المنشورات
- ابن عربي
النحوي، اللغوي، المفسر محمّد بن عليّ بن محمّد بن أحمد بن عبد الله، أبو بكر الطائي، الحاتمي الأندلسي المرسي، محيي الدين، المعروف بابن العربي، ويعرف أيضًا بالقشيري لتصوفه.
ولد: سنة (560 هـ) ستين وخمسمائة.
من مشايخه: أبو الحسين علي بن أبي نصر فتح بن عبد الله البجائي، وأبو القاسم خلف بن بشكوال، وأبو بكر محمّد بن خلف بن صاف وغيرهم.
من تلامذته: الصدر القونوي الروعي، وغيره.
كلام العلماء فيه:
• تاريخ الإسلام: "قدوة أهل الموحدة قرأت بخط ابن مسدي يقول عن ابن العربي، ولقد خاض في بحر الإشارات، وتحقق بمجال تلك العبارات، وتكون في تلك الأطوار حتى قضى ما شاء من لبانات وأوطار، فضربت عليه العلمية رواقها، وطبق ذكره الدنيا وآفاقها، فجال بمجالها، ولقي رجالها، وكان جميل الجملة والتفصيل، محصلًا للفنون أحصل تحصيل، وله في الأدب الشأو الذي لا يلحق. سمع ابن الجد، وابن زرقون، ونجبة بن يحيى وذكر أنه لقي ببجاية عبد الحق -وفي ذلك نظر-، وأن السلفي أجاز له -وأحسبها: العامة. وذكر أنه سمع من أبي الخير أحمد بن إسماعيل الطالقاني.
قلت: هذا لإفك بين ما لحقه أبدًا.
قال ابن مسدي: وله تواليف تشهد له بالتقدم والإقدام ومواقف النهايات في مزالق الأقدام، وكان مقتدرًا على الكلام، ولعله ما سلم من الكلام، وعندي من أخباره عجائب، وكان ظاهري المذهب في العبادات، باطني النظر في الاعتقادات، ولهذا ما ارتبتُ في أمره والله أعلم بسره.
ذكره أبو عبد الله الدبيثي فقال: أخذ عن مشيخة بلده، ومال إلى الآداب، وكتب لبعض الولاة، ثم حج ولم يرجع، وسمع بتلك الديار. وروى عن السلفي بالإجازة العامة، وبرع في علم التصوف وله فيه مصنفات كثيرة. ولقيه جماعة من العلماء والمتعبدين وأخذو عنه.
وقال ابن نقطة: سكن قونية وملطية مدة. وله كلام وشعر غير أنه لا يعجبني شعره.
قلت: كأنه يشير إلى ما في شعره من الإتحاد وذكر الخمر والكنائس والملاح، كما أنشدنا أبو المعالي محمّد بن عليّ عن ابن العربي لنفسه:
بذي سلم والدير من حاضر الحمى ... ظباء تريك الشمس في صورة الدمى
فأرقبُ أفلاكًا وأخدمُ بيعةً ... وأحرس روضًا بالربيع منمنما
فوقتًا أسمى راعي الظي بالفلا ... ووقتًا أسمى راهبًا ومنجما
تثلث محبوبي وقد كان واحدًا ... كما صيروا الأقنام بالذات أقنما
فلا تنكرن يا صاح قولي غزالة ... تضيء لغزلانٍ يطفن على الدما
فللظي أجيادًا وللشمس أوجهًا ... وللدمية البيضاء صدرًا ومعصما
كما قد أعرت للغصون ملابسًا ... وللروض أخلاقًا وللبرق مبسما
ومن شعره في الحق تعالى:
ما ثم ستر ولا حجاب ... بل كله ظاهر مبين
وله:
فما ثم إلا الله ليس سواه ... فكل بصيرٍ بالوجود يراه
وله:
لقد صار قلبي قابلًا كل صورةٍ ... فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف ... وألواح توراةٍ ومصحف قرآنِ
أدين بدين الحب أين توجهت ... ركائبه فالحب ديني وإيماني
وله قصيدة:
عقد الخلائق في الإله عقائدًا ... وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه
هذا الرجل كان قد تصوف، وانعزل، وجاع، وسهر، وفتح عليه بأشياء امتزجت بعالم الخيال، والخطرات، والفكرة، فاستحكم به ذلك حتى شاهد بقوة الخيال أشياء ظنها موجودة في الخارج، وسمع من طيش دماغه خطابًا اعتقده من الله ولا وجود لذلك أبدًا في الخارج، حتى إنه قال: لم يكن الحق أوقفني على ما سطره لي في توقيع ولايتي أمور العالم، حتى أعلمني بأني خاتم الولاية المحمدية بمدينة فاس سنة خمس وتسعين. فلما كانت ليلة الخميس في سنة ثلاثين وست مئة أوقفني الحق على التوقيع في ورقة بيضاء، فرسمته بنصه: هذا توقيع إلهي كريم من الرؤوف الرحيم إلى فلان، وقد أجزل له رفده وما خيبنا قصده، فلينهض إلى ما فوض إليه، ولا نشغله الولاية عن المثول بين أيدينا شهرًا بشهرٍ إلى انقضاء العمر.
ومن كلامه في كتاب "فصوص الحكم" قال: أعلم أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد، فالمنزه، إما جاهل وإما صاحب سوء أدب، ولكن إذا أطلقاه، وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه ووقف عند التنزيه، ولم ير غير ذلك، ففد أساء الأدب، وأكذب الحق والرسل وهو لا يشعر، وهوكمن آمن ببعض وكفر ببعض، ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت به إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول وعلى الخصوص على كل مفوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في موضع ذلك اللسان، فإن للحق في كل خلق ظهورًا، فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم، إلا عن فهم من قال: إن العالم صورته وهويته وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر فهو الباطن، فنسبته لما ظهر عن صور العالم نسبة الروح المدبرة للصورة، فتوجد في حد الإنان مثلًا باطنة وظاهرة، وكذلك كل محدود، فالحق محدود بكل حد، وصور العالم لا تنضبط، ولا يحاط بها، ولا يعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صوره، ولذلك يجهل حد الحق، فإنه لايعلم حده إلا بعلم حد كل صورة وهذا محال، وكذلك من شبهه وما نزهه، فقد قيده وحدده وما عرفه، ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه، وصفه بالوصفين على الإجمال، لأنه يستحيل ذلك على التفصيل، كما عرف نفسه مجملًا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي - صلى الله عليه وسلم - معرفة الحق بمعرفة النفس، فقال: "من عرف نفسه عرف ربه". وقال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} وهو عينك {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ} -أي للناظرين .. {أَنَّهُ الْحَقّ} من حيث إنك صورته، وهو روحك، فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك، فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانًا ولكن يقال فيها: إنها صورة تشبه صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة ولا ينطلق عليها اسم إنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة. وصورة العالم لا يتمكن زوال الحق عنها أصلًا، فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان.
إلى أن قال في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} قال: فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء فإن للحق في كل معبود وجهًا يعرفه من يعرفه، ويجهله من يجهله من المحمديين {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلا إِيَّاهُ} أي: حكم، فالعالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حتى عبد، وإن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة، وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود. إلى أن قال: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} فهي التي خطت بهم، فغرقوا في محار العلم بالله، وهو الحيرة {فَأُدْخِلُوا نَارًا} في عين الماء في المحمديين {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} سجرت: التنور إذا أوقدته. {فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} فكان الله عين أنصارهم، فهلكوا فيه إلى الأبد فلو أخرجهم إلى السيف -سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله وبالله، بل هو الله. وقال في قوله: {يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} فالولد عين أبيه، فما رأى يذبح سوى نفسه، وفداه بذبح عظيم، فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان، لا بل بحكم ولد من هو عين الوالد، {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} فما نكح سوى نفسه فمنه الصاحبة والولد والأمر واحد في العدد. وفيه:
فيحمدني وأحمده ... ويعبدني وأعبده
ففي حالٍ أقر به .. وفي الأعيان أجحده
فيعرفني وأنكره ... وأعرفه فأشهده
وقال: ثم تممها محمّد - صلى الله عليه وسلم - بما أخبر به عن الحق تعالى بأنه عين السمع والبصر واليد عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس، فاكتفى والرجل واللسان، أي: هو بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد.
إلى أن قال: وما رأينا قط من عبد الله في حقه تعالى في آية أنزلها أو إخبار عنه أوصله إلينا فيما نرجع إليه إلا بالتحديد، تنزيهًا كان أو غير تنزيه، أوله العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء فكان الحق فيه قبل أن يخلق الخلق. ثم ذكر أنه استوى على العرش فهذا أيضًا تحديد، ثم ذكر أنه ينزل إلى السماء الدنيا فهذا تحديد، ثم ذكر أنه في السماء وأنه في الأرض وأنه معنا أينما كنا إلى أن أخبرنا أنه عيننا ونحن محدودون فما وصف نفسه إلا بالحد. وقوله: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} حد أيضًا -إن أخذنا الكاف زائدة لغير الصفة، وإن جعلنا الكاف للصفة فقد حددناه. وإن أخذنا {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} على نفي المثل تحققنا بالمفهوم، وبالخبر الصحيح أنه عين الأشياء، والأشياء محدودة، وإن اختلفت حدودها، فهو محدود بحد كل محدود، فما تحد شيئًا إلا هو حد للحق، فهو الساري في مسمى المخلوقات والمبدعات، ولو لم يكن الأمر كذلك ما صح الوجود، فهو عين الوجود. وذكر فصلًا من هذا النمط، تعالى الله عما يقول علوا كبيرًا. استغفر الله، وحاكي الكفر ليس بكافرٍ. قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في ابن العربي هذا: شيخ سوءٍ، كذاب، يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجًا، هكذا حدثني شيخنا ابن تيمية الحراني به عن جماعة حدثوه عن شيخنا ابن دقيق العيد أنه سمع الشيخ عز الدين يقول ذلك. وحدثني بذلك المقاتلي، ونقلته من خط أبي الفتح بن سيد الناس أنه سمعه من ابن دقيق العيد.
قلت: ولو رأي كلامه هذا لحكم بكفره، إلا أن يكون ابن العربي رجع عن هذا الكلام، وراجع دين الإسلام، فعليه من الله السلام ... ولابن العربي توسع في الكلام، وذكاء، وقوة حافظة، وتدقيق في التصوف، وتواليف جمة في العرفان، ولولا شطحات في كلامه وشعره لكان كلمة إجماع، ولعل ذلك وقع منه في حال سكره وغيبته، فنرجو له الخير" أ. هـ.
• لسان الميزان: (ونقل رفيقنا أبو الفتح اليعمري، وكان متثبتًا، قال سمعت الإمام تقي الدين بن دقيق العيد يقول: سمعت شيخنا أبا محمّد بن عبد السلام السلمي يقول: وجرى ذكر أبي عبد الله بن العربي الطائي فقال: هو شيخ سوء شيعي كذاب، فقلت له: وكذاب أيضًا؟ قال: نعم، تذاكرنا بدمشق التزويج بالجن فقال: هذا محال لأن الإنس جسم كثيف، والجن روح لطيف، ولن يعلق الجسم الكثيف الروح اللطيف، ثم بعد قليل رأيته وبه شجة فقال: تزوجت جنية فرزقت منها ثلاثة أولاد، فاتفق يومًا أني أغضبتها فضربتني بعظم حصلت منه هذه الشجة، وانصرفت فلم أرها بعد هذا أو معناه.
قلت: نقله لي بحروفه ابن رافع من خط أبي الفتح، وما عندي أن محيي الدين تعمد كذبًا، لكن أثرت فيه تلك الخلوات والجوع، فسادًا وخيالًا وطرف جنون، وصنف التصانيف في تصوف الفلاسفة وأهل الموحدة، فقال أشياء منكرة عدها طائفة من العلماء مروقًا وزندقة، وعدها طائفة من العلماء من إشارات العارفين ورموز السالكين، وعدها طائفة من متشابه القول، وأن ظاهرها كفر وضلال، وباطنها حق وعرفان، وأنه صحيح في نفسه، كبير القدر.
وآخرون يقولون قد قال هذا الباطل والضلال، فمن الذي قال إنه مات عليه، فالظاهر عندهم من حاله أنه رجع وأناب إلى الله فإنه كان عالمًا بالآثار والسنن، قوي المشاركة في العلوم.
وقولي أنا فيه: إنه يجوز أن يكون من أولياء الله الذين اجتذبهم الحق إلى جنابه عند الموت، وختم لهم بالحسنى، فأما كلامه، فمن فهمه وعرفه على قواعد الاتحادية، وعلم محط القوم، وجمع بين أطراف عباراتهم، تبين له الحق في خلاف قولهم، وكذلك من أمعن النظر في فصوص الحكم، وأنعم التأمل، لاح له العجب، فإن الذكي إذا تأمل من ذلك الأقوال والنظائر والأشباه، فهو [يعلم بأنه] أحد رجلين: أما من الاتحادية في الباطن، وإما من المؤمنين بالله الذين يعدون أن هذه النحلة من أكفر الكفر، نسأل الله العافية، وأن يكتب الإيقان في قلوبنا، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فوالله لأن يعيش المسلم جاهلًا خلف البقر لا يعرف من العلم شيئًا سوى سور من القرآن، يصلي بها الصلوات، ويؤمن بالله واليوم الآخر، خير له بكثير من [هذا] العرفان، وهذه الحقائق، ولو قرأ مائة كتاب، أو عمل مائة خلوة، انتهى.
وأول كلامه لا يتحصل منه شيء تفرد به وينظر في قوله أمعن النظر وأنعم التأمل الفرق بينهما، وقد [اعتز بمحيي الدين] بن عربي أهل عصره.
فذكره ابن النجار في "ذيل تاريخ بغداد"، وابن نقطة في "تكملة الإكمال"، وابن العديم في "تاريخ حلب" والزكي المنذري في "الوفيات"، وما رأيت في كلامهم تعديًا من الطعن وإنهم ما عرفوها، أو ما اشتهر كتابه "الفصوص"، نعم قال ابن نقطة: لا يعجبني شعره، وأنشد له قصيدة منها: [الطويل]
لقد صار قلي قابلا كل صورة ... فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأصنام وكعبة طائف ... وألواح توراة ومصحف قرآن
وهذا على قاعدته في الموحدة، وقد كتب بخطه في إجازته للملك المظفر غازي بن العادل، أنه قرأ القرآن بالسبع على أبي بكر محمد بن خلف بن حاف اللخمي وأخذ عنه الكتابة لمحمد بن شريح، وحدث به شريح بن محمّد عن أبيه، وقرأ أيضًا على عبد الرحمن بن عال الشراط القرطبي، وسمع على أبي عبد الله الهادي قاضي فاس "التبصرة" في القراءات لمكي، وحدثه به عن أبي بحر بن القاضي، وسمع التيسير على أبي بكر بن أبي حمزة، عن أبيه المؤلف، وأنه سمع على محمّد بن سعيد بن زرقون وعبد الحق بن عبد الرحمن الإشبيلي، وأنه سمع أيضًا علي بن الخراساني، ويونس بن يحيى الهاشمي، ومعين بن أبي الفتوح، وجمع كثير وأنه أجاز له السلفي، وابن عساكر، وابن الجوزي، وأنه صنف كتبًا كثيرة، منها ما هو كراسة واحدة، ومنها ما هو مائة مجلد وما بينهما. وذكر منها "التفصيل في أسرار معاني التنزيل" فرغ منه إلى قصة موسى في سورة الكهف، أربعة وستون سفرًا، وسرق منها شيء كثير جدًّا.
وقال ابن الأبار: هو من "إشبيلية"، وأصله من "سبتة"، وأخذ عن مشيخة بلده، ومال إلى الأدب، وكتب لبعض الولاة، ثم ترك ذلك، ورحل إلى المشرق حاجًا، ولم يعد، وكان يحدث بالإجازة العامة عن السلفي، ويقول بها، وبرع في علم التصوف.
وقال المنذري: ذكر أنه سمع بـ "قرطبة" من ابن بشكوال، وأنه سمع "مكة"، و"بغداد"، و"الموصل"، وغيرها، وسكن "الروم"، وجمع مجاميع.
وقال ابن النجار: كاتت رحلته إلى المشرق، وألف في التصوف، وفي التفسير وغير ذلك تآليف لا يأخذها الحصر، وله سعة وتصرف في الفنون من العلم، وتقدم في الكلام والتصوف.
وقال ابن المديني: قدم "بغداد" سنة ثمان وستمائة، فكان يومئ إليه بالفضل والمعرفة، والغالب عليه طريق أهل الحقيقة، وله قدم في الرياضة، والمجاهدة وكلام على لسان القوم، ورأيت جماعة يصفونه بالتقدم والمكانة عند أهل هذا الشأن بالبلاد، وله أتباع، ووقفت له من مجموع من تآليفه، فيه منامات حدث بها عن من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنامات يرويها عن رؤيته هو للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وكتب عني شيئًا من ذلك، وسمعته منه.
وقال ابن النجار: صحب الصوفية، وأرباب القلوب، وسلك طريق الفقر، وحج، وجاور، وصنف كتبًا في علم القوم، وفي أخبار زهاد المغاربة، وله أشعار حسان، وكلام مليح، اجتمعت به بـ"دمشق"، وكتبت عنه شيئًا من شعره ونعم الشيخ هو، وقرأت بخط اليعموري أسد بن سعد الدين ابن شيخنا الإمام الراسخ محيي الدين أبي عبد الله محمّد بن علي بن محمّد بن أحمد بن عبد الله بن العربي الحاتمي، وذكر شعرًا.
وقال ابن سدي: وكان يلقب القشيري، لقبًا غلب عليه لما كان يشتهر به من التصوف، وكان جميل الحلية والفضل، محصلًا لفنون العلم، وله في الأدب الشأو الذي لا يلحق. سمع ببلده من أبي بكر بن الحسين، ومحمد بن سعيد بن زرقون، وجابر الحضرمي، وبسبتة من أبي محمّد بن عبيد الله، وبإشبيلية من عبد المنعم الخزرجي، وأبي جعفر بن نصار، وبمرشنة من أبي بكر بن أبي حمزة، وذكر أنه لحق عبد الحق بـ"بجاية" وفي ذلك نظر، وأن السلفي أجاز له، وأحسنها الإجازة العامة. وله تآليف.
وكان مقتدرًا على الكلام، ولعله ما سلمه من الكلام، وكان ظاهري المذهب في العبادات، باطني النظر في الاعتقادات، ويقال إنه لما كان ببلاد الروم، دلسه الملك ذات يوم، فقال هذا يدعو الأسود فقال خدمته لتلك فقال في المبذل لك أعد خلقه.
وقد أطراه الكمال بن الزملكاني، فقال: هو البحر الزاخر في المعارف الإلهية، وإنما ذكرت كلامه وكلام غيره من أهل الطريق، لأنهم أعرف بحقائق المقامات من غيرهم، لدخولهم فيها، وتحققهم بها ذوقًا مخبرين عن عين اليقين، وقال ابن أبي المنصور: كان من أكبر علماء الطريق، جمع بين سائر العلوم المكتسبة ومأموله من العلوم الوهبية، وكان غلب عليه التوحيد، علمًا، وخلقًا، وحالًا، لا مكترثًا بالوجود، مقبلًا كان أو معرضًا. ويحكي عنه من يتعصب له أحوالًا سنية، ومعارف كثيرة، والله أعلمء وقرأت بخط أبي العلاء الفرضي في المسند له: كان شيخًا عالمًا، جامعًا للعلوم، صنف كتبًا كثيرة، وهو من ذرية عبد الله بن حَاتِم الطائي، أخي عدي بن حاتم، وأما عدي فلم يعقب، وتقدم له ذكر في ترجمة ابن دحية عمر بن الحسن في حرف العين.
وقال القطب السرمين في ذيل في ترجمة "سعد الدين بن أبي عبد الله محيي الدين بن عربي": كان والده من كبار المشايخ العارفين. وله مصنفات عديدة وشعر كثير، وله أصحاب يعتقدون فيه اعتقادًا عظيمًا مفرطًا، يتغالون فيه، وهو عندهم نحو درجة النبوة، ولم يصحبه أحد إلا وتغالى فيه، ولا يخرج عنه أبدًا، ولا يفضل عليه غيره ولا يساوي به أحدًا من أهل زمانه، وتصانيفه لا يفهم منها إلا القليل، لكن الذي يفهم منها حسن جميل. وفي تصانيفه كلمات ينبو السمع عنها، وزعم أصحابه أن لها معنى، باطنها غير الظاهر، وبالجملة فكان كبير القدر من سادات القوم، وكانت له معرفة تامة بعلم الأسماء والحروف، وله في ذلك أشياء غريبة، واستنباطات عجيبة، انتهى) أ. هـ.
• الشذرات: (قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقات الأولياء: (وقال بعضهم: برز منفردًا مؤثرًا للتخلي والإنعزال عن الناس ما أمكنه، حتى إنه لم يكن يجتمع به إلا الأفراد، ثم آثر التآليف، فبرزت عنه مؤلفات لا نهاية لها، تدل على سعة باعه، وتبحره في العلوم الظاهرة والباطنة، وأنه بلغ مبلغ الاجتهاد في الاختراع والاستنباط، وتأسيس القواعد والمقاصد التي لا يدريها ولا يحيط بها إلا من طالعها بحقها، غير أنه وقع له في بعض تضاعيف تلك الكتب كلمات كثيرة أشكلت ظواهرها، وكانت سببًا لإعراض كثيرين لم يحسنوا الظن به، ولم يقولوا كما قال غيرهم من الجهابذة المحققين، والعلماء العاملين، والأئمة الوارثين: إن ما أوهمته تلك الظواهر ليس هو المراد، وإنما المراد أمور اصطلح عليها متأخروا أهل الطريق غيرة عليها، حتى لا يدعيها الكذابون، فاصطلحوا على الكناية عنها بتلك الألفاظ الموهمة خلاف المراد، غير بالين بذلك، لأنه لا يمكن التعبير عنها بغيرها.
قال المناوي: وقد تفرق الناس في شأنه شيعًا، وسلكوا في أمره طرائق قددًا فذهبت طائفة إلى أنه زنديق لا صديق، وقال قوم: إنه واسطة عقد الأولياء، ورئيس الأصفياء، وصار آخرون إلى اعتقاد ولايته وتحريم النظر في كتبه.
أقول: منهم الشيخ جلال الدين السيوطي، قال في مصنفه "تنبيه الغبي بتبرئة ابن عربي": والقول الفيصل في ابن العربي اعتقاد ولايته وتحريم النظر في كتبه، فقد نقل عنه هو أنه قال: نحن قوم يحرم النظر في كتبنا.
قال السيوطي: وذلك لأن الصوفية تواضعوا على ألفاظ اصطلحوا عليها، وأرادوا بها معان غير المعاني المتعارفة منها، فمن حمل ألفاظهم على معانيها المتعارفة بين أهل العلم الظاهر كفر، نص على ذلك الغزالي في بعضه كتبه، وقال: إنه شبيه بالمتشابه من القرآن والسنة، من حمله على ظاهره كفر.
وقال السيوطي أيضًا في الكتاب المذكور: وقد سأل بعض أكابر العلماء بعض الصوفية في عصره: ما حملكم على أن اصطلحتم على هذه الألفاظ التي يستشنع ظاهرها؟ فقال: غيرة على طريقنا هذا أن يدعيه من لا يحسنه ويدخل فيه من ليس من أهله، إلى أن قال: وليس من طريق القوم إقراء المريدين كتب التصوف، ولا يؤخذ هذا العلم من الكتب، وما أحسن قول بعض العلماء لرجل قد سأله أن يقرأ عليه "تائية ابن الفارض" فقال له: دع عنك هذا، من جاع جوع القوم، وسهر سهرهم، رأى ما رأوا.
ثم قال في آخر هذا التصنيف: إن الشيخ برهان الدين البقاعي قال في "معجمه": حكى لي الشيخ نقي الدين أبو بكر بن أبي الوفاء المقدسي الشافعي قال -وهو أمثل الصوفية في زماننا- قال: كان بعض الأصدقاء يشير عليّ بقراءة كتب ابن عربي، وبعض يمنع من ذلك، فاستشرت الشيخ يوسف الإمام الصفدي في ذلك، فقال: اعلم يا ولدي -وفقك الله- أن هذا العلم المنسوب إلى ابن عربي ليس بمخترع له، وإنما هو وإن ماهرًا فيه، وقد ادعى أهله أنه لا تمكن معرفته إلا بالكشف، فإذا فهم المريد مرماهم فلا فائدة في تفسيره، لأنه إن كان المقرر والمقرر له مطلعين على ذلك، فالتقرير تحصيل الحاصل، وإن كان المطلع أحدهما، فتقريره لا ينفع الآخر، والا فهما يخبطان خبط عشواء، فسبيل العارف عدم البحث عن هذا العلم، وعليه السلوك فيما يوصل إلى الكشوف عن الحقائق، ومتى كشف له عن شيء علمه. ثم قال: استشرت الشيخ زين الدين الخافي، بعد أن ذكرت له كلام الشيخ يوسف، فقال: كلام الشيخ يوسف حسن، وأزيدك أن العبد إذا تخلق ثم تحقق ثم جذب؛ اضمحلت ذاته، وذهبت صفاته، وتخلص من السوى، فعند ذلك تلوح له بروق الحق بالحق، فيطلع على كل شيء، ويرى الله عند كل شيء، فيغيب بالله عن كل شيء ولا شيء سواه، فيظن أن الله عين كل شيء، وهذا أول المقامات، فإذا ترقى عن هذا المقام وأشرت على مقام أعلى منه، وعضده التأييد الإلهي، رأى أن الأشياء كلها فيض وجوده تعالى لا عين وجوده، فالناطق حينئذٍ بما ظنه في أول مقام، إما محروم ساقط، وإما نادم تائب، وربك يفعل ما يشاء. انتهى.
ولقد بالغ ابن المقري في "روضته" فحكم بكفر من شك في كفر طائفة ابن عربي، فحكمه على طائفته بذلك دونه، يشير إلى أنه إنما قصد التنفير عن كتبه، وإن لم يفهم كلامه ربما وقع في الكفر باعتقاده خلاف المراد، إذ للقوم اصطلاحات أرادوا بها معاني غير المعاني المتعارفة، فمن حمل ألفاظهم على معانيها المتعارفة بين أهل العلم الظاهر ربما كفر كما قاله الغزالي.
ثم قال المناوي: وعول جمع على الوقف والتسليم، قائلين: الاعتقاد صبغة، والانتقاد حرمان، وإمام هذه الطائفة شيخ الإسلام النووي، فإنه استفتي فيه فكتب: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} الآية [البقرة: 134]، وتبعه على ذلك كثيرون، سالكين سبيل السلامة، وقد حكى العارف زروق عن شيخه النوري، أنه سئل عنه فقال: اختلف فيه من الكفر إلى القطبانية، والتسليم واجب، ومن لم يذق ما ذاته القوم ويجاهد مجاهداتهم لا يسعه من الله الإنكار عليهم. انتهى.
وأقول: وممن صرح بذلك من المتأخرين الشيخ أحمد المقري المغربي، قال في كتابها زهر الرياض في أخبار عياض" والذي عدَّ كثير من الأخيار في أهل هذه الطريقة التسليم، ففيه السلامة، وهي أحوط من إرسال العنان وقول يعود على صاحبه بالملامة، وما وقع لابن حجر، وأبي حيان في "تفسيره" من إطلاق اللسان في هذا الصديق وأنظاره، فذلك من غلس الشيطان، والذي اعتقده ولا يصح غيره، أن الإمام ابن عربي ولي صالح، وعالم ناصح، وإنما فوق إليه سهام الملامة من لم يفهم كلامه، على أنه دست في كتبه مقالات قدره يجل عنها، وقد تعرض من المتأخرين ولي الله الرباني سيدي عبد الوهاب الشعراني -نفعنا الله به- لتفسير كلام الشيخ على وجهٍ يليق، وذكر من البراهين على ولايته ما يثلج صدور أهل التحقيق، فليطالع ذلك من أراده، والله ولي التوفيق. انتهى كلام المقري.
ثم قال المناوي: وفريق قصد بالإنكار عليه وعلى أتباعه الانتصار لحظ نفسه، لكونه وجد قرينه وعصريه يعتقده وينتصر له، فحملته حمية الجاهلية على معاكسته، فبالغ في خذلانه وخذلان أتباعه ومعتقديه، وقد شوهد عود الخذلان والخمول على هذا الفريق وعدم الانتفاع بعلومهم وتصانيفهم على حسنها. قال: وممن كان يعتقده سلطان العلماء ابن عبد السلام، فإنه سئل عنه أولًا فقال: شيخ سوء كذاب لا يحرم فرجًا، ثم وصفه بعد ذلك بالولاية، بل بالقطبانية، وتكرر ذلك منه.
وحكي عن اليافعي أنه كان يطعن فيه ويقول: هو زنديق، فقال له بعض أصحابه يومًا: أريد أن تريني القطب، فقيل: هو هذا، فقيل له: فأنت تطعن فيه، فقال: أصون ظاهر الشرع، ووصفه في "إرشاده" بالمعرفة والتحقيق، فقال: اجتمع الشيخان الإمامان العارفان المحققان الربانيان السهروردي، وابن عربي، فأطرق كل منهما ساعة، ثم افترقا من غير كلام، فقيل لابن عربي: ما تقول في السهروري؟ فقال: مملوء سنة من فرقة إلى قدمه، وقيل للسهروري، ما نقول فيه؟ قال: بحر الحقائق.
ثم قال المناوي: وأقوى ما احتج به المنكرون، أنه لا يؤول إلا كلام المعصوم، ويرده قول النووي في "بستان العارفين" بعد نقله عن أبي الخير التيناتي واقعة ظاهرها الإنكار: قد يتوهم من يشبه بالفقهاء ولا فقه عنده، أن ينكر هذا، وهذا جهالة وغباوة، ومن يتوهم ذلك فهو جسارة منه على إرسال الظنون في أولياء الرحمن.
فليحذر العاقل من التعرض لشيء من ذلك، بل حقه إذا لم يفهم حكمهم المستفادة، ولطائفهم المستجادة، أن يتفهمها ممن يعرفها، وربما رأيت من هذا النوع مما يتوهم فيهه من لا تحقيق عنده أنه مخالف، ليس غالفًا، بل يجب تأويل أفعال أولياء الله [تعالى]. إلى هنا كلامه.
وإذا وجب تأويل أفعالهم وجب تأويل أقوالهم، إذ لا فرق، وكان المجد صاحب "القاموس" عظيم الاعتقاد في ابن عربي، ويحمل كلامه على المحامل الحسنة، وطرز شرحه بـ "البخاري" بكثير من كلامه. انتهى) أ. هـ.
قلت: ثم ذكر أجوبة لأسئلة لبعض العلماء في معتقد ابن عربي وحاله، منهم الفيروزبادي، وكيف أثنوا عليه، وأيضًا بعض الأحوال الكريمة التي حصلت بعد موته، لا تغني عن حاله شيئًا مما عُرف عنه من الإلحاد ووحدة الوجود، نسأل الله العفو والعافية.
• البداية: "صنف تصانيف كثيرة منها: الفصوص، والفتوحات المكية، فيها ما يعقل وما لا يعقل، وما ينكر وما لا ينكر، وما يعرف رما لا يعرف وكتابه فصوص الحكم فيه أشياء كثيرة ظاهرها كفر صريح. وقال ابن السبط: كان يقول إنه يحفظ الاسم الأعظم ويقول أنه يعرف الكيمياء بطريق المنازلة لا بطريق الكسب، وكان فاضلًا في علم التصوف انتهى" أ. هـ.
• عنوان الدراية: "له من التأليف ما هو أكثر من الكثير كلها في علم التصوف، حيث قال في سؤاله أن يعقد له جميع ما صنفه وأنشأه في طريق الحقائق والأسرار على طريق التصوف، قال: (وما قصدت في كل ما ألفته مقصد المؤلفين ولا التأليف وإنما كان يرد عليّ من الحق تعالى موارد تكاد تحرقني، فكنت أتشاغل عنها بتقييد ما يمكن منها، فخرجت مخرج التأليف لا من حيث القصد ومنها ما ألفته عن أمر إلهي أمر في الحق في نومٍ أو مكاشفة .. "أ. هـ.
ثم قال في الشذرات: (وقال تلميذه الصدر القونوي الرومي: كان شيخنا ابن عربي متمكنًا من الاجتماع بروح من شاء من الأنبياء والأولياء الماضين، على ثلاثة أنحاء، إن شاء الله، استنزل روحانيته في هذا العالم، وأدركه متجسدًا في صورة مثالية شبيهة بصورته الحسية العصرية، التي كانت له في حياته الدنيا، وإن شاء الله، أحضره في نومه، وإن شاء انسلخ عن هيكله واجتمع به، وهو أكثر القوم كلامًا في الطريق، فمن ذلك ما قال: ما ظهر على العبد إلا ما استقر في باطنه، فما أثر فيه سواه، فمن فهم هذه الحكمة وجعلها مشهودة أراح نفسه من التعلق بغيره، وعلم أنه لا يؤتى عليه بخيرٍ ولا شر إلا منه، وأقام العذر لكل موجود، وقال: إذا ترادفتا عليك الغفلات وكثرة النوم، فلا تسخط ولا تلتفت لذلك، فإن من نظر الأسباب مع الحق أشرك، كن مع الله بما يريد لا مع نفسك بما تريد، لكن لا بد من الاستغفار" أ. هـ.
• قلت: وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كلامًا طويلًا في أصحاب القول بوحدة الوجود والاتحادية والزندقة كابن عربي، وابن سبعين، والقونوي الرومي تلميذ ابن عربي، والتلمساني، حيث قال حول قول الصوفية في الكلمات المجملة، المتشابهة، والتي هي كلمات المغلوبين على عقلهم الذين تكلموا في حال السكر: "مذهب هؤلاء الاتحادية، كابن عربي، وابن سبعين، والقونوي والتلمساني، مركب من ثلاث مواد:
سلب الجهمية، وتعطيلهم".
ثم قال: "ومن الزندقة الفلسفية التي هي أصل للتجهم، وكلامهم في الوجود المطلق والعقول، والنفوس والوحي، والنبوة والوجوب، والإمكان، وما في ذلك من حق وباطل.
فهذه المادة أغلب على ابن سبعين والقونوي، والثانية أغلب على ابن عربي، ولهذا هو أقربهم إلى الإسلام، والكل مشتركون في التجهم، والتلمساني أعظمهم تحقيقًا لهذه الزندقة والاتحاد التي انفرد بها، وكفرهم بالله، وكتبه، ورسله وشرائعه واليوم الآخر" (1) أ. هـ.
ثم تكلم شيخ الإسلام حول هؤلاء الاتحادية ومن تبعهم بشكل موسع بعد هذا الكلام، وجاء -رحمه الله تعالى- بذكر بعض ألفاظ ابن عربي التي تبين ما ذكره من مذهبه، فإن أكثر الناس قد لا يفهمونه، كما وجه الكلام في عقيدة وفحوى أقوال ابن عربي في نصوصه خاصة وكتبه الأخرى الاتحادية والقول بوحدة الوجود (2).
وتنقل أيضًا ما قاله العلماء المعاصرين حول ابن عربي، هكذا ذكره الدكتور شمسى الأفغاني في
كتابه "جهود علماء الحنفية" وبين اتحاده، وما وصفه بالكفر الذي قاله، وأصناف من الزندقة والإلحاد، وذكر شيء من ذلك في كتابه هذا على سبيل التفصيل، وما قاله حول العلماء، كالإمام ابن أبي العز، والعلامة شكري الألوسي وغيرهما (1).
هذا والآن نقول: قال صاحب كتاب "مظاهر الإنحرافات العقدية عند الصوفية" عند كلامه على أشهر مؤلفات الصوفية ومؤلفيهم الذي منهم صاحب الترجمة -ابن عربي-: (وقد امتلأت كتب هؤلاء بالمصطلحات الصوفية الغامضة وزعموا أنه لا يفهمها إلا من سلك طريقهم وتعارف عليها عجزوا وربما عجزوا هم أنفسهم عن إيضاح بعضها.
وهكذا تطور الانحراف لدى المتصوفة حتى وصلوا إلى تقسيم العلم إلى قسمين: علم الشريعة وعلم الحقيقة.
وقالوا: إن علم الشريعة خاص بالفقهاء وهم الذين يسمونهم أهل الرسوم.
وعلم الحقيقة أو الباطن كما يسمونه خاص بأهل الحقائق ويعنون به أنفسهم.
ومن هنا انفصل غلاة المتصوفة عن علمي الكتاب والسنة وأنشأوا لهم علمًا خاصًّا مزيجًا من أفكار الباطنية والشيعة والأديان الهندية والأفلاطونية اليونانية وهذا منتهى الضلال والانحراف الخطير الذي هوى به غلاة المتصوفة إلى الحضيض في مجال العقيدة والعبادة والسلوك.
ومن الأمثلة على ذلك ما قاله محيي الدين بن عربي: "فلما رأى أهل الله أن الله قد جعل الدولة في الحياة الدنيا لأهل الظاهر.
وفاته: سنة (638 هـ) ثمان وثلاثين وستمائة.
من مصنفاته: "الفتوحات المكية" و"فصوص الحكم) و "كشف المعنى في تفسير الأسماء الحسنى" و"أسرار معاني التنزيل" وغيرها.
مصادر و المراجع :
١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير
والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من
طرائفهم»
16 سبتمبر 2023
تعليقات (0)