المنشورات

جللًا كما بي فليك التبريح ... أغذاء ذا الرشأ الأغن الشيح

وهي من الكامل الثاني على رأي الخليل, ومن السحل الثاني على رأي غيره. الجلل: من الأضداد, يكون في معنى الصغير والكبير, فإذا استعمل في معنى الصغر فمنه الجلة, التي يراد بها البعر, والجليل (37/ب) الذي هو الثمام. قال الشاعر في الجلل إذا كان في معنى الصغير الهين:
كل رزء ما أتاني جلل ... غير ما جاء به الركب ثنى
وقال آخر في أن الجلل العظيم: [الكامل]
فلئن عفوت لأعفون جللا ... ولئن سطوت لأوهنن عظمي
وحذف النون من (تك) في مثل هذا الموضع يذكر سيبويه أنه لا يجوز؛ لأنه يذهب إلى أن النون تحذف في حال السكون مثل قولك: لا يك فعلك ذميمًا؛ لأن النون إذا ظهرت فهي ساكنة, فإذا وجب تحريكها في بعض المواضع لم يجز حذفها, وقد جاءت أشياء من حذفها في موضع التحريك. أنشد أبو زيد: [الوافر]
لم يك الحق على أن هاجه ... رسم دارٍ قد تعفت بالسرر
فلو ظهرت النون هاهنا لقيل: لم يكن الحق, وفي بعض الرجز القديم:
ومن يك الدهر له بالمرصد
وهذه النون إذا حذفت شبهوها بالتنوين, وهي أشد قوةً منه؛ لأنها من نفس الكلمة, والتنوين زائد, وقد أنشد سيبويه بيتًا, وحذفت فيه نون لكن في الموضع الذي يجب فيه تحريكها؛ وذلك قول النجاشي: [الطويل]
فلست بآتيه ولا أستطعيه ... ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل
ولو ظهرت النون لقيل: لكن اسقني. فأما الفراء فيذكر أن قولهم: (لاك) لغة في لكن, فإذا حمل بيت النجاشي على ذلك فلا ضرورة فيه.
والأغن من الظباء: الذي في صوته غنة, قال الشاعر: [مجزوء الوافر]
غزال ما رأيت اليو ... م في دار بني كنه
غضيض الطرف مكحول ... وفي ألفاظه غنه
فهذا يصف امرأة شبهها بالغزال الأغن.
وقوله:
لعبت بمشيته الشمول وجردت ... صنمًا من الأصنام لولا الروح
الشموم: من صفات الخمر, سميت بذلك لأنها تشمل برائحتها, وقيل: بل شبهت بالشمال من الريح؛ لأنها تعصف باللب كعصفة الشمال. وقالوا: رجل مشمول الخلائق؛ أي: محمودها, كأنهم شبهوها بالشمول من الراح. وقالوا مشمول الخلائق في الذم, كأنهم جعلوها مأخوذة من الشمال؛ لأنهم لا يحمدونها؛ إذ كانت تفرق السحاب.
وقد ذكر ذلك ابن السكيت في الأضداد. وقوله: جردت صنمًا؛ أي: أزالت الريح عنه لباسه.
وقوله:
ما باله لاحظته فتضرجت ... وجناته وفؤادي المجروح
التضرج: حمرة ليست بالشديدة, ويقال: ضرج فلان بالدم؛ إذا جرح فسال الدم عليه, وكأنهم يريدون سيلانًا لا يعم الجسد, بل يكون في جانبٍ, قال عقيل بن علفة:
إن بني ضرجوني بالدم ... شنشنة أعرفها من أخزم
من يلق أبطال الرجال يكلم
وقالوا: انضرجت العقاب؛ إذا تدلت في شق. قال امرؤ القيس: [الطويل]
كتيس الظباء الأعفرا نضرجت له ... عقاب تدلت من شماريخ ثهلان
وقالوا: فرس إضريج, كأنه ينضرج بالشد؛ أي: يأخذه في جانبٍ, أو يكون من قولهم:
انضرج الطريق؛ إذا انشق واتسع, قال أبو دؤاد الإيادي:
ولقد أغتدي يدافع ركني ... أجولي ذو ميعةٍ إضريج
وقوله:
ورمى وما رمتا يداه يداه فصابني ... سهم يعذب والسهام تريح
يقول: رماني بسهم عذبني ولم يقتلني, والسهام تريح؛ أي: بعضها يصمي الرمية, وهذا نحو من قوله النابغة: [الكامل]
في إثر غانيةٍ رمتك بطرفها ... فأصاب قلبك غير أن لم تقصد
والمشهور من كلامهم: أصابه السهم, وقد حكي: صابه, فإن أخذ من قولهم: صابتهم السحابة؛ إذا أمطرتهم, فهو من ذوات الواو؛ لأنهم يقولون: صاب المطر يصوب, وقد حكي: صاب السهم يصيب.
