المنشورات
مقامة العمل
يا أبا القاسم لا تسمعْ لقولِهم فضلٌ مبين وأدبٌ متين واسمٌ في المهارةِ بِهما شهير. وصيتٌ في إتقانِها جهير. وفتىً طيّان منَ المناقصِ والرَّذائل ريّان منَ المناقبِ والفضائلِ إن ذُكرَ متنُ اللغةِ فحِلسٌ منْ أحلاسهْ. أو قياسُها فسائسُ أفراسه. أو أبنيتُها فليسمُرِ السّمارِ بهِ وبدقّةِ تصريفهِ لا بسنّمارٍ وغرابة ترصيفهِ. أوِ النّحوِ فهوَ سيبويَه وكتابُه. ينطقُ عنهُ تراجمهُ وأبوابُه. أو علمُ المعاني فمَن مساجلُه ومُسانيه ومُزاولُهُ ومُعانيه ومَن يغوصُ على معانٍ كمعانيه أو نقدُ الكلامِ فالنقدَةُ إليهِ كأنهم النقَدْ وقد عاثَ فيه الذئبُ الأعقَد أوِ العَروضُ فابنُ بجدَتها وطلاع أنجدتها أوِ القوافي فإبداعهُ فيها يلقِّطكَ ثمراتِ الغُراب. وإغرابُه فيها يحثو الترابَ في وجوهِ أهلِ الإغراب أو الشعرُ فزَيّادهُ وحسّانهُ وإحسانهُ كما دبجَ الرَّوضَ نيسانُه أوِ النثرُ فلو راءَ ابنُ لسانِ الحمرةِ حُمرةَ لسانهِ لجَهشَ وما بهَش ولو سمِعَ قولَ قائلٍ من صحبانهِ سحبانُ بنُ وائلٍ لا استقبلَ منَ الدَّهش أو معرفةُ الكتابةِ والخط. فقد لججَ وتركَ الناسَ على الشّط. أو حفِظُ ما يحاضرُ به فصيّبُ يفيض وبحرٌ لا يغيض. وليس بعريانٍ كعودِ النبعْ من ثمرِ علومِ الشّرع نعم يا أبا القاسم إن سمعتهُم يقولونَ ما أكثرَ فضلكَ فقلْ إنَّ فُضولي أكثر وما أغزَر أدبكَ فقلْ إنَّ قلة أدبي أغزَر فلعَمُر اللهِ ليسَ بأديبٍ ولا أريب. كلُّ مُغربٍ وحافظِ غريب. الأديبُ مَن أخذَ نفسَهُ بآدابِ اللهِ فهذَّبها ونقحَ أخلاقهُ منَ العُقدِ الشّاثنةِ فشذَّبها. والأريبُ الفاضلُ مَن لم يكنْ لهُ أرَبٌ ولا وطر. إلا أن يكونَ لهُ عندَ اللهِ فضلٌ وخطَر. ما غناءُ مَن قويَ علمهُ وعملهُ قد فترَ. إنَّ عِلماً بلا عملٍ كقوسٍ بلا وتَر. حامِلُها حيرانُ مُرتبِك في العماية لا يهتدي وإن كان ابن تقنٍ إلى وجهِ الرَّماية متى نظرَ إلى الرُّماة
موترينَ مُنبضينَ مسدّدينَ غيرَ محبضينَ قعوداً من الوحشِ على المراصِدْ يشقونَ خُصورَها بالقواصدِ أقبل على مقلاةِ الغمِّ يتقلى. وبجمرةِ الغيظِ يتصلّى لا يزيدُ على تنفيزِ سهامهِ. والعضِّ على اتهامهِ فإذا اشتوى غيرُهُ انشوى بنارٍ منَ الحسرةِ نزَّاعةٍ للشوى أغدُ عاقداً بين عِلمكَ وعملكَ صِهراً وسُق إلى العملِ منَ اجتهادكِ مَهراً. ولا تظِلم منهُما شيئاً منْ إقبالك ولا تبخَسهُما حظّاً من
إشبالك ولا تدعْ أن تضرِب أخماساً لأسداس. حتى تلفُهمُا ونفسَكَ في بُردةٍ أخماس واعلمْ أنَّ العلمَ إنما يُتعلم لأنهُ إلى العملِ سُلم. كما أنَّ العملَ إلى ما عندَ اللهِ ذريعة ولولاهُما ما عُلِمَ علمٌ ولا شُرِعت شريعة.
مصادر و المراجع :
١- مقامات الزمخشري
المؤلف: أبو القاسم
محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)
الناشر: المطبعة
العباسية، شارع كلوت بك - مصر
الطبعة: الأولى،
1312 هـ
16 مايو 2024
تعليقات (0)