وهَداكَ النجدَين. وألقى إليكَ الصِّفَتين فوصفَ لكَ ما تؤدِّي منهُما إلى النّجاة مسالكُه. وعرَّفَ لكَ ما لا تؤمَنُ بَوائقهُ ومهالكهُ. لئلاَّ تقعَ في أعقالِ الباطلِ ومجاهله. ولتنصَبَّ إلى شرائعِ الحقِّ ومناهلهِ. ثمَّ خوَّلكَ من جزالةِ الفضلِ ما حلقَ على هامِ أمانيك. ولم تطمَحْ إليهَ ظُنونُ عشيرَتكَ وأدانيك. ورفعَ لكَ في ذلكَ صيتاً صيّتا. وحُسنَ ذكرٍ يضمنُ لكَ الحياةَ ميِّتا ثمَّ أوسعكَ تقلباً في الجنابِ الأخضر. وافتراشاً للمِهادِ الأوثر. منَ العيشِ الرَّافغِ والبالِ الفارغ والمشربِ الرَّافهِ. والمركبِ الفاره والمنظر المرموق والمسكنِ الموموق والدَّارِ ذاتِ الزَّخارفِ والزَّفارِف. والحديقةِ ذاتِ الأكلِ والظلِّ الوارِف والقنيةِ المُغنيةِ والغنيةِ المُقنيه. إنما أولاكَ ما أولاكَ لتنظُرَ في وجوهِ نعمائهِ مفكِّرا. وتتوفرَ على محامدهِ متشكِّرا. فخالفتَ عمّا أرادكَ عليه. ونبذتَ ما أهاب بك إليه مخلداً إلى الشيطانِ ونزَغاته، مُقبلاً على الشّبابِ ونزَقاته. مائِلاً على الطّيشِ ونزَواته مُوغِلاً في التّصابي ونشواتهِ. تسُدُّ مسامعِكَ دونَ من ينتصَّح. وتوّدُّ لو رُميَ بعيٍّ فلا يتفصَّح يكادُ يزيدُك على الشرِّ إغراء. وعلى ارتكابهِ إضراء. ولقد فعلتَ ما فعلتَ ممّا هوَ الخبيرُ بخباياه. والمطلعُ على خفاياه. وهوَ يُرْخي على مَعايبِكَ سِتراً لا يشف جافياً ويُسبِلُ على مثالبِكَ ذَيلاً لا يصِفُ ضافياً. ويحامي عليكَ ممّا يُشوِّرُ بكَ ويفضحُك. ويُشوِّهُكَ عندَ النّاسِ ويُقبِّحُك. كلما ازدَدْتَ بلؤمِكَ غمصاً لأياديهِ وكفرانا. زادَكَ بكرمهِ الواسعِ طَوْلاً وإحسانا. هذا إلى أن بلغتَ الأربعينَ أو نيفْتَ عليها وهي الثنيةُ التي على الأريبِ العاقلِ إذا شارَفها أن يرعوِي. وعلى اللّبيبِ الفاضلِ إذا أنافَ عليها أن يَستوي. فكانَ أقربَ شيءٍ منكَ التِواؤك. وأبعدَ شيءٍ عنكَ استِواؤك. فلم يشأ لكرمهِ خِذلانَك. وأن يُخلِّيكَ وشانَك. بل شاءَ أن يَسوقَ نحوك النِّعمةَ بكمالها وتمامِها. وأن يحدوَها ويهديها إليكَ من خلفِها وأمامِها. فأذاقَك مِن بلائهِ مَسةً خفيفةً إلاَّ أنها طحنَت يا مسكينُ مَتنَكَ وصُلبَك. وكبسَتْ شدائدُها صدرَكَ وقلبك. وداستكَ وعرَكتكَ بالرِّجلِ واليَد ووطِئتكَ وطأ المقيد فكانت لعمري زَجرَةً أعقبتكَ من رُقادِ الغفلةِ يقظَه. وصبتْ في أذنيكَ أنفعَ نصيحةٍ وأنجعَ موعِظه. وقذفَتْ في قلبكَ روعةً خَفَقَتْ منها أحشاؤك. وكادَ
ينقطعُ أبهرُكَ وتنشَق مُرَيطاؤك. فلم يكن لكَ بُدٌ من أن تعوذَ بحقوَيِ الإنابةِ والأرعواء. وأن تلوذَ برُكنيِ الإلتجاءِ إليهِ والإنضواء. فأفرَغَ عليكَ ذُنوباً من رحمتهِ. وأعفاكَ منَ التّعريضِ لمُغافصَةِ نقمَته. ومَنَّ عليكَ بمسحةٍ لضُرِّك. وأحظاكَ بفُسحةٍ في أمرِك. وبصرَكَ ما حقيقةُ شأنكَ وفهمَك. وأخطرَ ببالكَ ما يصلحِكَ وألهمك. وأخذ إلى المراشدِ بيدِك. وجرَّكَ حاثّاً لكَ من مِقوَدِك. وتابعَ عليكَ ألطافَهُ الزَّائدةِ في إيقانك. الشادَّةِ لأعضادِ إيمانك. فبشكرِ أيةِ نعمةٍ تنهضُ أيها العبدُ العاجز. هيهاتَ قد حجزَتْ دونَ ذلكَ الحواجز. أبهرُكَ وتنشَق مُرَيطاؤك. فلم يكن لكَ بُدٌ من أن تعوذَ بحقوَيِ الإنابةِ والأرعواء. وأن تلوذَ برُكنيِ الإلتجاءِ إليهِ والإنضواء. فأفرَغَ عليكَ ذُنوباً من رحمتهِ. وأعفاكَ منَ التّعريضِ لمُغافصَةِ نقمَته. ومَنَّ عليكَ بمسحةٍ لضُرِّك. وأحظاكَ بفُسحةٍ في أمرِك. وبصرَكَ ما حقيقةُ شأنكَ وفهمَك. وأخطرَ ببالكَ ما يصلحِكَ وألهمك. وأخذ إلى المراشدِ بيدِك. وجرَّكَ حاثّاً لكَ من مِقوَدِك. وتابعَ عليكَ ألطافَهُ الزَّائدةِ في إيقانك. الشادَّةِ لأعضادِ إيمانك. فبشكرِ أيةِ نعمةٍ تنهضُ أيها العبدُ العاجز. هيهاتَ قد حجزَتْ دونَ ذلكَ الحواجز.
مصادر و المراجع :
١- مقامات الزمخشري
المؤلف: أبو القاسم
محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)
الناشر: المطبعة
العباسية، شارع كلوت بك - مصر
الطبعة: الأولى،
1312 هـ
تعليقات (0)