المنشورات

مقامة الصمت

يا أبا القاسم زعمتَ أنّكَ ما ألممْتَ بمعاطاةِ كأسِ العُقار لا في أوقاتِ الطّيشِ ولا إذ لبستَ ثوبَ الوَقار. وإنَّ حُمَيّاها لمْ تطرِ في هامتكِ. ولا دبّتْ في مفاصلِكِ. ولم تقفْ على حقيقةِ أثرِها وعملِها. ولا عرفْتَ ما معنى نشوتَهِا وثملِها. وأنّكَ منَ المصونينَ عمّا يُدنُّيها ويُدْني منها. والآمنينَ أنْ تُسألُ يومَ العرضِ أعمالُكَ عنها. إيهاً وإن صدرَتْ زعمتُكْ عنْ مصدوقَه وكانتْ كلمتُك محضةً غيرَ ممذوقه. فغيبةُ الأخِ المسلمِ من تعاطي الكأسِ أحرَمْ. والإمساكُ عنْ عرضهِ من تركِ المُعاقرةِ ألزَمْ إنَّ المُغتابَ فضَّ الله فمَه. يأكلُ لحمَ المُغتابِ ويشربُ دمَهُ. وذاكَ لعَمرُ الله شرٌ من شرْبِ ماءِ الكَرْمِ. وأغمسُ لصاحبِها في غِمارِ الإثمِ والجُرْم. فاسجُنْ يا أبا القاسم لسانَك. وأطبقْ عليهِ شفتيكَ وأسنانك. ثمَّ لا تُطلقْ عنهُ إلا ما ترى النطقَ منَ الصمتِ أفضلْ. وإلى رِضى اللهِ وما يُزْلفُ إليهِ أوصلَ. وإلا فكنْ كأنّكَ أخرَسْ. واحذْر لِسانكَ فإنّهٌ ُ سبعٌ أو أفرَسْ. حسبُكَ ما أورَدَكَ إيّاهُ من المواردِ. وما صَبَّ في الأعراضِ منَ الصَّوارِدْ.
شعر:
ألا رُبَّ عبدٍ كفَّ أذيالَهُ ولَمْ ... يكُفَّ عنِ الجارِ القريبِ أذاتَهُ.
رطيبٌ بثَلبِ المسلمينَ لِسانهُ ... وإنْ كانَ لَمْ يَبلل براحٍ لَهاتَهُ.
ويرجو نجاةً منْ تَوجُّهِ سخطةٍ ... عَليهِ وكلا أعَزَّ نجاتَهُ.











مصادر و المراجع :

١- مقامات الزمخشري

المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)

الناشر: المطبعة العباسية، شارع كلوت بك - مصر

الطبعة: الأولى، 1312 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید