وعلى اعتباره فعلًا هو: "استقر – وجد – كان التي بمعنى: وجد – حصل … وأشباه هذا مما يناسب".
أما مع الصلة فيجب أن يكون فعلًا1؛ لأن الصلة لغير "أل" لا بد أن تكون جملة فعلية، والوصف مع مرفوعه ليس جملة2.
والأحسن في "المشغول عنه" هنا، وفي "المسموع" أيضًا أن يكون فعلًا، فأصل المشغول عنه: سافرت يوم الأحد سافرت فيه، وأصل المسموع في قولهم: حينئذ الآن، هو: "كان ذلك حينئذ، واسمع الآن3"
مصادر و المراجع:
1-المفتاح في الصرف المؤلف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن
محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (ت ٤٧١هـ)
2- أبنية الأسماء والأفعال والمصادر المؤلف: ابن القَطَّاع الصقلي
(المتوفى ٥١٥ هـ)
3-المقدمة الجزولية في النحو المؤلف: عيسى بن عبد العزيز بن
يَلَلْبَخْت الجزولي البربري المراكشي، أبو موسى (ت ٦٠٧هـ)
4- الخلاصة في النحو، ألفية ابن مالك المؤلف: أبو عبد الله محمد بن
عبد الله بن مالك الأندلسي (ت ٦٧٢ هـ)
5-ارتشاف الضرب من لسان العرب المؤلف: أبو حيان محمد بن يوسف بن علي
بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (ت ٧٤٥ هـ)
6- النحو الوافي المؤلف: عباس حسن (ت ١٣٩٨هـ)
7-الجمل في النحو المؤلف: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن
تميم الفراهيدي البصري (ت ١٧٠هـ)
8-الكتاب المؤلف: عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر،
الملقب سيبويه (ت ١٨٠هـ) 9- المقتضب المؤلف: محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالى
الأزدي، أبو العباس، المعروف بالمبرد (ت ٢٨٥هـ)
10-الأصول في النحو المؤلف: أبو بكر محمد بن السري بن سهل النحوي
المعروف بابن السراج (ت ٣١٦هـ)
11-شرح كتاب سيبويه المؤلف: أبو سعيد السيرافي الحسن بن عبد الله بن
المرزبان (ت ٣٦٨ هـ) 12-الإيضاح العضدي المؤلف: أبو علي الفارسيّ (٢٨٨ - ٣٧٧ هـ)
13-علل النحو المؤلف: محمد بن عبد الله بن العباس، أبو الحسن، ابن
الوراق (ت ٣٨١هـ)
14-شرح أبيات سيبويه المؤلف: يوسف بن أبي سعيد الحسن بن عبد الله بن
المرزبان أبو محمد السيرافي (ت ٣٨٥هـ)
15-اللمع في العربية المؤلف: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت ٣٩٢هـ)
16-الخصائص المؤلف: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت ٣٩٢هـ)
17-المفصل في صنعة الإعراب المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد،
الزمخشري جار الله (ت ٥٣٨هـ)
18- المرتجل (في شرح الجمل) المؤلف: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد
بن أحمد ابن الخشاب (٤٩٢ - ٥٦٧ هـ)
19- نتائج الفكر في النَّحو للسُّهَيلي المؤلف: أبو القاسم عبد الرحمن
بن عبد الله بن أحمد السهيلي (ت ٥٨١هـ)
20-البديع في علم العربية المؤلف: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن
محمد بن محمد بن محمد ابن عبد
21- المقدمة الجزولية في النحو المؤلف: عيسى بن عبد العزيز بن
يَلَلْبَخْت الجزولي البربري المراكشي، أبو موسى (ت ٦٠٧هـ)
22- شرح المفصل للزمخشري المؤلف: يعيش بن علي بن يعيش ابن أبي السرايا
محمد بن علي، أبو البقاء، موفق الدين الأسدي الموصلي، المعروف بابن يعيش وبابن
الصانع (ت ٦٤٣هـ)
23-الكناش في فني النحو والصرف المؤلف: أبو الفداء عماد الدين إسماعيل
بن علي بن محمود بن محمد ابن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، الملك المؤيد، صاحب حماة (ت
٧٣٢ هـ)
24-شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك المؤلف: بدر الدين محمد ابن
الإمام جمال الدين محمد بن مالك (ت ٦٨٦ هـ)
25-الشافية في علم التصريف (ومعها الوافية نظم الشافية للنيساري -
المتوفى في القرن ١٢)
تعليقات (0)