المنشورات

مقامة الطيب

يا أبا القاسم تمنَّ على فضلِ اللهِ أن يجعلَ سُقياك من زُلالِ المشرب. ورزقكَ من حلالِ المُكتسبِ. فالطّيبُ لا يرِدُ إلا الطّيب منَ المناهل. والكريمُ لَّا يريد إلاَّ الكريمَ منَ المآكل. والحرُّ عَزوفُُ عَروف لمواردِ السوءِ عَيوف. يربأ بنفسهِ عنِ استحبابِ الرِيَّ الفاضح. على احتمال الظمأ الفادح. ويستنكفُ أن يكونَ الحرامُ عندهُ أثيراً. إذا لم يجدِ الحلالَ كثيراً. فهوَ وإن بقيَ حَراَّنَ ينضنضُ لسانَهُ ويلهثْ وشارفَ أن يقضيَ عليهِ الإقواءُ والغرَث. يتعاظمهُ بَلُّ الغليلِ بماءٍ طرْقْ. ويطولُ عليهِ مد اليدِ إلى ما ليسَ بطلقَ ألا إنَّ اتقّاءَ المحارمْ. من أجلِ المكارم. فاتقّها إمّا لكرَمِ الغريزة. وحميّةِ النفسِ العزيزة. وإمّا للتوقُفِ عندَ حدودِ الشارع. وتخوُّف ِالزواجرِ والقوارعْ. وأيّةً سلكْتَ. فنفسكَ في السُّعداءِ سلكتْ وعلى أيهما وقعت فقد دفعت. إلى جنبٍ طيّب. 
وسراة وادٍ مخصب. ينبتُ لكَ من الثّناءِ الدَّوحَ الأعلى ويخرجُ لكَ من الثّوابِ الثمَرَ الأحلى. وإنْ ظاهرتَ بينَ الأمرينِ مظاهرةَ الدارعْ. وكما تكونُ بزَّةُ البطلِ المقارع فجعلتَ شعارَكَ الإباءَ والحميةِ. ودِثارَكَ التقيّة الإسلامية. وذلكَ هو المظنونُ بأشباهكَ من أُولي الشهامةِ والحزمْ. وأضرابكَ من ذوي الجدّ والعزْم فأهلاً بمن اختارَ الخيرَ من قواصيهِ وأطرافهِ. وقبضَ بكفيّهِ من نواصيهِ وأعرافهِ.
محارِمُ تبتغى منها التقيّهْ ... فظاهرْ بينَ دينكَ والحميّه.
هما درعانِ مَن يلبَسهما لمْ ... يكنْ للنّابلِ المصمي رميّه.
وليسَ يَقي ركوبَ الشرِّ إلا ... حذارُ النارِ أو خوفُ الدَّنيّه.
ولما قلَّ في الناسِ التّوقيّ ... تهافتَ في محارمِها البريّه.








مصادر و المراجع :

١- مقامات الزمخشري

المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)

الناشر: المطبعة العباسية، شارع كلوت بك - مصر

الطبعة: الأولى، 1312 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید