لمسكن الناس يقال الوطن ... ومثل ذاك للجمال العطن
إصطبل خيل زرب شاء وورد ... وجار ضبع والعرين للأسد
ونفق الخلد كناس للظبا ... والنافقاء لليرابيع خبا
جحر الضباب قرية للنمل ... وهكذا خلية للنحل
والوكر للطير وأفحوص القطا ... منه وأدحي النعام ارتبطا
والكور للزنبور، والعناكب ... لها البيوت فادرها يا صاحب
قال: حييت وحييت، وأعييت ولا عييت. فما قيود السعة، إن كنت من شوس المعمعة؟ فأهتف كولادة، وأنشد كأبي عبادة:
بيت فسيح داره قوراء ... صدر رحيب مقلة نجلاء
بطن رغيب وطريق مهيع ... والثوب فضفاض كدرع تمنع
وأرضنا واسعة، والقدح ... يوصف بالرحراح فيما اصطلحوا
قال: سقيت الغريض، يا كعبة القريض فما قيود الامتلاء، عند أهل الجلاء؟ فقال: جري المذكيات غلاء. وأنشد:
يقال عين ثرة والبحر ... طام وطافح لدينا النهر
كأس دهاق وجفان رذم ... وزاخر الوادي إناء مفعم
وجفنك المترع والسفينة ... بكل كيس أعجر مشحونه
وقربة متأقة والطرف ... مغرورق إذ غص ناد فاقف
قال: لا شلت أناملك، ولا كلت عواملك. فهل تعرف قيود الخلاء، وتجعلها خاتمة الإملاء؟ قال: سيان الخاتمة والفاتحة، فما أشبه الليلة بالبارحة. وأنشد:
أرض من الناس يقال قفر ... جرز من الزرع إناء صفر
ودارنا من الأهالي خاويه ... مثل البطون من طعام طاويه
والمرء من كل سلاح أعزل ... ورجل من دون سيف أميل
أجم من رمح، ومن قوس رمى ... أنكب، والأكشف من ترس حمى
حاف بلا نعل، وحاسر بلا ... عمامة، عار من الثوب خلا
وقلب زيد فارغ من شغل ... وخطه غفل بغير شكل
حاجب أمرط جفن أمعط ... وأصلع الرأس وجسم أملط
وهكذا غيم جهام من مطر ... وقيل: خد أمرد من الشعر
ولبن من زبده جهير ... وطلق من قيده الأسير
وامرأة من الحلي عطل ... زلاء لا يشخص منها الكفل
وعلط من وسمه البعير ... ونزح من المياه البير
وشجرات سلب من ورق ... فاقنع بما ذكرت واترك ما بقي
قال: فلما رأى القوم من ري شراره، وفري غراره، قالوا: نعيذ لك بالله من نفس حرى، وعين شرى فهل لك أن تكون لنا خطيباً؟ وكفى بالله حسيباً. قال: نحن في المشرب شرع، والطيور على أشكالها تقع. فإن رأيت ما يسد الخلة ويرد الغلة، فأنا منكم نسباً وحلة. ورب ظئر رؤم، خير من أم سؤوم.
فرضخوا له باحتلاب شطر، وقالوا: أول الغيث قطر. فاتفق على مصلاة، وقرأ: إذا عزمت فتوكل على الله. قال سهيل: ولم يكن إلا بعض خذمة، حتى وفدت امرأة حسنة اللثمة، فقالت للشيخ: هلم بأبي عبادة، فقد كلفت الشهادة. قال: علي أن أشهد بالحق، كما أشهد للحق، ونهض بي كالسارية، في أثر الجارية. والقوم إليه ينظرون، وله ينتظرون. فلما انتهينا إلى بعض المناصع، سفرت كليمته، وإذا هي كريمته. فوقفت متدهدهاً فزجرني مقهقهاً. وأنشد:
لم أرج سد خلتي من النفر ... فقد عزمت بغتة على السفر
متكلاً فيه على ردء القدر ... فلم أكن في أمرهم ممن غدر
وأنت يا بني كن ممن عذر ثم قال: إن كنت الرفيق، فهذه الطريق. وإلا فعليك السلام ولا ملام. فخرجت بين الحية والحيية، ولم نفترق إلى ديار طهية.
مصادر و المراجع :
١- مجمع البحرين لليازجي
المؤلف: ناصيف بن
عبد الله بن ناصيف بن جنبلاط، الشهير باليازجى، نصراني الديانة (المتوفى: 1287هـ)
الناشر: المطبعة
الأدبية، بيروت
الطبعة: الرابعة،
1302 هـ - 1885 م
تعليقات (0)