المنشورات
المَقَامَةُ السَّارِيَّةُ
حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ بِسَارِيَّةَ، عِنْدَ وَاليها، إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ فَتَىً بِهِ رَدْعُ صُفَارٍ، فَانْتَفَضَ المَجْلِسُ لَهُ قِيَاماً، وَأُجْلِسَ فِي صَدْرِهِ إِعْظَاماً، وَمَنَعَتْنِي الحِشْمَةُ لَهُ مِنْ مَسْأَلَتِي إِيَّاهُ عَنْ اسْمِهِ، وَابْتَدأَ فَقَالَ لِلْوالي: مَا فَعَلْتَ فِي الحَدِيثِ الأَمْسِي، لَعَلَّكَ جَعَلْتَهُ في المَنْسِي؟! فَقَالَ: مَعَاذَ اللهُ، وَلَكِنْ عَاقَنِي عَنْ بُلُوغِهِ عُذْرٌ لا يُمْكِنُ شَرْحُهُ، وَلا يُؤْسى جُرْحُهُ، فَقَالَ الدَّاخِلُ: يَا هَذا قَدْ طَالَ مِطَالُ هَذَا الوَعْدِ، فَمَا أَجِدُ غَدَكَ فِيهِ إِلاَّ كَيَوْمِكَ، وَلا يَوْمَكَ فِيهِ إِلاَّ كَأَمْسِكَ، فَمَا أُشَبِّهُكَ فِي الإِخْلاَفِ، إِلاَّ بِشَجَرِ الخِلافٍ، زَهْرُهُ يَمْلأُ العَيْنَ، وَلا ثَمَرَ فِي البَيْنِ.
قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَلَمَّا بَلَغَ هَذا المَكَانَ قَطَعْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: حَرَسَكَ اللهُ! أَلَسْتَ الإِسْكَنْدَرِيَّ؟ فَقَالَ: وَأَدَامَ حِرَاسَتَكَ، مَا أَحْسَنَ فِرَاسَتكَ! فَقُلْتُ: مَرحَباً بِأَمِيرِ الكَلاَمِ، وَأَهْلاً بِضَالَّةِ الكِرَامِ، لَقَدْ نَشَدْتُهَا حَتَّى وَجَدْتُهَا، وَطَلَبْتُهَا، حَتَّى أَصَبْتُهَا، ثُمَّ تَرَافَقْنَا حَتَّى اجْتَذَبَني نَجْدٌ، وَلَقِمَهُ وَهْدٌ، وَصَعَّدِتُ وَصَوَّبَ، وَشَرَّقْتُ وَغَرَّبْ، فَقُلْتُ عَلَى أَثَرِهِ:
يَالَيْتَ شِعْريَ عَنْ أَخٍ ... ضَاقَتْ يَدَاهُ وَطَالَ صِيتُهْ
قَدْ بَاتَ بَارِحَةً لَدَيَّ ... فَأَيْنَ لَيْلَتَنَا مَبِيتُهْ
لاَ دَرَّ دَرُّ الفَقْرِ فَهْ وَطَرِيدُهُ وَبِهِ رُزِيتُهْ
لاَ سَلِّطَنَّ عَلَيْهِ مِنْ ... خَلَفِ بْنِ أَحْمَدَ مَنْ يُمِيتُهْ
مصادر و المراجع :
١- مقامات بديع الزمان
الهمذاني
المؤلف: أبو
الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى بديع الزمان الهمذاني (المتوفى: 398هـ)
المحقق: محمد
محيي الدين عبد الحميد
الناشر: المكتبة
الأزهرية
عام النشر: 1342
هـ - 1923 م
18 مايو 2024
تعليقات (0)