المنشورات

مقامة الظلف

يا أبا القاسم ليتَ شعري أينَ يذهبُ بك. عنْ ثمراتِ علمك وأدبك. ضلّةٌ لمنْ رضيَ من ثمرةِ علمه. بأنْ يُشادَ بذكرِهِ وينوَّهَ باسمه. ولمن قنعَ من ريعِ أدبه بأن يصلَ من الدنيا إلى أربه وأفٍ لمنْ حسبَهُما للتّكسبِ والمُباهاةِ متعلّمَينْ. ونصَبَهُما إلى أبوابِ الملوكِ سُلّمَينْ. فإن اتّفقتْ لهُ إلى أحدِ هؤلاءِ زُلفة. والتأمَتْ بينهُ وبينَ خدمهِ ألفه. وقيلَ أهَبَّ المَلكُ لفُلان قبولَ قبولهِ رُخاءْ وأرّخى لهُ عَزَالى سحابهِ إرْخاء.
وقُصارى ذاكَ أنّهُ يُصيبهُ بنفحةٍ منَ السحتْ. ورضخةٍ منَ الحرامِ البحْتْ. هَزَّ مِنْ عطفهِ ونشِط. وكُشفَ غطاءُ الهمِّ وكُشط. واسُتطيرَ فَرحاً وازدُهي ورَمحَ أذيالهُ وزُهي. وما شئتَ من اغتباطٍ معَ نحَوهْ. وطرَبات من غيرِ نشْوَة. وكادَ يُبارى كُبَيْدات السّماءْ. ويناطِحُ هامَةَ الجوزاءْ. وأقبلَ على العلمِ يبوسُ الأرضَ بينَ يديهِ. وعلى الأدبِ يعتنقهُ ويلثمُ خدّيه، بعدما كانَ يتطيرُ منهما ويسمّي التشاغلَ بهما حرماناً وحُرْفة. ويتمنّى الجهلَ والنقصَ ويحسبُهُما سببيَ النعيمِ والتٌّرفه. يقولُ بملءِ فيهِ بارَكَ اللهُ في العلمِ والأدبِ. هما خيرٌ من كنوزِ الفضةِ والذهبْ. ما أنا لولاهُما والأخذُ بذؤابةِ الشرفِ الأفرعْ. والقبضُ على هاديهِ هذا الفخرِ الأتلع. ومالي ولمساورةِ هذا العزِّ الأقعس. ومشاورةِ هذا الملكِ الأشوس. ومَن لي بهذا الرِّزقِ الواسعِ النّطاق. المُحلِّق على قممِ الأرزاق. واللهِ ما كان ذلكَ الاتفاقُ السماوي والإلهامُ الإلهيُّ إلا خيرةً وبركة. وما زالت البرَكةُ في الحركة. لقد صحَّ قولُهمْ والحركةُ ولُودٌ والسكونُ عاقِرْ. وإلا فمِنْ أينَ تنزاحُ تلكَ المفاقر. يمينَ اللهِ لو لزمتُ جُثومي واعتزالي. لحرِمتُ صوبَ هذهِ العزالي. هَبلَتْ الهَبول. من لمَ تهُبَّ لهُ هذهِ القَبول. وما يدريكَ ما شقيَ لعلَّ الاعتباط أنجى من ذلكَ الاغتباط. ونشطَةَ الأراقمِ أرجى من ذلكَ النّشاط وأنْ ترزقَ في ثُغرتكَ بالمزارق. خيرٌ من أن تُرزقَ مثلَ تلكَ الأرزاق. مَن حمَلَ العلمَ والأدبَ لمثلِ هذهِ الثّمار. فقد حملَ منهُما أثقالاً على ظهرِ حمار. إنَّ من ثمراتها النزولَ على قضيّاتِ الحِكَم. ورياضةِ صِعابِ الشيَم. وعزَّة النفسِ وبُعد الهمم. وعزَّةُ النفس أن لا تدعَها تُلمُّ بالعملِ السّفساف. وأن تُسفَّ إلى الدناءةِ بعضَ الإسفاف. وأن تظلِفَها عنِ المطامعِ الدَّنية. لا أن تعلفها المطاعمَ الهنيّة وبُعدُ الهمّةِ أن توجِّهها إلى طريقِ الآخرةِ وسلوكها. والاستهانةِ بالدنيا ومُلوكها. وأن لا تلتفتَ إلى ما يتفيئّونَ منَ الظل الوارِف. ويعلقُونَ فيهِ المخارِف. ويعلّقونَ بهِ منَ الزَّينِ والزخارف وأن لا تقولَ لما عُجَّلَ لهمْ منَ المراتبِ ما أفخمهْ وأن تتصوَّرَ ما ادخرَ لهمْ منَ العواقبِ ما أوخمه عيشٌ هنيٌ عن قليلٍ يتنغّص. ظلٌ ظليلٌ عمّا قليلٍ يتقلّص. ملكٌ ثابتُ الأطنابِ يُقوَّض تقويضَ الخيامِ. ونعيمٌ دائمُ التسكابِ يُقلعُ إقلاعَ الغَمام. وللهِ عبدٌ لم يطرُق بابَ ملكٍ ولم يطأ عتبتَهْ. ولم يلمحْ ببصرهِ مرتبتَه. ولم يعرِفْ حُسّابَهُ ولا كتَبَتَه. ولمْ يصُفَّ قدميهِ إلا بينَ يدي الملكِ الجبارِ جابرِ ما كسرتهُ الجبابرةَ. وكاسرِ ما جبرتهُ الأكاسرة.










مصادر و المراجع :

١- مقامات الزمخشري

المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)

الناشر: المطبعة العباسية، شارع كلوت بك - مصر

الطبعة: الأولى، 1312 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید