1 حين نقول: "تَحسَّنَ" أو "يتحسن" أو: "تحسنْ" نجد أن كل كلمة مستقلة من هذه الكلمات لا بد أن تدل على أمرين معًا؛ هما: المعنى المحض السالف "أي: الحدث المجرد" والزمان "ماضيًا، أو حالًا، أو مستقبلًا … و......" ولا يمكن أن تؤدي أمرًا واحدًا دون الآخر؛ ولذلك لا تسمى: "مصدرًا" وإنما تسمى: "فعلًا"، فالمصدر الصريح -غير الدال على المرة أو الهيئة- يؤدي شيئًَا واحدًا من شيئين يؤديهما الفعل، وهذا الشيء الواحد هو ما سوى الزمان. وفيه يقول ابن مالك في بيت سبق شرحه "في باب المفعول المطلق جـ2 ص155 م74":
المصدر اسم ما سوى الزمان منْ … مدولي الفعل؛ في كأمْنٍ من أمِنْ
2 وأننا حين نقول "متحسن" نفهم من هذه الكلمة -دون الاستعانة بغيرها- أمرين معًا؛ وهما: المعنى المحض "أي: الحدث المجرد" الذي أوضحناه، و"الذات" أي: المادة المجسدة المجمدة، أو: "الجسم" الذي يتصف بالتحسن، فلا بد من المعنى والذات معًا، ولهذا لا تصلح كلمة "متحسن" لأن تسمى: "مصدرًا" ولا فعلًا، وإنما تسمى: اسم فاعل "وسيجيء الكلام عليه في ص238.
3 وفي مثل: أعطيت المحتاج عطاء يكفيه، نجد كلمة: "عطاو" تدل على معنى مجرد محض، ولا تدل معه على شيء آخر. ولكنها لا تشتمل على جميع الحروف التي في فعلها المذكور في جملتها؛ إذ الهمزة الأولى غير موجودة لفظًا ولا تقديرًا، ومن هنا لا نستطيع أن نسمي كلمة: "عطاء" مصدرًا للفعل الماضي: "أعطى" وإنما نسميها: "اسم مصدر"؛ وسنعرفه هنا. ومثلها: كلمة "سلام" و"عون" في نحو: سلمت على اللاجئ سلام الأخ، وعاونته عون الشقيق؛ فإن كل واحدة منهما لا تصلح مصدرًا للفعل المذكور معها "برغم أنها تصلح لغيره" لأن حروفها خالية لفظًا وتقديرًا من بعض حروف فعلها، فكلمة: "سلام" تشتل على "لام" واحدة مع أن فعلها المذكور في جملته مشتمل على لام مشددة تعد لامين. وكلمة: "عون" خلية من الألف التي في فعلها المذكور معها، فكلاهما ليس مصدرًا، وإنما يسمى: "اسم مصدر" -وسيجيء في الصفحة الآتية إيضاحه، وأنه سماعي.
4 وفي مثل: دهن وكحل "بضم أولهما" من كل ما يشتمل على حروف فعله ولكنه ذات لا نسميه مصدرًا.
5- وفي مثل: برة؛ بمعنى: البر، وسبحان بمعنى: التسبيح، وحماد، بمعنى: الحمد -نجد هذه الكلمات وأشباهها، تدل على الحدث المجرد، ولا تدل معه على ذات، ولا زمان، ولا غيره، ولكننا لا نستطيع أن نسميها "مصادر؛ لأن كل واحدة منها صارت علم جنس"، يدل على المعنى الخاص به؛ فكلمة: "برة" جنس على "المبرة" بمعنى: البر، و"سبحان" علم جنس على: "التسبيح"، و"حماد" علم جنس على: الحمد؛ فهي ونظائرها أسماء مصادر "سبق الكلام عليها = في الجزء الأول ص209 م22 في علم الجنس".
وقد قلنا إن المصدر لا بد أن يشتمل على كل حروف فعله الماضي، أو على أكثر منها. والمراد اشتماله عليها لفظًا أو تقديرًا. فاللفظي أن تكون جميع الحروف موجودة منطوقًا بها؛ نحو: أخذت أخذًا. تعلم الصبي تعلمًا، والتقديري: أن يكون الحرف محذوفًا قد عوض عنه حرف آخر، كمجيء تاء التأنيث في آخر المصدر عوضًا عن واو الفعل، في مثل وعد، عِدَةً، وكالتاء أيضًا حين تكون في أوله عوضًا، مثل سلم تسليمًا، وعلم تعليمًا؛ فإن إحدى اللامين حذفت من المصدر وجاءت في أوله التاء عوضًا. أو يكون الحرف محذوفًا للتخفيف وكثرة الاستعمال، مع ظهوره أحيانًا في بعض اللهجات واللغات؛ مثل: ضارب ضرابًا. قاتل قتالًا … والأصل: ضيرابًا وقيتالًا؛ فقلبت الألف ياء لوقوعها بعد الكسرة، ثم حذفت تخفيفًا، ومن العرب من كان يظهرها.
ومثال اشتمال المصدر على حروف أكثر من حروف فعله الماضي: إكرام، وإجمال -وأشباهمها؛ فإنهما مصدران للفعلين: "أكرم، وأجمل" وقد زيد في وسط كل مصدر منها الألف. ومثل: "فرقان" مصدر "فَرَق" فقد زيد في وسطه الألف. ومثل الألف التاء في كلمة: "معاونة" مصدر: عاون.
ب- وأما اسم المصدر "وهو مقصور على السماع" فقالوا في تعريفه: "إنه ما ساوى المصدر في الدلالة على معناه، وخالفه بخلوه لفظًا وتقديرًا من بعض حروف عامله -الفعل، أو غيره- دون تعويض". وذلك كعطاء؛ فإنه مساوٍ لإعطاء في المعنى، ومخالف له بنقص الهمزة الأولى لفظًا وتقديرًا من غير أن يعوض عنها شيء. فإن خلا منه لفظًا ولم يخلُ تقديرًا فليس اسم المصدر؛ وإنما هو مصدر -كما تقدم- مثل كلمة قتال؛ فإن أصلها: قيتال، على الوجه الذي شرحناه في هذه الصفحة، وإن خلا منه لفظًا ولكن مع تعويض عنه فليس باسم المصدر، وإنما هو مصدر أصيل؛ نحو: عدة، مصدر الفعل "وعد" فقد حذفت الواو، وجاءت التاء في آخر الاسم عوضًا عنها؛ كما قلنا آنفًا. فلا بد في اسم المصدر من نقص بعض حروفه الأصلية أو الزائدة. وأن يكون النقص بغير تعويض عنه، وبغير وجود المحذوف مقدرًا.
إن الفرق اللفظي بين المصدر الأصلي واسم المصدر واضح مما سبق "ولا سيما قصر "اسم المصدر" على السماع، أما المصدر الأصلي فمنه القياسي ومنه السماعي … " ولكن الفرق المعنوي بينهما في حاجة إلى تجلية وإبانة. فما معنى: "أن اسم المصدر يساوي المصدر في الدلالة على معناه؟ "
ذهب النحاة في الإيضاح مذاهب لا تخلو من غموض أو نقص. ولعل خيرها ما جاء في كتاب: "الأشباه والنظائر" للسيوطي، منسوبًا لابن النحاس: قال ما نصه: "الفرق بينهما أن المصدر في الحقيقة هو الفعل الصادر عن الإنسان وغيره؛ كقولنا: إن كلمة "ضَرْب" هي مصدر في قولنا: يعجبني ضرب زيد عمرًا. يكون مدلوله: "معنى" "يقصد: أن مدلول كلمة "المصدر" ومفهومها وسماها، هو أمر معنوي محض، وأنه هو المصدر حقيقة، لا مجازًا. أما اللفظ المذكور في الجملة، المركب من حروف هجائية معينة، فليس بالمصدر الحقيقي" وسموًا ما يعبر به عنه مصدرًا، "مجازًا"، "أي: تسمية مجازية، لا حقيقية" -نحو: "ضرْب" في قولنا: إن: "ضرْبًا" مصدر منصوب، إذا قلت: ضربت ضربًا؛ فيكون مسماه لفظًا". ا. هـ =فهو يريد: أن كلمة "ضربًا" هي المسمى اللفظي المجازي لكلمة: "مصدر. ومقتضى هذا أن كلمة "مصدر" اسم له مدلولان أو مفهومان، وإن شئت فقل: له مسميان، أحدهما: معنوي محض؛ هو الحدث المجرد، وهذا الحدث هو المسمى الحقيقي -لا المجازي- لكلمة: مصدر. والمسمى الآخر لفظي؛ هو اللفظ الذي ننطق به، أو نكتبه، والذي نقول في إعرابه: إنه مصدر منصوب، وهو المصدر المجازي المراد منه المصدر الحقيقي المعنوي ثم قال بعد ذلك:
"واسم المصدر اسم للمعنى الصادر عن الإنسان وغيره؛ كسبحان؛ والمسمى به: "التسبيح" الصادر عن الشخص المسبِّح -مثلًا- لا لفظ التاء، والسين، والباء، والياء، والحاء، بل المعنى المعبر عنه بهذه الحروف، ومعناه البراءة والتنزية". ا. هـ. راجع ياسين على التصريح.
ويفهم مما سبق أن اسم المصدر كالمصدر المجازي السالف؛ كلاهما يدل مباشرة على الحدث المجرد من غير واسطة. ولكن كثيرًا من المحققين يقولون إن اسم المصدر يدل مباشرة على لفظ لا على الحدث المجرد، وأن دلالته على لفظ المصدر تؤدي -تبعًا- إلى الدلالة على معنى المصدر، وبذا تكون دلالته على الحدث المجرد دلالة غير مباشرة، وإنما هي بالواسطة؛ إذ هي من طريق المصدر.
"راجع الخضري والصبان في هذا الموضع من الباب".
ومن أوضح أسماء المصادر كل اس يدل على معنى مجرد، وليس له فعل من لفظه يجري عليه؛ كالقهقهري؛ فإنه لنوع من الرجوع، ولا فعل له -في المشهور- يجري عليه من لفظه. وكذلك كل اسم يدل على معنى مجرد، ويجري على وزن مصدر الثلاثي، مع أن الفعل المذكور معه في الجملة غير ثلاثي؛ مثل: توضأ وضوءًا، وأعان عونًا، وما شابههما من الوارد المسموع -كالشأن في جميع أسماء المصادر فإنها مقيدة بالسماع.
بقيت مسألة هامة، تتلخص في: أن بعض الباحثين المحققين ينكر وجود قسم مستقل يطلق عليه: "اسم المصدر". وحجته: ما سبق هنا، وأن تعريف المصدر الأصيل ينطبق عليه. وهذا رأي قوي ودفعه عسير. ومسألة أخيرة: "أشرنا إليها في ص183"، نوردها بمناسبة دلالة المصدر -في الغالب- على شيء واحد من شيئين يدل عليهما الفعل؛ فإن هذه الدلالة تثير سؤالا: أيهما أصل للآخر؟ فالبصريون يقولون: المصدر. ويحتجون بأدلة، أقواها: أنه يدل على شيء واحد؛ هو المعنى المجرد؛ فهو "بسيط". والفعل الماضي يدل على شيئين؛ المعنى والزمن؛ فهو مركب. و"البسيط" أصل المركب. والكوفيون يقولون: الفعل الماضي هو الأصل الذي يدخله بعض التغيير. فتتفرع منه المشتقات؛ لأنه يدل على ما يدل عليه المصدر وزيادة؛ والذي يتضمن غيره والزيادة عليه يعد أصلًا له.
وهذا -وغيره مما ذكره الفريقان- لا يعدو أن يكون أدلة جدلية دفاعية، لها طلاوة الجدل القوي، وليس لها قوة الحجة المنطقية، ولا صحة البرهان. إذ ليس لدينا في المشتقات الكثيرة المسموعة عن العرب ما يدل من قرب أو بعد على الأصل الذي تفرع منه هذا المشتق. أما المسألة في واقعها فليست إلا مجرد اصطلاح محض، غير أن كلمة: "المصدر" في أصلها اللغوي معناها: "الأصل" وقد شاعت بهذا المعنى بين أكثر النحاة. وأطلقوها اصطلاحًا على أنها للفعل وللمشتقات كلها، فلا ضرر من الأخذ بهذا. والاقتصار عليه
مصادر و المراجع:
1-المفتاح في الصرف المؤلف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن
محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (ت ٤٧١هـ)
2- أبنية الأسماء والأفعال والمصادر المؤلف: ابن القَطَّاع الصقلي
(المتوفى ٥١٥ هـ)
3-المقدمة الجزولية في النحو المؤلف: عيسى بن عبد العزيز بن
يَلَلْبَخْت الجزولي البربري المراكشي، أبو موسى (ت ٦٠٧هـ)
4- الخلاصة في النحو، ألفية ابن مالك المؤلف: أبو عبد الله محمد بن
عبد الله بن مالك الأندلسي (ت ٦٧٢ هـ)
5-ارتشاف الضرب من لسان العرب المؤلف: أبو حيان محمد بن يوسف بن علي
بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (ت ٧٤٥ هـ)
6- النحو الوافي المؤلف: عباس حسن (ت ١٣٩٨هـ)
7-الجمل في النحو المؤلف: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن
تميم الفراهيدي البصري (ت ١٧٠هـ)
8-الكتاب المؤلف: عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر،
الملقب سيبويه (ت ١٨٠هـ) 9- المقتضب المؤلف: محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالى
الأزدي، أبو العباس، المعروف بالمبرد (ت ٢٨٥هـ)
10-الأصول في النحو المؤلف: أبو بكر محمد بن السري بن سهل النحوي
المعروف بابن السراج (ت ٣١٦هـ)
11-شرح كتاب سيبويه المؤلف: أبو سعيد السيرافي الحسن بن عبد الله بن
المرزبان (ت ٣٦٨ هـ) 12-الإيضاح العضدي المؤلف: أبو علي الفارسيّ (٢٨٨ - ٣٧٧ هـ)
13-علل النحو المؤلف: محمد بن عبد الله بن العباس، أبو الحسن، ابن
الوراق (ت ٣٨١هـ)
14-شرح أبيات سيبويه المؤلف: يوسف بن أبي سعيد الحسن بن عبد الله بن
المرزبان أبو محمد السيرافي (ت ٣٨٥هـ)
15-اللمع في العربية المؤلف: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت ٣٩٢هـ)
16-الخصائص المؤلف: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت ٣٩٢هـ)
17-المفصل في صنعة الإعراب المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد،
الزمخشري جار الله (ت ٥٣٨هـ)
18- المرتجل (في شرح الجمل) المؤلف: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد
بن أحمد ابن الخشاب (٤٩٢ - ٥٦٧ هـ)
19- نتائج الفكر في النَّحو للسُّهَيلي المؤلف: أبو القاسم عبد الرحمن
بن عبد الله بن أحمد السهيلي (ت ٥٨١هـ)
20-البديع في علم العربية المؤلف: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن
محمد بن محمد بن محمد ابن عبد
21- المقدمة الجزولية في النحو المؤلف: عيسى بن عبد العزيز بن
يَلَلْبَخْت الجزولي البربري المراكشي، أبو موسى (ت ٦٠٧هـ)
22- شرح المفصل للزمخشري المؤلف: يعيش بن علي بن يعيش ابن أبي السرايا
محمد بن علي، أبو البقاء، موفق الدين الأسدي الموصلي، المعروف بابن يعيش وبابن
الصانع (ت ٦٤٣هـ)
23-الكناش في فني النحو والصرف المؤلف: أبو الفداء عماد الدين إسماعيل
بن علي بن محمود بن محمد ابن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، الملك المؤيد، صاحب حماة (ت
٧٣٢ هـ)
24-شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك المؤلف: بدر الدين محمد ابن
الإمام جمال الدين محمد بن مالك (ت ٦٨٦ هـ)
25-الشافية في علم التصريف (ومعها الوافية نظم الشافية للنيساري -
المتوفى في القرن ١٢)
تعليقات (0)