وقوله:
قرب المزار ولا مزار وإنما ... يغدو الجنان فنلتقي ويروح
الجنان: القلب, سمي بذلك لاستتاره في الجسد, وكل كلمة في كلامهم مبنية من جيم ونون مشدودة فهي مأخوذة من: جننت الشيء؛ إذا سترته, فيجوز أن يعني غدو قلبه دون قلب صاحبه, ويحتمل أن يعني القلبين معًا؛ لأن الجنان يحتمل في هذا الموضع أن يعنى به الواحد والاثنان, وقالوا: جنان الليل, وجنونه, يعنون ظلامه؛ لأنه يستر, فهذا ضدر قولهم للقلب: جنان؛ لأن القلب سمي بذلك من قبل استتاره, وبيت دريدٍ ينشد على وجهين:
فلولا جنان الليل أدرك ركضنا ... بذي الرمث والأرطى عياض بن ناشب
ويروى: جنون الليل.
وقوله:
لما تقطعت الحمول تقطعت ... نفسي أسىً وكأنهن طلوح
(38/أ) الحمول هاهنا: القوم المتحملون, والحمول في غير هذا هي الأحمال. والحمولة: الإبل التي تحمل. وقوله: تقطعت الحمول؛ أي: سبق بعضها بعضًا. والشعراء المتقدمون يشبهون الحمول السائرة بالنخيل والدوم.
والطلوح هاهنا: جمع طلحٍ من الشجر, ولو ادعي أن الطلوح هاهنا طلحٍ, وهو المعيي, لم يبعد ذلك, ويكون المعنى أن النساء المحمولات على الإبل قد أثقلنها لعظم أجسامهن. وكان أبو الطيب مولعًا بمثل هذه الصفة, من ذلك قوله:
تشكو روادفك المطية فوقها ... شكوى التي وجدت هواك دخيلًا
والقول الأول أشبه.
وقوله:
وجلا الوداع من الحبيب محاسنًا ... حسن العزاء وقد جلين قبيح
المحاسن: جمع لا واحد له من لفظه, وقياسه أن يقال: محسنة أو محسنة, كما يقال: متشرقة ومشرقة, ولكن ذلك غير معروف.
والعزاء يستعمل في معنى حث من أصيب على حسن الصبر, وهو مأخوذ من قولهم: عزوت الحديث والنسب إذا رفعته, كأنهم يريدون أن العزاء يرفع من قد خفضته المصيبة.
وقوله:
فيد مسلمة وطرف شاخص ... وحشًى يذوب ومدمع مسفوح
يقال: سفحت الماء والدمع, وسفكت الدم. والمدمع: الموضع الذي يجري فيه الدمع, وهذا كما يقال: سفح الوادي؛ أي: سال فيه الماء المسفوح, ويقال: سفح الدمع وسفحه الباكي. ومنه قول كثيرٍ: [الكامل]
لعزة هاج القلب فالدمع سافح ... مغانٍ ورسم قد تغير ماصح
وسمي السفاح التغلبي لأنه أراق ماء المزاد. قال الأخطل يفتخر بذلك: [الكامل]
وأخوهم السفاح ظمأ خيله ... حتى وردن جبا الكلاب نهالا
وأما السفاح من بني العباس فإنما سمي بذلك لكثرة ما سفح في أيامه من الدم.
واستعملوا هذه اللفظة في الدماء؛ لأنهم أرادوا أنها تسيل كما يسيل الماء إذا سفح.
وقوله:
يجد الحمام ولو كوجدي لانبرى ... شجر الأراك مع الحمام ينوح
هذه مبالغة في صفة الوجد, وهو من الدعوى التي تستحسنها الشعراء, وليس فيها مخلص من الكذب. وأصل النوح: التقابل, كذلك يزعم أصحاب اللغة, إلا أنهم أخرجوا هذه الكلمة إلى الصوت الذي يبين فيه وجد وتحزن وإن لم تكن ثم مقابلة بين اثنين.
والعرب تصف الحمام تارة بالنياحة, وتارةً بالغناء. قال الشاعر:
ألا يا غراب البين إلفك حاضر ... وغصنك مياد ففيم تنوح
وأكثر ما يستعملون النوح في الحمام ثم في الغربان. فأما نوح - عليه السلام - فهو اسم أعجمي إلا أنه وافق هذا اللفظ العربي. وقالوةا في الجمع: نوح, كما قالوا: تاجر وتجر, وصاحب وصحب.
وقوله:
وأمق لو خدت الشمال براكب ... في عرضه لأناخ وهي طليح
الأمق هاهنا: مكان واسع بعيد الأطراف. قال امرؤ القيس: [الوافر]
وخرقٍ تهلك الأرواح فيها ... أمق الطول لماع السراب
ويقال: فرس أمق, والأنثى مقاء, قيل: هو الطويل القوائم. وقيل: هو المتباعد ما بين الفروج, ويزعمون أن جيشًا من العرب هزم, فتسرع شيخ من الفل فاجتمعت إليه جواري الحي يسألنه عن آبائهن, فقال: صفن لي خيل آبائكن لأخبركن عنهم, فقالت إحداهن: كان أبي على شقاء مقاء طويلة الأنقاء تمطق أنثياها بالعرق تمطق الشيخ بالمرق, فقال: نجا أبوك, وقالت أخرى: كان أبي على قصيرٍ ظهرها, رحيب صدرها, هاديها شطرها, فقال: سلم أبوك, وقالت أخرى: كان أبي على ضئيلةٍ أنوحٍ, يكفيها لبن لقوحٍ, فقال: قتل أبوك. فلما قدم الفل وجد الأمر كما ذكر ذلك الشيخ.
يعني بالأنثيين الأذنيين, يريد أنها لا تعرق سريعًا, ولا يبطئ عرقها في الجري, كأنها في ذلك متوسطة بين الأمرين.
وأنوح من قولهم: أنح بالحمل, إذا أخرج صوتًا من صدره كالنحيم.
واستعار الخدي للشمال, وإنما هو للمطية من الإبل. ومن روى في عرضه, بفتح العين, وهو حسن صواب, إلا أن العرض, بضم العين, أبلغ في مذاهب النظم؛ لأن العرض خلاف الطول, والعرض: الناحية, وكلما ضاق الموضع (38/ب) كان أشد في المبالغة.
والطليح: المعيي, يقال: طلحت الناقة فهي مطلحة وطليح. وزعم قوم أن الطليح لا تستعمل إلا في الإناث, وربما جاء في الذكور, وقد استعملها الهذلي في صفة الرجل فقال: [المتقارب]
بعيد الغزاة فما إن يزا ... ل مضطمرًا طرتاه طليحا
وقوله:
لولا الأمير مساور بن محمدٍ ... ما جشمت خطرًا ورد نصيح
في جشمت ضمير يعود على قلص الركاب. يقال: جشمت الأمر وتجشمته؛ إذا تكلفته على مشقةٍ, وتجسمته إذا ركبت جسيمه, ومنه سمي الرجل جشم, أرادوا أنه يجشم الأمور.
وقوله:
شمنا وما حجب السماء بروقه ... وحرى يجود وما مرته الريح
يقال: هو حري بذاك, كما يقال: هو جدير به. والمعنى: وحرى أن يجود, فحذف أن للضرورة, يقال: حرى وحري, فإذا شددت الياء ثني وجمع؛ لأنه ليس بمصدرٍ. وإذا قيل حرًى لم يثن ولم يجمع, واستعمل للمذكر والمؤنث على جهةٍ واحدة. قال الشاعر: [الطويل]
وهن حرى ألا يثبنك نقرةً ... وأنت حرًى بالنار حين تثيب
وقوله:
حنق على بدر اللجين وما أتت ... بإساءة وعن المسيء صفوح
البدر: جمع شاذ؛ لأن فعلة يجب أن تجمع على فعالٍ, مثل: جفنةٍ وجفانٍ, وصحفةٍ وصحافٍ, إلا أنهم استعملوا هذا الحرف على فعل, وكأنهم حذفوا الألف من قولهم: بدار لما كانوا يقولون بادرته بدارًا, فأرادوا الفرق بين الجمع والمصدر, وقالوا في الواحد: بدر, كما يقولون: بدرة, قال المثقب العبدي: [السريع]
قالت ألا لا يشترى داؤكم ... إلا بما شئنا ولم يوجد
إلا ببدري ذهبٍ خالصٍ ... كل صباحٍ آخر المسند
واللجين: من أسماء الفضة, وهو من المصغرات التي لا مكبر لها, مثل الكميت والثريا من النجوم. وقيل: إنها كلمة ليست بالعربية, إلا أنهم قد تكلموا بها قديمًا. قال عبيد بن الأبرص: [الوافر]
فإن يك فاتني ومضى شبابي ... وأضحى عارضيؤ مثل اللجين
وقوله:
ألغت مسامعه الملام وغادرت ... سمةً على أنف اللئام تلوح
ألغيت الشيء إذا أهملته, قال ابن أحرم, وذكر إبلًا:
يظل رعاؤها يلغون منها ... وإن عدت نظائر أو جمارا
وقيل للكلام الذي ليس بمحمودٍ: لغو؛ لأنه لا يبلغ أن يكون جارًا للمآثم, فكأنه قد أسقط. وقال في أنف اللئام فوحد, وهذا كما قال الراجز:
إن تقتلوا اليوم فقد سبينا
في حلقكم عظم وقد شجينا
يريد بقوله: سبين, النساء؛ لأنه زعم أنهم قتلوا منهم, فسبوا نساءهم جزاءً على ذلك, ولا يحتمل أن تكون الألف في سبينا يريد بها أنفسهم, وإنما هي للإطلاق, وهذا على رواية من روى: إن تقتلوا منا. ومن روى إن تقتلوا اليوم فالنون للمذكرين المتكلمين.
وقوله:
وعلى التراب من الدماء مجاسد ... وعلى السماء من العجاج مسوح
المجاسد: ثياب مصبوغة بالجساد, وهو الزعفران, ويقال له أيضًا: الجسد, والجسد, وواحد المجاسد مجسد ومجسد, وهما سواء في قول بعضهم. قال قوم: المجسد: المصبوغ بالجساد, والمجسد: بكسر الميم, هو الثوب الذي يلي الجسد, قال الشاعر:
كأن ذات العرش لما بدت ... خريدة بيضاء في مجسد
يعني بذات العرش الثريا.
والمسوح: جمع مسحٍ, وقد جرت عادته أن يكون أسود؛ لأنه يتخذ من الشعر, يقال في الجمع القليل: أمساح, وفي الكثير: مسوح, قال الشاعر:
صبغ الهواجر لونها فكأنما ... تجتاب فوق جلودها الأمساحا
وقال أبو النجم: [الرجز]
جونًا كأن العرق المنتوحا ... جللها القطران والمسوحا
وقوله:
يخطو القتيل إلى القتيل أمامه ... رب الجواد وخلفه المبطوح
المبطوح: الذي يلقى على وجهه, هكذا يستعمل في بني آدم, فأما قولهم لبطن الوادي: أبطح وبطحاء, إذا كان فيه رمل أو حصًى صغار, فإنما يريدون به السعة والانبساط, وقال ذو الرمة: [الطويل]
ولا زال من نوء السماك عليكما ... ونوء الثريا باكر يتبطح
أي: ينبسط في الأرض, والهاء في قوله: أمامه, راجعة على الممدوح, يريد أن قدامه قرنًا يقاتله, والقرن فارس؛ لأنه رب جوادٍ, رب الشيء مالكه, وخلفه مقتول قد بطح على وجهه. وهذا مبالغة في صفة الشجاعة.
وقوله:
(39/أ) فمقيل حب محبه فرح به ... ومقيل غيظ عدوه مقروح
أصل المقيل: الموضع الذي يثبت فيه الشيء, فيقال: الهامة على مقيلها؛ أي: على العنق, قال الراجز:
نحن ضربناكم على تأويله ... كما ضربناكم على تنزيله
ضربًا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله
ثم صار الناس يقولون: قال في الهاجرة؛ إذا أقام فيها, ولم يتعرف أنائمًا كان أم يقظان, قال عمر بن أبي ربيعة: [الخفيف]
عرجي ساعةً كما عرج الظل وقيلي هذا أوان المقيل
ويقولون: جئناه وقت القائلة؛ أي: وقت قيل القوم الذين يقيلون, والجماعة التي تقيل, وهذا أشبه من أن تكون القائلة في معنى المصدر كمكا جاء في الكتاب العزيز: {ليس لوقعتها كاذبة} , وسمي الشراب الذي يشربه القائل قيلًا على المجاز والاتساع.
ومقروح؛ أي: مجروح. والمقيل في هذا البيت يراد به سواد القلب؛ لأنه حيث تكون المحبة والبغضاء.
وقوله:
يابن الذي ما ضم برد كابنه ... شرفًا ولا كالجد ضم ضريح
يقال للذي يشق في وسط القبر ضريح وضريحة, فإذا كان الشق في جانب القبر فهو لحد. وكان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم رجلان في المدينة أحدهما يضرح والآخر يلحد, فلما توفي صلى الله عليه قال الذين ولوه: أيهما جاء قبل صاحبه آثرناه على صاحبه, فجاء الذي يلحد, فألحد عليه السلام.
وقوله:
نفديك من سيلٍ إذا سئل الندى ... هولٍ إذا اختلطا دم ومسيح
قوله: اختلطا دم, ومسيح جاء الضمير قبل الذكر, وهو مثل قوله: رمتا يداه. وليس قوله اختلطا في هذا الموضع كقوله: المسيح والدم اختلطا؛ لأن الفعل إذا تأخر استكن فيه الضمير فتكون الألف دالةً عليه.
وإذا تقدم الفعل وجاءت علامة التثنية فلا ضمير, وإنما الألف علامة الاثنين.
والمسيح: العرق, وإنما سمي مسيحًا؛ لأنه يمسح عن الجسد, فكأنه فعيل في معنى مفعولٍ. قال الراجز:
يا ريها إذا بدا مسيحي ... وصار ريح العنبلي ريحي
ويقال: إن العنبلي هاهنا الزنجي, والأصل أنه منسوب إلى العنبلة, وهي مدقة يدق بها الزرع, يراد أنه غليظ جاف.
وقوله:
لو كانت بحرًا لم يكن لك ساحل ... أو كنت غيثًا ضاق عنك اللوح
ساحل البحر: عربي صحيح, فقيل: إنه في معنى مسحولٍ, كأن الماء يسحله؛ أي: يقشره, وقيل: بل سمي ساحلًا لأن المراد في الأصل الماء الذي يسحل التراب, ثم كثر الكلام في ذلك حتى جعل البر الذي يلصق بالبحر ساحلًا, والجمع: سواحل. قال النابغة: [الطويل]
لعمر بني البرشاء ذهلٍ وقيسها ... وشيبان حيث استبهلتها السواحل
واللوح: الهواء الذي بين السماء والأرض, يقال: إنه سمي لوحًا لأن الأنواء تلوح فيه.
وقوله:
إن القريض شج بعطفي عائذ ... من أن يكون سواءك الممدوح
شجٍ؛ أي: غصان, والناس يختلفون في قوله: «ويل للشجي من الخلي» , فأحمد ابن يحيى يختار تخفيف الياء, وغيره ينكر ذلك ويختار التشديد, وليس هذا المثل مما يليق به الغصص, والأشبه أن يكون الشجي مشددًا من قولهم: شجاه الأمر؛ إذا حزنه, فهو مشجو وشجي, ويكون شجي في المثل فعيلًا في معنى مفعول.
والعطف: كل موضعٍ ينعطف من الجسد, وقد مر ذكره. وسوى إذا فتح أولها مدت, والبصريون يرون أن انتصابها كانتصاب الظروف, وغيرهم يذهب إلى أنها جارية مجرى غير. وكان سيبويه يجعل من الضرورات قول الشاعر: [الطويل]
ولا ينطق الفحشاء من كان منهم ... إذا جلسوا منا ولا من سوائيا
وكذلك يرى في قول الأعشى:
تجانف عن جو اليمامة ناقتي ... وما قصدت من أهلها لسوائكا
كأنه يرى أن دخول من واللام عليها ضرورة؛ لأنها أخرجت من الظروف إلى حال الأسماء لإدخال الجار عليها.











مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید