المنشورات

نوادر أبي محمد الأعمش

دخل رجل على الأعمش يسأله عن مسألة، فردّ عليه فلم يسمع؛ فقال له: زدني في السماع. قال: ما ذلك لك ولا كرامة. قال: فبيني وبينك رجل من المسلمين قال: فخرجا إلى الطريق، فمر بهما شريك القاضي؛ فقال [الأعمش] : إني حدثت هذا بحديث فلم يسمع، فسألني أن أزيده في السماع لأنه ثقيل السمع، وزعم أن ذلك واجب له، فأبيت. قال له شريك: عليك أن تزيده، لأنك تقدر أن تزيد في صوتك؛ ولا يقدر أن يزيد في سمعه! أتت ليلة الشك من رمضان، فكثر الناس عند الأعمش يسألونه عن الصوم فضجر، ثم بعث إلى بيته فجيء إليه برمانة، فشقها ووضعها بين يديه، فكان إذا نظر الى رجل قد أقبل يريد أن يسأله، تناول حبة فأكلها، فيكفي الرجل السؤال ونفسه الردّ! قال رقبة بن مصقلة: سفه علينا الأعمش يوما، فقالت امرأته من وراء ستر:
احملوا عنه، فواللَّه ما يمنعه من الحج منذ ثلاثين سنة إلا مخافة أن يلطم كريّه «1» أو يشتم رفيقه.
طلبت بنت الأعمش من الأعمش حاجة، فحجبها بالردّ، فقالت: واللَّه ما أعجب منك، ولكني أعجب من قوم زوّجوك! ودخل رقبة بن مصقلة على الأعمش، فقال: واللَّه إنا لنأتيك فما تنفعنا، ونتخلف عنك فما تضرّنا، وإن الوقوف إليك لذلّ، وإن تركك لحسرة؛ تسأل الحكمة فكأنما تسعط «2» الخردل، وما أشبهك إلا بالصماخيفون «3» ، فإنه كريه الشربة نافع للمعدة! فرفع الأعمش رأسه وقال: من هذا المتكلم؟ فقيل له: رقبة بن مصقلة فنكس رأسه.
وقال رجل من تلاميذ الأعمش: صنعت للأعمش طعاما ثم دعوته، فمضى معي وأنا أقوده، حتى سقطت رجله في حفرة يعملها الصبيان للكرة، فقال: ما هذا؟ قلت حفرة يعملها الصبيان للكرة. قال: لا. ولكنك حفرتها لتقع رجلي فيها! واللَّه لا أكلت عندك يومي هذا طعاما! قال: فحملت الطعام إليه، ثم صنعت له بعد ذلك طعاما ودعوته إليه، فقال: ادخل بنا الحمام قبل ذلك. فأدخلته الحمام، فلما جئت لأصبّ الماء الحارّ على رأسه، قال: ما دعاك إلى هذا أردت أن تسلخ قفاي! واللَّه لا أكلت عندك يومي هذا طعاما! قال: فحملت الطعام إليه! وكثر الشعر على الأعمش، فقلت له: لم لا تأخذ من شعرك؟ قال: لا أجد حجّاما يسكت حتى يفرغ. قلنا له: فإنا نأتيك بحجام ونتقدّم إليه أن يسكت حتى يفرغ. قال: فافعلوا!
قال: فأتيناه بحجام واعذرنا إليه ألا يتكلم حتى ينقضي أمره فبدأ الحجام بحلقه، فلما أمعن في حلقه سأله عن مسألة، فنفض ثيابه وقام بنصف رأسه محلوقا حتى دخل بيته، ثم جئناه بغير، فقال: لا واللَّه لا أخرج إليه حتى تحلفوه! فحلّفناه ألّا يسأله عن شيء؛ فخرج إليه.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید