المنشورات
عواذل ذات الخال في حواسد ... وإن ضجيع الخود مني لماجد
وهي من الطويل الثاني على قول الخليل, ومن السحل الثاني على قول غيره. وقافيتها من المتدارك.
وهي من الطويل الثاني على قول الخليل, ومن السحل الثاني على قول غيره. وقافيتها من المتدارك.
الخال هاهنا يحتمل أن يكون الشامة, وهو الذي أراد القائل, ولو حمل على أن الخال الاختيال لم يبعد؛ أي: أن هذه المرأة فيها تكبر واختيال.
والخود: الناعمة الجسم, وجمعها فيما قيل خود, وهو أحد ما جاء على فعلٍ في جمع فعل كما قالوا: فرس ورد, وخيل ورد, وسقف وسقف, ورجل ثط وقوم ثط, وصدق في معنى صلبٍ, والجميع صدق, ويجوز أن يكون قولهم: خود الظليم والرأل مشتقًا من الخود كأنه يسير سيرًا لا يجهد نفسه فيه, فكأنه ينعمها بذلك. وقالوا: خود فحله في الإبل؛ إذا أرسله فيها, كأنه ينعمه بذلك؛ لأنه يجعل النوق بمنزلة النساء.
والماجد, قيل: إن الذي له شرف في نفسه, وقيل: المجد شرف الآباء, وهو مأخوذ من: أمجدت الدابة علفًا؛ إذا أكثرته لها, ومنه قولهم في المثل: «في كل شجرٍ نار, واستمجد المرخ والعفار»؛ أي: استكثرا منها.
وقوله:
متى يشتفي من لاعج الشوق في الحشى ... محب لها في قربه متباعد
اللاعج: الشوق الذي يؤثر في القلب, يقال: لعج الضرب في جلده إذا أثر فيه, قال عبد مناف بن ربعٍ الهذلي: [البسيط]
إذا تجاوب نوح قامتا معه ... ضربًا أليمًا بسبتٍ يلعج الجلدا
وقوله:
إذا كنت تخشى العار في كل خلوةٍ ... فلم تتصباك الحسان الخرائد
تتصباك: أي تجذبك إلى الصبى وتخرجك إليه. والخرائد: جمع خريدةٍ, وهي الحيية, وقيل: الناعمة, ويقال: تخردت الجارية إذا صارت من جملة الخرائد, وأكثر ما تستعمل الخريدة (41/أ) بالهاء, وقد قال كثير في صفة السحاب والبرق: [الطويل]
كما أومضت بالطرف ثم تحجبت ... خريد بدا منها جبين وحاجب
وقوله:
مررت على دار الحبيب فحمحمت ... جوادي وهل تشجو الجياد المعاهد
الحمحمة: صوت يردده الفرس في صدره وعنقه, يقال: حمحم ويحمحم, وأنشد أبو زيد: [الوافر]
فلا وأبيك خيرٍ منك إني ... ليؤذيني التحمحم والصهيل
والجواد: يستعمل في صفه الذكر والأنثى. وهذا البيت يروى لامرئ القيس بن حجرٍ وامرئ القيس بن عابسٍ, وهو قوله: [المتقارب]
وأعددت للحرب خيفانةً ... جواد المحثة والمرود
والمعاهد: المنازل التي عهد فيها القوم.
وقوله:
وما تنكر الدهماء من رسم منزلٍ ... سقتها ضريب الشول فيها الولائد
الضريب: لبن إبلٍ يحلب بعضه على بعض, قال ابن أحمر: [الطويل]
وما كنت أخشى أن تكون منيتي ... ضريب جلاد الشول خمطًا وصافيا
والشول: الإبل التي قلت ألبانها, وذلك إذا مرت عليها بعد النتاج سبعة أشهر أو ثمانية, وجعلها تسقى ضريب الشول؛ لأن الإبل إذا شالت قل اللبن, وإذا سقوه الفرس دل ذلك على كرمها عندهم. والولائد: جمع وليدة, وهي الأمة الشابة, ويقال للغلام المسعبد وليد ما دام شابًا مقتبلًا, إلا أن الوليد من الأحرار يشركه في هذا الاسم, ولا يقال وليدة للحرة.
