المنشورات

الظرف المتصرف وغير المتصرف

أ- فالمتصرف هو الذي لا يلازم النصب على الظرفية، وإنما يتركها إلى كل حالات الإعراب الأخرى التي لا يكون فيها ظرفًا؛ كأن يقع مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلًا، أو مفعولًا به، أو مجرورًا بالحرف: "في" المذكور قبله أو بغيره … أو … فمثال الزمان المتصرف كلمة: "يوم" في العبارات التالية: يومكم مبارك، ونهاركم سعيد، إن يومكم مبارك، وإن نهاركم سعيد، جاء اليوم المبارك … إنا نرقب مجيء اليوم المبارك في يوم العيد يتزاور الأهل، والأصدقاء … و … ومثال المكان المتصرف: يمينك أوسع من شمالك العاقل لا ينظر إلى الخلف إلا للعبرة؛ وإنما وجهته الأمام، ومثل: الفرسخ ثلاثة أميال، ونعرف أن الميل ألف باع1. وقد سبق2 أن الظرف بنوعيه إذا ترك النصب على الظرفية إلى حالة أخرى غير النصب على الظرفية ولو إلى الجر "بفي" أو بغيرها، فإنه لا يسمى ظرفًا، ولا يعرب ظرفًا، ولو دل على زمان أو مكان3 …حكم الظرف المتصرف: 1- إما معرب منصرف؛ مثل: يوم – شهر – يمين – مكان1. 2- وإما معرب غير منصرف مثل: غدوة2؛ وبكره3، وضحوة؛ بشرط أن تكون كل واحد "علم جنس"4، على وقتها المعين المعروف؛ سواء أكان هذا الوقت مقصودًا ومحددًا من يوم خاص بعينه، أم غير مقصود ولا محدد من يوم معين، فهذه الثلاثة وأشباهها متصرفة؛ تستعمل ظرفًا وغير ظرف، وفي الحالتين تمنع من الصرف، وسبب منعها من الصرف: "العلمية الجنسية والتأنيث اللفظي"، فإن فقدت العلمية لم تمنع من الصرف، وذلك لعدم التعيين؛ "لأنها فقدت تعيين الزمن وتحديده؛ وصارت دالة على مجرد الوقت المحض الخالي من كل أنواع التخصيص إلا بقرينة أخرى للتعيين"؛ مثل: غدوة وقت نشاط، يسرني السفر غدوة والقودم ضحوة، بشرط أن يراد بهما مطلق زمن بغير تعيينه، ومن هذا قوله تعالى في أهل الجنة: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا3– وإما مبني، والمبني قد يكون مبنيا على السكون، مثل: "إذ" الواقعة "مضافًا إليه"، والمضاف زمان، نحو: لاح النصر ساعة إذا أخلص المجاهدون كان النصر يوم إذ جاهد المخلصون، أو مبنيًا على الكسر، مثل الظرف: "أمس" عند الحجازيين؛ في نحو: اعتدل الجو أمس بُكْرَةً وَعَشِيّاً} 5 ب– أما غير المتصرف1: فمنه الذي لا يستعمل إلا ظرفًا، ومنه ما يستعمل ظرفًا، وقد يترك الظرفية ولا يسمى ظرفًا إلى شبهها، وهو الجر بالحرف: "من" غالبًا2، فمثال الذي لا يستعمل إلا ظرفًا: "قط"3، و"عوض"4 و"بدل" بمعنى: مكان "مثل: خذ هذا بدل ذلك"، و"مكان" بمعنى: "بدل"، "أما "مكان" بمعناه الأصلي فظرف متصرف". "وسحر"5؛ إذا أريد به سحر يوم معين محدد؛ نحو: أزورك سحر يوم السبت المقبل؛ وإلا فهو ظرف متصرف؛ نحو: تمتعت بسحر منعش؛ فهل يساعفني سحرا مثله؟. ومثال ما يلازم النصب على الظرفية، وقد يتركها إلى شبهها: "عند، ولدن وقبل، وبعد، وحول1، و … "، مثل: مكثت عندك ساعة، ثم خرجت من عندك إلى بيتي سأقصد الحدائق لدن الصبح حتى الضحا، ثم أعود من لدنها حضرت قبل الميعاد ولم أحضر بعده، أو: حضرت من قبل الميعاد، ولم أحضر من بعده2. حكم الظرف غير المتصرف: 1– إما معرب ممنوع من الصرف؛ مثل: عتمة3 عشية4 سحر5 بشرط أن يقصد بكل واحدة التعيين الدال على وقت خاص، فتكون علم جنس عليه؛ لدلالتها على زمن معين محدد دون غيره من الأزمان المبهمة الخالية من التعيين، نحو: استيقظت: ليلة الخميس سحر، حضرت يوم الجمعة عشية، سهرت يوم السبت عتمة. فإن فقدت هذه العلمية صارت نكرة لا تدل على وقت مخصص من يوم بذاته، وخرجت من نوع الظرف غير المتصرف، ودخلت في نوع المتصرف المنصرف؛ فتصير مبتدأ، وخبرًا، وفاعلًا … و … وغير ذلك، مع التنوين في كل حالة؛ نحو سحر خير من عيشة، ورب عتمة خير من سحر5 2– وإما معرب مصروف مثل: "بدل" و"مكان" السالفين1 3– وإما مبني على السكون أو غيره في مثل: لدن، ومتى2، ومد، ومنذ3 وقط، … وغيرها "مما سيجيء 4" 4- جميع الظروف غير المتصرفة لا يصح التصريح قبلها بالحرف: "في" بخلاف المتصرفة، وإذا ظهرت "في" قبل الظرف مطلقًا، فإنه يصير اسمًا محضا مجرورًا بها، ولا يصح تسميته ظرف زمان، أو ظرف5 مكان ما ينوب عن الظرف: أ– يكثر حذف الظرف الزماني المضاف إلى مصدر، وإقامة المصدر مقامه6. فنيصب مثله باعتباره نائبا عنه، وذلك بشرط أن يعين المصدر الوقت ويوضحه، أو يبين مقداره، وإن لم يعينه؛ فمثال الأول: أخرج من البيت شروق الشمس، وأعود إليه غروبها أزوركم في العام الآتي قدوم الراجعين من الحج، "تريد: أخرج من البيت وقت طلوع الشمس، وأعود إليه وقت غروبها، ووقت قدوم الراجعين"، فحذف الظرف الزماني: "وقت" وقام مقامه المصدر، وهو: "شروق، غروب، قدوم"، فأعرب طرفًا بالنيابة ومثال الثاني: أمكث عندك كتابة صفحة؛ "أي: مدة كتابة صفحة"، وأنتظرك لبس الثياب، "أي: مدة لبسها"، وأغيب غمضة عين، "أي: مدة غمضها"، ففي هذه الصور ونحوها بيان للمقدار الزمني الذي يدل عليه المصدر في كل صورة، دون أن يعين ذلك الوقت، ويحدده: "أهو الصبح، أم الظهر، أم الغروب، أم غيرهما … ؟ ". وقد يحذف الظرف وينوب عنه مصدر مضاف إلى اسم عين1، ثم يحذف هذا المصدر المضاف أيضًا، ويحل محله اسم العين، باعتباره نائبًا عن النائب عن الظرف الزماني، ويعرف ظرفًا بالإنابة، نحو: لا أكلم السفية النيرين أي: مدة طلوع النيرين؛ "وهما: الشمس والقمر": فحذف الظرف الزماني؛ وهو "مدة"، وقام مقامه المصدر المضاف: "طلوع"، ثم حذف المصدر المضاف وحل محله المضاف إليه؛ وهو: كلمة: "النيرين" وتعرب ظرفًا بالإنابة كما قلنا ومن أمثلتهم: لا أجالس لمحدًا الفرقدين2، ولا أماشيه القارظين3 يريدون: مدة ظهور الفرقدين، ومدة غياب القارظين. هذا، والإنابة فيكل ما سبق قياسية إذا تحقق ما شرحناه. ب– أما نيابة المصدر عن ظرف المكان، فقليلة حتى قصروها على المسموع دون غيره مثل كلمة: قرب نحو: جلست قرب المدفأة، أي: مكان قرب المدفأة، فكلمة: "قرب" مصدر بالنيابة. ج– وهناك أشياء أخرى غير المصدر تصلح للإنابة قياسًا عن الظرف بنوعيه بعد حذفه، وتعرب ظرفًا بالنيابة. منها: صفته؛ نحو: صبرت طويلًا من الدهر جلست شرقي المنزل؛ أي: صبرت زمنًا طويلًا … جلست مجلسًا شرقي المنزل، أو جلست مكانًا شرقي المنزل ومنها: عدده، بشرط أن يوجد ما يدل على أنه عدده: كالإضافة إلى زمان، أو مكان؛ نحو: مشيت خمس ساعات قطعت فيها ثلاثة فراسخ. ومنها: كل أو بعض، وغيرهما مما يدل على الكلية والجزئية، بشرط الإضافة إلى زمان أو مكان1؛ نحو: نمت كل الليل، وقول الشاعر: أكل الدهر حل وارتحال … أما يبقي علي، وما يقيني؟ ومثل: استمخر الحفل بعض الليل … مشت القافلة كل الأميال أو بعض الأميال2 … 











مصادر و المراجع:

1-المفتاح في الصرف المؤلف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (ت ٤٧١هـ)

2- أبنية الأسماء والأفعال والمصادر المؤلف: ابن القَطَّاع الصقلي (المتوفى ٥١٥ هـ)

3-المقدمة الجزولية في النحو المؤلف: عيسى بن عبد العزيز بن يَلَلْبَخْت الجزولي البربري المراكشي، أبو موسى (ت ٦٠٧هـ)

4- الخلاصة في النحو، ألفية ابن مالك المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الأندلسي (ت ٦٧٢ هـ)

5-ارتشاف الضرب من لسان العرب المؤلف: أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (ت ٧٤٥ هـ)

6- النحو الوافي المؤلف: عباس حسن (ت ١٣٩٨هـ)

7-الجمل في النحو المؤلف: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (ت ١٧٠هـ)

8-الكتاب المؤلف: عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر، الملقب سيبويه (ت ١٨٠هـ) 9- المقتضب المؤلف: محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالى الأزدي، أبو العباس، المعروف بالمبرد (ت ٢٨٥هـ)

10-الأصول في النحو المؤلف: أبو بكر محمد بن السري بن سهل النحوي المعروف بابن السراج (ت ٣١٦هـ)

11-شرح كتاب سيبويه المؤلف: أبو سعيد السيرافي الحسن بن عبد الله بن المرزبان (ت ٣٦٨ هـ) 12-الإيضاح العضدي المؤلف: أبو علي الفارسيّ (٢٨٨ - ٣٧٧ هـ)

13-علل النحو المؤلف: محمد بن عبد الله بن العباس، أبو الحسن، ابن الوراق (ت ٣٨١هـ)

14-شرح أبيات سيبويه المؤلف: يوسف بن أبي سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان أبو محمد السيرافي (ت ٣٨٥هـ)

15-اللمع في العربية المؤلف: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت ٣٩٢هـ)

16-الخصائص المؤلف: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت ٣٩٢هـ)

17-المفصل في صنعة الإعراب المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (ت ٥٣٨هـ)

18- المرتجل (في شرح الجمل) المؤلف: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد ابن الخشاب (٤٩٢ - ٥٦٧ هـ)

19- نتائج الفكر في النَّحو للسُّهَيلي المؤلف: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي (ت ٥٨١هـ)

20-البديع في علم العربية المؤلف: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد

21- المقدمة الجزولية في النحو المؤلف: عيسى بن عبد العزيز بن يَلَلْبَخْت الجزولي البربري المراكشي، أبو موسى (ت ٦٠٧هـ)

22- شرح المفصل للزمخشري المؤلف: يعيش بن علي بن يعيش ابن أبي السرايا محمد بن علي، أبو البقاء، موفق الدين الأسدي الموصلي، المعروف بابن يعيش وبابن الصانع (ت ٦٤٣هـ)

23-الكناش في فني النحو والصرف المؤلف: أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد ابن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، الملك المؤيد، صاحب حماة (ت ٧٣٢ هـ)

24-شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك المؤلف: بدر الدين محمد ابن الإمام جمال الدين محمد بن مالك (ت ٦٨٦ هـ)

25-الشافية في علم التصريف (ومعها الوافية نظم الشافية للنيساري - المتوفى في القرن ١٢)

 

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید