المنشورات
نوادر أشعب
قال أشعب: فيّ وفي أبي الزناد عجب؛ كنت أنا وهو في كفالة عائشة بنت عثمان، فما زال يعلو وأسفل حتى بلغنا غايتنا هذه! قيل لأشعب: لو أنك حفظت الحديث حفظك هذه النوادر لكان أولى بك. قال:
قد فعلت: قالوا له: فما حفظت من الحديث؟ قال: حدثني نافع عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كان فيه خصلتان كتب عند اللَّه خالصا مخلصا» . قالوا إن هذا حديث حسن؛ فما هاتان الخصلتان؟ قال: نسى نافع واحدة! ونسيت أنا الأخرى! وقال أشعب: رأيت رؤيا نصفها حق ونصفها باطل. قالوا كيف ذلك؟ قال:
رأيتني أحمل بدرة «1» ، فمن شدة ثقلها عليّ كنت اسلح في ثيابي، ثم انتهيت، فإذا أنا بالسلح ولا بدرة! ساوم أشعب رجلا بقوس، فقال: أقلّ ثمنها دينار. قال أشعب: واللَّه لو أنك إذا رميت بها طائرا في السماء وقع مشويا بين رغيفين، ما اشتريتها منك بدينار أبدا! وقيل لأشعب: خففت صلاتك. قال: لأنها صلاة لا يخالطها رياء! وضرب الحجاج أعرابيا سبعمائة سوط، وهو يقول عند كل سوط: شكرا لك يا رب! فلقيه أشعب فقال: أتدري لم ضربك الحجاج سبعمائة سوط؟ قال: ما أدري.
قال: لكثرة شكرك؛ اللَّه تعالى يقول: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ
«2» فقال:
يا ربّ لاشكر فلا تزدني ... أسأت في شكرك فاعف عني
باعد ثواب الشاكرين مني
وسأل رجل أشعب أن يسلفه ويؤخّره، فقال هاتان حاجتان، فإذا قضيت لك إحداهما فقد أنصفت. قال الرجل: رضيت. قال: فأنا أؤخرك ما شئت ولا أسلفك! أبو حاتم عن الأصمعي عن أبي القعقاع قال: رأيت أشعب في السوق يبيع قطيفه «3» ويقول للمشتري: أريد أن أبرأ إليك من عيب. قال: وما ذاك؟ قال:
يحترق تحتها من دفن فيها.
قال أشعب: من بال ولم يضرط كتب من الكاظمين الغيظ.
وقيل لأشعب: هل خلق خلق أطمع منك؟ قال: نعم، أمّي، فإني كنت إذا جئتها بفائدة قد أعطيتها قالت: ما جئت به؟ فأتهجى لها الشيء حرفأ حرفا! ولقد أهدي لنا مرة غلام، فقالت: ما أهدي لنا؟ قلت: «غين» ؛ قالت: ثم ماذا؟ قلت: «لام» ، قالت: ثم ماذا؟ قلت: «ألف» ، قالت: ثم ماذا؟ قلت: «ميم» ؛ فأغمى عليها وجعلت تضرط، ولو أجملت لها الحروف لماتت فرحا! وقيل له: ما بلغ من طمعك؟ قال: لم أنظر إلى اثنين يتسارّان إلا حسبت أنهما يأمران لي بشيء! ونظر أشعب إلى شيخ قبيح الوجه، فقال: ألم ينهكم سليمان بن داود عن أن تخرجوا بالنهار! ومر أشعب على رجل نجار يعمل طبقا، فقال له: زد فيه طوقا واحدا تتفضل به علي! قال: وما يدخل عليك؟ قال: لعل يوما يهدى إليّ فيه شيء! قال الأصمعي، أخبرني هارون بن زكريا عن أشعب قال: أدركت الناس يقولون قتل عثمان.
قال الأصمعي: وعاش أشعب إلى زمان المهدي ورأيته.
مصادر و المراجع :
١- العقد الفريد
المؤلف: أبو عمر،
شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد
ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)
الناشر: دار
الكتب العلمية - بيروت
الطبعة: الأولى،
1404 هـ
16 مايو 2024
تعليقات (0)