المنشورات

مقامة الصدق

يا أبا القاسم كلُّ سيفٍ يُحادثُ بالصَّقالْ، دونَ لسانٍ يحدِّثُ بصِدْقِ المقالْ. فلا تُحَرِّكْ لسانَكَ بالنُطقْ إلا إذا كان النطقُ بالصِّدْقْ وَصُنُه من خطأ الكذبِ وعمدِهْ كما يُصانُ اليَمَانُّي في غمدِهْ. إنَّ الحُسامَ يذهبُ برونقِه الصَّدا، والكذبَ للِّسانِ منَ الصَّدأ أرْدَى. أُصْدُقْ حيثُ تظنُ أنَّ الكذبَ يُفيءُ عليكَ المغانم. ولا تكذبْ حيثُ تحسبُ أن الصدقَ يجرُ إليك المغارمْ، فما يُدريكَ لعلَّ الصِّدقَ يُفيض عليكَ بركتهُ فتَجدي وتسعد. والكذبَ يدهُمَكَ بشؤمِهِ فتُكدِيِ وتبعدْ، وهَبْ أن الأمرَ جرى على حسبِ الحِسبانْ، ورُمِيتَ ممّا تخافُهُ بالحُسبان. وصَدَقَتَ فَدُهِيتَ بكُلِّ مساءةٍ ومضرَّة. ولوْكذبْتَ لظفِرْتَ بكُلِّ مرضاةٍ ومسرَّةْ أمَا يكفي الصَّادِقَ أنّهُ صادقٌ إجدَاءْ. والكاذبَ أنّهُ كاذِبٌ إكدَاءْ. وَإنْ رَجعَ الصَّادِقُ وَرِجلاهُ في خُفّيْ خائِبْ. وَآبَ الكاذِبُ بِملءْ العِيابِ والحقائِبْ. لَوْ مُثِّلَ الصِّدْقُ لكانَ أسَداً يَرُوعُ ولَوْ صُوِّرَ الكَذِبُ لكأنَ ثعلباً يَرُوغُ، فلأنْ تكونَ فَجوَةُ فيكَ كأنّها عَرِينُ لَيثٍ أغلَبْ. خَيرٌ منْ أنْ تكونَ كأنّها وِجارُ ثَعلَبْ. ولأنْ تَقبِضَ أخاكَ روْعةٌ ممّا أشْبَهَ مِنْ صِدْقِكَ الصَّابْ، أوْلى مِنْ أن تَبْسُطَهُ جَذِلاً ممّا أحولي منْ كَذبِكَ وَطَابْ. وإذا عَقَدْتَ ميثاقاً فأوفِ بعقْدِكْ. أوْ وَعَدْتَ فَسارِعْ إلى إنْجازِ وعدِكْ. ولا يَكونَنّ موعِدُكَ مثلَ لَمْعِ البُروقِ بالذِّنَبْ، ولا مُشَبّهاً بلَمْعِ البُرُوقِ الخُلّبْ، وَإنْ أرَدْتَ أنَ تَمْسَحَ ناصيَةَ الكَرَمِ السابِقْ. وتضرِبَ قَوْنَسَ المَجْدِ الباسِقْ، فأشْبِهْ سَحَاباً تَقَدّمَ وَدْقُهُ على رَعْدِهِ. وَكُنْ رَجُلاً قُدِّمَ عَطاؤهُ قَبْلَ وَعْدِهِ.












مصادر و المراجع :

١- مقامات الزمخشري

المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)

الناشر: المطبعة العباسية، شارع كلوت بك - مصر

الطبعة: الأولى، 1312 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید