على من لا أسميه سلام ... وإن ضاعت تحيتنا لديه
مليح لا أرى لي فيه حظاً ... وفي قلبي دم من مقلتيه
ثم أدلم شفتيه كالعنبلي وأنشد معمياً في علي:
ما لي أنادي يا علي ... ولا تلبي يا علي؟
للناس نفعك مبصراً ... وإذا عميت فأنت لي
ثم اشرأب كتليع الظلمان، وأنشد معمياً في عثمان:
ماذا ترى أصنع في حسد ... قد حجبوا عني بديع الزمان؟
لهم عيون راصدات لنا ... إذا بدت عين تلاها ثمان
ثم قال: اللهم اهدنا سواء السبيل، وأنشد محاجياً في سلسبيل:
يا لوذعياً نراه ... بكل ففن خليقا
ما ردف قول المحاجي ... إن قال: أطلب طريقا؟
ثم قال: دونكم أيها الصعافيق وأنشد محاجياً في أباريق:
يا من إذا جاءه المحاجي ... أصاب في كل ما أجابا
ماذا تراه يكون ردفاً ... لقوله لم يرد رضابا؟
ثم اندفع كحجر من سجيل وأنشد محاجياً في نار جيل:
ألا يا من أحاجيه ... أدارت خمرة الكأس
أبن لي ما يرادفه ... لظى صنفٍ من الناس
قال: فلما فرع من معمياته وأحاجيه، جعل القوم يخبطون في دياجيه. وقالوا: شهد الله أنك لأعذب من القند وأوسع من هند مند. فأن أنين الثكلى، ورفع طرفه إلى الأفق الأعلى. وقال: اللهم فاطر السموات ومجيب الدعوات. أرفع منار العلم وآله، وأغنني عن منة العبد وسؤاله. وارزقني عمامة مضرجة وحلة مدبجة. حتى إذا دخلت على عبادك يعرون قدري، ويعظمون أمري. ثم اغرورقت عيناه بالعبرات وحشرجت أنفاسه بالزفرات. فأعجب القوم بسلامة فطرته، وخشعوا المذلة هطرته. وقالوا: هذه عمامة فاعتذق، وحلة فالبس وانتطق. فشكر وأثنى، وعلى تلك الحسنى وانثنى يتثنى، وهو يتغنى. وأنشد:
يا طربا لقد شفيت الغلة ... بحلة زهراء تشفي العلة
فحلةٌ في حلةٍ في حلة
ثم انطلق بي أبي وكنةٍ أحرج من الجفن، وأحضر ما تسنى من خبزه اللدن وطعامه الكفن. وقال: إنما الطعام للغذاء، فليأتنا الطاهي بما شاء. وقطعت معه تلك الليلة بالسماع فكانت ليلة الوداع.
مصادر و المراجع :
١- مجمع البحرين لليازجي
المؤلف: ناصيف بن
عبد الله بن ناصيف بن جنبلاط، الشهير باليازجى، نصراني الديانة (المتوفى: 1287هـ)
الناشر: المطبعة
الأدبية، بيروت
الطبعة: الرابعة،
1302 هـ - 1885 م
تعليقات (0)