المنشورات
مقامة القناعة
يا أبا القاسم اقنعْ من القناعةِ لا من القنوع. تستغنِ عن كلِّ مِعطاءٍ ومنوعْ. لا تخلق أديمَ وجهِكَ إلا عندَ مَن خلقهُ وخلقَك. ولا تسترزق إلا مَن رزقهُ وإن شاءَ رزَقَك. القناعةُ مملكةٌ تحتَها كل مملكة. مملكةٌ لا سبيلَ عليها لمهلكَه. لا يتوقّعُ صاحبُها أن يفتقرَ بعدَ غُنيته. ولا يقعُ النفادُ في كنزهِ وقنيتهِ. ثمَّ إنّه معَ أنَّ يسارَهُ لا يفضلهُ يسار. ولا يضبطُ حُسبان ما يملكُ يمينٌ ولا يسار. أخفّ الناس ِشغلاً ومؤَونة. وأغناهم من إرفادٍ ومعونة. لا يهمهُ مكيلٌ ولا موزونْ. ولا يعنيهِ مدَّخرٌ ولا مخزون. مفاتحُهُ لا تنوءُ بالعصبةِ أولي القوَّة على أنَّه أوفرُ من قارونَ سعةً وثروة من قنعَ بالنّزرِ اليسيرِ أيسر. ومَن حَرصَ على الجمِّ الغفيرِ أعسر. إنَّ القانعْ أصابَ كلَّ ما أرادَ وزاد. ولن تجدَ حريصاً يبلغُ المراد. الحريصُ وإن استمرءَ المطعمْ. لا يترُكُ أن يطلبَ الأنعمَ فالأنعم وإن استسرى اللَّباس واستفرَهَ الأفراسْ. وجدتهُ أحرَصَ وأشرَهْ. على أسرى وأفره. يوغرُ أبداً أن يُنعموا لهُ المهاد. ويقولُ خشنٌ يورثُ السهاد. حتى إذا بلغَ كلَّ مبلغٍ في التوطئةِ والإنعامْ وكُسيَ بشكيرِ السمور وزِفِ النّعام. دعتهُ نفسهُ إلى تمنّي بيوتةٍ أهنأ مهجَعاً. وأوطأ مضجَعاً. وإنِ اجتلى أنَورَ من القمرِ عضَّ على الخمس. وقال هلا كانَ أضوءَ من الشّمس. شقيٌ تصَبُّ إلى كلِّ مُشتهىً لهَاتُه. وتضِبُّ لكلِّ مُتمنّىً لثاتُه. فليسَ لهُ إذَن حدٌّ ينتهي إلى مطلبهِ. ولا أمدٌ يتوقّفُ وراءَ مرغبِه. فأمّا القانعُ فقد قدَّرَ مبلغَ حاجتهِ وبيّنَه. ومثّلَ مقدارَ إربهِ وعيّنه. وذاكَ رثٌّ يُواري سْوأتَه. وغَثٌّ يُطفئُ سورتَه.
فإذا ظفِرَ بذلكَ فقد حازَ النّعيم بحذافيرهِ. وأصبح أثَرى من النُّعمانِ بعصافيرهِ.
مصادر و المراجع :
١- مقامات الزمخشري
المؤلف: أبو القاسم
محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)
الناشر: المطبعة
العباسية، شارع كلوت بك - مصر
الطبعة: الأولى،
1312 هـ
16 مايو 2024
تعليقات (0)