المنشورات
مقامة الشهامة
يا أبا القاسم ما ضَرَّك لَوْ أطعتَ ناهِيَ النَهى وَإنْ كان نَهيُهُ أمَرَّ مِنَ الصَّابْ. وَعَصَيت آمِرَ الهَوَى وَإنْ كانَ أمرُهُ أعذَبَ مِنْ ماء اللَّصَابْ. وَلَمْ تُبالِ بِتِلكَ البْشاعةِ والإمرَارْ لِمَا تَسْتحليهِ في المَغَبةِ من ثوابِ الأبرارْ. ولمْ تلتفتْ إلى هذهِ اللذَّةِ والعُذُوبَةْ. لمَا أنتَ مُرْصَدٌ بهِ في العاقبةِ منَ العُقُوبَةْ اللبيبُ مَنْ لا يَنضوُ ثوبَ المراقبْ. ولا يدَعُ تدبُرَ العواقِبْ. وإلا فَهُوَ تبيعُ الجاهلِ في اغترارِهْ. وَرَسيلُهُ في خَلْعِ الرَّسَنْ واجتِرَارِهْ. لا فَضلَ بينهُما إلا أنَّ الجاهلَ رَبما مَهدَ جَهْلُهُ عُذْرَهْ. وَسهلَ عنْدَ الناسِ أمْرَهْ. وأمّا اللبيبُ فَمُمَزَّقُ الْفَرْوَةِ مُفَنّدْ. كُل لِسانٍ سَيْفٌ عليْهِ مهَنّدْ. معهُ ما يَكُفهُ وَيَقِفُهُ فلا يَكُف ولا يَقِفْ. ومَا يَصُدُّهُ وَيَصْدِفُهُ فلا يَصُدُّ وَلا يَصْدِفْ قَدْ أحاطَ بهِ الخذْلانْ وهُوَ مَرِحٌ جذلان اتّسَعَتْ شهوتُهُ حتى غطّتْ فطانَتَهُ وَلُبّهْ. وفاضَتْ حتّى غمرَتْ شهامَتَهُ وَإرْبَهْ. إنْ كُنتَ يا هذا مِنْ أهْلِ التمْيِيزْ فَمَيزْ بينَ الخَبَثِ والإبرِيزْ واعْلَمْ أنهُما عَمَلانِ فَجيِّدٌ مُجْدٍ على صاحِبِهْ وَرَدِيٌ مُرْدٍ لِرَاكِبِهْ. وَإنما يختارُ ذُو اللبِّ ما يَمتارُ بهِ الجَدَا. ويَجْتَنِبُ ما يجْتَلبِ إليْهِ الرَّدَى. وَحاشا لمثلكَ أنْ يَتَوَلى مُثْلَتَهْ. وينحِتَ بفأسهِ أثْلتهْ. ويضرِبَ بلسانه سواءَ قذَالِهْ، وَعِرْضَهُ بِألْسِنَةِ عُذّالِهْ فلا تَحِدْ عَنْ مُر يُفْضي بكَ إلى ثوابْ بعَذْبٍ تفارقُهُ إلى عذابْ ولا تُشْبِهَنَّ في إيثَارِ زَهْرَةِ الدنْيا بأكلَةِ الخَضِرِ هجمتْ عليهِ فآنَقَهَا ريِهُ وخُضرتُهُ. ومَلأ عيونَها زيُهُ وَنَضْرَتُهْ. وما يُشعِرُهَا أنهُ مسرَحٌ وَبِيءٌ وَكَلاءٌ وَبيلْ. فرمتْ فيهِ برُؤُسِها ضحَاءً لا تَنْتُرُهُ وَعِشَاءً لا تَبْترُهُ. حَتى إذَا امتلأتْ بطونُها وامتدت غضونُها شعرَتْ ولكن شعورٌ بعدَ لأيْ وَدَبَرِيٌ مِن رَأي. ولا خَيرَ في قضاءِ وطَر ايُشفي ابكَ اعلى خَطَر.
مصادر و المراجع :
١- مقامات الزمخشري
المؤلف: أبو القاسم
محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)
الناشر: المطبعة
العباسية، شارع كلوت بك - مصر
الطبعة: الأولى،
1312 هـ
17 مايو 2024
تعليقات (0)