ألان لي الدهر بأساً شديداً ... فكان كنارٍ ألانت حديدا
وأظمأني كل ظمءٍ فلما ... وردت سقاني ماءً صديدا
أحال فطال وصال فهال ... وجال فمال وغال العديدا
وغادرني بعد بذل الصلات ... لقصد الجوائز أنشي القصيدا
فريداً وحيداً طريداً شريداً ... فقيداً عميداً بعيداً حريدا
وأنساني الأمس حتى كأني ... خلقت به اليوم خلقاً جديدا
كأني لم أركب الخيل يوماً ... ولم أمتلك في العباد العبيدا
ولم أقر ضيفاً ولم أنف حيفاً ... ولم أنض سيفاً ولم أطو بيدا
ولكنني قد أتيت رشيدا ... فألفيت ذاك سبيلاً رشيدا
لقيت الكرام الأولى يملأون ... يداً بالندى ويحلون جيدا
طوال الأيادي ثقال الغوادي ... ضئال الأعادي غطاريف صيدا
وهبني سفينة نوح، فليس ... على البحر وقر فيمشي وئيدا
فلما فرغ من افتنانه، افتتن القوم بفكاهة لسان ونباهة جنانه، وجعلوا يذمون له صروف زمانه. ثم حباه كل واحد ديناراً وبسط له اعتذاراً. فأثنى جميلاً وشكر وقال الحمد الله إرغاماً لمن كفر. ثم انقلبا يتمشيان كنسيم الخزرج، في منابت العرفج. قال: فلما خلا بنفسه وثاب إلى وقاره وأنسه. دخلت عليه مهللاً. وقال: لولا منة الخلاق، ودماثة الأخلاق، لفرطت مني بإدارة الطلاق. ولكن الحلم أهنأ المناهل، وإن كان الحليم مطية الجاهل، قلت: مثلك من يدرك القصى، ولا تقرع له العصا. فاحتمل أوصابك،واصبر على ما أصابك فشمخ واستكبر وأنشد وهو قد أدبر:
أنا السفاح ذو الفتك ... بديع الكر والإفك
أنا النار التي غلبت ... على الجلمود بالسبك
أشد الناس طائلة ... وأشهر من قفا نبك
ولكن الزمان بغى ... فعاض العقد بالسلك
وجار علي مهتضماً ... كبيت الشعر بالنهك
تقاذفي له لججٌ ... كأني نوح في الفلك
على أني حمدت الله ... في سعةٍ وفي ضنك
ومن يرضى بعيشته ... فذلك صاحب الملك
قال سهيلٌ: فلبثت معه برهة من الزمان، كأنني في حديقة من الجنان فيها فاكهةٌ ونخلٌ ورمان. حتى إذا أزمع الفراق تسنم ناقة كالعضر فوط، وقال: موعدنا منفلوط.
مصادر و المراجع :
١- مجمع البحرين لليازجي
المؤلف: ناصيف بن
عبد الله بن ناصيف بن جنبلاط، الشهير باليازجى، نصراني الديانة (المتوفى: 1287هـ)
الناشر: المطبعة
الأدبية، بيروت
الطبعة: الرابعة،
1302 هـ - 1885 م
تعليقات (0)