وقوله:
وتسعدني في غمرةٍ بعد غمرةٍ ... سبوح لها منها عليها شواهد
يريد أن هذه الفرس في خلقها أشياء تشهد بأنها من كرائم الخيل, مثل: قصر الظهر, وطول العنق, وانضمام الأذن, ونحو ذلك مما يحمد في خلق الخيل. والسبوح التي كأنها تسبح لشدة جريها, وإنما يشبهون أيدي الخيل بأيدي الرجال الذين يسبحون؛ لأنهم يسرعون نقلها في الماء. ومن ذلك قول النعمان بن بشيرٍ: [البسيط]
واليد سابحة والرجل ضارحة ... والعين قادحة والبطن مقبوب
وقوله:
تثنى على قدر الطعان كأنما ... مفاصلها تحت الرماح مراود
يريد أنها كالتي تعلم ما يراد منها؛ فهي تتقي الطعن كما يتقيه الفارس, وهذه من الدعوى المستحيلة, ويجوز أن يريد أنها تطيعه إذا ثناها لجهةٍ من خوف الطعن. والمفاصل: واحدها مفصل, وقد حكى مفصل, بفتح الميم وكسر الصاد. فأما اللسان فمفصل بالكسر لا غير. وبيت حسان ينشد على وجهين: [الكامل]
كلتاهما حلب العصير فعاطني ... بزجاجةٍ أرخاهما للمفصل
إذا روي بكسر الميم احتمل أن يراد اللسان واحد مفاصل الإنسان, وإذا روي مفصل بفتح الميم فهو ما بين العضوين, والأشبه أن يكون المراد المفصل من مفاصل الجسد؛ لأنهم يصفون الخمر بإرخاء المفاصل ودبيبها في الأعضاء. وشبه مفاصل الفرس بالمراود؛ لأن المرود من شأنه أن يدور ويتصرف, وهو من راد يرود إذا ذهب وجاء.
وقوله:
خليلي إني لا أرى غير شاعرٍ ... فلم منهم الدعوى ومني القصائد
كان الناس في هذا الشام يروون: فلم منهم الدعوى, ولا يمتنع ذلك, ولكن الذي يؤثرون تهذيب الكلام يختارون «كم» في هذا الموضع؛ لأن «لم» قد جاءت في أول القصيدة, وكم أحسن في المعنى وأشد مبالغةً؛ لأنها تدل على كثرة فعلهم ذلك, ويجوز أن يكون الشاعر قالها لم ثم غيرها من بعد, أو غيرها سواه؛ لأن الشعراء ربما وضعت الرواة في كلامهم الكلمة التي هي أوقع من التي نظمها القائل, وفي كلام يروى عن ابن مقبل: «إني لأرسل القوافي عوجًا فتقومها الرواة بألسنتها».
وقد مضى الكلام في اشتقاق القصيدة, وبقي منه أنه يجوز أن يكون اشتقاقها من القصيد, وهو مخ السمن؛ أي أنها قوية قد اجتهد فيها الناظم فلها (41/ب) فضل كما أن مخ السمين أفضل من مخ المهزول.
وقوله:
له من كريم الطبع في الحرب منتضٍ ... ومن عادة الإحسان والصفح غامد
انتضى السيف إذا أخرجه من عمده, وغامد: على مذهب من يقول غمدت السيف, وهي حكاية أبي زيد, وكان الأصمعي ينكر ذلك, وسئل عن اشتقاق «غامدٍ» أبي هذا الحي من الأسد فقال: هو من غمدت الركية إذا كثر ماؤها, فأما أصحاب النسب فيزعمون أنه سمي بقوله:
تغمدت ذنبًا كان بينه عشيرتي ... فسماني القيل الحضوري غامدا
وهذا كله راجع إلى غمد السيف, وهو دليل على قول من قال: إن «غمدت» لغة صحيحة.
وقوله:
أحقهم بالسيف من ضرب الطلى ... وبالأمر من هانت عليه الشدائد
الناس ينشدون: أحقهم بالرفع, وهو وجه حسن, والنصب أيضًا وجه قوي, كأنه قال: رأيت أحقهم بالسيف, والطلى: جمع طليةٍ, وهي صفحة العنق. وقال قوم: واحد الطلى طلاة,ومنه قول الأعشى: [الطويل]
متى نسق من أنيابها بعد هجعةٍ ... من الليل شربًا حين مالت طلاتها
وقال ذو الرمة: [البسيط]
أضله راعيا كلبيةٍ صدرا ... عن مطلبٍ وطلى الأعناق تضطرب
وقوله:
شننت بها الغارات حتى تركتها ... وجفن الذي خلف الفرنجة ساهد
شننت الغارة إذا فرقتها, وعندهم أن الغارة لا تكون إلا في وجه الصبح وأول النهار.
ومنه قول امرئ القيس: [الطويل]
ولم أشهد الخيل المغيرة بالضحى ... على هيكلٍ عبل الجزارة جوال
وقد جاءت الغارة في الليل, جاء بها عبيد الله بن قيس الرقيات, وهو ممن يضعف شعره عن شعر غيره؛ وذلك قوله في صفة الخيل: [الخفيف]
بدلت بالشعير والقت والتبـ ... ـن ومسح الغلام تحت الجلال
غارة الليل والنهار فما تصـ ... ـبح إلا معدة للقتال
ويجوز أن يكون لما ذكر النهار أشرك معه الليل فيكون ذلك نحوًا من قول الحطيئة: [الطويل]
سقوا جارك العيمان لما جفوته ... وقلص عن برد الشراب مشافره
سنامًا ومحضًا أنبت اللحم فاكتست ... عظام امرئٍ ما كان يشبع طائره
لما ذكر المحض أضاف السنام إليه, وقال قوم: بل يذاب من السنام دهن فيخلط باللبن فيسقاه الإنسان. وقد يجوز مثل ذلك, ولا بأس بالوجه الأول؛ لأنهم يتسعون في المجاز والاستعارة.
والفرنجة: اسم أعجمي, والذين يقربون من تلك البلاد يقولون: إفرنجة بزيادة الهمزة في أولها, والشعراء يجترئون على تغيير الاسم المنقول إلى العربية فلا يحفلون كيف جاؤوا به.
وقوله:
تنكسهم والسابقات جبالهم ... وتطعن فيهم والرماح المكايد
يقال: نكس الفارس ونكت؛ إذا ألقاه عن فرسه على رأسه, وجعل الجبال ها هنا كالسابقات من الخيل؛ لأنهم يحلون بها فكأنهم فرسان عليها. والمكايد: جمع مكيدة, من قولهم: كاده إذا مكر به, ولا يجوز همز المكايد كما لا يجوز همز المعايش.
وقوله:
وتضربهم هبرًا وقد سكنوا الكدى ... كما سكنت بطن التراب الأساود
الهبر: ضرب يلقي هبرةً من اللحم؛ أي: قطعةٍ, والكدى: جمع كديةٍ, وهي الغلظ من الأرض.
يريد أن لهم مغارًا في الجبال والأماكن الغليظة, فهم يسكنونها من خوف الأسر والقتل, كما تسكن أساود الحيات بطن التراب. وإذا كان الاسم الذي على أفعل صفةٍ لم تقرب من الأسماء جمع على فعلٍ, مثل: أسود وسود, وأحمر وحمر, فإذا صار كالاسم للشيء جمع على أفاعل, من ذلك قولهم في جمع الأسود من الحيات أساود, ولا يقولون سود, ولا يستعملون قولهم: رجال أساود إلا في ضرورةٍ.
وقوله (42/أ):
وتضجي الحصون المشمخرات في الذرى ... وخيلك في أعناقهن قلائد
المشمخر: المرتفع من الجبال, والذرى: جمع ذروةٍ, وهي أعلى الشيء, ويقال: ذروة بكسر الذال, والقياس يوجب أن يقال ذرى, كما يقولون في نصل السهم: سروة وسرًى.
والهاء في أعناقهن راجعة على الحصون, وهذه مبالغة في وصف الخيل؛ لأنها تدرك أعناق الحصون المبنية على أعالي الجبال, وهذا مأخوذ من قول أوس بن حجر: [الوافر]
جزين بني عوار الإفك عنا ... ودمخًا يوم هز له نطاق
وقوله:
عصفهن بهم يوم اللقان وسقنهم ... بهنزيط حتى ابيض بالسبي آمد
ذكر آمد على معنى الموضع والمكان, وهو اسم أعجمي وقد وافق من العربية فاعلًا من أمد إذا غضب. وحكي عن أبي عمرو الشيباني: سفينة آمد؛ إذا كانت ملأى, ويقال: إن علي بن حمدان الملقب بسيف الدولة أمر بإطلاع السبي على سور آمد لينظر إليه عسكر الروم, وسورها أسود الحجارة, فذلك معنى قوله: ابيض بالسبي آمد.
وقوله:
وألحقن بالصفصاف شابور فانهوى ... وذاق الردى أهلاهما والجلامد
الصفصاف, وشابور: حصنان. وانهوى انفعل من هوى يهوي إذا انهدم, وهو فعل المطاوعة, وأكثر ما يجيء في فعلته فانفعل, مثل: كسرته فانكسر, ودفعته فاندفع, ولا يعرف هويته في معنى أهويته. وقوله: انهوى يشبه قولهم: إدخلت يدي في الوعاء فاندخلت ولا يقولون: دخلت يدي. وقال الكميت: [البسيط]
ولا يدي في وعاء القوم تندخل وقال يزيد بن الحكم الكلابي: [الطويل]
وكم موطنٍ لولاي طحت كما هوى ... بأجرابه من قلة النيق منهوي
وثنى الأهل في قوله: أهلاهما ليحسن الوزن, ولو وحد لكان جائزًا على مذاهب العرب إلا أنه تقويم اللفظ في الغريزة, وأصلأهلٍ ألا يثنى ولا يجمع؛ لأنه يقع على الواحد والاثنين والجمع؛ لأنه يقال: أهل الخير, وأهل الكرم, قال حاتم الطائي: [البسيط]
ظلت تبكي على بكرٍ شربت به ... إن الرزية في الدنيا ابن مسعود
غادرة القوم بالمعزاء منجدلًا ... وكان أهل الندى والخير والجود
وربما جمعوا أهلًا بالمعزاء منجدلًا ... وكان أهل الندى والخير والجود
وربما جمعوا أهلًا جمع السلامة, قال الجعدي: [المتقارب]
لبست أناسًا فأبليتهم ... وأبليت بعد أناسٍ أناسا
ثلاثة أهلين أفنيتهم ... وكان الإله هو المستآسا
وقوله: وذاق الردى أهلاهما والجلامد, يريد أنهما أحرقا, فذاق الردى الصخر والحجارة؛ لأن النار عملت فيهما.
وقوله:
وغلس في الوادي بهن مشيع ... مبارك ما تحت اللثامين عابد
غلس: إذا سار في الغلس, وهو اختلاط ظلام الليل بضوء الصبح. والوادي مأخوذ من قولهم ودى إذا سال, إلا أنهم تركوا استعمال الودي إلا في قولهم: ودى البائل. قال الشاعر:
ترى ابن أبيرٍ خلف قيسٍ كأنه ... حمار ودى خلف است آخر قائم
ويقال في جمع الوادي: أودية, وذلك جمع شاذ, ومثله: جائز البيت, وجمعه أجوزة, والجائز الخشبة التي تجعل عليها أطراف القواري. ومن كان من لغته أن يقول ناصاة الفرس يريد الناصية وما الدنيا بباقاةٍ؛ أي: بباقية؛ فإنه يقول في أوديةٍ أوداة, وتلك لغة طائية؛ قال الشاعر: [الطويل]
بريحٍ من الكافور والطلح أبرمت ... به شعب الأوداة من كل جانب
والمشيع: يراد به الشجاع الجريء كأنه يشيعه غيره؛ أي: يصحبه. وعابد: يحتمل أن يكون من العبادة, ومن الأنفة؛ لأنهم يقولون عبد إذا أنف, وقد فسرت الآية على الوجهين, وهي قوله تعالى: {فأنا أول العابدين}.
وقوله:
فلميبق إلا من حماها من الظبى ... لمى شفتيها والثدي النواهد
الظبى: جمع ظبةٍ, وهي حد السيف, وهي من المنقوص الذي ذهب منه حرف, كأنها ظبية في الأصل, فلما جمع ترجعت الياء وانقلبت ألفًا لوقوعها طرفًا وقبلها فتحة, وقالوا في جمعها: ظبين, وكذلك يفعلون في المنقوص يقولون: عزة وعزين وعزون, وثبة وثبين وثبون, قال الكميت: [الوافر]
يرى الراؤون في الشفرات منها ... كنار أبي الحباحب والظبينا
وقال الأسود بن يعفر: [الطويل] (42/ب)
فغظناهم حتى أتى الغيظ منهم ... قلوبًا وأكبادًا لهم ورئينا
يريد جمع رئةٍ. واللمى: سمرة شديدة في الشفتين, ويقال: ظل ألمى؛ إذا كان واسعًا بعيدًا من الشمس, وهو مأخوذ من السمرة والسواد, قال حميد بن ثور: [الطويل]
إلى شجرٍ ألمى الظلال كأنه ... رواهب أحرمن الشراب عذوب
والثدي: جمع ثدي, وما جمع على فعولٍ من ذوات الياء والواو مثل: دلي وثدي جاز في أوله الضم والكسر. والنواهد: جمع ناهدٍ, يقال: نهد الثدي إذا ارتفع حجمه, والمرأة ناهدز
وقوله:
ومن شرف الإقدام أنك فيهم ... على القتل موموق كأنك شاكد
الشاكد: المعطي من غير مسألة وقيل: هو الذي يعطي ولا يريد عوضًا, يقال: شكده شكدًا, والاسم الشكد, بضم الشين. وادعى لسيف الدولة أن الروم تمقه مع ما يفعل بهم من القتل والأسر؛ وذلك من الدعوى الباطلة.
وقوله:
وكل يرى طرق الشجاعة والندى ... ولكن طبع النفس للنفس قائد
يقول: كل العالم يعرف طريق الشجاعة وطريق الجود ولكنه لا يسلكه؛ لأن طبعه يقوده إلى غيره, وهذا تفضيل للمدوح على سواه؛ لأنه جعله يأتي ما لا يأتيه الأنام.
وقوله:
وأنت أبو الهيجا ابن حمدان يا بنه ... تشابه مولود كريم ووالد
وحمدان حمدون وحمدون حارث ... وحارث لقمان ولقمان راشد
اتفق له في هذين البيتين ما لم يتفق لغيره من تشبيه الممدوح بأبيه وتشبيه أبيه بجده ثم كذلك حتى استوفى سبعةً في النسب وعشرةً في المقابلة. وحمدون اسم لم تتسم به العرب في القديم وقلما بنوا اسمًا على فعلونٍ. وقد ذهب قوم إلى أن وزن زيتونٍ فعلون, وقد ذكر فيما أغفله سيبويه من الأبنية, وكان الزجاج يذهب إلى أنه جمع سلامةٍ لزيت, ومثل هذا يبعد.
والأعاجم يقربون الألف من الواو, والواو من الألف, فيقولون حمدان فيشيرون بالألف إلى الواو, وقد حكي عن العرب نحو من ذلك في الصلاة والحياة والزكاة, فيجوز أن يكون حمدون مما فعل به ذلك, ومثله علون كأنهم نحوا بألف علان إلى الواو, فلما سمعتها العرب في الإسلام جعلتها واوًا خالصة فقالوا علون؛ وهذا يقوي ترك الصرف في حمدون وما كان مثله. وحذف التنوين من حارثٍ, وحذفه في الشعر جائز. وكان محمد بن يزيد ينكر جوازه, ويغير أبياتًا أنشدها النحويون, منها قول عبيد الله بن قيس الرقيات: [مجزوء الوافر]
ومصعب حين جد الأمـ ... ـر أكثرها وأطيبها
فينشد:
وأنتم حين جد الأمر
وأنشد النحويون: [المتقارب]
وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع
وكان المبرد ينشد:
يفوقان شيخي في مجمع وأقبح ما يكون حذف التنوين في الخفض؛ لأنه إذا حذف في الرفع والنصب شبه بما لا ينصرف, وإذا حذف في الخفض لم يكن له شيء يشبهه فيما يمتنع عن الصرف؛ لأنما لا ينصرف لا ينخفض إلا أن يضاف أو تدخل عليه الألف واللام. وكان الكوفيون يرون في مثل البيت المنسوب إلى تأبط شرًا: [الكامل]
قالت أميمة ما لثابت شاحبًا ... عاري الأشاجع ناحلًا كالمنصل
أن تفتح التاء في ثابت, وكذلك الراء من دوسر في قول الآخر: [الطويل]
وقائلةٍ ما بال دوسر بعدنا ... صحا قلبه عن آل ليلى وعن هند
ويقال: إن مذهب البصريين كسر الراء في دوسر, والتاء في ثابتٍ.
وقوله:
وذاك لأن الفضل عندك باهر ... وليس لأن العيش عندك بارد
أشار بذاك إلى الحب الذي دل عليه بقوله: أحبك, وكذلك يفعلون في كثير من الكلام فيقولون: أعطيت فلانًا دراهم؛ وذاك لأنه فقير, يشيرون بذاك إلى الإعطاء, ويقولون عيش بارد إذا وصفوه بالخفض والطيب, وإنما فعلوا ذلك لأن الغالب على بلاد العرب شدة الحر, فكانوا يرون للمكان البارد فضيلة, قال الشاعر: [الطويل]
خليلي بالبوباة عوجا ولا أرى ... بها منزلًا إلا جديب المقيد
نذق بردها من بعد ما لعبت بنا ... تهامة في حمامها المتوقد
(43/أ) فقال آخر: [الطويل]
فما وجد أعرابيةٍ قذفت بها ... صروف النوى من حيث لم تك ظنت
إذا ذكرت ريح العضاه وطيبه ... وبرد الحصى من أرض نجدٍ أرنت
وقد يكون البارد في معنى الساكن: فأما أبو الطيب فلم يرد إلا وصف الممدوح بالفضل, فيجوز أن يحمل على أن العيش عنده بارد؛ أي: طيب؛ إلا أنه لا يحبه لأجل ذلك. ويمكن أن يكون نفى عنه العيش البارد؛ لأنه صاحب حربٍ وغزوٍ. وجاء في الحديث: «الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة»؛ أي: لا يكون فيها حر ولا عطش, وهو نحو من قولهم: «عيش بارد». وكانت العرب في الجاهلية تقول: غنيمة باردة؛ أي: لا يحتاج فيها إلى قتال ولا سفك دم. فهذا يجوز أن يكون من السكون أو من الحرب تشبه بالنار, وتوصف بأنها تتقد فيراد أنها لا حرراة فيها.
مصادر و المراجع :
١- اللامع العزيزي شرح
ديوان المتنبي
المؤلف: أبو
العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)
المحقق: محمد
سعيد المولوي
الناشر: مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى،
1429 هـ - 2008 م
20 أبريل 2024
تعليقات (0)