يحذف كل منهما جوازاً وجوباً فى مواضع معينة؛ فيجوز حذف أحدهما إن دل عليه دليل، ولم يتأثر المعنى ولا التركيب بحذفه1؛ فمثال حذف المبتدأ جوازا أن يقال: أين الأخ؟ فيجاب: فى المكتبة. فالجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "الأخ". وأصل الكلام: "الأخ في المكتبة". حُذِف المبتدأ جوازاً؛ لوجود ما يدل عليه، مع عدم تأثر المعنى بحذفه. ومن الأمثلة أيضاً أن يقال: كيف الحال؟ فيجاب … "حسن". فكلمة: "حَسَنٌ" خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "الحال". وأصل الجملة: "الحال حسن" حُذِف المبتدأ جوازاً؛ لوجود ما يدل عليه، مع عدم تأثر المعنى بحذفه … وهكذا.
ومثال حذف الخبر جوازا أن يقال: مَنْ فى الحقل؟ فيجاب: "علىٌّ". فكلمة "على" مبتدأ مرفوع، والخبر محذوف2 تقديره: "في الحقل". وأصل الكلام. "علىّ فى الحقل". حذف الخبر جوازا لوجود ما يدل عليه، مع عدم تأثر المعنى بحذفه. ومثله: ماذا معك؟ فيقال: "القلم"، فكلمة: "القلم" مبتدأ مرفوع، والخبر محذوف تقديره: "معى". وأصل الكلام: "القلم معى"، ومثل: خرجت فإذا الوالد1. والأصل قبل حذف الخبر: خرجت فإذا الوالد1 موجود.....
وقد يحذف المبتدأ والخبر معاً بالشرط السابق؛ نحو: المسحنون كثيرٌ؛ فمن يساعد محتاجاً فهومحسن، ومن يساعف مستغيثاً فهومحسن، ومن يشهدْ شهادة الحق … أى: من يشهدْ شهادة الحق فهو محسن. فجملة: "هومحسن" مبتدأ وخبر وقد حذفا معاً. جوازاً2. ومن ذلك: مَنْ يخلص فى أداء واجبه فهوعظيم، ومن ينفع وطنه فهوعظيم، ومن يخدم الإنسانية … أي: فهوعظيم 3 ذلك هوالحذف الجائز1، أما الواجب فللمبتدأ مواضع، وللخبر أخرى. وفيما يلى البيان مواضع حذف المبتدأ وجوبا، أشهرها أربعة:
"أ" المبتدأ الذي خبره في الأصل نعت، ثم ترك أصله وصار خبرا، بيان هذا: أن بعض الكلمات يكون نعتا خاصا بالمدح كالذي في نحو: ذهبت إلى الصديق الأديب، أوبالذم كالذي في، نحو: ابتعدت عن الرجل السفيه، أو: بالترحم1 كالذي في نحو: ترفق بالضعيف البائس. فكلمة "الأديب" و "السفيه" و "البائس" نعت مفرد2، مجرور، لأنه تابع للمنعوت في حركة الإعراب، التي هي الجر في الأمثلة السابقة لكن يجوز إبعاده عن الجرّ إلى الرفع أوالنصب بشروط1، وعندئذ لا يسمى ولا يعرب فى حالته الجديدة "نعتاً" وقد يسمى: "نعتا مقطوعا أو منقطعا"2 -. وإنما يكون فى حالة الرفع خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: هو- مثلا - فيكون المراد: ذهبت إلى الصديق؛ "هوالأديبُ" ابتعدت عن الرجل؛ "هوالسفيهُ. ترفق بالضعيف "هوالبائسُ".
