المنشورات

مقامة الصلاح

يا أبا القاسم حتى مَ تلهو وتلعبَ. وغُرابُ البينِ فوقَكَ ينعَبْ وإلى مَ تروحَ في التماسِ الغِنى وتغدو وسائقُ الرَّدَى وراءَكَ يحدُو وفيمَ تجوبُ لارتيادِ المالِ الأوديةَ والمفاوز وليسَ الحريصُ لما قُدِّرَ لهُ بُمجاوز ألا وإنَّ بذلَ الاستطاعة واستقِصاءَ الجِدِّ في الطّاعة أوْلى بمَنْ يركبُ الآلةَ الحَدباءَ بعدَ ساعة والسّعيَ النّجيحَ في العملِ الدائرِ بينَ حُقوقِ الله أحقُّ مِن لَعبِ اللاعبِ ولهوِ اللاه والوَلوعَ بنيلِ المفازةِ في الأخرى. أجدرُ مِن جَوْبِ المفاوزِ وأحرَى. كأنّي بجنازتك يجمَزُ بها إلى بعضِ الأجداث.
وبأهلِ ميراثكَ هجَروك بعدَ الثلاث وشغلْهم عنكَ تناجزُهم على الميراث وغادروكَ وأنت مُعفّرٌ طريح فقد ضمّكَ لحدٌ وضريح رهينَ هلكةٍ مُبسَلاً في يدِ المُرتْهِن أسيرَ محنةٍ مُبلساً مِن إطلاقِ الممتحِن. لم يبقَ بعدَ هجر العشيرةِ وجفوةِ العشير وودَاعِ المستشيرِ من جُلسائكَ والمُشير إلا عملُكَ الذي لزِمَكَ في حياتكَ لُزومَ صحبكَ ويستبقي صحبتكَ بعد قضاءِ نحبِك فيصحبُكَ على التّختِ مَغسولا ويألفُكَ على النعشِ محمولاً ويرافُقك موضوعاً على الأكتافِ في المُصلّى ويحالفُك وأنتَ في الحُفرةِ مُدلّى ويضاجُعك غيرَ هائبٍ من مضجعكَ الخرِب ويعانقكَ غيرَ مستوحشٍ من خدّكَ الترب. ولا يفارقُك ما دمتَ في غِمار الأموات. وإن أصبحتَ ومؤلفاتكَ أشتات وعِظامُك ناخرةٌ ورُفات. فإذا راعتكَ نفخةُ النّشر وفاجأتكَ أهوالُ الحشر. وفرَّ منكَ أبوكَ. وأمك وأخوك ولكلِّ منهم مهمٌ يعينه وشأنٌ حينئذٍ يُغنيه وجدتَ عملكَ في ذلك اليومِ الأغبرْ. وساعةِ الفزَعِ الأكبر أتبعَ لكَ منَ ظِلّكَ وألزَم منْ شَعراتِ قصَّك يفدُ معكَ أينما تفِد ويرِدُ حيثُما ترِد ثمَّ إما أن يدُلّكَ على فوزٍ مبين وإما أن يدُعّك إلى عذابٍ مُهين. فاجهدْ نفسكَ فعلَ كادحٍ غيرَ مَلول. واركب كلَّ صعبٍ وذَلول ولعلّك تستصحبْ من هذا القرينِ المواصِلِ الملازم. وهذا الرَّفيقِ المخاصرِ المحازِم صاحبَ صِدقٍ يؤنسُكَ في مواقيتِ وحدتكَ ووحشتِك ويُلقي عليكَ السّكينة في مقاماتِ حيرتَكَ ودهشتِك ويمهّد لكَ في دار السّلام المِهادَ الأوثر ويرِدُ بكَ سلسبيلاً والكوثر.
مقامة الإخلاص: يا أبا القاسم للسيدِ سيادَتُه. وعلى العبدِ عبادتهُ. ولكَ سيّدٌ ما أجلّه وأنتَ عبدٌ ما أذله فاعبُد سيَّدكَ الذي كلُّ مَن يُسوُّدُ فلهُ يسجُد وكلُّ مَن يعبدُ فإيّاه يعبُد تَرى كلَّ ذي خد أصْعر وطَرْفٍ أصوَر وجيدٍ مِنَ الزَّهوِ منتصِب ورأسٍ بالتّاجِ مُعتصِب يضعُ لعزَّتهِ صحيفةَ خدَّة ويخضعُ نجدِّه لتَعالي جدِّه يخفضُ ما نصَبَ منْ جيدِه عندَ تقديسهِ وتمجيدهِ ويُطأطئُ تاجهُ المرفع واكليلهُ المرصَّع مشعثِّاًرأسهُ إذا دُهي. كأنّه لم يتجبّر قطّ ولا زُهي. وادعهُ بالليلِ متضرَّعاً مخفياً ونادِه أن يعصِمكَ من مقامِ المتصدَّي من عبادهِ لعنادِه. واخشعْ لهُ بما تنطوي عليهِ جوانُحك وإن لم يخشعْ لهُ أعطافُك وجوارِحُك فهوَ المطلعُ على ما استكنَّ من ضمائرِك. وما اجتنَّ في أحشائكَ من سرائرِك. وإنما يتقبلُ ما نصَعت له طويتك ونقَيت فيهِ رويتُك. وأنصعُ ما عملَتْ وأنقاهُ ما هوَ مَزوي. وعنِ الناسِ مطوِي. لا يحسُّ بينهم مرئيٌ ولا مرْوي وكانَ منَ العملِ المزينِ بُحسنِ المُعتقد. دزنَ المزيفِ عندَ المنتقَد فلن يرجَحَ في الميزانِ المدخولُ المنتحَل ولن يجوزَ على الصِّراطِ إلا المنخولُ المنتخَل.












مصادر و المراجع :

١- مقامات الزمخشري

المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)

الناشر: المطبعة العباسية، شارع كلوت بك - مصر

الطبعة: الأولى، 1312 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید