ولكن أريد أن تنظروا ما كتبت، لتروا هل أخطأت أم أصبت. فتناولوا الرقعة بديها، وإذا هو يقول فيها: ما الفرق بين التمييز والحال، وبين عطف البيان والإبدال وأين يستوفى حق الإسناد، ولا يخرج يركنيه عن حكم الإفراد؟ وأي الضمير، يتردد بين التعريف والتنكير وأين يراعى ما يقدر، ولا يبالى بما يذكر؟ وأي اسم يجتمع فيه خمس من موانع الصرف، وأي لفظ يشارك الاسم والفعل والحرف؟ وفي أي الأماكن، يجتمع ثلاثة من السواكن؟ وأي فعل يعطى ما للأسماء ويمنع مما للأفعال؟ وأي اسم يجري مع قبيلته على هذا المنوال؟ قال: فلما وقفوا على تلك المسائل، رأوها من المشاكل. فقالوا له: لله أنت، فقد أحسنت ولكن لو أبنت فعبس، حتى ما نبس، وصارت مقلتاه كالقبس، فأشفقوا من غضبه، وسألوه عن محتضبه. فقال: قد تكلفت لكم الخطاب، ثم أتكلف الجواب، والعلي فوق ذلك أتكلف لكم الثواب. قالوا: لا وأيدك الله بل إن جئت بالبينة السافرة، وجلوت الشرود النافرة، فالنقد عند الحافرة. فلما آنس الندى، ووجد على النار هدى. فتح خزانة أسراره، وسمع بمكنونات أفكاره. حتى امتلأت حقائب الملا، وقالوا: هكذا هكذا وإلا فلا بيد أنهم مالوا إلى استملاء ما أبان، حرصاً على ثباته في الأذهان. فقال: اكتب يا سهيل، واندفق في إملائه كالسيل. حتى إذا أترع الكؤوس، وقاد الشموس بالشموس قال: لا مخبأ لعطر بعد عروس. ثم أشار إلي وأنشد:
العلم خير من صلاة النافلة ... به إلى الله العباد واصله
فاحرص عليه والتقط مسائله ... ودع كنوز المال فهي باطله
ولا تبع آجلة بعاجلة ... ولا تضع واصلة بحاصلة
واعرض عن الليلة نحو القابلة ... فذاك مشرب الثقات الكاملة
وليس خير في النفوس العاقلة ... إن غفلت عن القلوب الغافلة
والناس إن كانت طغاماً جاهلة ... فما يكون الفرق يا ابن الفاعلة
بين الرجال وبغال القافلة
قال: فلما فرغ من سحره السحري، انهال عليه الشمسى والقمري، فأشار نحوي وقال: اسق أخاك النمري. قالوا: علم الله أن سيكون ولكن السابقون السابقون. حتى إذا قضوا فريضته المكتوبة، عادوا إلى سنتي المندوبة. فخرجنا نجر الذلاذل، ونحمد البذل والباذل.
مصادر و المراجع :
١- مجمع البحرين لليازجي
المؤلف: ناصيف بن
عبد الله بن ناصيف بن جنبلاط، الشهير باليازجى، نصراني الديانة (المتوفى: 1287هـ)
الناشر: المطبعة
الأدبية، بيروت
الطبعة: الرابعة،
1302 هـ - 1885 م
تعليقات (0)