ويكون فى حالة النصب مفعولا به لفعل محذوف وجوباً مع فاعله، تقديره: "أمدحُ"، أو: "أذم"، أو: "ارحمُ"، على حسب معنى الجملة. والفاعل فى هذه الأمثلة ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنا. فالمراد: أمدحُ الأديبَ … أذم السفيهَ … أرحمُ البائسَ. ولا يصح إعراب كلمة منها ولا تسميتها نعتا بعد أن تركت الجر إلى الرفع أو النصب. ولكن يصح تسميتها نعتا مقطوعا أو منقطعا - كما سبق - 5
ومن الأمثلة: أصغيت إلى الغناء الشجىِّ3، فزعت من رؤية القاتل الفتاك، أشفقت على الطفل اليتيم. فكلمة "الشجىّ" نعت مفرد مجرور؛ تبعاً للمنعوت. وتفيد المدح. وكلمة: "الفتاك" نعت مفرد مجرور؛ تبعاً للمنعوت وتفيد الذم. وكذلك: "اليتيم"، إلا أنها تفيد الترحم. فتلك الكلمات الثلاث وأشباهها - من كل نعت مفرد مجرور يفيد المدح، أوالذم، أوالترحم - قد يجوز إبعادها عن الجر، إلى الرفع أو: النصب؛ فلا تعرب نعتاً مفرداً مجروراً؛ وإنما تعرب فى حالة الرفع خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: "هو" ويكون المراد: "هوالشجُى". "هوالتفاكُ". "هواليتيمُ" كما تعرب فى حالة النصب مفعولاً به لفعل محذوف وجوباً مع فاعله، تقديره: أمدح … أو: أذم … أو: أرحم … ، على حسب الجلمة؛ فالمراد: أمدحُ الشجىَّ … أذمُّ الفتاك … أرحمُ اليتيم4. وبعد إبعادها عن الجر قد تسمى "نعتا مقطوعا، أو منقطعا" وإذا كان النعت مرفوعاً فى الأصل جاز قطعه إلى النصب، واذا كان منصوبا جاز قطعه إلى الرَّفع وإذا كان مجرور جاز قطعه للرفع أوالنصب، والذى يتصل بموضوعنا هو: النعت المقطوع إلى الرفع حيث يعرب بعد القطع خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً ولا يجب الحذف إلا بشرط أن يكون أصل النعت للمدح، أوالذم، أوالترحم، دون غيرها - كما سبق-.
2- المخصوص بالمدح أوالذم.
وبيانه: أن فى اللغة أساليبَ للمدح، وأخرى للذم، وكلاهما يؤلَّف بطريقة معينة، وصُوَر مختلفة، مشورحة فى أبوابها1 النحوية. فمن أساليب المدح: أن تقول فى مدح زارع اسمه حليم: "نِعْم الزارع حليم". وفى ذم صانع اسمه سليم: "بئس الصانع سليم" … فالممدوح هو"حليم" ويسمى: "المخصوص بالمدح" والمذموم هو: "سليم" ويسمى: "المخصوص بالذم". ومثلهما: "نعْم الوَفى حامد" أو: "بِئْسَ المختلِف وعده زُهَير". فالممدوح هو: "حامد"، ويسمى، "المخصوص بالمدح" والمذموم هو: "زُهير" ويسمى: "المخصوص بالذم" فالمخصوص - فى الحالتين - يقع بعد جملة فعلية، مكونة من فعل خاص - يدل على المدح، أوعلى الذم، - وفاعله. وقد يتقدم المخصوص عليهما؛ فنقول: "حليم نعم الزارع" … "سليم بئس الصانع". وله صور وإعرابات مختلفة؛ يعنينا منها الآن إعرابه إذا وقع متأخراً؛ فيجوز إعرابه خبراً، مرفوعاً، لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: "هو"2 فيكون أصل الكلام: "نعم الزارع هوحليم". "بئس الصانع هوسليم".
3- أن يكون الخبر صريحاً فى القَسَم "الحَلِف". وصراحته تتحقق بأن يكون معلوماً فى عُرف المتكلم والسامع أنه يمين؛ نحو: فى ذمتى لأسافرن. - بحياتى لأخْدُمَن العدالة. تريد: فى ذمتى3 يمين، أوعهد، أوميثاق … بحياتى يمين، أوعهد، أوميثاق …
4- أن يكون الخبر مصدراً يؤدى معنى فعله، ويغنى عن التلفظ بذلك الفعل - فى أساليب معينة، محدّدة الغرض؛ محاكاة للعرب فى ذلك -؛ كأن يدور بينك وبين طبيب، أومهندس، أوزارع … كلام فى عمله، فيقول عنه: "عملٌ لذيذ". أى: عمل عملى عملٌ لذيذ. وهذه الجملة فى معنى جملة أخرى1 فعلية، هى: "أعمَلُ عملاً لذيذاً". فكلمة: "عملا" مصدر، ويعرب مفعولا مطلقا للفعل الحالى: "أعمل" وقد حذف الفعل وجوباً؛ للاستغناء عنه بالمصدر الذى يؤدى معناه، وللتمهيد لإحلال جملة اسميه محلّ هذه الجملة الفعلية … وصار المصدر مرفوعاً بعد أن كان منصوباً؛ ليكون خبراً لمبتدأ محذوف؛ فتنشأ جملة اسمية تؤدى المعنى الأول تأدية أقوى وأبرع من السابقة2.
ومن الأمثلة أن يقول السباح وقد قطع أميالا: "سباحةٌ شاقةٌ" أى: سباحتى سباحةٌ شاقةٌ. وهذه الجملة فى معنى: أسْبَحُ سباحةً شاقةً. فكلمة: "سباحة" مصدر منصوب، لأنه مفعول مطلق للفعل: "أسْبَح"، ثم حذف الفعل وجوباً؛ استغناءً عنه بوجود المصدر الذى يؤدى معناه؛ ثم رفع المصدر ليكون خبراً لمبتدأ محذوف؛ فتنشأ جملة اسمية جديدة، تكون أقوى وأبرع فى تأدية المعنى من الجملة الفعلية الأولى.
ومن الأمثلة أيضاً أن يقول السعيد: شكرٌ كثير. حمدٌ وافر … وأن يقول المريض أوالمكدود: صبرٌ جميلٌ - أملٌ طيبٌ … وأن يقول الولد لوالده الذى يطلب شيئاً: سمعٌ وطاعةٌ … أى: أمرى وحالى سمعٌ وطاعةٌ 3
مصادر و المراجع:
1-المفتاح في الصرف المؤلف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن
محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (ت ٤٧١هـ)
2- أبنية الأسماء والأفعال والمصادر المؤلف: ابن القَطَّاع الصقلي
(المتوفى ٥١٥ هـ)
3-المقدمة الجزولية في النحو المؤلف: عيسى بن عبد العزيز بن
يَلَلْبَخْت الجزولي البربري المراكشي، أبو موسى (ت ٦٠٧هـ)
4- الخلاصة في النحو، ألفية ابن مالك المؤلف: أبو عبد الله محمد بن
عبد الله بن مالك الأندلسي (ت ٦٧٢ هـ)
5-ارتشاف الضرب من لسان العرب المؤلف: أبو حيان محمد بن يوسف بن علي
بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (ت ٧٤٥ هـ)
6- النحو الوافي المؤلف: عباس حسن (ت ١٣٩٨هـ)
7-الجمل في النحو المؤلف: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن
تميم الفراهيدي البصري (ت ١٧٠هـ)
8-الكتاب المؤلف: عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر،
الملقب سيبويه (ت ١٨٠هـ) 9- المقتضب المؤلف: محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالى
الأزدي، أبو العباس، المعروف بالمبرد (ت ٢٨٥هـ)
10-الأصول في النحو المؤلف: أبو بكر محمد بن السري بن سهل النحوي
المعروف بابن السراج (ت ٣١٦هـ)
11-شرح كتاب سيبويه المؤلف: أبو سعيد السيرافي الحسن بن عبد الله بن
المرزبان (ت ٣٦٨ هـ) 12-الإيضاح العضدي المؤلف: أبو علي الفارسيّ (٢٨٨ - ٣٧٧ هـ)
13-علل النحو المؤلف: محمد بن عبد الله بن العباس، أبو الحسن، ابن
الوراق (ت ٣٨١هـ)
14-شرح أبيات سيبويه المؤلف: يوسف بن أبي سعيد الحسن بن عبد الله بن
المرزبان أبو محمد السيرافي (ت ٣٨٥هـ)
15-اللمع في العربية المؤلف: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت ٣٩٢هـ)
16-الخصائص المؤلف: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت ٣٩٢هـ)
17-المفصل في صنعة الإعراب المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد،
الزمخشري جار الله (ت ٥٣٨هـ)
18- المرتجل (في شرح الجمل) المؤلف: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد
بن أحمد ابن الخشاب (٤٩٢ - ٥٦٧ هـ)
19- نتائج الفكر في النَّحو للسُّهَيلي المؤلف: أبو القاسم عبد الرحمن
بن عبد الله بن أحمد السهيلي (ت ٥٨١هـ)
20-البديع في علم العربية المؤلف: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن
محمد بن محمد بن محمد ابن عبد
21- المقدمة الجزولية في النحو المؤلف: عيسى بن عبد العزيز بن
يَلَلْبَخْت الجزولي البربري المراكشي، أبو موسى (ت ٦٠٧هـ)
22- شرح المفصل للزمخشري المؤلف: يعيش بن علي بن يعيش ابن أبي السرايا
محمد بن علي، أبو البقاء، موفق الدين الأسدي الموصلي، المعروف بابن يعيش وبابن
الصانع (ت ٦٤٣هـ)
23-الكناش في فني النحو والصرف المؤلف: أبو الفداء عماد الدين إسماعيل
بن علي بن محمود بن محمد ابن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، الملك المؤيد، صاحب حماة (ت
٧٣٢ هـ)
24-شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك المؤلف: بدر الدين محمد ابن
الإمام جمال الدين محمد بن مالك (ت ٦٨٦ هـ)
25-الشافية في علم التصريف (ومعها الوافية نظم الشافية للنيساري -
المتوفى في القرن ١٢)
تعليقات (0)