المنشورات

مقامة النحو

يا أبا القاسم أعَجَزْتَ أنْ تكُونَ مثلَ هَمْزَةِ الاستفهامْ إذ أخَذَتْ على ضَعفِها صَدْرَ الكَلامْ، لَيْتَكَ أشبهتَها مُتقَدِّماً في الخيرِ معَ المُتَقَدِّمينْ، ولمْ تُشْبِهْ في تأخركَ حَرْفَ التأنيثِ والتّنْوينْ. المُتقدِّمُ في الخيرِ خَطَرُهُ أتَمْ. وَدَيْدَنُ العَرَبِ تَقْدِمَةُ ماهُوَ أهمْ، ضَارعِ الأبْرَارَ بعَمَلِ التّوَّابِ الأوَّابْ. فالفِعلُ لُمضارَعتِهِ الاسمَ فازَ بالإعرابْ. ومادَّةُ الخَيْرِ أنْ تؤْثِرَ العُزْلَةَ وَلا تَبْرُزَ عَنِ الْكِنْ، وَتُخْفَي شَخصَكَ إخْفاءَ الضَّميرِ المُستَكنْ. فإنَّ الخَفَاءَ يَجْمَعُ يَدَيْكَ على النّجاةِ والاستعصام كما استعْصَمتِ الوَاوُ منَ القَلْبِ بالإدْغامْ، ولا يَكُونَنَّ ضَميرُكُ عَنِ الهَمِّ الدِّيْنيِّ سَالياً، كمَا لا يَكُون أفْعَلُ منَ الضّمير خالِياً. وعَوِّضْهُ مِنْ تلكَ السلوَةِ ذلكَ الهَمْ، كمَا عُوِّضَتِ الميمُ مِنْ حَرْفِ النِّدَاءِ في اللهُمْ. وَقِفْ لِرَبِّكَ على العَمَلِ الصَّعْبِ الشديدْ. كما تقِفُ بَنُو تميمٍ على التشديدْ واثُبتْ على دينِ الحقِّ الذي لا يَتَبدَّلُ وَلا يَحُولْ. ثَباتَ الحركة البِنائيّةِ التي لا تَزُولْ. ولا تَكُنْ في التّرْجِيح بَينَ مَذْهَبَيْنْ كالهمزَةِ الواقعةِ بينَ بَينْ. فانظُرْ إلى السودِ والبيضِ، كيفَ تعتقِبُ على ما تحتَ السماءْ. اعتقابَ العواملِ المختلفةِ على الأسماءْ. فإنّكَ لا ترى شيئاً إلا مُسْتهدفِاً للحوادثِ والنوائِبْ، كمَا ترَى الاسمَ عُرْضَةً للخَوَافِضِ والرَّوافِعِ والنواصبْ. وَتَجَلّدَ في المُضيِّ في على عزمِكَ وتصميمِهْ. وَلا تقصُرْ عَمّا في الفَمِ مِنْ جلادَةَ مِيمِهْ. وَليحَجُبْكَ هَمكَ عَنِ الرُّكُونِ إلى هؤُلاءِ المُسْتَوْلية كما تُحْجَبُ عَن الإمالَةِ الحُرُوفُ المُسْتَعْلِيةْ. وَاحْذَرْ أنْ يَعْرفَكَ الدِّيوَانُ وَعَطاؤُهُ. مادَامَتْ مُبْدلَةً مِنْ وَاوِهِ يَاؤُهُ.













مصادر و المراجع :

١- مقامات الزمخشري

المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)

الناشر: المطبعة العباسية، شارع كلوت بك - مصر

الطبعة: الأولى، 1312 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید